{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
عزت القمحاوي
سمير بن يونس غير متصل
عضو فعّال
***

المشاركات: 194
الانضمام: Apr 2007
مشاركة: #1
عزت القمحاوي
حوار مع عزت القمحاوي في جريدة السفير

لا يكتــب ليصــفّي حسابــات حتــى مــع ســلطة قامعــة


عزت القمحاوي: أحرص على ألا ينعكس في رواياتي عملي ولا حياتي









عناية جابر



للروائي المصري عزت القمحاوي نتاج متميز منه: «مدينة اللذة» و«الأيل» و«غرفة ترى النيل» وسواها، وجديده عن «دار العين» في القاهرة رواية «الحارس» وفيها يتقدم القمحاوي بعد تريث ثلاث سنوات مارس فيها التأمل في روايته، والعمل على تشذيبها وصياغتها على قدر جِدة موضوعها الحافل بالاشارات والرموز في ازدواجية العمل لصالح السلطة والتنديد بها في آن على تقديم الناقد فيصل دراج على غلاف الرواية، الذي يرى عمل القمحاوي قائما على أفكار ثلاثة: اولها فكرة القامع/ المقموع وثانيها: الكيان السلطوي المتكلس، وثالثها يتجلى في معنى السلطة المستبدة التي تحتاج طقوسها قبل احتياجها الى البشر، كما لو كان لباس السلطان هو السلطان.
عن المغايرة، والمتعة، والاثارة يبحث القمحاوي متوخياً المغايرة عن الذات أولاً بين كتاب وآخر، وليس عن الآخرين، كان هذا الحوار:

فكرة «الحارس» روايتك الصادرة حديثا عن دار العين، كيف جاءتك؟ هل استدعاها موقفك السياسي، أم هو هم ايجاد «تيمة» أدبية مغايرة للسائد؟
ـ دعينا نتحدث اولاً عن «مثير» وليس عن «فكرة» فالفكرة الوحيدة التي أريد ان أكتبها في كل كتاب جديد، رواية كان او قصة نصا خارج التصنيف، هي المتعة. عندما انتهي من الكتابة الاولى اجرب في اصدقائي قبل النشر، ويناقشونني في كل شيء، ودائما ما انتظر انتهاء أحدهم من ملاحظاته لأسأله: ولكن هل شعرت بالملل؟
الأمر الآخر هو ان همّ المغايرة لا بد ان يكون في أولويات الكاتب، المغايرة عن ذاته، بين كتاب وآخر، وليس مجرد المغايرة عن الآخرين، فطالما ان الفن يقول الأشياء ذاتها دائما، فالمبرر الوحيد لطبع رواية جديدة هو ان يجتهد الكاتب في منحها خصوصية تجعل منها اضافة تعوض او على الأقل تبرر خسران العالم لشجرة تحولت الى ورق استهلكته الرواية.
على ان الانشغال بالمغايرة في لحظة الكتابة هو انشغال في الوقت الضائع، فتلك اللحظة يجب الا تمتثل الا لقيم اللعب، واللعب وحده. همّ المغايرة يبدأ بعيدا عن طاولة او كمبيوتر الكتابة، من حرص الكاتب على تكوينه الفني، واختياره لما يقرأ، وما يشاهد، ويسمع، ومن يصاحب.
نعود الى المثير الذي أهداني تيمة الرواية، ورجاء لا تضحكي: كنت انظر من نافذة المؤسسة الصحافية التي اعمل بها، ورأيت حراسا يهرولون حول سيارة ويفتحون ابوابها، لجسد جيلاتيني اندلق في المقعد الخلفي وانطلقت به السيارة تحت وابل من صفير شرطي مرور شارك في الزفة المباركة. الشخص رئيس تحرير صحيفة يومية من أولئك الذين أساءوا بضحالتهم الى تاريخ مهنة الصحافة في العالم، وليس في مصر وحدها، ولا يمكن لمجنون ان يستهدفه، واذا استهدفه فمن غير المؤكد ان يؤثر رصاص في ذلك القوام الجيلاتيني الرجراج. المشهد المفعم بالسخرية جعلني أتمتم: ليس داخل البدلة الا الخراء، وولدت في ذهني تيمة ضابط يحرس قطعة غائط في حلة فخمة.
كانت هذه اللمحة الطفولية العابثة تقريبا، هي المنطلق، وعلى رائحتها نضجت تيمة حراسة الوهم، حدثت تحولات في داخلي قادت الكتابة الى ما هي عليه، وهذه الآلية تحدث لنا جميعا مع المشهد البصري، فهو لا يدخل بحرفيته من شبكية العين الى المخ، لكن مساراته تتحول بفعل ذكرياتنا وأحلامنا، تشاهدين قطة فلا يتبادر الى ذهنك قطة أخرى، وإنما تتذكرين انك لم تهاتفي صديقتك التي تحب او تكره القطط، وربما قادك تفكيرك الى مشكلتها مع زوجها او حبيبها. هذا التحول من القطة الى رجل وامرأة هو ما حوّل مشهد حراسة شخص بائس الى حراسة شخص قوي الى درجة الغياب.
وعلى الرغم من ان التمثيل العملي تم من خلال أمثولة رئيس وحارسه، الا ان انقطاع طرق التأويل عند هذه النقطة هو آخر ما أتمناه، فالحارس هو انا وأنت، والقارئ... كل منا يضيع عمره في حراسة ما يكتشف في النهاية انه لم يكن يستحق او يستدعي الحراسة؛ حتى أنبل الأعمال، او ما نتصورها كذلك، مثل التضحية بالسعادة الشخصية من أجل تربية أبناء لا يعترفون بأهمية تضحياتنا في النهاية.
كم إبرة مربعة تبلغ هذه الغرفة؟ سؤال الملازم وحيد يشكل مفتتحاً صارما للرواية، رواية ربما مستغنية عن هدهدة القارئ في اللحظة الأولى للقاء؟
ـ تعيدينني الى فكرة «التيمة» و«الأمثولة» لدينا في الرواية ضابط ورئيس بالمعنى العصري، لكننا ايضاً بصدد قبيلة وطقوس أزلية. وليد فتح عينيه في صباحه الأول كضابط بمعسكر الحراسة على السؤال، الذي سيستدعي ذكرياته عن أيام التدريب عندما كان طالبا، العقوبات التي تنتمي الى خيال اللامعقول كأن يأمره بقياس العنبر بإبرة أو فرز الزلط (البحص) الذكر من الأنثى، هذه الاوامر تلفت النظر من الصفحة الأولى الى الطقوسية التي تلف هذه المنظومة، تعريض المتدرب للصعوبات يشبه طقوس التنسيب في القبائل البدائية عندما يعزل الفتيان في معازل بعيدة ويتعرضون لاختبارات التحمل والشجاعة كشرط للاعتراف بهم رجالا. طقوس التنسيب هذه هي المفتتح لإنكار الذات، هي التي ستمهد لتقبل القارئ للتحولات التي تطرأ على الحراس وتنتهي بهم الى نسيان أسمائهم والتطابق الكامل في الملامح فيما بينهم.
كتابة الصمت
أرى في «الحارس» تحدياً لك ككاتب، وللقراء في جعل الفراغ، أي عدم رؤية الشخصيات، ذا معنى بنائيا لرواية عربية؟
ـ لم يكن تحدياً لي على الاطلاق، ولم أفكر في الأمر، أقول لك بصدق لم أفكر في البنية، الرواية تخلق بنيتها، او تنتزعها من لا وعي الكاتب. وفي لا وعيي تتمشى تهويمات أقل من ان تكون أفكارا حول المرئي وغير المرئي، الحاضر والغائب، انظري الى الساحة اللبنانية، أكثر الشخصيات صخبا يمكن ان تشكي في وجودهم، عنف الخطاب يعكس الهشاشة، كل الفرقاء يتهمون خصومهم بالنقائص ذاتها، الحقيقة والحق مع الجميع، وهذا لا يمكن تفسيره منطقيا الا بأن الحقيقة غير موجودة من الأساس.
التحدي لم يكن لحظة الكتابة، لكنه ما ينتظرني في قبول او عدم قبول القارئ للرواية، والقارئ حر في دخول اللعبة مع الكاتب أولا، حر في الانصراف في أية لحظة، وأنا قدمت حصتي من اللعبة، حدقت داخل نفسي ولم أغش، والأمل في قارئ يقبل ان يدخل معي لعبة شطرنج من دون ملك، قارئ لا يخاف الفراغ حوله او الفراغ الأخطر داخل ذاته.
هل ينعكس عملك الصحافي في رواياتك الى حد؟
ـ ينعكس في الروايات، أم عليها؟ أحرص على ألا ينعكس في رواياتي لا عملي ولا حياتي. في الحياة وفي الكتابة أتمنى ان أكون لا مرئيا، وهذا يتطلب ارتداء كثير من الأقنعة عندما رأيت ان أسرب شيئا من حياتي حتى لا تعودين تميزينها، أعرت خوفي من الكتابة لعيسى بطل «غرفة ترى النيل» وأعرت قلقي من تبدد الوقت في العمل الصحافي الى الملازم وحيد، الذي لن يلبث ان يتخلى عن اسمه وعن ملامحه كغيره من الحراس، ويمكنك ان تقيسي عدد الأقنعة بالمسافة بين الصحافي التافه وقطعة الغائط او بين قطعة الغائط والفراغ.
هذه هي حدود وطرق انعكاس عملي (في رواياتي) أما انعكاسه عليها، فكثير. أظن انني أحب الوضوح في الألفاظ، وهذه سمة ضرورية في الصحافة، لكن في الرواية يجب الا يتطابق وضوح اللفظ مع وضوح المعنى (الذي تتطلبه الصحافة أيضا بينما ترفضه الرواية) كذلك تنعكس الصحافة على عملي في حب الاختصار الى حد الهوس، وطموحي الأقصى هو كتابة الصمت، لأنه أكثر جلالا من الكلام.
هناك أشباح تسكن روايتك، وهي احتاجت الى يقظة القارئ الدائمة، كما احتاجت لغتك ذات الاشارات والرموز للتدليل على السلطة من جهة، وحارسها من جهة أخرى. يخيل لي انها اقتربت من الشعر في تضاعيف الصرامة البادية، وانها أرهقتك ككاتب الى حدود قصوى؟
ـ كتبت في سنتين، وراجعت في ثالثة. لكن كانت هناك الكثير من الانقطاعات التي تعرفينها بسبب ضغط العمل الصحافي (وهذا هو الانعكاس الأسوأ للصحافة على عمل الكاتب او الشاعر) هذه الانقطاعات كانت مصدر الارهاق والإيلام لا الكتابة، فعندما تجدين نفسك تتوقفين عن متابعة الكتابة لا بسبب انقطاع الخيوط، بل بسبب ضيق الوقت يكون هذا مؤلماً جداً.
وعندما كنت أجلس للكتابة، لم أكن اشعر بالارهاق أبدا، المشاعر المسيطرة في لحظات الكتابة هي سعادة من يختلس خلوة مع حبيبته، حتى لو سار اليها على حبل. اخترت البقاء بين الأشباح طوال هذه المدة، وكنت أجد طريقي بينها بسهولة، ولم أتوقع حجم اليقظة المطلوبة من القارئ، فلم يكن في نيتي تدليله، كما في «الأيك» مثلا. وسعيد جدا بملاحظتك حول الصرامة اللغوية، وهذه ايضا سمة فرضتها البنية وفرضها عالم الرواية. مجتمع الحراسة صارم، على الأقل من حيث المظهر، لكن تلك الصرامة تخفي داخلها طقوسية هزلية أحيانا وقد حاولت اللغة الاقتراب منها بالسخرية، واستخدام الاشارات والرموز للايحاء بالأهمية والتعقيد وبث الرعب في نفوس الغرباء طريقة متبعة داخل منظومات كهذه، وكان لا بد لكل هذا ان يجد تمثيله في لغة الرواية.
في تقديمه على غلاف الرواية يلمس الناقد فيصل دراج، تميز روايتك بكونها تكشف القمع الداخلي الذي يقع على شخصية القامع، وأعتقد ان ملاحظته دقيقد جدا، بل ان الرواية تسرب شعورا بالحنان من الكاتب تجاه الحارس؟
ـ أظن ان الفن لا يمكن ان يكون هجاء، لكن يمكنه ان يحرض على الهجاء. وكما قلت لك فان أهمية الصحافة انها مثل الوصلة الأرضية في شبكات الكهرباء، تسرب الشحنات الزائدة، وتخلص الكاتب من نوازع «الثأر». وسأقول لك سراً، لقد أسميت الحارس في الكتابة الأولى «وليد» على اسم واحد من أعز أصدقائي هو الشاعر وليد خازندار وكان هذا اجراء احتياطيا، لكي أحب الشخصية، او على الأقل لكي أكون محايدا وأرى جانب الضحية فيه، وعند الانتهاء من الكتابة أعطيت الكمبيوتر أمر استبدال مغيراً «وليد» بـ«وحيد». بينما أهديت الرواية لوليد، لأنه حارسي من رهاب الكتابة، فأنا رعديد وأحتاج دوما الى صديق لديه الصبر ليقرأ الفصول الأولى، ويثبتني، ووليد يفعل هذا منذ صرنا صديقين في منتصف التسعينيات.
نعود الى علاقتي ككاتب بالحارس، ما يشغلني في القمع أيا كان مصدره هو تبديد السعادة الذي تمارسه منظومة القهر.
يكفي الفن
ليس من اتصال بين الحارس وبين كتبك السابقة، أعني انها ليست فناً من أجل الفن، بل كتابة اشكالية، اكثر خطورة من الكتابات السياسية المباشرة. عدم حنان اللغة واقتصادها وصرامتها، عوامل لعبت بشكل جيد على موضوعة العبث في معالجة قاربت ان تكون وجودية.
ـ تسعدني بالتأكيد عودتك الى موضوع اللغة، ولا يمكن لمجتمع يقوم على التراتب الصارم ان يستخدم لغة فضفاضة او تحتمل المفاوضة، وقد يسعدني ان تكون روايتي أخطر من الكتابة السياسية المباشرة، أما حكمك بعدم اتصالها بكتبي السابقة، فهذه رؤيتك احترمها من دون ان أوافقك عليها. وأبدأ بفكرة «الفن من أجل الفن» فهذه تهمة لا أنكرها وشرف يسعدني ان تدّعيه لكتابتي!
أظن ان الكتابة يكفيها ان تكون فنية، وأنا مع العذب ماركيز في قولته «مسؤوليتنا ان نكتب جيدا». وأظن ان الفن من اجل الفن يؤثر أكثر من الفن الأيديولوجي، فعندما تصنعين نموذجا للجمال ويصير مقبولا يدفع القارئ الى استقباح القبيح من دون ان تطلبي منه ذلك. واسمحي لي ان أخرجك من جفاف الحديث عن الكتابة لكي أحكي حكاية: عاد شاب قروي من الغربة بزوجة ايطالية، وفي اليوم الأول لإقامتها في قريته استيقظ قبلها، وخرج ليجلس بين أهله في صباح رمضاني، وعندما استيقظ لحقت به، وقبل ان تجلس حيتهم وقبلته، فما كان من الشاب الا ان اعتذر لوالده ضاحكا: «معلهش يا با أصلها كافرة وما تعرفش» ورد عليه الأب: «دي برضه اللي كافرة؟ دي أمك اللي كافرة»!
استملح الرجل التقبيل، وأدرك كم هو مهمل من شريكته. والفن يراهن على هذه المحاكاة.
نعود الى حجم اتصال او انفصال «الحارس» عن الأعمال السابقة. أنا أظن العكس، الاختزال طموح دائم لديّ، أما الصرامة فتجدينها في «مدينة اللذة» ولم أكتشف الا بعد ان انتهيت من الكتابة ان الحبل السري الذي يربط الحارس بمدينة اللذة، هو القهر الذي استدعى المثيولوجيا. هناك عودة الى الأسطورة أظن ان ما فرضها في الحالتين هو ثقل الواقع داخل الرواية، هذا الثقل استدعى الأسطورة لتوازنه، فكانت هناك الصقور التي تنطلق لتمص كل عين تنظر باتجاه القصر، وكان السحرة الذين يخفون القصر ويموهونه على الأعداء، والأنفاق التي تنفتح تلقائيا لتبتلع البشر والمركبات من طريق المواكب.
وهناك أيضا الطموح العلمي للحارس، الذي يحلم بريموت كنترول يزيح بضغطة صفاً من العمارات ويستبدلها بمانع مائي او رملي لحماية الرئيس، كيف يستقيم هذا مع ذاك؟
ـ أحد أمتع مجالات القراءة لدي الكتب العلمية، خصوصا كتب الفيزياء والفلك، والأكثر ادهاشا فيها اننا نكتشف التجاور الشديد بين الفيزيقا والميتافيزيقا، علماء الفيزياء يتحدثون مثل السحرة حول نشأة الكون واحتمالات وجود واقع آخر غير الذي نعيش وما الى ذلك من افتراضات ونظريات أساسها الخيال والحلم.
والحارس الذي توحد مع المحروس، يحلم باختراع ذراع التحكم «الريموت» وعند ذلك لن تصبح للمواكب الضخمة ضرورة، وسيكون هو الحارس الأوحد، لكن سيأتي من ينبهه الى ان ما يحلم به أنجزه السحرة من آلاف السنين، لكن الرئيس يريد ان يعيش بالقوة لا بالحيلة!
هل في الحارس نوع من الثقافة المصرية الحالية التي تدين التشوه في العلاقة السائدة الآن على وجه الخصوص بين المثقف والسلطة بأشكالها كافة؟
ـ إدانة التشوه بين الحاكم والمحكوم أمارسها في الصحافة فرضا يوميا (والمثقف جزء من المجموع المحكوم وإن تطلع أحيانا لدور الحارس) وميزة «فش الخلق» هذه احدى عطايا الصحافة المهمة، فأنا اؤدي واجبي الوطني او «خدمة العلم» من خلال مقالات صحافية مباشرة تخلص القلم من العابر، بحيث يصفو الفن، وتبقى الرواية مكنونة داخل بنيتها، تومئ من بعيد الى هم انساني أبعد وأهم، كما لا تحاول ان تصفي حسابات حتى ولو مع سلطة قامعة. وأنت حرة في ان تنظري الى الرواية من زاوية العلاقة القمعية بين السلطة والشعب، او حتى بينها وبين حراسها الذين يتآكلون في خدمتها، في مصر او في غيرها، لكن سيسدعني ان يرى آخرون الأمر في إطار علاقة الانسان كحارس مع محروساته التي قد تكون أي شيء او أحد يستلبه ويبدد فرصه في السعادة.
تتحدث كثيراً عن السعادة، في حين ان رواياتك حزينة، على الاقل لنقل «غرفة ترى النيل» و«الحارس».
ـ أنا فعلا شخص حزين، ومزاجي مأساوي، عندما لا أتمكن من الوصول الى أحد من أهلي او أصدقائي أفكر بالشر دائما، وكثيرا ما أكتشف ان الانقطاع كان بسبب حادث سعيد الى درجة لم أكن أتوقعها، وعندئذ أتلقى خبر السلامة بسعادة كما لو كان بعثا جديدا لمن أحب، كمية كبيرة من طاقتي الروحية والبدنية تتبدد في هذا الخوف. لكن أعتقد ان حزني الذي أكتبه غير معد، بل على العكس ينقل عدوى السعادة. بطل «غرفة ترى النيل» يعيش بعمق اللحظات المتبقية من حياته، والحارس ـ على النقيص ـ يبدد حياة عريضة فيما لا ينفع.
وبيني وبينك، عندما أكتب أتوجه لنفسي أولا، أحاول ان أفتح عيني على فكرة الفوات والفقد، ومحدودية العمر، أكتبها كما لو كانت تمتمة للنفس وتحريضا على الحياة، والخروج على المواضعات المعروفة، ونادرا ما أنجح، لكن غيري يفعل ذلك، ربما لأن أمثولة الرواية تصله بأفضل مما تصلني. وأجمل شهادة على عملي كمبشر بالسعادة جاءت من طالب جامعي، كتب الي رسالة الكترونية يقول لي فيها انه مدين لي بحياته، لأنه كان ينوي الانتحار لمشكلات منها السفر الدائم لوالده، وانه قرأ «غرفة ترى النيل» ورأى كيف يتصرف عيسى مريض السرطان في هبة الأيام القليلة المتبقية له، وانه غادر مرحلة المراهقة مع السطر الأخير بالرواية.
ولا أعرف مساحة الصدق في الرسالة، فربما كانت شركا نصبه لي أحمد الذي صار صديقي، وصار يستعير الكتب مني ولا يردها!

11-03-2007, 12:47 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS