سوف أحاول إلقاء الضوء علي القصتين معا القصة المنشورة هنا وقصة نرجس المنشورة علي هذا الرابط
http://www.nadyelfikr.net/index.php?showtopic=50720
ففي القصتين يمكن أن نلحظ بعض الخصائص المشتركة التي ربما تكون من خصائص الكاتب نفسه وطريقة عمله في القص بوجه عام وأولي الخصائص التي نراها أن القاص سمير الفيل قد عنون القصتين بأسماء أعلام مشيرة – نرجس وهي أسماء ربما يكون مقصودا منها الدلالة علي المعني المطروح في العمل فنرجس توحي بحالة الحزن والتوحد والذاتية ومشيرة توحي بالذكاء والفطنة والرأي وكأن الكاتب يريد للمتلقي منذ العنوان أن يضعه في الحالة التي يريدها سواء من ناحية التوقع أو كسر التوقع ففي قصة نرجس نري أن التوقع موجود من حالة الحزن والانكسار أما في مشيرة فإننا نري جنازة إمرأة من بداية القصة لنهايتها مما يضعنا تلقائيا في حالة حزينة علي المرأة التي نشيع جنازتها مع الكاتب ولكن العنوان يشدنا لمنطقة أخري غير منطقة الحزن التي يجب أن نكون فيها إلي تأمل حياة تلك الميتة لنستكشف فيها معني الذكاء والفطنة والرأي التي تجعل الكاتب مشغولا بها في تلك الشخصية خلال حزنه عليها
ثانيا أننا نجد الشخصيات في القصتين مقتصرة علي الراوي البطل والمرأة ,شخصيتان فقط هما اللتان تساهمان مساهمة فعالة في تحريك الحدث في القصة وباقي الشخصيات مجرد تكملة للجو العام دون أن تساهما في صلب العمل
ثالثا أن القاص يعتمد علي طريقة الراوي المشارك في الأحداث في كلتا القصتين وليس مجرد راو يري الأحداث من الخارج ويحاول أن ينقلها لنا بل أنه يحاول أن يمزج تجربته الخاصة بتجربة الشخصية / المرأة المقابلة له في القصة في نسيج واحد ففي نرجس نجد الطفل المعاقب المقهور الهارب إلي (الشخشيخة) لكي يلعق جراحه وكذلك المرأة المعاقبة المقهورة الهاربة إلي نفس المكان لكي تجتر أحزانها هنا توحد في التجربتين , وفي مشيرة فإن الشخصيتين البطل ومشيرة خلال الجنازة يظهران في الأحداث المشتركة بينهما وكأنما الذي يشيع إلي قبره ليس المرأة وحدها بل والبطل أيضا أو بالأحري تلك الأحداث التي مرت بهما معا
رابعا أن الكاتب يستعمل حيلة استرجاع الأحداث ( الفلاش باك ) ففي قصة مشيرة فإن الحدث يستغرق وقت تشييع الجنازة من المنزل إلي المقبرة وخلال هذه المسافة القصيرة يستعرض القاص حياة الشخصيتين معا وما كان من أوقات حميمة بالنسبة لهما معا ويحاول من خلال تلك الأوقات المشحونة والنابضة بالحياة أن يعرفنا ملامح تلك الشخصية المشيعة إلي قبرها وفي قصة نرجس نري نفس ملمح استرداد الأحداث ولكن ليس في قوة قصة مشيرة إن البطل في هذه القصة (نرجس) هو الذي يسترجع أحداث خاصة به وحده تتمثل في قهره الاجتماعي والنفسي ولكنها تتماهي مع نفس القهر الاجتماعي والنفسي اللذان تتعرض لهما نرجس والتي تقوم البطلة باسترجاعها هي الأخري في وحدة واحدة
ولكن القاص سمير الفيل إذ يلجأ إلي استرجاع الأحداث في قصة مشيرة لا يعتمد خطة واحدة في الاسترجاع فمن الممكن أن يسترجع الأحداث في الزمن مثلا فقط كأن يبدأ في استرجاع الأحداث من فترة الطفولة مرورا بالصبا والشباب والكهولة وهو ما فعله ولكنه اعتمد خطة أخري معها وهي استرجاع الأحداث من خلال المكان أيضا ,ذلك
أن الجنازة وهي تمر علي أماكن متعددة في البلدة يبدأ في استرجاع الأحداث التي مرت في تلك الأماكن وبالتالي فهو يمزج بين الزمان والمكان في استرجاع الأحداث وكان يمكنه أن يكتفي بطريقة واحدة ومن الأفضل أن يستثمر طريقة الاسترجاع من خلال المكان لأنها هي الطريقة العضوية مع الحدث فكلما مرت الجنازة علي مكان يبدأ في شحن المكان بالحدث الذي له علاقة بالشخصيتين معا سواء كان هذا المكان له علاقة بالطفولة أو بالشباب أو بالكهولة ولا أهمية للترتيب الزمني فهذا يخلع الجمال علي القصة ويجعل المتلقي مشاركا في ترتيب الأحداث وجمع ملامح الشخصية أما أن يقود المتلقي خلال السرد بهذه الطريقة فكأنه لا يحسب له دورا
وعلي العكس فقد جاءت قصة نرجس فيها استرجاعات مركزة عضوية تشخص حالة الشخصيتين نرجس المقهورة تحكي عن قهرها مع زوج يطلب الولد دون أن يحرث زوجته جيدا ربما بسبب ضعفه الجنسي وبالتالي يصب سخطه علي زوجته والولد الذي يرزح تحت القهر الاجتماعي ويذهب للسينما ليشاهد فيلم سبارتكوس محرر العبيد , أن الشخصيتين هنا تتماهيان في استرجاع الأحداث ولكن الولد تكون له الفعل الأكبر إذ يحلم بالحرية عن طريق الفعل بينما تكتفي المرأة بالهروب واجترار الأحزان والمكان يوحد الشخصيتين ويصهرهما معا في وحدة واحدة تحلم بالخلاص من هذا الواقع المرير بل أن القاص حين يقطع عملية التوحد بين الشخصيتين بأحداث خارجية فإنه يجعل زوج المرأة يصعد علي سطح منزله بحثا عنها في نفس الوقت الذي تفعل أم الولد نفس الشئ وتختبأ الشخصيتان من الباحثين لأهمية اللحظة التي يتشاركان فيها
كذلك فإن المكان له دور في القصة وقد سبق ونوهنا بدوره آنفا في قصة مشيرة أما في نرجس فإن (الشخشيخة ) باعتبارها أعلي مكان يمكن أن تبلغه الشخصيتان فهو تصوير لمحاولة الخلاص والانعتاق , السماء قريبة منهما بمعناها المادي والروحي
خامسا ولأنه لابد من لحظة تنوير ما تضئ العمل كله فإنها تأتي في قصة مشيرة في السطور الأخيرة بينما نجدها في قصة نرجس في وسط القصة ففي قصة مشيرة كان السباق بين الراوي والبطلة أيهما يبلغ حد الأفق كان الأمل مشتعلا أيامها أن ينالا البعيد جدا ولكنه ينعكس في النهاية إذ تقول الخالة الميتة أن مشيرة قد سبقت وبلغت الأفق ولكن بالموت بينما تأتي لحظة التنوير في نرجس عندما يأتي الزوج للبحث عنها فتفتح أزرار ثوبها ويبدو نهداها وفي طقس غريب وفي وجود الزوج الذي لايراها تتداخل مع الولد وكأنها تحاول أن تمتلك الطفل الذي تتمني وجوده كي يمنحها خلاصها في مجتمع ولدي زوج لا يريا للمرأة من قيمة إلا من خلال كونها ولود وفي نفس الوقت وكأنها تحتمي بهذا الولد الساعي للحرية وتحاول أن تمتص منه هذه الحرية التي تحلم بها
سادسا يفقد القاص سمير الفيل أحيانا فضيلة التكثيف التي تتميز بها القصة القصيرة فهناك زيادات في الحكي لا قيمة فنية لها تخدم العمل ويمكن اختصارها أو حذفها مثل المساحة الكبيرة التي احتلها مشهد الولد مع تاجر الأثاث كان من الممكن اختصاره أو الاكتفاء بأن الولد عوقب فقط دون ذكر مشهد الانتقام حتي يزكي في القارئ حالة القهر التي يرزح تحتها البطل وكذلك فإن اللغة تأتي أحيانا مترهلة تعاني من الشحم الكثير وتحتاج إلي أن تكون رشيقة أكثر من ذلك مثل هذه (بالحزام الجلد العريض الذي اشتراه أخي أحمد من بورسعيد وهربه بدون أن يدفع الجمرك مع بنطلون سموكن وقميص نايلون ) في قصة نرجس ومثل هذه ( كان باعة المشمش قصير العمر ، والبرقوق فاكهة الذوات ، وكانت بشائر البطيخ ) في مشيرة
واللغة أحيانا تأتي عامية فإذا كنا نغفر ذلك في الحوار فلا يمكن أن نغفره في غيره وهناك بعض الهنات النحوية والتي يجب أن ننسبها للوحة المفاتيح
وأخيرا فإننا أمام كاتب جيد وواعد
أرجو أن تستمتعوا بالقصتين .
طاب مساءكم
كوكو