{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
رأس حمدة
عادل نايف البعيني غير متصل
Moderator
*****

المشاركات: 834
الانضمام: Sep 2002
مشاركة: #1
رأس حمدة
رأس حمدة

تسلل صوته همسا مع بعض تندّرٍ:
= افتتح أحدهم ملحمة هناك في رأس الشارع.
= أ أنت جادّ وهل يحتمل هذا الحي الفقير لحّاما.
= تصوّر لقد ذبح العجل على قارعة الطريق، وراح يسلخه أمام الناس.
= لا غير معقول لا بدّ أنّه كان منظرًا مقزّزًا.
= مخيف هذا الرجل عيناه كمرجل حدادٍ، وشارباه يقف عليهما النَّسر.
مضى صديقي، وما مضت كلماته بل بقيت تدور في رأسي، تارة تنتصب ثورا هائجا، وأخرى تتسلل خفية بساطورٍ يقطر دمًا.
شعرت بقشعريرة ما، وأنا أصعد الشارع حيث اللحام، وعندما وقعَتْ عيناي عليه وعلى ما حوله، أحسست بحاجة للإقياء. عدت للبيت وأنا أستذكر من شهور خلت، ما سمعته من أمي وهي تقول لجارتنا أم سعيد:
" يا إم سعيد الناس سمعتِ عم بيقولو إنّا (حمدة) جاي خطيفة،
وجوزها من غير ملّتها.
" الله يجازيها على هالعمله". ردّت أم سعيد.
لَم أهتمّ حينذاك لِما قيل وما يقال من حديث، ولكنّي عرفت لاحقا أنّ ما فعلته حمدة كان خروجًا على العادات والتقاليد، وسمعت أيضا بأنّ عائلتها تبحث عنها، وإن وجدتها فسوف تقتلُها. ولا أدري لماذا أخذتُ خيوطَ ما سَمعتُ من صديقي، ومن أمي وحاولت ربطهما ببعضهما، ولكن بعد جهدٍ مضنٍ استطعت أن اقنع نفسي بأن لا علاقة بين هذا اللحام، و بين حمدة قَمَريّة الوجه لوزية العينين.
ازداد الضجيج في الحي، وكثرت المنازعات، فلا يكادُ يَمضي أسبوعٌ دون أن نخرج من بيوتنا على صُراخِ المتخاصمين، وكثيرا ما كان اللحام واحدا منهم، أو مفرّقا فيما بينهم.
مضت شهور أخرى أصبح بِمقدور "حمدة " أن تخرج من البيت للدكان القريب فتشتري على عجل ما تحتاجه وتعود سريعا إلى بيتها، إنّما لا زيارات، أو مشاوير أبعد من ذلك. فكنت أشعر بالحزن على شبابها المدفون بسبب حبٍّ تجاوز عتبةَ العاداتِ الثقيلة، وارتباطٍ كسرَ حاجزَ الدِّينِ والطائفة. تساءلت مرّة:"كيف يمكن لها أن تمضي حياتها هاربة كالمجرمين، ولكن ليس من وجه العدالة، بل من وجه القهر
والظلم، من وجه من ربيت بينهم وأحبتهم وأحبوها".
غدت حمدة هاجسي، ترافقني عشيّة وبكورا، حتّى بت كثيرا ما أراها تسير حاملة رأسها على صينية فضّية، وتدور به على نساء الحي، قائلة لهنّ:" هذا جزاء من يتزوّج خطيفة، وعقاب من يخر ج عن العُرف والتقاليد.
حتى كان يومٌ انطلقتُ خارجا على أصواتٍ وضجيجٍ وصراخٍ نسائيٍّ، وجّهتُ نظري بحركة لا إراديّة نحو أعلى الشارع حيث اللحام، ربّاه ما أرى ؟!! إنّها (حمده) هناك فوقُ تولول وشعرها المنكوش يتطاير مع حركات جسدها الهارب من شرٍّ سيأتيه، بينما اللحام يجأر والزبد يتقاطر من فمه، وشرارات نارٍ تندفع من عينيه، حاملاً سكينًا عريضًا محنيّ الضهر كعجوز السبعين. ما لبث أن ارتفعَ مزغردًا في الفضاء ليهوي على رقبة (حمدة) ويدها التي جعلتها تِرسا ظنّها أنّها ستردّ عنها الموت.
كانت حمدة تتجه نحو المنحدر، لكنّ الضربةَ كانت أسرعَ من خُطاها. فطار رأسها عن جسدها ليتدحرج مع انحدار الطريق نحوي، منذ البداية حاولتُ تفاديه، راوغته، زغتُ عنه، لكنّ الرعبَ أثقلَ قدميّ، والذعرَ صلّبَ شراييني، قلتُ: أطيْرُ . فلم تسعفْني جناحاي. كل هذا يجري والرأس مستمرٌّ في تدحرجه، ليرتطم أخيرًا بساقيَّ المتخشبتين، ويندفع الدم الأحمر شلاّلا على صدري ووجهي، قفزت مذعورًا كأرنبٍ برّي لأجد نفسي نائما في سريري.
تلمّستُ ذاتي وقلت في نفسي: " الحمد لله كان كابوسًا" تمتمتُ مبسملاً ومحوقلاً، فركتُ عينيّ، قرصتُني برفقٍ، تأكّدتُ من يقظتي، وما كدت أندسُّ تحت اللحاف من جديدٍ، حتى تناهى إلى سمعي صوتُ أمّي تنادي أمَّ سعيدٍ بصوتٍ مرعوبٍ مبحوحٍ:
= قَتَلْها قَتَلْها يا إمْ سعيد طِلِعْ اللحامْ خَيْها لَحَمْدِه.
انتفضْت من جديد وزاد رعبي وخوفي وأنا الطالب الجامعيّ، ما هذا الذي يجري؟ أضغاثُ أحلام، تهيّؤات، كوابيس، تراكمت على صدري ورأسي، حتى الدماء التي رأيتها على صدري و بنطالي لَم تكن أكثر من وهمٍ، حتى صوت أمي ما كان صوتها، وكيف لصوتها أن يتناهى إلي وهي في البيت بينما أنا في العاصمة، مستلق على سريري في هذه الغرفة الصغيرة التي اخترتها مجبرا على سطح إحدى العمارات الشاهقة. ولكن من أين جاءتني كل تلك الأفكار؟. ولماذا الآن بالذات، أيمكن أن يكون قد حدث مكروه ما في مدينتنا؟ ترى هل يصدق حدسي ويحدث ما يدمي الحواس والمشاعر؟ وهل حقًّا يكون مذنبًا من يحبُّ قبل أن يعرف أن الحبيب من غير ملته أو دينه؟ أما آن لنا أن نخرج من تلك العادات
التي تنشر القتل وتزيد العار عارًا حتى بعد ما يسمونه غسل العار.
نعم لا أنكر بأنني أُعجبت بجمال حمده، ورقة روحها وبثقافتها،وانتصارها على التقاليد والأعراف
البالية. وأكبرت فيها تلك الشجاعة التي دفعتها لأن تخطّ طريقا اختارته بعقلها وقلبها. ولكن لَم أشكّ للحظة بأنّها لَم تتحدّ الواقع والأعراف إلا بقدر محبّتها لمن اختارته شريكا لَحياتِها.
خرجت من غرفتي واتجهت نحو الجامعة، وفي الطريق أخذت جريدةً على عجلٍ، أفردْتُ الصفحة الأولى، مرّرت ناظريّ على العناوين الرئيسة، يا الله ماذا أرى؟ عنوان صغير في ذيل الصفحة، " جريمة نكراء في وضح النهار" أخذت عيناي تلتهم الخبر التهاما وكأنّني معنيّ بهذه الجريمة. أكملت القراءة:" عثرت الشرطة على جثة مجهولة الهوية لفتاة في الحي الغربي من مدينة ( س )" رباه إنّها مدينتي.
همت على وجهي، أو هذا ما ظننته، لكن لَم تمض بعض ساعة وبعض الساعة حتى وجدتني في بيتي وجها لوجه مع أمي، التي فوجئت بقدومي المباغت فقالت بوجلٍ:
= خير يا ولدي مش من عوايدك تيجي ببحر الشّهر.
- يمّي شو صاير عندنا بالحي؟
= وصلك الخبر؟ ما عاد في شي يتخبّى هالأيام ..جريمة بشعة يا ابني حرامية دخلو على صيدلية (جريس) وقتلو الصيدلانية فيها وسرقوها وهربو. الله يصطفل فيهم ولاد الحرام بس قُلّي كيف عرفت انت؟.
لا أدري لماذا انفرجت أساريري، وشعرت بارتياح ما.
- انت قلتيها يا إمي ما عاد في شي يتخبّى هالأيام.
ثم قصصت حلمي على أمي، حتى قراءتي خبر الجريمة البشعة، وأنا الذي لا أحبّ سرد الأحلام.. تبسّمت أمي وقالت:
= "لا تشغل بالك يا ولدي بهالأمور. كل شي تغيّر بهالزمن ( حمدة ) بِخير.
لَم أستوعب مقصد أمي، ولَم أشأ أن ألحّ عليها بالسؤال خشية أن تظن بي الظنون، فرحت أتشاغل بترتيب مكتبتي الصغيرة، ريثما يجهز الغداء وأعود لجامعتي، فجأة زغرد صوت أمي على عجل:
= سمير ..سمير تعال.. تعال بسرعة !! كانت أمي تقف على الشرفة المقابلة للشارع العام ، هرعت إليها كما أرادت ؟؟ أومأت برأسها نحو رصيف الشارع. ربّاه إنّها حمدة!! تسير مع شاب في مثل وسامتها وبيدها كتب؟ أردفت أمّي قائلةً:
" هذا خيّها أحمد جاء مع أهله من شهر حتى يباركوا لحمدة وزوجها،
عزموا الحارة وعملولها أحلى سهرة وفرحة". قلت بدهشة واستغراب:
واللحام وين صار اللحام؟
= ماذا ..ما علاقة اللحام بحمدة ؟
بلعت كلامي، وتذكرت أنّ تهيّؤاتي عن اللحام كانت بيني وبين نفسي فقط، ملأت رئتي بأكثر ما يمكن من الهواء، وتمتمتُ: "الحمد لله أنّني لست في حلمٍ".

محبتي ومودتي
[font=Times New Roman]
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 12-10-2007, 10:22 PM بواسطة عادل نايف البعيني.)
12-10-2007, 10:21 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
طارق الطوزي غير متصل
عضو فعّال
***

المشاركات: 78
الانضمام: Mar 2007
مشاركة: #2
رأس حمدة
معتمد دلالي معتم في ساحة في ساحة تنبؤ عن استكشاف هاوية، " اللحام "، هاجس مرعب لإحقاق قديم يدعي إطلاقا تملك الصواب، صورة تحمل من الثقافي الراهن زخم النطق و لعنة الثورة...
القص كمن يحتكم إلى سلوكيات وسط ضياع تتلاشى بعض تفاصيله، حيث التعدد الدلالي للصورة المحورية، الحلم، الرؤيا، الهاجس... فيمتد بنا حيث القلق و الرهاب و التطلّع...
اللمحة الموضوعية تحتفل بإيديولجيا إنسانية متعددة، ترسم قراءة لقيم تتحول وسط هياج رفض المنغلق...
البناء القصصي متميز، تواصلت و تعددت أركانه البنائية بتناسق، حتى الفضاء الخطابي الذي بدا موجها في بعض مناطق القص كان تلبسا لرؤيا شبابية تعتمد تعبير منطق الفضيلة المتسامي...

كلّ التقدير...
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 12-12-2007, 01:50 PM بواسطة طارق الطوزي.)
12-12-2007, 01:48 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
بنى آدم غير متصل
من أين جاء العالم وأين ينتهى ؟
*****

المشاركات: 2,287
الانضمام: Mar 2007
مشاركة: #3
رأس حمدة
قصة جميلة محمد

متفائله على غير الواقع
ولو كانت المقتولة بالأول حمده لكانت قصة جميلة اما الطريقة التى اكملت بها القصة محمد فأكثر من جميله لأنها تجعلنا نبتهج للحياه وهى قصة كل مصر ونجع وقريه ولكن النهاية ليس دائما سعيده

تحياتى لك ولطارق
12-25-2007, 04:14 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
عادل نايف البعيني غير متصل
Moderator
*****

المشاركات: 834
الانضمام: Sep 2002
مشاركة: #4
رأس حمدة
Array
معتمد دلالي معتم في ساحة في ساحة تنبؤ عن استكشاف هاوية، " اللحام "، هاجس مرعب لإحقاق قديم يدعي إطلاقا تملك الصواب، صورة تحمل من الثقافي الراهن زخم النطق و لعنة الثورة...
القص كمن يحتكم إلى سلوكيات وسط ضياع تتلاشى بعض تفاصيله، حيث التعدد الدلالي للصورة المحورية، الحلم، الرؤيا، الهاجس... فيمتد بنا حيث القلق و الرهاب و التطلّع...
اللمحة الموضوعية تحتفل بإيديولجيا إنسانية متعددة، ترسم قراءة لقيم تتحول وسط هياج رفض المنغلق...
البناء القصصي متميز، تواصلت و تعددت أركانه البنائية بتناسق، حتى الفضاء الخطابي الذي بدا موجها في بعض مناطق القص كان تلبسا لرؤيا شبابية تعتمد تعبير منطق الفضيلة المتسامي...

كلّ التقدير...
[/quote]
الناقد الأديب الطوزي
تحية طيبة
تسعدني طلتك وإبداء رأيك البناء في العمل
ويسعدني أكثر أنك استطعت بتميزك النقدي أن تقدم نقدا مميزا
أشكرك ثانية وأرجو أن نسعد بالاستفادة بما تقدم
محبتي ومودتي
12-25-2007, 11:37 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 2 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS