{myadvertisements[zone_3]}
يجعله عامر
عضو رائد
المشاركات: 2,372
الانضمام: Jun 2007
|
|
10-25-2007, 04:22 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
يجعله عامر
عضو رائد
المشاركات: 2,372
الانضمام: Jun 2007
|
|
10-25-2007, 07:03 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
يجعله عامر
عضو رائد
المشاركات: 2,372
الانضمام: Jun 2007
|
كتاب هشام جعيط عن السيرة
23 عاماً دراسة في الممارسة النبيوة المحمدية ، تأليف: علي الدشتي ،ترجمة: ثائر ديب دار بترا للنشر والتوزيع ، دمشق .
________
كلمة الغلاف
يتناول الكاتب الإيراني علي الدشتي في هذا الكتاب حقبة الرسالة المحمدية، الممتدة ثلاثة وعشرون عاما، بدءا من نزول الوحي على النبي محمد وحتى وفاته. فيقدم اجتهادات جديدة في قراءة نقدية لكل التصورات الرائجة عن تلك الفترة، وكذلك عن شخص الرسول. مقارناً بين الروايات والنصوص المعروفة والمعتمَدة. كما يقدم قراءة بطريقة عقلانية للنص القرآني، راصدا تطور الخطاب الإلهي بالتوازي مع انتشار الدعوة وازدياد مؤيديها وتمكنهم بقيادة الرسول من الاستقلال وتحقيق الانتصارات. عارضا رأيه في صياغة بعض الآيات وفي معانيها، وكذلك في أسباب وكيفية تدوينها وترتيبها.
ومن خلال اعتماده فكرة بشرية محمد، التي يستشهد عليها بآيات قرآنية وأحاديث نبوية، يتمكن من تناول الكثير من القضايا والمسائل مثل المعجزات، والحكم، والنساء، والجن، والسحر، وغيرها، بصورة موضوعية ومختلفة عما هو سائد.
فيخلص إلى نتائج مهمة وملفتة، مما يجعل من دراسته الصغيرة هذه قراءة جديدة، ومختلفة، للسيرة النبوية، وإن كانت في حدود رسم خطوط عريضة موجزة وعمومية للنقاط البارزة في الأعوام الثلاثة والعشرين، أعوام الرسالة المحمدي .
_________
نماذج من الكتاب ، كما ينقل مصطفى حقي عنه في _ الحوار المتمدن :
ليس بمقدورنا أن نحدد بدقة تاريخ بدء الدعوة إلى الإسلام ، لأن الوحي انقطع لفترة من الوقت غير معلومة علم اليقين بعد ذلك الإشعار بالبعثة الذي أعطى لمحمّد , حين كان في الأربعين من عمره ، في الآيات الخمس الأولى من سورة العلق . وعلاوة على هذا ، فقد سرت الدعوة خفيةً لبعض الوقت في حلقة ضيقةٍ . وتشير السور السبع ، أو الثمان التي تنزّلت بعد سورة العلق إلى أنّ الدعوة قد ووجهت بالرفض والسخرية وأنّ محمّداً كان في مزاج من التردد والعدول عن العزم .
ومن المؤسف أنّ جمع القرآن كان رديئاً وأنّ محتوياته قد رُتِّبتْ ترتيباً أحمق بليداً . فكلّ دارس للقرآن يتساءل لِمَ لمْ يتّبع الجامع طريقة الترتيب الطبيعية والمنطقية بحسب تاريخ النزول ، كما في نسخة علي بن أبي طالب الضائعة من هذا النصّ . فذلك كان سيجعل المحتويات أشدّ دلالة ومعنى ويوفر للأجيال اللاحقة فهماً أفضل لنشوء الإسلام ولمطامح وأفكار مؤسسه .
أتت المبادرة في قضية جمع القرآن من عُمَر . فقد مضى إلى بكر، وكان هذا الأخير قد غدا خليفة المسلمين ، وقال إنّ القرآن ينبغي أن يُجمَع ويُرتّب نظراً لما نشأ من خلاف كثير حول صياغاته وقراءاته . وكانت المصلحة ملّحة لأن البهائم كانت قد التهمت نسخاً مكتوبة على سعف النخيل تعود إلى بعض الصحابة ممّن قتلوا في معركة اليمامة . وكان اعتراض أبي بكرٍ أنّ الجمع لو كان ضرورياً ، لكان النبي قد أمر به في حياته ؛ لكن إلحاح عمر دفع أبا بكر إلى طَلَبِ زيد بن ثابت ، آخر الكتبة الذين دوّنوا الوحي ، وأمْرِه بأن يجمع القرآن . وفي تاريخٍ لاحقٍ ، بعد أن أصبح عمر خليفة المسلمين ، اُلقيت مسؤولية العمل على عاتق عثمان . فرتـّب ومن معه السّور بحسب الطول وضمّنوا كثيراً من الآيات المكّية في سور مدنية ومن الآيات المدنية في سور مكية .
لكن دراسة التواصل بين الموضوعات ، والسياقات التاريخية والحوادث المذكورة مكّنت الباحثين المسلمين والأوربيين ، خاصة ثيودورنولدكه ، من القيام بمحاولة لترتيب محتويات القرآن على نحوٍ تقريبي تبعاً لمعاني الآيات وتواريخ نزول السور .
وعلى أية حال فإن في السور المكية الباكرة قَدْراً كبيراً عن مجاهدة الإسلام في سنواته الأولى . ففي سورة الضحى ، وبعد ابتهالين ، يأتي القول: ما ودّعك ربّك وما قلى * وللآخرة خيرٌ لك من الأولى * ولسوف يعطيك ربّك فترضى * ألم يجدك يتيماً فآوى* ووجدك ضالاً فهدى* ووجدك عائلاً فأغنى .
فما الذي حدَث ليؤاسي الله محمداً على هذا النحو ويشجّعه؟ هل نزلت هذه السورة بآيتها الثالثة ( ما ودّعك ربّك وما قلى ) مع نهاية فترة انقطاع الوحي ؟ هذا ما يتمُّ تأويلها عليه في تفسير الجلالين . فإذا ماكان التأويل صحيحاً ، توجّب أن تكون سورة الضحى هي السورة الثانية في القرآن من حيث التسلسل الزمني ، على الرغم من أنها توضع عموماً في المرتبة الحادية عشرة . وتوحي صياغة سورة الضحى أنها اُنزِلَت على محمد لتؤاسيه وتشجّعه إزاء نبذ الخصوم . وهذا مانجده أيضاً في أول آيتين من السورة التي تلي الضحى مباشرة ، أي سورة الانشراح ، التي اشتُهِرَ أنّها الثانية عشرة من حيث التسلسل الزمني ، حيث يسأل الله نبيه : ألن نشرح لك صدرك * ووضعنا عنك وزرك . فهاتان الآيتان والآيات التي تليهما تفيدان ما تفيد به السورة السابقة من معنى ن وينبغي بالمثل أن تكونا قد تنزّلتا لتبديد قلق محمد وتشديد عزمه . ومن وجهة نظر علم النفس الموضوعية ، فإن هاتين السورتين يمكن أن تُؤوَّلا على أنّهما تعبير عن الإرادة والأمل في عقلِ محمّد الباطن .
وبعد فترة من الدعوة إلى الإسلام سرّاً وفي حلقة ضيقةٍ تلقى محمد من ربّه أمراً جديداً في الآية 214من سورة الشعراء: وانْذِرْ عشيرتَكَ الأقربين. فدعا أشراف قريش إلى اجتماعٍ على الصفا ، وحين التأم شملهم ، دعاهم إلى اعتناق الإسلام . ومن وسطهم نهض أبو لهب وهو يصرخ : تبّاً لك! ألِهذا دعوتنا؟ . فجاء الردّ على أبي لهب في الآية 1 من سورة المسد ، التي تظهر فيه كلمة تباً ذاتها: تبّت يدا أبي لهب وتبّ. ولأن أبا لهبَ كان يفاخر بثروته وبنيه ، جاء في الآيتين 2و3 : ما أغنى عنه مالُه وما كسب* سيَصْلى ناراً ذات لَهب. وكذلك امرأته ، أم جميل ، التي كانت تلقي الشوك في طريق النبيّ، لن تنجو من العقاب : وامرأته حَمّالة الحطب * في جيدها حَبْلٌ من مَسَد .
إنّ دراسة حوادث السنوات الثلاث عشرة التي تَلت البعثة , وقبل ذلك دراسة السور المكية ، لقمينةٌ بأنْ تُخْرِجَ إلى النور ملحمة رجلٍ وقف وحيداً في وجه قبيلته فلم يحدّ أي شيء من حماسه في إقناعهم والتغلّب عليهم . بل أنه أرسل بعضاً من أتباعه إلى الحبشة طلباً للعون من ملكها النجاشي ، ولم يجفل أبداً أمام الهزء والافتراء. وحين سخر العاص بن وائل من النبي( بعد وفاة ابنه القاسم) أنه بلا عقب أو وريث، نزلت الآية 3 من سورة الكوثر: إنّ شانئك هو الأبتر .
وفي موسم الحجّ والطواف ، حين راح النبي يعرض نفسه على القبائل داعياً إيّاهم على اعتناق الإسلام ، كان عمّه النافذ أبو لهب يتبعه قائلاً لهم أمامه : لا ترفعوا لقوله رأساً ، فإنه مجنون يهذي من أمّ رأسه .
وتقدم سورة الطور ، وهي واحدة من أشد السور المكية إشراقاً وغنائيةً ، إلماعات إلة نزاع محمّد وجداله مع أبناء قومه . ففي الآيات 1- 29 : فذكِّر فما أنت بنعمة ربّك بكاهن ولا مجنون* أم يقولون شاعرٌ نتربّص به رَيْبَ المنون * قُلْ تربّصوا فإني معكم من المتربّصين . وفي الآيتين 33و34 : أم يقولون تَقَوَّلَهُ بل لايؤمنون * فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين . كما نجد في سورة طه مزيداً من الأمثلة على هذا النزاع وعلى قوّة كلام محمد وحجّته .
وتبين الآيات 4- 8 في سورة الفرقان أيَّ ضرب من الاتهام كان محمّد يُقْذَف به : وقال الذين كفروا إنْ هذا إلا إفكٌ افتراه وأعانه عليه قومٌ آخرون فقد جاء ظلماً وزوراً * وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تُملى عليه بكرةً وأصيلاً * قُلْ أنزَلَه الذي يعلم السرّ في السموات والأرض أنه كان غفوراً رحيماً * وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا اُنزِل إليه مَلَكٌ فيكون معه نذيراً* أو يُلقى إليه كنزٌ أو تكونُ له جنّةٌ يأكل منها وقال الظالمون إنْ تتّبعون إلا رجلاً مسحوراً.
مقاطع كثيرة من السور المكية يصوّر النزاع والتّهم التي اُلصقت بمحمّد . فقد قيل أنّه مجنون تملّكته الجنّ ، وساحر ، ووليّ الشيطان . وقيل إنّ آيات القرآن تعزيماتُ ساحرٍ وتعاويذه . وقيل في مرتٍ إنّ ما ينطق به قد لقـّنه إياه آخرون فهو أمي لا يقرأ ولا يكتب . أما نقـّاده الأرحم فقالوا أنه راءٍ استبدت به أحلامه الجامحة ، أو شاعر يعبّر عن أحلامه وأفكاره بنثرٍ مسجوع .
ومما نجده في السور المكية ايضاً آيات تبتعد عن الموضوعة الأساسية المتمثلة بالجدال والنزاع . فهي تشير إلى تلك الحالات من اليأس التي أحدقت بمحمد وأوهنت عزيمته في بعض الأحيان . ويمكن لنا أن نستنتج أنّ فكرة استرضاء خصومه واستمالتهم قد جاءته في مثل هذه الحالات . ولعلّه مقابل عرض من عروض الصداقة كان يمكن أن يتوصل إلى ضربٍ من التسوية مع المشركين فالآيات 73- 75من سورة الإسراء تشير إلى هذه الفكرة : وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذاً لاتّخذوك خليلاً* ولولا أن ثبّتناك لقد كِدْتَ تركن إليهم شيئاً قليلاً* إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيراً.
تقتضي هذه الآيات الثلاث دراسة متأنية . فهل كان حقاً ثمّة وقتٌ شَعَرَ فيه محمد أن معارضة القرشيين العنيدة قد أرهقته ففكّر في التسوية أو أمِلَ على الأقل بالتآخي والمصادقة؟ ربما ... فما دامت الطبيعة البشرية على ما هي عليه ، فإن مثر ردّة الفعل هذه إزاء العثرات والآمال المُحْبَطَة ليست مستحيلة . بل إنّ بعض المفسرين يقولون إن السبب في نزول هذه الآيات هو حدث – قضية الغرانيق – ورد ذكره في كثيرٍ من سير النبي ورواياته .
وتبعاً لهذه الروايات ، فإن النبي كان يتلو ذات يوم سورة النجم على بعض القرشيين في مكان قرب الكعبة . وهذه السورة هي مثال رفيع على حماسه الروحي وقوة إقناعه . وبينما هو يتحدث عن رسالته وصدق دعوته ، نزل إليه الملاك الرسول بوحيٍ ، فأتى على ذكر أصنام العرب الكبرى ، سائلاً : أفرأيتم اللات والعزّى ومناة الثالثة الأخرى. وهما الآيتان 19و20 وتكاد النبرة في هاتين الآيتين أن تكون نبرة ازدراء ، مفادها أنّ هذه الأصنام لا تضرّ ولا تنفع . وبعد هاتين الآيتين أتت آيتان أخريان ، حُذِفتا من معظم نسخ القرآن الأولى اعتقاداً بأنّ الشيطان هو الذي ألقاهما على محمد ووضعهما على لسانه وأنّ محمداً قد شقّ عليه أنه نطق بهما : تلك الغرانيق العلا* أنّ شفاعتهنّ لتُرتجى. ثمّ سجد محمد . وسجد القرشيون الحاضرون أيضاً بعد رؤيتهم محمّداً وهو يأتي بهذه الإشارة من الإجلال للآلهة الثلاث وسماعهم إيّاه وهو يقرّ بقدرتهنّ على الشفاعة أو التوسط .
من يعتقدون بعصمة محمّد عصمة مطلقة ينكرون إمكانية وقوع أي حادث يتعارض مع مبدأ العصمة هذا . ولذلك أخذوا هذه القصة على أنها اختلاق وتلفيق ومضوا إلى الحد الذي عمدوا فيه إلى حذف الجملتين من القرآن . غير أن الأدلة الواردة في روايات متواترةٍ ولدى بعض المفسرين ترجّح أن يكون الحادث قد وقع . فالإمامان الجليلان ، المحلّي والسّيوطي، اللذان يصعب التعييب عليهما ، ينظران إلى هذا الحادث ، في تفسير الجلالين، على أنه سبب نزول الآية 52 من سورة الحج ، التي يفسّرانها على أنها نوع من السلوان الإلهي الذي تنزّل ليطمئن النبي بعد الندم المرير الذي شعر به إذ نطق بالجملتين المذكورتين . فهذه الآية تطمئن النبي على النحو : وما أرسلنا من قبلك رسول ولا نبيّ إلا إذا تمنّى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يُحْكِم الله آياته والله عليم حكيم .
ويشتمل القرآن على مقاطع أخرى تفيد الشيء ذاته ، كما يبيّن في سياقات متعدّدة أنّ النبي لم يكن معصوماً. وقد اعتبر بعض دارسي الإسلام الأوائل أنّ النبي معصوم في إبلاغ رسالته النبوية لبس غير . فإذا لم يكن النبي معصوماً ، لا تعود ثمّة صعوبة في تفسير الحادث . فمحمّد، الذي شعر بالإرهاق والسأم إزاء عناد معارضيه ، تفرّس في وجوه من يصغون إليه علامات على رغبتهم في التسامح والصداقة فألقى إليهم ببضع كلمات تلاطفهم وتماشيهم . وقد سرّوا بذلك , وسجدوا مع محمّد . غير أن صوتاً من أعماق نفس محمّد سرعان ما خرج ، ما إن تفرّق الجمع وانتهى الحدث ، كيما يحذره من مثل هذه المماشاة ويذكّره بأنه منذ أكثر من ثلاثين عاماً وهو يؤمن بإله واحد ويأسى لشرك قومه المهين . وعندما نزلت عليه الآيات 73-75 على التوالي من سورة الإسراء فمضمون هذه الآيات يتماشى تماماً مع هذا التفسير الافتراضي. والفرضية المعقولة الوحيدة الأخرى هو أن يكون الحادث كلّه مجرّد تمثيل ، أي أن يكون محمد قد أراد للقرشيين المشركين أن يدركوا أنه قد كان مستعداً للتوافق والصداقة ، لكن الله منعه عن ذلك . ولأن محمداً اشتُهِرَ بصدقه وأمانته ، فإنّ من الصعب كثيراً أن نصدق مثل هذه الفرضية .
.....
.....
.....
وما أغضب أشراف مكة أكثر ما أغضبهم هو واقعة أنّ هذه الدعوة للإطاحة بالبنية الاجتماعية التقليدية قد جاءت من رجلٍ أقلّ مكانة منهم . فعلى الرغم من كون محمد قرشياً ، من القبيلة ذاتها ، إلا أنه لم يكن من المنزلة ذاتها ، نظراً لكونه ذاك اليتيم الذي آواه عمّه إلى بيته ورعاه وحدب عليه . وبعد طفولة قضاها في رعي إبل عمّه وإبل جيرانه ، دخل في شبابه في خدمة خديجة بنت خويلد ، وكانت امرأة تاجرة ذات مال ، ليبدأ عندئذٍ وحسب ، بنيل شيء من التقدير . فإذا بمثل هذا الرجل ، الذي لم يكن يُنْظَر إليه إلا بوصفه قُرشياً عادياً مفتقراً لأي ضرب من ضروب التميّز ، يعمد فجأة إلى ادّعاء سلطة أن يعلّم ويقود بحجّة أنّ الله قد بعثه نبياً
ومما يُوضحُ موقف الأشراف وعقليتهم قول الوليد بن المغيرة ، وهو سيد مخزوم من قريش في السنوات الأولى من الرسالة المحمدية ومات قبل العام 615 : أيُنزّل على محمّد وأتْرك أنا كبير قريش وسيّدها | ويُترَك أبو مسعود عمرو بن عمير الثقفي سيد ثقيف ، ونحن عظيما القريتين [ أي مكّة والطائف ]، وقد أتى الردّ على هذا التصوّر الفج في الآيتين 30 و31 من سورة الزخرف : وقالوا لو نُزّل هذا القرآن على رجلٍ من القريتين عظيم * أهم يقسمون رحمة ربّك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا .
وكان بنو مخزوم قد أصابوا قدراً كبيراً من النجاح والنفوذ في الشؤون المكّية . وكان بنو عبد مناف من قريش قد انشطروا إلى عشائر أصغر بحسب أبناء عبد مناف ؛ ومن بين هؤلاء كان بنو هاشم ، الذين وُلِدَ فيهم محمد ، وبنو عبد شمس الأثرياء وابن هذا الأخير أميّة . وممّا يعبّر عن عقلية العشيرة قول أبي جهل ، الرأس الثاني في بني مخزوم , للخنس بن شريق ، وهو رأس عشيرة أخرى : تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف : أطعَموا فأطعَمنا ، وحملوا فحملنا ، وأعطوا فأعطينا ، حتى إذا تحاذينا على الركب ، وكنّا كفرسي رهان ، قالوا : من نبي يأتيه الوحي من السماء؛ فمتى تُدْرك مثل هذه .
تمكّننا مثل هذه الأقوال وسواها من فهم تفكير أشراف قريش وردّة فعلهم حيال دعوة محمد . فما اتخذوه من موقف مناوئ يعود إلى أنهم لا يؤمنون بوجود إله واحد ولا ببعثة إلهية لرجلٍ من قومهم كيما يعلمهم ويهديهم . وقد تمثّلت مناوأتهم ، التي وردت في القرآن مرّت عديدة ( كما في الآية 8 من سورة الأنعام والآية 12 من سورة هود ؛ والآية 8 من سورة الفرقان ) ، في أنه لو كان ثمّة إله يرغب في هدايتهم لما بعث إليهم برجلً من قومهم ، بل ملاكاً يكون له أن يحقق تلك الغاية . أما الردّ ، الذي يَرِدُ في القرآن أيضاً ( الآية 95 من سورة الإسراء ) ،فهو أنه لو كان في الأرض ملائكة ، لكان الله نزّل عليهم ملاكاً رسولاً من السماء مثلهم . وإنه لذو دلالة أنّ أشراف مكّة لم يُبْدوا أي التفات إلى القضية الأساسية . فهم لم يصغوا أبداً إلى دعوة محمد بأي قدر من إرادة التحقق من صدق هذه الدعوة أو تقويم موافقتها للعقل وخير الجماعة .
غير أن ما من جماعة ، مهما يكن شرّها أو فسقها ، إلا ويكون فيها ولو قلّة من ذوي التفكير السليم والنيّة الحسنة المهيئين لتقبّل قول الصدق ، كائناً من كان الذي ينطق به . ولابدّ أن نَعُدّ أبا بكر ، من بين الرجال النافذين في المجتمع المكّي ، أول من صدّق دعوة محمد . وقد اقتدى به بعض القرشيين من ذوي المكانة ، مثل عبد الرحمن بن عوف ، وعثمان بن عفّان ، والزبير بن العوّام ، وطلحة بن عبيد الله ، وسعد بن أبي وقاص , فاعتنقوا الإسلام .
ولا يخلو أي مجتمع أيضاً من جماعةٍ لانصيب لها في سعود الجماعة الغنية تشكّل الطبقة الفقيرة والساخطة . ولقد ناصر محمداً وانضمّ إليه في مكّة أفرادٌ من كلتا الجماعتين دفاعاً عنه وعن أفكاره . وفي وضعٍ كوضع مكّة ، كان لابدّ أن ينشب الصراع بين الفريقين . فالأثرياء ، الذين تقف في صفهم غالبية القوم ، كانوا يفاخرون بثرواتهم وأموالهم . أما الأقلية التي وقفت في صف محمد فكانت مقتنعة بعدالة قضيتها ، ولكي تنشر هذه القضية وتذيعها ، فقد نَسَبَتْ لقائدها مقدراتٍ وفضائل خاصة . وإذا ما كان مثل هذا الميل قد حافظ على حدود معقولة في حياة محمّد ، إلا أنه راح يتعاظم باطّراد وتتزايد قوّته بعد وفاته . فسرعان ما عمدت المخيّلة الشعبية إلى نزع الصفات الإنسانية عن محمد لتسبغ عليه صفات ابن الله ، وعلّة الخلق ، ومسيّر الكون .
ولكي نبيّن كيف ظهرت معظم هذه التهويمات وانتشرت ، فإننا سنتناول واحداً من الأمثلة المهمّة ، والدليل في هذه الحالة واضح لا جدال فيه ، ذلك أن القرآن بالنسبة للمسلمين هو البرهان القاطع . فالآية1 من سورة الإسراء ، وهي واحدة من السور المكية ، كانت مصدر الإيمان بأن النبي قد أسرى ليلاً إلى السماء . بيد أن ما تقوله الآية بسيط ويعنو للتفسير العقلاني : سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا أنه هو السميع البصير.
فلا شك أن هذا القول يمكن أن يفسّر على أنه يشير إلى ضربٍ من الإسراء الروحي أو الرحلة الروحية . خاصة أنّ هنالك أمثلة معروفة على رحلات روحية قام بها مفكرون من أصحاب الرؤى .
أمّا في العقل المسلم فقد غُشِّيَت هذه الآية بأساطير عجيبة لا يقبلها العقل . ويكفي هنا أن نورد تلك الرواية المعتدلة نسبياً التي يقدمها تفسير الجلالين ، وهو وحدٌ من أكثر التفاسير القرآنية جدارة بالثقة والاعتماد لأن العلاّمتين المصريين جلال الدين المحلّي ، الذي بدأه ، وجلال الدين السيوطي ( 848/1445- 910/ 1505)، الذي أتمه ، كانا أبعد ما يكون عن التحيّز الطائفي ، وكان شاغلهما الوحيد هو تفسير معاني الآيات وفي بعض الأحيان تبيان أسباب النزول . ومع هذا ، فإنهما يضعان على لسان محمد ، في تفسيرهما الآية 1 من سورة الإسراء ، أقوالاً لاأساس لها . فهل كان قصدهما تفسير معنى هذه الآية وبيان أسباب نزولها ، أم تلخيص الحكايات الدائرة بشأنها بين المسلمين ؟ وهما في الحالين لا يقدمان أي دليل على أنّ النبي قد نطق يوماً بمثل هذه الأشياء . ومن المعلوم أنّ من جمعوا الأحاديث النبوية وصنّفوها قد بذلوا غاية الجهد في تفحّص ما تمّ من تناقل الأقوال المنسوبة إلى النبي ، دون أن يثبت ذلك بالضرورة عِوَل النَّـقـَلـََة أو جدارتهم بالتصديق . لكن المحلّي والسيوطي لا يذكران أي مصدر على الإطلاق . ولعلّ في ذلك إشارة إلى أنهما لا يصدقان القصّة التي يرويانها . وبحسب هذه القصة ، فإنّ النبي قد قال :
- أُتيت بالبراق وهو دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه فركبته فسار بي حتى أتيت بيت المقدس ، فربطت الدابة بالحلقة التي تربط فيها الأنبياء ، ثم دخلت فصليت فيه ركعتين ، ثم خرجت فجاءني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن، قال جبريل : أصبت الفطرة ، ثم عرّج بي إلى السماء الدنيا ، فاستفتح جبريل ، قيل : من أنت ، قال : جبريل ، ٌ]لأ : ومن معك ؟ قال : محمد ، قيل : أوقد اُرسل إليه ؟ قال : قد اُرسل إليه ، فَفُتِحَ لنا فإذا بآدم فرحّب بي ودعا لي بالخير [ على هذا الغرار يعرّج محمد على سموات ست وفي كل منها يحييه نبي ويدعو له بالخير] .ثم عرّج بنا إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل فقيل : من أنت فقال : جبريل قيل ومن معك فقال: محمد ، قيل : أوقد بُعث إليه فقال : قد بُعِث إليه ، فّفُتَحَ لنا فإذا أنا بإبراهيم فإذا هو مستند إلى البيت المعمور وإذا يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه ، ثم ذهب إلى سدرة المنتهى ( شجرة الزيزفون) فإذا أوراقها كآذان الفيلة ........
فإوحى الله إلي ما أوحى وفرض عليّ في كل يوم وليلة خمسين صلاة فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فقال: ما فرض ربّك على أمتك قلتُ : خمسين صلاة في كل يوم وليلة ، قال : أرجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك وإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم ، فرجعت إلى ربي فقلت : أيْ ربِّ خفّف عن أمتي فحطّ عني خمساً فرجعت إلى موسى قال: ما فعلت فقلت: قد حطّ عني خمساً قال : إنّ أمتك لا تطيق ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك قال : فلم أزل أرجع بين ربّي وبين موسى فيحطّ علي خمساً خمساً حتى قال: يا محمد هي خمس صلوات قي كل يوم وليلة ...
بيد أن هذا الكلام عن إسراء النبي ليلاً في تفسير الجلالين ليس شيئاً بالمقارنة مع مبالغات تفسير الطبري وكتابات أبي بكر عتيق النيسابوري . وعموماً ، فإنّ التصوير الإسلامي للإسراء يحوّله إلى حكاية خرافية أشبه بمغامرات البطل الفولكلوري أمير أرسلان . بل إنّ محمد حسين هيكل نفسه ، الكاتب المعاصر ، والعقلاني عموماً ، لسيرة النبي ، حينَ ينكر أنّ الإسراء كان صعوداً بالجسد إلى السماء، فإنه يقدّم الرواية الأسطورية بصورة مُعّدّلة مستمدّة من كتاب لإميل دِرْمَنْغم ( مؤلف كتاب حياة محمد – باريس 1929- وكتاب محمد وتراث الإسلام – باريس 1955)
(من كتاب : 23 عاما دراسة في الممارسة النبوية المحمدية ) .
وللحديث رجعة أخرى
|
|
11-03-2007, 06:01 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
شهاب الدمشقي
مندس ..
المشاركات: 1,114
الانضمام: Jun 2002
|
|
11-04-2007, 03:44 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
باحث عن الحقيقة
عضو فعّال
المشاركات: 183
الانضمام: Jul 2007
|
|
11-04-2007, 05:09 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}