أوهام التنوير
اوهام التنوير
لعلها مفارقة ساخرة ان اصحاب المهام الخاصة في الطابور اليبرالي العربي يتشدقون يوم بعد يوم بحجة " النقد الذاتي " هو ذاتي ما دام لا يتعلق ب " ذاتهم " , تبقى هي خارج النقد المسكين الذي اصبح حجة لمن افتقد الحجة .
يتقن اصحاب مقولة النقد الذاتي انهم امتداد لمشروع النهضة العربية في بداية القرن الفائت , وهو مشروع على اهميته الا ان نتيجته النهائية الفشل المؤسف , وهو امر تراجيدي ذلك ان السؤال الذي طرح منذ عشرات السنين " لماذا تقدم الاخرون ما زلنا نحن حيث نحن ؟ " لا يزال هذا السؤال بدون جواب , لكن علي ان اعترف انه يصعب علي رؤية شاكر النابلسي وكمال غبريال ومجموعة ايلاف والشفاف وغيرهم الكثير امتداد ل شكيب ارسلان ومحمد عبده والطهطاوي ورشيد رضا وقاسم امين وشبلي الشميل وفرح انطون
هذا الفشل , طبعا له اسبابه التاريخية , لكن لربما كان يجب طرح السؤال بصيغة اخرى , تتعلق بمرجعية هذه الحركة , ولربما لسبب يتعلق بالشخصية العربية ومحبتها لنظريات المؤامرة , بقي هذا السؤال بدون جواب لكن النقد الثقافي المعاصر يرى الخلل في مرجعية هذه الحركة , واعتمادها الكلي على الارث التنويري الغربي , فقد تجاهل عصر النهضة العربي من بدايته ارتباط مشروع التنوير الغربي بالحركة التوسعية البيضاء خارج القارة البيضاء , فليست صدفة ان بداية المشروع التنوير الغربي ارتبطت ارتباط مباشر بالحركة الكولونيالية خارج القارة الاوروبية , ولعله مفيد مراجعة اراء اولئك " المتنورون الغربيون " بما هو ليس غربي , حيث ان قسمة التنوير تلك اعتمدت على هذا التناقض المبني والمتخيل ل " الشرق- الغرب " , هذه القسمة تركت قسم كبير خارج الدائرة التونيرية , ولم تكن عملية الاقصاء الا قصد متعمد .
لكن هل هذا الفرق هو فعلا فرق متخيل وغير حقيقي ؟
في طبيعة الاستعمار , ولم يكن جورج بوش في ذلك استثناء , في طبيعته دائم حمل حملا ثقيل لا بأس به من النوايا الحسنة , هذه النوايا الفوقية , تتعلق بأصلاح الاخر ( الاخر العربي المسلم في حالتنا ) الاخر الهمجي المتخلف بحاجة لاصلاح وبما انه لا يستطيع اصلاح نفسه بنفسه نحن ( المستعمرون ) بصفتنا اصحاب رسالة عالمية في التنوير يجب ان نصلحه , فالمسألة ليست مسألة استعمار بل هي مسألة اصلاح , وليست هي الصدفة التاريخية بين الحالة الاستعمارية القديمة والحالة الاستعمارية في وقتنا هي المغلوبة على امرها , بل هو خطاب تاريخي لم يتغير فيه شيء منذ اكثر من 130 سنة . فالاخرون منذ ذاك الوقت " لا يستطيعون تمثيل انفسهم هم بحاجة لمن يمثلهم " , ليس الكثير لكن الاهم هو الذي يجمع بين اللورد كرومر وبين اللورد بريمر .
لكن مع ذلك ليست صدفة عندما رد الافغاني على رينان , وطرح السؤال عن تخلف المسلمين , كان هذا سؤال عبارة عن ردة فعل عن تسائل في اساسه غربي , لكن حين اجيب عن هذا السؤال كان الجواب عبارة عن حالة من الدفاع عن النفس , لكنه دفاع استعان بغريمه لاثبات ذاته , وها نحن مرة اخرى بحجج التنوير لاصلاح الذات نستعين بالغريم من اجل اصلاح الذات . لم يتغير شيئ .
|