الإخوة والزملاء الأعزاء
هذا الشريط سميته " على هامش الحوار" ، فأثناء الحوارات أجد أحيانًا أن محاوري يطرح أمورًا لو رددت عليها فسوف تخرجنا عن المسار والموضوع ، أو أنها تشتت القارئ لأن الجواب سيكون طويلًا ، مما ينسيه لب الموضوع الدائر ويخرج به إلى البعيد ، ولا يمكن تجاهلها في الغالب ، لأنها تحمل شبهات يحتاج القارئ إلى معرفة الجواب عنها .

ففي هذا الرابط طرح الزميل فانسي بعض الأمور الإسلامية التي تتعلق بعلم الحديث ، فجاء بطوام ، وأخطاء وسوء فهم ، مما يحتاج إلى البيان .

والحق يُقال : إن الزميل نادر ما تجد مثله بين النصارى ، الذي دون غيره ممن أعرف أراد المعرفة والإطلاع على علم الحديث من بابه الواسع ، وأنا أشجعه على ذلك ، وأن يستمر في التعمق والقراءة من أمهات الكتب ، فإن هذا العلم لا يعرف فضله إلا من ذاق الخوض فيه ، وبه يتميز الغث من السمين ، ومن خلاله نحكم على الموروثات ونصفيها وننقيها ، ولا أبالغ إن قلت بأن هذا العلم رسخ عندي اليقين بصحة هذا الدين ، فلله الحمد والمنة أولًا وآخرًا ، وأسأله المزيد من فضله .

وبدأ الزميل يدرك الكثير من هذا العلم ، بخلاف غيره من أغلب أبناء ملته ، فإن المسلم إذا قال لهم هذا الحديث ضعيف ، ثاروا بجهل قائلين بأنكم معشر المسلمين تضعفون الروايات على هواكم ، فإن كان في الحديث ما يحرجكم فهو ضعيف ، وما كان غير ذلك فهو صحيح . هكذا يكون عادة جوابهم لجهلهم بهذا العلم .

وبالرغم من تقدم زميلنا العزيز خطوات ملموسة في هذا العلم ، إلا أنه لا يزال على شاطئ الشاطئ - إن صح التعبير- ، فإن هذا العلم واسع جدًا ، لذلك جاء الكثير مما طرحه زميلنا مغلوطًا ومفهومًا بصورة سيئة ، فإن فهم زميلنا مبني على الاطلاع السطحي ، فإن هذا العلم لا يجيده إلا من تمرس به وأكثر القراءة في كتب أهل العلم والإطلاع والبحث والتقصي وأمضى شطرًا كبيرًا من عمره في الالتصاق بهذا الفن ..

هذا إذا أضفنا إلى أن زميلنا - كما يبدو لي - ينظر أحيانًا بنظرة الخصم ، فابتعد عن الانصاف في كثير من طرحه ، مثل تحامله وتجنيه على الإمام البخاري رحمه الله ورميه له بتهم عن طريق الظن والاحتمالات ، فاستعجل الزميل ، كان ينبغي له أن يتريث وأن يزداد من هذا العلم قبل أن يوجه النقد ، فاطلع على أشياء وغاب عنه أضعاف مضاعفة مما علم ، مما سبب عنده سوء فهم وأدى إلى نتائج سيئة ، فإن من خاض في علم وتكلم فيه قبل أن يحسنه أتى فيه بسيل من الغرائب والمنكرات ، يقول الإمام الجرجاني : "ولكن ، إذا تعاطى الشيء غير أهله، وتولى الأمر غير البصير به، أعضل الداء، واشتد البلاء" دلائل الإعجاز.

لن أقول له توقف ، بل على العكس ، ليستمر في اطلاعه على هذا العلم ولكن بتجرد وحياد ، وليتزود قل أن ينتقد ، والله الهادي إلى سبيل الرشاد.

في المداخلة التالية سوف نبدأ بعون الله وتوفيقه التعقيب على مداخلاته .
يتبع إن شاء الله ..

الرد على المداخلة 57 من هذا الرابط
http://www.nadyelfikr.net/index.php?s=&...st&p=448832

Array
يعيدني هذا فورا و بعد هذه المقدمة الطويلة الي حالة ابي هريرة
عندما قال عميدنا ان البخارى جعل العلة في ( ايوب ) لم يكن هذا جديدا

فهذا ما قرره البخارى
بينما شيخ البخارى و امام العلل ايضا ( ابن معين ) قرر ان العلة في ( ابراهيم بن يحيي )

هذه القرارات كلها في ضوء المقدمة السابقة , تجعل من غير المسلم ان يسأل
لم لا تكون العلة في ( ابي هريرة ) ؟[/quote]

يقول الزميل : "لم لا تكون العلة في (ابي هريرة ) ؟" .

سؤال طرحه الزميل ، وله الحق في ذلك ، ولكن الذي لا يحق له أن يحصر العلة في أبي هريرة ، فالرواية عن :
- أيوب بن خالد عن
- عبد الله بن رافع عن
- أبي هريرة ..

فإن كان هناك علة في المتن ، فهناك عدة احتمالات منطقية ، منها أن تكون العلة من "أيوب بن خالد" أو من "عبد الله بن رافع" أو من "أبي هريرة" ، فكيف يلصقها زميلنا بأبي هريرة دون غيره ؟
ليس هذا من الانصاف أيها الزميل..

ثم يجزم زميلنا بقوله ((إلا أن البخارى لم يرتح للمتن)) ، وهنا السؤال :
من أخبرك أنه لم يرتح للمتن ، فكل ما قاله البخاري هو : "وقال بعضهم: عن أبي هريرة عن كعب ، وهو أصح" ، فمن أين جزمت يا زميل بأنه لم يرتح للمتن ؟

نعم هو احتمال ، ولكن لا يحق لك الجزم بذلك ، لتعلن بعدها أن نوايا البخاري "تقديس الماضى وحماية لتراث أبو هريرة الفكري"

تماما كما اتهمت البخاري في "جزء في رد النقد" بأن عادته الحذف ، فتقول "ولا عجب فهذه هي عادة البخارى اي حذف ما قد يرى مسيئا" ، هكذا ألصقت بالبخاري تهمة عادة الحذف - والأخ عبد الله أوفاها حقها - ، مع أنك تناقضت قبلها بقليل فقلت "حذف البخارى - او من هو اعلى منه -" ، فإن احتمل أن يكون غيره فكيف جزمت بأنه البخاري؟
ثم تخلص إلى أن هذه عادته على احتمالات وظنون !! .

والآن إلى إجابة السؤال :"لم لا تكون العلة في (ابي هريرة ) ؟"
أقول :
أبو هريرة رضي الله عنه عُرِفَ عنه الحفظ والإتقان ، ومعرفته وشهرته بمكان عظيم ، والرواية عنه مستفيضة ، بالإضافة إلى جيش من الرواة ، ذكر منهم الحافظ المزي في كتابه "التهذيب" ما يقرب من أربعمئة مقتصراً فقط على الذين ذكروا في الكتب الستة ، يتقدمهم كبار محدثي الصحابة (كأنس بن مالك وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر) ومن الصحابة أيضاً الذين رووا عنه (عبد الله بن ثعلبة وواثلة بن الأسقع ) ، ويليهم من كبار التابعين وأعلامهم ( كسعيد بن المسيب ، الحسن البصري ، محمد بن سيرين ، حميد بن عبد الرحمن الحميري ، سالم بن عبد الله بن عمر ، سليمان بن يسار ، سعيد يسار أبو الحباب ، الشعبي عامر بن شراحيل ، عبد الرحمن بن غنم الأشعري ، عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عروة ابن الزبير ، عطاء بن أبي رباح ، ونافع مولى ابن عمر .... وغيرهم كثير جداً من كبار التابعين وأئمتهم ) الذين بلغوا المئات و رأوا أبا هريرة وعاصروه وسمعوا منه الحديث وأخذوا عنه العلم .

قال عنه الذهبي في السير "سيد الحفاظ الاثبات".

وقال ابن حجر في الإصابة :
"روى عنه ولده المحرر - بمهملات - ومن الصحابة ابن عمر وابن عباس وجابر وأنس وواثلة بن الأسقع ومن كبار التابعين: مروان بن الحكم وقبيصة بن ذؤيب وعبد الله بن ثعلبة وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وسلمان الأغر والأغر أبو مسلم وشريح بن هانئ وخباب صاحب المقصورة وأبو سعيد المقبري وسليمان بن يسار وسنان بن أبي سنان وعبد الله بن شقيق وعبد الرحمن بن أبي عمرة وعراك بن مالك وأبو رزين الأسدي وعبد الله بن قارظ وبسر بن سعيد وبشير بن نهيك وبعجة الجهني وحنظلة الأسلمي وثابت بن عياض وحفص بن عاصم بن عمرو وسالم بن عبد الله بن عمر وأبو سلمة وحميد: ابنا عبد الرحمن بن عوف وحميد بن عبد الرحمن الحميري وخلاس بن عمرو وزرارة بن أبي أوفى وسالم أبو الغيث وسالم مولى شداد وعامر بن سعد بن أبي وقاص وسعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص وأبو الحباب سعيد بن يسار وعبد الله بن الحارث البصري ومحمد بن سيرين وسعيد بن مرجانة والأعرج وهو عبد الرحمن بن هرمز والمقعد وهو عبد الرحمن بن سعيد ويقال له الأعرج أيضاً وعبد الرحمن بن أبي نعيم وعبد الرحمن بن يعقوب والد العلاء وأبو صالح السمان وعبيدة بن سفيان وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وعطاء بن مينا وعطاء بن أبي رباح وعطاء بن يزيد الليثي وعطاء بن يسار وعبيد بن حنين وعجلان والد محمد وعبيد الله بن أبي رافع وعنبسة بن سعيد بن العاص وعمرو بن الحكم أبو السائب مولى ابن زهرة وموسى بن يسار ونافع بن جبير بن مطعم وعبد الله بن رباح وعبد الرحمن بن مهران وعمرو بن أبي سفيان ومحمد بن زياد الجمحي وعيسى بن طلحة ومحمد بن قيس بن مخرمة ومحمد بن عباد بن جعفر ومحمد بن أبي عائشة والهيثم بن أبي سنان وأبو حازم الأشجعي وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وأبو الشعثاء المحاربي ويزيد بن الأصم ونعيم المجمر ومحمد بن المنكدر وهمام بن منبه وأبو عثمان الطنبذي وأبو قيس مولى أبي هريرة وآخرون كثيرون.

يقول البخاري رحمه الله : روى عنه ثمان مئة أو أكثر.

ويقول الحافظ ابن عساكر :
"روى عنه ابن عباس وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وابن عمر وواثلة بن الأسقع أبو الأسقع الليثي في ثمان مائة رجل أو اكثر من اهل العلم من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والتابعين وكان من أحفظ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم "

وأخرج الإمام الترمذي عن ابن عمرأنه قال لأبي هريرة : "يا أبا هريرة أنت كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأحفظنا لحديثه" وفي رواية "أعلمنا بحديثه" .
فهذا الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يشهد لأبي هريرة بالحفظ .

وفي العلل للإمام أحمد عن أبي صالح السمان قال: ذكر أبو هريرة. فقال: "لم يكن بأفضلهم ولكنه كان رجلاً حافظًا" .
وعنه أيضًا قال : "كان أبو هريرة من أحفظ أصحاب محمد ولم يكن من أفضلهم" .وانظر التاريخ الكبير للبخاري وتاريخ ابن عساكر.

وهذا وغيره كثير من ثناء النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابِه والتابعين وأهل العلم عليه ..

بينما أيوب بن خالد فيه كلام ومختلف فيه ، فهل تريد البخاري بعد كل ما تقدم أن يلصق العلة بسيد الحفاظ أبي هريرة دون أيوب ؟
وخصوصًا في هذه الحالة أن الثابت هو أن بعض السامعين من أبي هريرة هم من يجعل حديث رسول الله عن كعب، ويجعل حديث كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك ما أخرجه الحافظ ابن عساكر في تاريخه من طريق مسلم بن الحجاج عن بسر بن سعيد، قال:
"اتقوا الله، وتحفظوا من الحديث ، فوالله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة ، فيحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحدثنا عن كعب، ثم يقوم ، فأسمع بعض من كان معنا يجعل حديث رسول الله عن كعب، ويجعل حديث كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"..

يقول العلامة المعلمي : "والحكاية نفسها تدل على أن أبا هريرة كان يُبَيِّن، وإنما يقع الغلط لبعض الحاضرين".

فهل من الانصاف بعد هذا أن نلوم البخاري في تعصيب العلة بأيوب ؟
وهل من اللائق منك أن تقول طاعنًا في علمائنا "قرروا عدم ايذاء الصحابي في روايته الا عندما يستحيل النيل من غيره " ؟

يتبع إن شاء الله ..

والآن إلى أمثلتك :

تنقل عن الحاكم في معرفة علوم الحديث :"فمن ذلك ما روي ابن نمير عن ابن مهدي قال : معرفة العلة إلهام ، فلو قلت للعالم يعلل الحديث : من أين قلت هذا ؟ لم تكن له حجة" .

ثم قول المعلمي :
"إذا استنكر الأئمة المحققون المتن وكان ظاهر السند الصحة فإنهم يتطلبون له علة ، فإذا لم يجدوا علة قادحة مطلقاً حيث وقعت أعلوه بعلة ليست بقادحة مطلقاً ، ولكنهم يرونها كافية للقدح في ذلك المنكر ، فمن ذلك إعلاله بأن راويه لم يصرح بالسماع هذا ، مع أن الراوي غير مدلس ، أعلّ البخاري بذلك خبراً رواه عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب عن عكرمة تراه في ترجمة عمرو من التهذيب"

ثم تخرج بنتيجة خاطئة إلى أن الأئمة يعللوا الحديث أحيانًا من "باب التخرصات" !!!

أقول : علم العلل فن دقيق ، لا يخوض غماره إلا من آتاه الله علمًا تامّاً واطلاعًا عميقًا وحفظًا واسعًا ، فلو نقل زميلنا قول أبي عبد الله الحاكم "معرفة علوم الحديث" كاملًا قبل نقله لكلام ابن مهدي لعلم أن هذا العلم - أعني العلل - يعتمد على الحفظ والفهم والمعرفة والإطلاع ، يقول الحاكم :
"وإنما يعلل الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل ، فإن حديث المجروح ساقط واه ، وعلة الحديث ، يكثر في أحاديث الثقات أن يحدثوا بحديث له علة ، فيخفى عليهم علمه ، فيصير الحديث معلولا ، والحجة فيه عندنا الحفظ ، والفهم ، والمعرفة لا غير . وقال عبد الرحمن بن مهدي : « معرفة الحديث إلهام ، فلو قلت للعالم يعلل الحديث : من أين قلت هذا ، لم يكن له حجة » ".

"والحجة فيه عندنا الحفظ ، والفهم ، والمعرفة لا غير" .
هذا ما قاله الحاكم ، الحفظ ، الفهم والمعرفة ، ولم يقل التخرصات .


ويقول ابن حجر في "النزهة" عن الحديث المعلَّل :
"وهو مِن أَغْمضِ أنواعِ علومِ الحديثِ وأدقِّها، ولا يقوم به إلا مَنْ رزقه الله تعالى فهماً ثاقباً، وحفظاً واسعاً، ومعرفةً تامة بمراتب الرواة، وملَكَةً قويةً بالأسانيد والمتون".
فابن حجر لم يقل إن علم العلل هو مزاج وتخرصات ، بل هذا العلم لا يتقنه إلا الحفاظ الكبار ممن رزقوا الفهم الثاقب والعلم والحفظ والمعرفة التامة بالرواة والإحاطة بالأسانيد والمتون .

ولو أن المسألة كما يظن البعض هي إلهام وتخرصات لما كان لكبار أهل العلم وحذاقه ميزة على غيرهم ، ولشاركهم فيه الجهال والعوام ، ولفتحوا لهم الباب على مصراعيه ليعللوا ما شاؤوا وكيفما شاؤوا ، فإن التخرص لا يعجز عنه الجاهل فضلًا عن العالم .

أما فهم زميلنا لقول ابن مهدي "معرفة الحديث إلهام ، فلو قلت للعالم يعلل الحديث : من أين قلت هذا ، لم يكن له حجة " فإن ابن مهدي نفسه أيضًا قال والحجة فيه عندنا الحفظ ، والفهم ، والمعرفة لا غير "إنكارنا الحديث عند الجهال كهانة" .
ماذا نفهم من هذا الكلام ؟

إن عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله يتحدث عن الجاهل بهذا الفن أو العامي ، فإنه لجهله بهذا العلم يرى تعليل العلماء وكأنه إلهام أو كهانة ، ويحسن بي أن أنقل ما قاله الدكتور همام عبد الرحيم سعيد في "مقدمة شرح العلل" ، يقول :
(( أما كلام النقاد كابن مهدي وأبي زرعة ، فإنه يحمل على أن من يجهل هذا العلم لا يمكنه الإحاطة بطرائقه ومعارفه وعناصره ، وعرض الدليل والبرهان يلزم منه وجود من يدركهما ، لأنهما ثمرة هذه المعارف المتنوعة الشاملة ، وغير ذوي الاختصاص يكفيهم الحكم المتضمن صحة أو ضعفًا أو بطلانًا فإن حرصوا على المزيد فعليهم أن يسلكوا مسلك النقاد في إعداد الرصيد الكافي ، فهذا أبو زرعة يقول : "نظرت في نحو من ثمانين ألف حديث من حديث ابن وهب بمصر ، ما أعلم أني رأيت له حديثًا لا أصل له" .
وعلى القارئ أن يقدر الرصيد الذي يحتفظ به أبو زرعة خلف هذه الكلمات ، فقد حفظ لرجل واحد هذا العدد ، ثم عرض هذا العدد على الأصول ، ثم أصدر حكمه بقوله : "ما أعلم أني رأيت له حديثًا لا أصل له " ، ومن لا يحيط بهذا العلم قد يشك في الخبر ، فإذا ثبتت له صحته فإنه يقول : متى حفظها ؟ وكيف عرفها ؟ وعلام عرضها ؟ وهل عرض كل حديث عند ابن وهب على مئات مثل هذا الحديث عند غيره ؟ . وأسئلة غير هذه تلح على معرفة الدليل والحجة ، ولكن ذلك بعيد المنال على من لا يعرف هذا الفن .

هذا الذي يحمل عليه كلام النقاد عندما يمتنعون عن الاحتجاج لقولهم ، ويظهر هذا جليًا في قول أبي حاتم في بداية قصته التي أوردتها (***) ، وفيها : "جاءني رجل من أهل الرأي" ، واهتمامات رجل الرأي غيرها عند رجل العلل الناقد ، فإذا كان رجل الرأي لا يدرك الحجة في العلة ، فإنه لا يعني خلوها من الحجة والدليل .
ولقد عبر ابن مهدي عن هذا المعنى تعبيرًا دقيقا عندما قال : "إنكارنا الحديث عند الجهال كهانة " ، وهو ما أبرزه ابن كثير أثناء تعريفه للعلل بقوله : "وهو فن خفي على كثير من علماء الحديث حتى قال بعض حفاظهم معرفتنا بهذا كهانة عند الجاهل"
، وعلى هذا يمكن تخريج كلام النقاد ، إذ أن كل علم هو كالعرافة والسحر بالنسبة لمن يجهله ، وكلام أبي حاتم وهو يشبه معرفة الناقد للعلة بمعرفة الصائغ للدرهم الزائف من الجيد ، إنما يعني به أن الحديث صناعة وفن كالصياغة التي هي صناعة وفن ولكل منها مبادئه وطرائقه وقوانينه .

وإلى جانب ما سبق أقول : إن كتب العلل في أكثرها أسئلة وأجوبة ، وهذه الأجوبة في معظمها يحمل الحجة والدليل ، ولا غرابة في هذا إذا عرفنا أن السائل هو من أهل هذا الفن والمختصين به ، فالترمذي يسأل البخاري ، وعبد الله بن أحمد يسأل أباه ، وابن أبي حاتم يسأل أباه وأبا زرعة ، والبرذعي يسأل أبا زرعة ، والبرقاني والسهمي يسألان الدارقطني ، وهكذا وفي مباحث أنواع العلل وأسبابها أمثلة كثيرة فيها بيان كاف للعلة ونوعها وسببها والدليل عليها .

وبعد كل هذا فإننا نخرج بنتيجة هي أن الناس أمام هذا العلم عالم خبير به أو جاهل منكر له ، وأكبر دليل على منهجية هذا العلم وحدة منطقه الذي يظهر باتفاق النقاد عليه ، كما رأينا في إحالة أبي حاتم على أبي زرعة ، ثم تشابه قوليهما في كل مسألة فعلم العلل علم قائم على أصول وطرائق متداولة بين أصحابه ، وقد ترتقي هذه الأصول والطرائق بلغتها حتى لا يعود من السهل كشف غموضها عن غير أهلها .
ويضاف إلى كل ما سبق أن منهج علماء الحديث هو جزء من المنهج الإسلامي العام القائم على {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} ، والمنهج الإسلامي هو أول منهج أخرج الإنسان من سلطان الطلاسم والفيوض الوجدانية وحرره من تحكم الأهواء والأوهام والخواطر)) انتهى كلام الدكتور همام .
__________
(***) هذه هي القصة :
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم : سمعت أبي -رحمه الله- يقول جاءني رجل من جلة أصحاب الرأي من أهل الفهم منهم ، ومعه دفتر ، فعرضه علي ، فقلت في بعضها : هذا حديث خطأ ، قد دخل لصاحبه حديث في حديث ، وقلت في بعضه : هذا حديث منكر ، وقلت في بعضه : هذا حديث كذب ، وسائر ذلك أحاديث صحاح .
فقال لي : من أين علمت أن هذا خطأ وهذا باطل وأن هذا كذب ، أخبرك راوي هذا الكتاب بأني غلطت وأني كذبت في هذا حديث كذا ؟
فقلت : لا ما أدري هذا الجزء من رواية من هو ، غير أني أعلم أن هذا خطأ ، وأن هذا الحديث باطل ، وأن هذا الحديث كذب .
فقال : تدعى الغيب ؟ قلت : ما هذا ادعاء الغيب . قال : فما الدليل على ما تقول ، قلت : سل عما قلت من يحسن مثل ما أحسن ، فإن اتفقنا علمت أنَّا لم نجازف ولم نقله إلا بفهم ، قال من هو الذي يحسن مثل ما تحسن ؟ قلت : أبو زرعة . قال : ويقول أبو زرعة مثل ما قلت ؟ قلت : نعم .قال : هذا عجب .
فأخذ فكتب في كاغذ ألفاظي في تلك الأحاديث ، ثم رجع إلي وقد كتب ألفاظ ما تكلم به أبو زرعة في تلك الأحاديث ، فما قلت إنه باطل قال أبو زرعة إنه كذب ، قلت : والكذب والباطل واحد ، وما قلت إنه كذب قال أبو زرعة باطل ، وما قلت إنه منكر قال هو منكر ، وما قلت إنه صحاح قال أبو زرعة هو صحاح .
فقال ما أعجب هذا تتفقان في غير مواطأة فيما بينكما ، فقلت : إنا لم نجازف ، وإنما قلنا بعلم ومعرفة قد أوتينا ، والدليل على صحة ما نقوله بأن دينارا نبهرجا يحمل إلى الناقد فيقول : هذا دينار نبهرج ويقول لدينار : هذا جيد ، فإن قيل له من أين قلت إن هذا نبهرج هل كنت حاضرا حين بهرج هذا الدينار ؟ قال
: لا . فإن قيل له : فأخبرك الرجل الذي بهرجه إني بهرجت هذا الدينار ؟ قال لا قيل فمن أين قلت إن هذا نبهرج ؟ قال علمًا رزقت كذلك نحن رزقنا معرفة ذلك .انتهى ..


يتبع إن شاء الله ..

تصحيح لخطأ في المشاركة السابقة :
Arrayأما فهم زميلنا لقول ابن مهدي "معرفة الحديث إلهام ، فلو قلت للعالم يعلل الحديث : من أين قلت هذا ، لم يكن له حجة " فإن ابن مهدي نفسه أيضًا قال والحجة فيه عندنا الحفظ ، والفهم ، والمعرفة لا غير "إنكارنا الحديث عند الجهال كهانة" .[/quote]

لقد سقطت عبارة كاملة ، والصحيح :
أما فهم زميلنا لقول ابن مهدي "معرفة الحديث إلهام ، فلو قلت للعالم يعلل الحديث : من أين قلت هذا ، لم يكن له حجة " فإن الحاكم قبل أن ينقل كلام ابن مهدي قال "الحجة فيه عندنا الحفظ ، والفهم ، والمعرفة لا غير" ، هذا وابن مهدي نفسه أيضًا قال "إنكارنا الحديث عند الجهال كهانة" .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

حياك الله أخي العميد وجزاك الله خيراً ولكني فقط أود أن أقول كلمات قليلة .

من المُلفت فعلاً إهتمام الزميل فانسي بعلوم الحديث بخلاف باقي الزملاء النصارى ولكن ظني أنه ليس بحسب ما فهمت من كلامك أنه يهتم ( بتعلم ) علوم الحديث ليفهمها , ولكني أرى ومن جميع مشاركاته أن غرضه الوحيد هو إبطال هذا العلم أو بيان أن هذا العلم وهمي ولا يَثبت منه شئ وأنه مجرد خرافة وطبلة جوفاء عند المسلمين وهذا واضح من جميع مشاركاته ولو أردت أو أراد إقتبست لكما من كلامه الكثير في هذا الباب .

الزميل لم يورد ولا مشاركة واحدة يُظهر فيها فائدة تُرتجى من علوم الحديث حتى ولو من باب السهو أو الخطأ ولكنه فقط لا يورد إلا ما يظنه إنتقاص لهذه العلوم , ودائماً هو دائم القدح والزم في البخاري وأبو هريرة .... إلخ .

لا أقول أن يورد ما ينصر به هذا العلم فيَبرُز ما يمتاز به الإسلام على النصرانية ... ولكني أقول أن يكون هناك شيئ من الانصاف أو تحري الدقة ولكنه يختصر الأمور في تخرصات لا معنى لها فانظر قوله هذا :

Arrayولا نحتاج الي جهد كبير لنعرف ان وصف ( اسناد ضعيف ) او ما يقابله في عصر نشوء علوم الحديث الاسلامية كان يعني ( راويه ليس من مذهبنا)[/quote]

وهكذا فإن الإسناد من وجهة نظره مُختصر بدون جهد كبير كما يرى في أن الإسناد الضعيف يعني أن راويه ليس من مذهبنا !!!
وماذا عن سند ضعيف ورواته من مذهبنا ؟؟؟ لم يذكر لنا الزميل هذا ولكن كل ما قاله أن الضعيف بدون جهد كبير معناه أن ( راويه ليس من مذهبنا ) !!!

وانظر إلى قوله هذا لتعلم أنه ليس بدارس كما يتخيل البعض وإنما هو مجرد متصيد لبعض العبارات يظنها تخدمه ربما يقع عليها في منتدى أهل الحديث أو غيره فيقول المحترم هكذا :

Arrayمرحلة الاهتمام بالاحاديث العقائدية ( العقدية ) و الفقهية لابد ان تكون متأخرة نسبيا , تأخرا يسمح بظهور المذاهب الفقهية و العقدية التى من خلالها يمكن تقييم المتن

و لم يخف على علماء الاسلام ان فترة كالتى اخذها علم الحديث ليستقر في مفاهيم العامة ( الرواة ) كانت كافية لضياع الاسانيد , او ضياع الصحيح منها

و هذه هي المشكلة التى واجهتهم و التى يدل عليها مذاهبهم

و يكفى تأكيدا لفكرة ( ضياع الاسانيد او الصحيح منها على الاقل ) ان اذكر قول الاعمش[/quote]

وهكذا فإن الزميل أفتى وقسم وصنف بحسب مزاجه دون أن يقدم دليل واحد على ما يقول ولا أشك للحظة أنه لا يعرف ما يتحدث عنه أو حتى يدركه فهو يظن أن مرحلة الإهتمام بالأحاديث ( وخص منها العقائدية والفقهية ) يجب أن تكون متأخرة وهذا الإهتمام من وجهة نظره ربما بسبب أو هو سبب لظهور المذاهب !!!

ولا يُدرك الزميل أن علم الحديث لم والجرح والتعديل لم يظهر عند الشيعة مثلاً إلا في القرن السابع الهجري تقريباً !!!

ثم ذكر قول الأعمش بعد هذا مباشرة هكذا :

Arrayقلت لابراهيم النخعيّ : إذا حدثتني فأسند. فقال : إذا قلت لك : حدثني فلان عن عبدالله فهو الذي حدثني ، وإذا قلت : حدثني عبدالله ، فقد حدثني جماعة عنه ، وقد قال الآمدي بعد ذلك ، ولم يزل ذلك مشهوراً فيما بين الصحابة والتابعين من غير نكير فكان إجماعا[/quote]

وحقيقة لا أدري كيف نفهم من هذا فكرة ضياع الأسانيد ؟؟؟ فظاهر القول ليس فقدان السند وإنما ظاهر القول هو أن جماعة ممن يعرفهم قد رووا له هذا عن عبد الله وليس أنه فقد السند أو أنه ضاع !!!

فانظر إلى هذا وتعجب من فعل الزميل وجزمه أن الإهتمام بالأحاديث العقائدية لم يأت إلا بعد المذاهب أو أن المذاهب هي سبب ظهور ذلك الإهتمام .

العجيب في كل هذا هو جزمه أيضاً أن علماء الإسلام علموا بضياع تلك الأسانيد ويجزم أن هذه مشكلة واجهتهم !!!
الزميل يقول بكل بساطة أن الحديث الضعيف معناه أن الراوي ليس من مذهبنا هل رأيت أعجب من هذا ؟؟؟

يتبع إن شاء الله .

حياك الله أخي الحبيب أيوب وأشكرك على تعقيباتك الهامة

Arrayمن المُلفت فعلاً إهتمام الزميل فانسي بعلوم الحديث بخلاف باقي الزملاء النصارى ولكن ظني أنه ليس بحسب ما فهمت من كلامك أنه يهتم ( بتعلم ) علوم الحديث ليفهمها , ولكني أرى ومن جميع مشاركاته أن غرضه الوحيد هو إبطال هذا العلم أو بيان أن هذا العلم وهمي [/quote]

في البداية كان الزميل يتقرب إلى علم الحديث عن طريق السؤال والاستفهام دون الطعن ، ولكن الملاحظ عنه بعدها بفترة أنه بدأ يتوجه بالطعن وإتيان هذا العلم من غير بابه ، محاولًا التشكيك واللمز والغمز ، لذلك رجوته قائلًا " ليستمر في اطلاعه على هذا العلم ولكن بتجرد وحياد".

ومن طبعي أخي الحبيب أني لا أسيء الظن إلا بعد استنفاد الأعذار ، وأظل أقول لعله كذا ولعله كذا ، حتى لا يبقى عندي حيلة أدفع بها عنه ..

ولكن هناك أمر يجب أن لا يغيب عن بالنا ، وهو أن زميلنا فانسي نصراني ، واخترط في الحوارات مع المسلمين ، فلا بد وأن تتجه دراسته وتميل بقصد أو بدون قصد منه إلى النقد والتحامل أحيانًا ، ولكن على المرء إن أراد الحق لا غير أن يتجرد ، ويبحث دون أحكام مسبقة ، وهو ما نرى فانسي ينحرف عنه ، فيعتمد على تصيد زلة لعالم أو قول مغمور أو خلاف بين العلماء ، ويستعين بالبحث في المنتديات مثل ملتقى أهل الحديث ليأخذ الوجبات جاهزة من طلبة العلم فيه .

ولكن بصراحة أخي الحبيب لا زلت أتوسم فيه خيرًا في أن يبحث بتجرد ويقف مع نفسه لحظة يتفكر فيها بصدق ، فوالله إني أرى فيه خيرًا وطيبة ، وأدعو له ، وأسألك أخي الحبيب أن تدعو له .

أما باقي تعليقاتك أخي الحبيب حول بعض من كلامه فإني سأمر عليه إن شاء الله .

ولك مني السلام والمحبة في الله
العميد

فكرة جيدة
تحياتي للجميع


سعيد برؤية تعليقاتكم
و انتظر الانتهاء منها لابدا الكتابة


تحياتي

لا داعي للانتظار عزيزي فانسي ، فيمكنك أن تبدأ ، بل من الأفضل أن نمسك النقاط واحدة واحدة .

تحياتي
العميد

أخي الحبيب العميد نسأل الله الهداية لفانسي ولجميع الناس . في الحقيقة كنت أود أن أكمل باقي التعليقات على بعض مداخلات الزميل فانسي ولكن كلماتك الرقيقة أثنتني عن هذا فأنا أسعد واستفيد أكثر بقراءة تعليقاتك .

وأنا على يقين أن كل من يبحث عن الحقيقة بحيادية وبدون تعصب أو انحياز فإن شاء الله يصل إليها .

والله من وراء القصد .

بل يعجبنى هذا الحوار الدائر بينك و بين ايوب !
على الاقل يمكننى ان ادخل عندما تقول لي انك انتهيت من تعليقك على حديث ( التربة )

تحياتي