بقلم :د. عبدالمالك خلف التميمي
قد يتبادر للذهن ونحن نعنون هذا المقال بهذا العنوان أن المعالجة تناقش قلة عدد المواطنين الخليجيين في دولهم وغدا وضعهم مشابها للمهاجرين العرب والأجانب في هذه المنطقة، وقد يفاجأ الكثيرون عندما يسترسلون في قراءة المقال إلى النهاية فيجدون في نهايته أن المقصود غير ذلك تماماً.
منذ فترة ليست قصيرة وأنا أفكر في الكتابة عن هذا الموضوع، فقد سمعت وتعرفت عن قرب عن عدد ليس بالقليل من أبناء الخليج العربي مهاجرين ومقيمين بصورة دائمة أو شبه دائمة في دول أخرى مثل:
أميركا وبريطانيا ومصر، والمغرب وغيرها. وهناك إقامة لبعضهم نصف دائمة حيث يقضي البعض نصف السنة في الخارج ونصفها الآخر في بلده، فما هي حكاية الهجرة الخليجية وما أسبابها؟
قد لا يصدق المواطنون الخليجيون أو الوافدون العرب وغيرهم في منطقة الخليج العربي بأن هناك مهاجرين خليجيين في عدد من دول العالم في هذا العصر، حيث تعيش منطقة الخليج عصر الرفاه الاجتماعي بسبب عائدات النفط، فالمنطقة جاذبة وليس طاردة، وما نعرفه أنه ليس هناك أسباب أمنية أو معيشية تضطر الخليجي للهجرة.
وهي الأسباب التي تعيشها دول أخرى، فهناك دول طاردة لعدد من سكانها لأسباب منها الكثافة السكانية العالية، وتدني مستوى المعيشة، وندرة فرص العمل مثل: مصر ودول شبه القارة الهندية، ودول أخرى طاردة لأسباب أمنية مثل العراق، فلسطين ولبنان أو غيرها، وتعتبر دول الخليج العربي من أكثر دول العالم في نسبة استيرادها للوافدين لقلة عدد السكان.
والرخاء الاقتصادي، والوضع الأمني المستقر الذي تتمتع به، لكن أن نسمع ويتأكد لنا وجود عدد من الخليجيين مهاجرين إلى دول أخرى من الكويتيين والسعوديين والبحرينيين وغيرهم فهذا أمر يدعو للغرابة، ويحتاج إلى دراسة، دراسة حجم الظاهرة وأسبابها ودوافعها، ومن ثم آثارها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
إن هجرة عدد من أبناء الخليج العربي قبل النفط إلى عدد من الدول بفعل النشاط التجاري، أو بحثاً عن الرزق، أو حتى لأسباب سياسية أحياناً مبررة ومعروفة إلى الهند والدول العربية المجاورة أو غيرها لكن أن تحدث هجرة خليجية في العصر النفطي فهذا هو الجديد والغريب في آن، وكذلك يمكن فهم الهجرة البينية بين دول الخليج العربية بسبب العلاقات الاجتماعية.
بداية ليست لدينا إحصائيات دقيقة عن عدد المهاجرين الخليجيين في دول عربية أو أجنبية والمقيمين بصرة دائمة أو شبه دائمة لكن ذلك لا يعني عدم وجود الظاهرة، وقد تأكد لنا بأن عددهم ليس قليلاً، وقد أتيحت الفرص لكاتب هذا المقال مقابلة بعضهم. من هم هؤلاء المهاجرون الخليجيون، وما هي أسباب هجرتهم؟.
تحتاج الإجابة عن هذا السؤال إلى إلقاء نظرة على أسباب هذه الهجرة في تاريخنا المعاصر. وللتوضيح فإن هؤلاء المهاجرين مواطنون خليجيون يحملون جنسية دول مجلس التعاون الخليجي وليسوا طارئين بعضهم فقط من غير محددي الجنسية، وبعضهم من عائلات معروفة في دول المنطقة.
أما تاريخ الظاهرة فيعود إلى الستينات من القرن العشرين، ويحتاج الأمر إلى تفكيك الظاهرة ثم إعادة رسم معالمها وخيوطها لتتضح الصورة وأبعادها حجماً وتأثيراً. ويمكن معرفة الشرائح التي كانت الأساس للمهاجرين الخليجيين في العصر النفطي.
أولا: الطلبة الخليجيون الدارسون في الخارج. لقد خرج عدد من الطلبة من دول الخليج العربية للدراسة الجامعية والعليا خارج بلدانهم منذ منتصف القرن العشرين، وبعضهم قبل ذلك التاريخ، وعاشوا فترة من الزمن في تلك البلدان فتأقلم بعضهم وطاب له المقام فوجدوا فيها استقراراً.
وتزوج بعضهم من نساء تلك البلدان التي درسوا فيها، بعضهم قد درس على حسابه الخاص والبعض الآخر كانوا مبعوثين من دولهم، وفق البعض وآخرون لم يوفقوا، كما عاد البعض إلى بلده، واكتسب بعضهم جنسية البلد الذي أقام به وجمع عدد منهم بين الجنسيتين إذا كانت قوانين بلده تسمح بذلك.
لقد عمل بعض المهاجرين الخليجيين الذين أقاموا إقامة دائمة في عدد من الدول في مختلف الأعمال في العقار، وفي بعض الشركات التجارية التي تتعامل مع منطقة الخليج، وفي المطاعم.
ثانيا: التجار الخليجيون المقيمون في عدد من دول العالم. ان عدد هؤلاء قليل ذلك لأن بلدانهم الأصلية توفر مجالا جيدا للنشاط التجاري والاستثمار لكن العدد القليل الذي آثر البقاء في المهجر اما لأنه تزوج من تلك البلاد واستقر بها أو ان مصالحه التجارية تتطلب تلك الإقامة.
ثالثا: المعارضون السياسيون الخليجيون نظراً لما توفره البلدان الغربية من حرية للرأي، وأجواء للديمقراطية، وان قوانينها تسمح بوجود عدد من المعارضين السياسيين العرب عموما وبعض المعارضين الخليجيين وبخاصة من المملكة العربية السعودية والبحرين فقد أقام هذا البعض في تلك الدول ومارس نشاطه السياسي والإعلامي.
رابعا: الخليجيون من غير محددي الجنسية (البدون) في دول الخليج العربية مشكلة غير محددي الجنسية، وهي مشكلة مختلف دول العالم لكنها تكتسب أهمية خاصة في دول الخليج العربية لكونها تشكل نسبة كبيرة من عدد السكان في بعض دول المنطقة، ولان هؤلاء امتداد لهجرات من دول مجاورة اكتسب معظمهم جنسية دول المنطقة.
ان بعض هؤلاء قد تركوا البلدان الخليجية التي تربى آباؤهم فيها وهاجروا إلى دول أوروبية لأنها وفرت لها الإقامة والجنسية، ويحمل الكثيرون من المهاجرين العرب في دول الغرب عاداتهم وتقاليدهم وقيمهم معهم، ولما كان ولا يزال وضع غير محددي الجنسية في المنطقة صعبا حيث يحرمون من الحقوق السياسية وبعض الحقوق المدنية الأساسية فإن بعضهم قد وجد في الهجرة ملاذا لتوفير بعض الضمانات الأساسية للعيش الكريم.
خامسا: المتقاعدون الخليجيون المهاجرون:إن هناك نوعا جديدا من المهاجرين أو انصاف المهاجرين هم عدد من أبناء المنطقة المتقاعدين الذين يقضون نصف السنة خارج بلدانهم. لقد اشترى هؤلاء بيوتا وشققا في دول مثل لبنان ومصر وبريطانيا والمغرب وسويسرا وغيرها يقيمون فيها مدة ستة أشهر في السنة خاصة في فصلي الصيف والخريف.
سادسا: يمكن ادراج أسماء بعض المسؤولين في سفارات دول مجلس التعاون الذين مكثوا سنوات طويلة في الخارج يعملون في السفارات الخليجية في مختلف دول العالم والمحظوظون منهم قد أمضوا أكثر من عشر سنوات في تلك البلدان ولديهم واسطات يزمعون البقاء أكثر من ذلك، ويتمتع أولئك بامتيازات يحسدون عليها ولا يريدون فقدانها، وقد يعترض البعض على ادراجنا لهذه الفئة ضمن المهاجرين لكن ماذا نسمي الذي يبقى يعمل خارج بلده حتى لو كان في السلك الدبلوماسي عشرات السنين.
سابعا: المقاتلون الخليجيون الإسلاميون في الخارج وبعض هؤلاء أصبح له فترة زمنية طويلة خارج بلده منضويا تحت لواء «تنظيمات جهادية» تمتد إلى سنوات طويلة، فالعرب الأفغان ومن تبقى منهم أصبح لهم أكثر من ربع قرن في أفغانستان وعلى حدودها على سبيل المثال ومنهم عدد من الخليجيين.
ان دولنا تعرف عن ظاهرة الهجرة الخليجية ولكنها لا تملك المقدرة على منعها أو هي تتركها وشأنها، أو أنها لا تريد ان تدخل في دوامة المسألة القانونية للدول الأخرى التي تسمح لهم في الاقامة فيها، وبعضهم له حق الاختيار بين بلده أو البلدان الأخرى.
ان بعض هؤلاء المهاجرين يعتبر بلده الأصلي مجرد ممول بحكم الوضع الاقتصادي الذي تتمتع به المنطقة، ومفهوم الجنسية ليس هوية وطنية بقدر ما هي مصدر الامتيازات المادية. المهم هناك ظاهرة اسمها المهاجرون الخليجيون وهي بحاجة إلى اهتمام من قبل دولنا والباحثين لدينا لمعرفة حقيقة حجمها وأسبابها وآثارها.
كاتب كويتي
http://www.albayan.ae/servlet/Satellite?c=...le%2FFullDetail