آليات الاختيار بين الآراء المختلفة

لقد ذكرنا فى مبحث آليات الاختلاف فى الرأى أن اختلاف المفكرين حول القضايا الفكرية وارد بل شبه حتمى بسبب تعقيد القضايا الفكرية وصعوبة حصرها فى نطاق موضوعى
واقترحنا بعض الآليات لممارسة ذلك الاختلاف بأسلوب إيجابى
لكن أحيانا نواجه مواقف نحتاج فيها إلى الاختيار بين تلك الآراء المختلفة وساعتها سنحتاج إلى آليات نمارس بها ذلك الاختيار
ومن هذه المواقف :
1. قد يجد الفرد المسلم نفسه أمام عدة فتاوى دينية مختلفة لموضوع واحد فما هى الآلية التى يستخدمها لاختيار إحدى تلك الفتاوى ؟
لقد وضع الرسول(ص) لنا هذه الآلية عندما قال :" استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك"
فيمكن للفرد المسلم استفتاء قلبه واختيار الفتوى التى ينشرح لها صدره ما دامت صادرة عن أحد العلماء
2. قد يطلب من مجموعة من علماء الدين – مجمع البحوث الإسلامية مثلا – فتوى عامة بالنسبة لأحد الموضوعات (حكم تدخين السجائر مثلا)
فإذا كان عدد العلماء عشرة وأفتى ثمانية بحرمة التدخين بينما أفتى عالمان بكراهته فما هى الآلية التى يصدر بها المجمع فتواه ؟
هل يصدر المجمع فتوى مزدوجة ويقول أن هذه أيدها ثمانية وتلك أيدها اثنان ؟
هل يأخذ المجمع بمبدأ الأغلبية ويصدر فتوى موحدة بتحريم التدخين؟
(ومبدأ الأغلبية ليس غريبا على العلوم الدينية فاصطلاح جمهور العلماء الذى نقابله كثيرا فى كتب الفقه يعنى أغلب العلماء بدليل أنه يذكر عادة بعد ذكر الآراء الشاذة لأقلية من العلماء)
3. اختيار رئيس الدولة أو الإمام أو الخليفة أيا كان مسماه هو اختيار بين بدائل لأن الصالحين للرئاسة عادة أكثر من واحد فما هى الآلية المناسبة لاختيار الرئيس
لو تعلمنا من الخلفاء الراشدين لوجدنا أن كل خليفة منهم اختير بطريقة مختلفة حسب الظروف والمصلحة
فلا بأس أن نستخدم أى آلية معاصرة لكن المهم هو أن يكون الاختيار حرا ونزيها
4. بعد انتخاب الرئيس سيجد نفسه مطلوبا منه اتخاذ قرارات هامة وخطيرة وسيجد أمامه بدائل عديدة فما هى الآلية التى يختار بها بين هذه البدائل ؟
يمكن مثلا تشكيل مجلس استشارى رئاسى من مجموعة من علماء الدين وعلماء الدنيا يعرض عليهم آراءه ويشاورهم فى الأمر
5. يحتاج المجتمع إلى سن القوانين وسن القوانين هو اختيار بين بدائل فما هى الآلية المناسبة لسن القوانين فى المجتمع الإسلامى ؟
يمكن مثلا تشكيل مجلس تشريعى يتكون من ثلاث مجموعات :
• مجموعة من علماء الدين
• مجموعة من علماء الدنيا
• مجموعة من النواب المنتخبين يمثلون مصالح الشعب
وذلك حتى تأتى القوانين متفقة مع علوم الدين وعلوم الدنيا واحتياجات الشعب
6. إذا أخطأ الرئيس أو أحد وزرائه فما هى آلية مراجعتهم ومحاسبتهم ؟
يمكن أن يقوم المجلس التشريعى المشار إليه بمراقبة ومحاسبة السلطة التنفيدية ويكون له الحق فى سحب الثقة من الرئيس أو من أحد وزرائه إذا اتخذ قرارا لا يتفق مع مبادئ الدين أو مبادئ العلوم الدنيوية أو مع مصالح الشعب

كانت تلك مجرد أمثلة وتصورات لآليات الاختيار – السلمى – بين الآراء المختلفة يتبين منها أن الاتفاق على آليات الاختيار بين الآراء المختلفة لا يقل أهمية عن الاتفاق على آليات الاختلاف فى الرأى