اقتباس: طارق القدّاح كتب/كتبت
يبدو لي أن نيوترال سجل نقطة هامة، فيجب الخروج من عتق الطائفية وأن نصبح إنسانيين.
نيوترال يتمنى أن يرى المسلم يندد بالظلم والذل الواقع بحق المسيحيين والمسيحي يندد بإعدام سيد قطب.
كل هذا رائع ولكنه طوباوي في الوقت الحالي.
فكيف يمكن أن نطالب من إنسان راشد يمتلئ عقله بالأفكار المسبقة وسعيد بهذه الأفكار المسبقة أن يخرج من عالمه المغلق وأن يدافع عن حقوق الإنسان : الكرامة الإنسانية، حرية الفكر وحرية التعبير واحترام الآخر ... الخ
وكأنك تطالب من شخصٍ مشلول أن يتحول لبطل أولمبي.
في حقيقة الأمر فإننا نواجه هنا حلقة مفرغة (فاسدة) يجب أن نتخلص من الطائفية لنتطور، ولكن لكي نتخلص من الطائفية علينا أن نكون متطورين أساساً.
برأيي فإنه من الضروري والعاجل تغيير النظام التربوي في مصر والبلاد المجاورة وبشكل شامل .
علينا أن نعلم الأطفال قيم الحرية، المساواة، الأخوة و .. الشك , أن نفكر بأنفسنا الخ.
أولاً أود أن أشكر الزميل مجدي على مشاركته والزميل طارق للترجمة.. (f)
في الفترة الأخيرة إتسعت دائرة المعارضين لسياسة مبارك لتشمل بعض الإتجاهات الليبرالية والإصلاحيين ومن أبرز الأمثلة على ذلك هي مجموعة المقالات التي كتبها المستشار طارق البشري الذي لا يخفى على الجميع علاقاته بالنظام, أي أن فزع النظام المصري أصبح حقيقياً بعد أن إمتدت دعوات التغيير داخل أوساط الحزب الوطني نفسه مما يزيد الأمر صعوبة, وهو أمر بالطبع في صالح الحركة المعارضة للتجديد والتوريث بشكل عام.
تنقسم المعارضة -بطبيعة الأمر- الى أكثر من فصيل في مصر, هناك الجناح البرجوازي الليبرالي الذي يرى أن "االإصلاح" الدستوري و"إصلاح" نظم التعليم أمراً حتمياً ولكن تقتصر مطالبه على هذا الحد, وهو أمر في الحقيقة إذا نظرنا لطبيعة النظام المصري لتأكدنا أن هذه المطالب ليست قليلة أبداً, ولكنها في نفس الوقت تفترض قدرة النظام على إحداث هذا "الإصلاح" وهنا تقبع المشكلة الحقيقية, لأن ذلك النظام الديكتاتوري والذي يعتمد على القمع -بواسطة القوانين المكبلة للحريات- والذي يعتبر أن إنتاج الفقر والجهل ثم إعادة إنتاجهم مرة أخرى لضمان التغييب الكامل للجميع لم ولن يستطيع أن "يمنح" الجماهير المصرية حقوقها الطبيعية في نظام تعليمي قادر على "إنتاج" و "تطوير" القدرات الإبداعية التي تعني في جوهرها إعطاء الفرد الفرصة لإكتشاف نفسه والثقة في أفكاره وبالتالي العمل من أجل تحقيق هذه الأفكار.
تختلف الأدوات وتتعدد الفصائل داخل ذلك الفصيل الذي يتلون بدوره بكل ألوان الطيف, فهناك من يرى أن هذا الإصلاح لن يأتي إلا بتدخل خارجي -من أمريكا طبعاً- مثل سعد الدين ابراهيم الذي يحترمه نيوترال, وأيمن نور المعتقل الأن وهو رئيس حزب الغد الذي تأسس من أسابيع قليلة بضغط أمريكي على النظام المصري.
وهناك منهم أيضاً من يملك السذاجة الكافية لأن يعتقد أنه بالعمل من داخل المؤسسة البرجوازية للنظام الديكتاتوري يمكنه أن يحدث "إصلاحاً" حقيقياً, وبالتالي يندمج مع الوقت في داخل تلك المؤسسة الفاسدة ويعمل بآلياتها ولذلك من المنطقي أن تكون إنجازاته في النهاية "صفر كبير" زي صفر المونديال كدا!!
وهناك اليسار بمفهومة الواسع وهو يضم تحت جناحه كل من التيار الناصري -بتنويعاته التي تختلف درجات راديكاليتها- والتيار الإشتراكي "الرسمي" المتمثل في الجناح "اليميني" من حزب التجمع بقيادة رفعت السعيد والذي يملك من الإنتهازية السياسية ما يكفي قارة بأكملها, وأكبر مثال على ذلك هو موقفه من التجديد لمبارك وهو ما أعلنه خالد محي الدين مؤخراً بأنه يطالب البدء في التغيير الدستوري والقانوني بعد موعد الإستفتاء القادم أي أنه يوافق علنياً على التجديد أملاً منه في كام مقعد زيادة في مجلس الشعب الهزلي الذي يحتل الحزب الوطني أغلب مقاعده بالتزوير والمحسوبية!!
وهناك من يرى بأن التغيير الدستوري والمطالب الديمقراطية لن تتحقق إلا بتغيير شامل ينسف الأرضية الديكتاتورية الفاسدة للنظام وبالطبع لن يستطيع إحداث هذا التغيير إلا الجماهير صاحبة المصالح الحقيقية في التغيير بأنفسهم.
مشكلة التيارات الإصلاحية هي أنهم يعتقدون أن النخبة -وعلينا الإعتراف بأنها في جوهرها نخبة فاشلة ومنعزلة وفاقدة للمصداقية لذلك يتجاهلها الجماهير ويسخرون منها كما يسخرون من مبارك نفسه- هي قادرة (النخبة) على تحقيق مطالبها بدون أي إتصال بالنضالات اليومية للعمال والفلاحين والطلبة في حركتهم المطالبة بأبسط حقوقهم كالإضرابات العمالية والفلاحية ومظاهرات الخريجين العاطلين عن العمل.
يستبعد هؤلاء الإصلاحيون زاوية محورية في مثلث النخبة والسلطة, وهي بالطبع "الجماهير", يرتدون الملابس الأنيقة ليناضلوا في قاعاتهم المغلقة ويعتبرون أن حوارهم الثنائي الأبعاد بينهم وبين السلطة قادر على إحداث ذلك التغيير وهو حلم طوباوي ساذج لن يتحقق إلا "في المشمش" كما نقول في مصر. في أثناء ذلك يتعالى هؤلاء المناضلون على نضال الجماهير وحركتهم ويدعون أن الجماهير صامته وراضية بالوضع الحالي ويتجاهلون الإضرابات العمالية المتصاعدة بحدة في السنوات الأخيرة بحجة أنها إنتفاضات عفوية وعشوائية ليبرروا تخاذلهم وضعفهم في الشارع والذي يرجع لأسباب ذاتية في طبيعة أفكارهم وعوامل موضوعية لها علاقة مباشرة بممارسات النظام القمعية في مواجهة أي محاولة للتغيير الحقيقي.
كيف يتخيل البعض إمكانية العمل من داخل حزب علني يخضع لقوانين الأحزاب التي تمنع المؤتمرات الجماهيرية والغير جماهيرية إلا بموافقة من أمن الدولة, ذلك القانون الذي يستند لدستور أهبل يمنع تأسيس الأحزاب على أساس طبقي فينسف جوهر فكرة الحزب السياسي من أصلها!!
العمل من أجل الجماهير فكرة ساذجة ونخبوية جداً في رأيي, وقد ثبت فشلها عملياً, لن يحدث أي تغيير ولو كان تغيير طفيف وإصلاحي إلا من خلال الجماهير نفسها, أي أصحاب المصالح أنفسهم.
مضطرة للذهاب الأن, لي عودة..