فاضل منيف الشمري
في عصرنا هذا، عصر التاريخ العلمي والتكنولوجي والمعلوماتي، تسارع المكتشفات العلمية وضع الفلسفة في مأزق حرج؟ وهي محاولة اللحاق بهذا التقدم العلمي ومحاولة بناء انساق فلسفية تحاول ان تضع المكتشفات الجديدة في انساق ومناهج
ومزاوجتها مع القيم الاجتماعية في تناغم وانسجام، وبناء منهجية فلسفية علمية جدلية، وقد وعى باشلار هذه الاشكالية، وحاول بناء فلسفته المادية العقلانية التطبيقية؟ عني باشلار في بداياته بتدريس العلوم واستخلص نتائجها بمنهجية منهجية ذات رؤية شاملة متكاملة، وتأثر بظاهراتية هيسرل!! وكان انتقائيا، ووضع فلسفته نفسها في اطار ظاهراتي؟ وقد مر فكر باشلار بثلاثة تحولات.المرحلة الاولى: اهتمامه بالعلم، المرحلة الثانية: الاهتمام بتحليل الاعمال الادبية تحليلا نفسيا، والمرحلة الثالثة: وضعه مبدأ القطيعة الاستمولوجية: وهو نوع اخر عن الدراسة النفسية، دراسة الفكر العلمي وتطوره من ناحية نفسية.
يقول باشلار: تسعى المادية العقلانية لتأكيد العلم بطريقة اخرى غير طريقة الفصل التام بين الحياة العقلية والحياة الاستحلامية ويقول ايضا انه مر قرابة الاثني عشر عاما بكل الملابسات الخاصة، بالفصل المادي بين الخيال والتجربة وصار هذا الفصل ذاته، وهو فصل في الواقع مفروض عليه!! فرضا كمبدأ منهجي، وهكذا اصبح دائما لديه وضوح، الاقتناع بالاحلام والتصاوير من جهة. والاقتناع بالعقل والتجربة من جهة اخرى(1) وبين كذلك كيفية مواءمة الفلسفة للفكر العلمي واخذها بالاعتبار تأثيره على القيمة الفكرية؟
يقول: كيف لا ترى والحالة هذه ان الفلسفة التي تريد ان تكون ملائمة احسن الملاءمة للفكر العلمي الذي يتطور تطورا مستمرا، لابد ان يأخذ بعين الاعتبار فعل المعارف العلمية على بنية الفكر. وبين كذلك اوجه الخطأ بين الفيلسوف والعالم بشأن بنية الفكر وتطوره.
ويقول: بمجرد ما نشرع في التفكير في دور الفلسفة العلمية حتى نواجه مشكلا يظهر لنا انه طرح طرحا سيئا، سواء من قبل العلماء او من قبل الفلاسفة ذلك هو المشكل المتعلق ببنية الفكر وتطوره.
ويقول كذلك: العلم يظن انه ينطلق من فكر لا بنية له ولا معارف، والفيلسوف غالبا ما يفترض فكرا جاهزا مزمنا، بكل المقولات الضرورية لفهم الواقع.
يحاول هنا، ان يربط طرفي المعادلة العقلانية والتجريبية، ربطا جدليا لكي يتمكن من قيام معرفة يقينية: يقول: حين يكون في امكاننا ان نترجم الى اللغة الفلسفية تلك الحركة المزدوجة التي تغذي الفكر العلمي المعاصر، فاننا سنتبين ان الانتقال من البعدي الى القبلي وبالعكس، انتقال ضروري فالتجريبية بحاجة الى ان تفهم والعقلانية بحاجة الى تطبيق.
وعن تأثير بنية العلم المستكشف، على الصعيد السيكولوجي الخاص، يرى باشلار، انه لابد من ان ترى الاتجاه الذي يسير فيه العلم، ويجب ان يؤثر تأثيرا عميقا في بنية العقل وان للعقل بنية متبدلة منذ تاريخ المعرفة، ويضيف: يمكن للعقل البشري في اهوائه وفي احكامه المسبقة وفي كل ما يتعلق بالاندفاعات المباشرة، عود اعلى بدء ؟ وان الافكار التي جرى تصحيحها لا تتكرر؟
ويضيف كذلك: ان روح العلم هو اساس تصحيح المعرفة، وتوسيع نطاقها، وان بنيته هو ادراكه اخطاءه التاريخية، ونحن نعتبر الحقيقة، علميا لتصحيح تاريخي لخطأ طويل وتعتبر الاختبار كتصحيح، للوهم الاولي المشترك، تدور كل حياة العلم الذهبية، جدليا حول هذا الاعتبار.
المرحلة الثانية: اهتمامه بتحليل الاعمال الادبية تحليلا نفسيا: وقد اعتمد في تشخيصه للصور الحقيقية التي تحوي على مادة البناء للعمل الادبي، على العناصر الاربعة، التي قال بها فلاسفة اليونان القدماء وهي (الماء، والنار، والهواء، والتراب) كطاليس، واكسمنس وهيراقليطس.... الخ وهي المادة الاساسية المكونة لكل الاعمال الادبية من خلال امتزاجها وامزجة الشعراء ليست الا تنويعات لهذه العناصر الاربعة؟ فمادة التربية وما يرتبط بها من الصور المختلفة، وغالبا ما تتسم هذه الصور اذا سيطرت عليها روح الانثى، بطابع السكينة والراحة والامان، فالارض الام الرؤوم تقدم لنا كل الوان العطف والحنان والماء في حد ذاته كاف لتقديم لوحة خيالية متكاملة من الصور البديعة البراقة والقائمة والمتعلقة في نفس الوقت، نظرا لابتعاد الخيال عن كل منطق وتقبله للازدواجية والتناقض، فالماء عنصر فعلي للتطهير والنقاء وارواء وانعاش للنفوس العطشى المكدورة وهو جوهر الحياة ومصدرها.
وفي تحليل النار تحليلا نفسيا بدأ بدراسة النار كما يراها اللاشعور، وتظهر الى مختلف المواقف التلقائية على انها مركبات (وهو ما يسمى بعلم النفس بالعقد) مركب برومثيوس ويصور الاحتدام الذي يفرضه المجتمع، الذي يوجه الحلم نحو الالتحام بالشعلة الهدامة، رمز الحياة والموت، ومركب نوفاليس الخاص، بأصل النار ومصدرها، وهنا تظهر النار من حيث علاقتها بالنشاط الجنسي؟.
المرحلة الثالثة: مفهوم القطيعة الابستمولوجية.
هناك فقرات كيفية في مسيرة العلم وتطوره، اذ تحدث تحولات واكتشافات جديدة تأخذ مسارا جديدا صاعدا، ينتقل فيها الى نظريات علمية جديدة، لا يمكن عدها استمرارا للمسار العلمي السابق عليها، وبقدر ما تشع هذه الكيفية الجديدة، تاريخ العلم في حيرة، فانها في الان ذاته تحدث قطيعة بين هذه المكتشفات العلمية الجديدة والمعرفة العامة السابقة المبنية على اساس تصور للعلم على هذه المعرفة؟ وتحدث كذلك في كثير من الاحيان فقرات علمية ضمن الفكر العلمي ذاته، ضمن نظريات جديدة، لا يمكن اعتبارها كتطوير او كاستمرار في مسار العلم السابق عليها، والنظريات التي بنى باشلار عليها استنتاجه هذا، هي دراسة الهندسة اللا اقليدية في العلوم الرياضية، والميكاتيكا النسبية، وميكاتيكا الكوانتا في العلوم الفيزياوية. ويمكن ان نستنتج ان مفهوم باشلار يقوم على هذه الاعتبارات.
1ـ القطيعة الاسبتمولوجية، تعين قيام فكر علمي اكثر شمولا.
2ـ مراجعة للمفاهيم الاساسية للعلم السابق عليها.
3ـ نعني قيام فكر علمي اكثر نضجا واكثر تفتحا.
واخيرا وبعد هذا الاستعراض الموجز لفلسفة باشلار؟ لا بد من التنويه وبيان كيف تطور تفكيره من العلمي والرياضي الى مستوى الفكر الفلسفي، ولم يأخذ بمنهج معين يفرض على فكره اتجاها من الاتجاهات، انما تمثلت امام فكره ضرورة اكتشاف المنهج في الطريق، واستلهم العلم والرياضيات حتى تأتى له ان يضع المادة وضعا جديدا، وهذا هو سر الاصطناع الذي ضمن له الانتهاء الى المادية العقلانية؟.
وبكلمة اخيرة بشأن المنهج الذي اتبعه في المستوى الفلسفي، اذ كان اعجابه (بالظاهراتية) كفلسفة، بسبب كرهه للانساق الفلسفية الشمولية، وانما صاغ ايضا ضربا من المنهجية الانتقائية التي تخضع لاطار طاهراتي عام.
http://www.alsabaah.com/paper.php?source=a...e&sid=18714