المستقبل - الجمعة 18 كانون الثاني 2008 - العدد 2850 - الصفحة الأولى - صفحة 1
تنتشر زراعة خشخاش الأفيون الذي يجري تحويله إلى مخدر الهيروين، بشكل سريع في العراق بعدما وجد المزارعون أن زراعة المحاصيل التقليدية لم تعد تكفي لتلبية حاجاتهم المعيشية، على ما أفادت صحيفة "الاندبندانت" البريطانية امس.
وقالت الصحيفة إن مزارعين أفغان خبراء في زراعة الخشخاش يساعدون نظراءهم العراقيين على التحول إلى زراعة الأفيون في المناطق الخصبة من محافظة ديالى التي كانت مشهورة سابقاً بزراعة البرتقال والرمان وتقع إلى الشمال الشرقي من العاصمة بغداد، مشيرة نقلاً عن مصدر محلي إلى أن الخشخاش يُزرع بين أشجار البرتقال لإخفائه عن الأعين.
واضافت أن حقول الخشخاش "امتدت من مدينة الديوانية في جنوب العراق إلى محافظة ديالى" والتي تعد إحدى مناطق العراق التي لا يزال تنظيم "القاعدة" ينشط فيها، وتشن القوات الاميركية والعراقية حملة على التنظيم منذ اسابيع بمساعدة من مجالس الصحوة السنية.واشارت الصحيفة إلى أن العراق لم يكن من قبل مستهلكاً كبيراً للمخدرات، غير أن الهيروين المهرّب من أفغانستان يُنقل من إيران إلى البصرة ويجري تصديره من هناك إلى بعض دول الخليج.
وقالت إن زراعة وتهريب الأفيون يصعب وقفهما بسبب خضوع معظم مناطق العراق لسيطرة الميليشيات المسلحة، محذرة من أن انتقال أمراء الحرب المحليين، سنة وشيعة، إلى زراعة الأفيون يعد تطوراً خطيراً في العراق حيث القيادات السياسية المحلية غالباً ما تتحالف مع زعماء العصابات الذين يتولون تنظيم وتمويل إنتاج الأفيون في البلاد.
العراق على طريق «الأفغنة»: نمو مضطرد لزراعة الخشخاش
بعقوبة (العراق) - محمد التميمي الحياة - 15/02/08//
الميليشيات في العراق تحمي زراعة الخشخاش (أ ف ب)
يتساءل عدد من المراقبين للوضع العراقي ما اذا كان ما يجري في العراق، على صعد مختلفة، يسير باتجاه «أفغنة العراق» مدعمين تساؤلهم بعمليات تهريب للمخدرات من بعض دول الجوار، وإشاعة تعاطيها في المجتمع العراقي.. وأخيراً استجد ما يعزز هذه المخاوف: زراعة الخشخاش في محافظة ديالى بعد إحباط محاولات سابقة. وعزا مسؤولون تفشي هذه الزراعة الى غياب دور الدولة والأجهزة الأمنية، فيما دعا وجهاء محليون رجال الدين الى الإفتاء بتحريمها، زراعة وتعاطياً، خشية انجراف المراهقين والشباب نحو الإدمان .
وأكد مصدر أمني لـ «الحياة» ان «مفارز الشرطة المتخصصة دهمت مزرعة في بلدة قرة تبة (155 كلم شمال شرقي بعقوبة) بعد ورود معلومات تؤكد وجود نباتات غريبة مزروعة بين أشجار البرتقال»، مشيراً الى أن «صاحب المزرعة اعترف بزراعة الخشخاش الذي يستخرج منه الأفيون بغرض تصديره الى الرمادي وباستيراده البذور من خارج البلاد».
ويعتقد مصدر أمني رفض الكشف عن اسمه بأن «محافظة ديالى تعتبر أكثر المناطق العراقية أهلية لزراعة المخدرات بسبب انفلات الحدود التي تعتبر المورد الرئيسي للبذور». مشيراً الى ان «مزارع الخشخاش الممتدة على طول نهر الفرات بالقرب من مدينة الديوانية (جنوب العراق) يمولها مهربون كانوا في السابق يجلبون المخدرات من أفغانستان إلى دول الخليج الأخرى ثم انتقلت هذه التجربة الى العراق وظهرت عام 2004 في مدينة ديالى، وتحديداً في قرى جنوب بعقوبة وأقضيتها مثل ناحية بهرز المشهورة بزراعة البرتقال».
وعلى رغم ان زارعي الخشخاش لم يلقوا حظاً وافراً في إنتاجها وتصديرها في مدينة ديالى، يعزو قائد شرطة المدينة، اللواء غانم القريشي لجوء البعض الى زراعة الخشخاش الى غياب الرقابة واهتمام الجهات المسؤولة بملف العنف والخلافات والسعي الى إنهاء وجود الجماعات والتنظيمات المسلحة في بعقوبة ما انعكس على الواقع العام للمدينة، لذلك فان عدداً من المهمات غير الأمنية لم تنط بالشرطة او الجيش في هذا الخصوص»، مؤكداً أن «زراعة المخدرات لم تصل بعد الى مستوى الخطر الذي يهدد الوضع الاجتماعي والصحي كونها في المراحل الأولى وبالإمكان القضاء عليها، خصوصاً ان هناك تجارب فشلت في هذا المجال بعد اكتشاف الأجهزة الأمنية نباتات غريبة مزروعة بين أشجار الرمان في ناحية بهرز وقرة تبة والخالص والسعدية وجنوب بلدروز التي تعتبر مناطق ساخنة أمنياً بسبب وجود الجماعات والتنظيمات المسلحة». وقال إن «مديرية الشرطة بدأت اتخاذ تدابير وإجراءات للحد من زراعة المخدرات او المتاجرة بها».
إلا أن وجهاء المدينة وشيوخها أكدوا اتساع نطاق هذه الزراعة في المدينة التي ما زالت تشهد وجوداً ملحوظاً لتنظيم «القاعدة»، فضلاً عن ان سكانها يعيشون انقساماً طائفياً وعرقياً بين الشيعة والسنة والأكراد، داعين رجال الدين الى اصدار فتوى دينية بتحريم زراعة المخدرات وتداولها. ويشير الشيخ فلاح التميمي الى ان لجوء البعض الى زراعة الخشخاش في ديالى هو بفعل ما توفره هذه الزراعة من فوائد مادية كبيرة في ظل التردي الأمني والاقتصادي للمزارعين الذين وجدوا في زراعتها كسباً سريعاً يفوق ما تعود عليهم به المحاصيل الزراعية التقليدية من فوائد ربحية، كما ان بقاء المقاتلين الأجانب وخصوصاً الأفغان منهم في بعقوبة فترة طويلة كان وراء إقناع بعض المزارعين باستخدام أراضيهم في زراعتها ومنهم من فعل ذلك بعدما فرض تنظيم «القاعدة» سيطرته على معظم النواحي والأقضية في المحافظة، وخصوصاً وادي ديالى الذي فر سكانه منه بسبب أعمال العنف».
وكانت تقارير صحافية اتهمت «المرتزقة» العاملين في الشركات الأمنية الخاصة (80 ألف مجند أهلي في 350 شركة امنية 35 منها أميركية وبريطانية وأوروبية متعددة الجنسيات) بالوقوف وراء تفشي تجارة المخدرات التي كانت حتى الأمس القريب غير معروفة في البلاد، مشيرة الى ان «بعض موظفيها في العراق مارس تجارة المخدرات ولم يفتح أي تحقيق في شأن تلك الممارسات». وكانت صحيفة «التايمز» البريطانية أشارت في تقرير سابق لها الى «قضية 9 جنود بريطانيين ممن خدموا في العراق متهمين بتجارة المخدرات»، ونقلت الصحيفة عن انطونيو كوستار رئيس مكتب مكافحة المخدرات والجرائم في الأمم المتحدة تفسيره لهذه الظاهرة في العراق قوله: «إن عقداً من العقوبات الصارمة على العراق أوجد شبكة واسعة النطاق من مهربي النفط ومشتقاته بتخطيط من نظام صدام، وبعد الحرب وسقوط ذلك النظام اصبح الآلاف من العاملين في شبكات تهريب النفط بلا عمل فحولوا مهاراتهم وجهودهم باتجاه تهريب المخدرات والمواد غير المشروعة».
محاذير دولية
وما يعزز الرأي القائل بتفشي المخدرات في العراق تقرير بريطاني عن زراعة خشخاش الأفيون الذي يتم تحويله إلى الهيرويين يؤكد أنها بدأت تنتشر في شكل سريع بعد أن وجد المزارعون أن الزراعة التقليدية لا تلبي حاجاتهم المعيشية. وحذر التقرير من ان يؤدي نجاح «زراعة الأفيون وتهريبه الى صعوبة الحد من انتشار زراعة المخدرات بسبب خضوع معظم المدن لسيطرة الميليشيات المسلحة»، محذراً من «انتقال أمراء الحرب المحليين، من سنة وشيعة، إلى زراعة الأفيون الذي يعد تطوراً خطيراً في العراق إذ ان القيادات السياسية المحلية غالباً ما تتحالف مع زعماء العصابات الذين يتولون تنظيم إنتاج الأفيون في البلاد». وفي هذا الوقت أكدت تقارير دولية ان تجارة المخدرات باتت اكثر تنظيماً، وتتخذ في العراق ممرين رئيسيين: فمافيا المخدرات الإيرانية والأفغانية تتخذ من جهة الحدود الشرقية الوسطى والجنوبية ممراً يصل بها الى دول الخليج وأفريقيا الشمالية، وتتخذ الحدود الشمالية عبر اقليم كردستان ممراً ثانياً باتجاه تركيا ودول البلقان وأوروبا الشرقية، في وقت لا يمكن استثناء عناصر من حزب العمال الكردستاني عن هذا النشاط بحسب تقارير استخبارية، كشفت عنها الصحافة الدولية.
وفيما تعتقد مصادر في عودة اللاجئين العراقيين الذين كانوا يقيمون في إيران لأسباب سياسية سبباً في انتعاش سوق «الترياق» المنتج في إيران بعد تهريبه عبر الحدود، يعتبر عام 2003 عام الترويج والإدمان وفق الشرطة العراقية التي أكدت إحباط 21 عملية تهريب لطنين من الحشيش والهيرويين في محافظات كربلاء والنجف والبصرة والحلة والعمارة، كانت أكبرها مصادرة 335 كيلوغراماً مهربة من إيران. وفي عام 2004 ارتفع عدد الحوادث المتعلقة بالمخدرات الى اكثر من 54 قضية متشابهة في حيثياتها، غير ان الكثير منها تشترك بكون المهربين كانوا دخلوا بصفة زوار للعتبات المقدسة في العراق. وفي عام 2006 سجلـــت دوائر الشرطة في محافظات البصرة والناصرية والعمارة 73 قضية مخـــدرات أهمها تهريب 586 كيلوغراماً من الحشيــــش و9700 من حبوب الهلوسة. وفي كربلاء أيضاً ضبطت الشرطة كميات كبيرة من المخدرات في قضايا تهريب لعل أهمها كميات تصل الى طنين من المخدرات في حصن الاخيضر الأثرى القريب من كربلاء.
ولم تكن محافظة الكوت بعيدة من ذلك، إذ أشارت مصادر حكومية الى «اعتقال اكثر من 70 متهماً بتجارة المخدرات وضبط شحنة تصل الى 3900 كلغ من الحشيش والهيرويين والمورفين والترياق، فضلاً عن عشرات الآلاف من حبوب الهلوسة. في حين سجلت شرطة محافظة ديالى قضايا عدة وجرائم تهريب مشابهة .
وبحسب تقرير الوكيل السابق لوزارة الداخلية احمد كاظم ابراهيم فان العراق اصبح بيئة آمنة لتجارة الجنس والمخدرات، اذ يشير الى ان البصرة والعمارة أصبحتا مخزناً كبيراً لأطنان من المخدرات الآتية من ايران.
وعلى رغم اتهام الشركات الأمنية الأجنبية العاملة في العراق، إلا أن وجهاء في ديالى وجهوا أصابع الاتهام الى عناصر تنظيم «القاعدة» بالوقوف وراء زراعة المخدرات في بعقوبة بغرض تمويل عملياتهم المسلحة في المدينة والمدن العراقية الأخرى، كما يجري الآن في أفغانستان، وهذا ما يؤكده مدير زراعة ديالى ماجد خليل الذي يعتبر أن «زراعة المخدرات ما زالت في طور النمو بالنسبة الى مزراعي ديالى ولا يمكن التكهن بنجاحها خصوصاً بعد طرد مسلحي القاعدة من المدينة»، نافياً في الوقت نفسه وجود عدد يذكر من المساحات الزراعية التي تحولت الى مزارع للمخدرات كما يشاع.
الموت يأتي الى «سيدة الشجر» ... نخيل البصرة من 13 مليوناً عام 1977 إلى أقل من مليونين
البصرة - طالب عبدالعزيز الحياة - 15/02/08//
أكثر من 60 سنة مرت على مطالبة أحد موظفي دائرة الزراعة في البصرة الحكومة الملكية آنذاك بتقليل عدد أشجار النخيل من اجل زراعة الأرض بأشجار أخرى بعد أن ضاقت المساحات بـالـ13 مليون نخلة المثمرة، وهو مجموع أشجار النخيل في المدينة الجنوبية، والتي كانت توصف حقاً بأنها «غابة لا تحد وأنهار لا تعد».
وحتى منتصف الستينات من القرن الماضي كان عدد أشجار النخيل في البصرة أكثر من 13 مليون نخلــــة من مجموع نخيل العراق البالـــغ 30 مليوناً، ويؤكد الباحثون أن تسميــــة العراق بأرض السواد جاءت من مشاهد غابات النخيل في البصرة حين كان العراق يعني البصرة فقط، ومعروف لدى الجميع أن لفظة العراقين تعني البصرة والكوفة.
ويقول الشيخ عبدالقادر باش أعيان في كتابه «النخلة»: «تكاد البصرة تنفرد عن بقية مدن الأرض بالنسبة الى تأثير الفيضان فيها، فهي لا تتأثر به بل العكس تماماً، فهو يغسل أراضيها من كميات الملوحة التي يسببها قربها من البحر، وكانت المواسم التي تعقب الفيضان من أفضل المواسم الزراعية فيها، إذ تصبح أراضيها خصبة خالية من الأملاح، ومعدّة لزراعة مختلف أنواع المزروعات، وبخاصة النخيل».
وتنفرد البصرة بوجود اكثر من 350 نوعاً من التمر بين التجاري الذي يصدر، كالحلاوي والساير والزهدي والخضراوي... وبين الخاص الذي يستخدم للاستهلاك المحلي، كرطب البرحي والبريم والقنطار. وكانت أول باخرة محملة بالبلح تغادر ميناء المعقل (10 كلم شمال البصرة) في مطلع الشهر العاشر من كل سنة متوجهة إلى اميركا، ثم تتوالى السفن الكبيرة منها والصغيرة تجوب بحار العالم شرقاً وغرباً حاملة تمر البصرة إلى العالم.
سنوات وصفت بالذهبية
كانت الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي سنوات ذهبية بالنسبة الى إنتاج التمور في البصرة من ناحية الكمية والجودة، ولعل جملة أسباب تقف وراء ذلك، فلم يكن النفط عرف بعد ليصبح مصدراً رئيساً للاقتصاد، بل لم يكن الفلاحون أنفسهم سمعوا بعد بمقدار كمية النفط في العراق ومخزونه منه، وإنما كانوا يعتقدون بأن التمر والتمر وحده هو المصدر الحقيقي للحياة ومن دونه لا معنى للعيش .
ويعتقد التجار وكبار ملاكي البساتين بأن النظام الضريبي المعمول به آنذاك كان شجع على استثمار أموالهم في زراعة النخيل وتجارة التمور، حتى صار يعرف الملاك الحقيقي بمقدار ما يمتلك من أشجار النخيل، والنخل هو المعنى الأول للثراء في البصرة.
صناعة التمور في البصرة
كان أهل البصرة أشهر الناس في تصنيع التمور، وتفننوا في صناعاتها، وتطورت هذه الصناعة في شكل كبير منتصف القرن الماضي، عندما كان يصدر بالخصاصيف والأقفاص المصنوعة من السعف والجريد قبل دخول الصندوق الخشب، وصار التمر يعلب بعلب خشبية وبمختلف الأحجام، فانتشرت المكابس الكبيرة على ضفتي شط العرب بفضل التجار الكبار الذين فتحوا لهم فروعاً في لندن ونيويورك وبيروت وغيرها .
ولعل التاجر البريطاني المشهور أندرو ويت الذي دخل العراق مع بداية الحرب، من أول التجار الذين عرفوا أهمية تمر البصرة، فأنشأ شركة لصناعة التمر صارت في ما بعد أكبر مستودع للتمور في العالم وهي المنطقة المسماة اليوم بنهير الليل عند مدخل نهر الخندق من جهة شط العرب، ثم توالت المكابس يقيمها تجار البصرة وصار اسم «بيت حنا الشيخ» و «بيت جوك» و «بيت اصفر» و «مارين» و «الداوود» وغيرها «ماركات» مشهورة في عالم «الصناعة التمرية».
ويقول المعنيون إن العد العكسي لصادرات البصرة من التمور بدأ بانهيار الحكم الملكي، ومجيء الجمهوريات التي اتجهت الى النفط بكل طاقاتها، وفتحت الشركات وصار الفلاح يترك حقله ليعمل بأجر يومي هو في الحقيقة أضعاف ما كان يحصل عليه، ثم ان النظام السياسي صار يضايق الملاكين فهربت غالبيتهم إلى دول الخليج والدول الأوربية للبحث عن فسحة الأمان المفقودة في البصرة، وللحفاظ على رؤوس الأموال التي باتت مهددة من جانب النظام .
ويقول الحاج عبدالرزاق العلي أحد المكبسين المعروفين في البصرة «إن المتاجرة بتمر البصرة اليوم لا تؤمّن للتاجر حاجته، وإذا لم يستورد من الناصرية والحلة وغيرهما، فإنه لا يستطيع سد حاجة السوق، لأن مساحات شاسعة من البساتين خرجت تماماً من كونها مصدرة للتمر، فـ «الفاو» هذه المدينة التي كانت تشكل المصدر الرئيس للإنتاج لم تعد كذلك، وهي اليوم عبارة عن صحراء بطول 100 كلم خالية من النخل إلا من نخلة أو نخلتين بعد أن جرفت الحرب العراقية - الايرانية ما كان على أرضها».
تهريب الفسائل الى ايران
يقول حميد صالح حمود، رئيس المجلس البلدي لناحية البحار التابعة لقضاء الفاو ان على رغم عودة بعض الفلاحين إلى المنطقة، إلا أن ما يزرع اليوم لا يتناسب مع المساحة الكبيرة الخالية، والمشكلة الأكبر، من وجهة نظره، هي أن المنطقة ما زالت تعاني وجود مئات الآلاف من الألغام التي لم تُنزع والتي تتسبب بإعاقات للناس فضلاً عن تحولها إلى صحراء بعد أن كانت واحة من نخل وفاكهة.
وهناك مشكلة أخرى تقف وراء انخفاض عدد أشجار النخيل في البصرة وهي تهريب الفسائل من النوع الجيد المسمى محلياً بالبرحي إلى إيران ودول أخرى عبر شط العرب، على رغم ندرة هذا النوع، فضلاً عن ارتفاع نسبة الملوحة في الأراضي بسبب شح المياه وعدم قيام الدولة بكري الأنهار الكبيرة، ما أدى إلى انخفاض مستوى المد والجزر وذلك بسبب الطمي والغوارق الكثيرة التي سدت مجرى الشط الكبير .
ويقول جمعة خضير عيسى، معاون مدير زراعة البصرة، إن دائرته استحدثت آلية جديدة لإكثار عدد الفسائل وذلك بإقامة 4 محطات لأمهات النخيل في مناطق من البصرة، هي: القرنة، والبرجسية، والفاو والهارثة، وهي مشاريع حديثة تعتمد على زراعة الفسائل والعناية بها بمساعدة كلية الزراعة والجمعيات الفلاحية من أجل تزويد المزارعين بالفسائل وبعد أربع سنوات تؤخذ الفسائل الناشئة منها على أن تهدى الأم الى المزارعين.
ويحدد مدير زراعة أبي الخصيب، احمد شهاب، عدد نخيل البصرة بعد عام من توقف الحرب العراقية - الإيرانية، وفي ضوء إحصائية عام 1989 بمليون وتسعمئة ألف نخلة بعد أن كانت تقدر عام 1977 قبل اندلاع الحرب مع إيران بـ3 سنوات بأكثر من 13 مليون نخلة.
ويتحـــدث شهاب عن عوائل النخيل إذ كانـت الفسائل تزرع بوجود النخلة الأم والنخلة الجدة وكلها مثمرة، لكن طريق التعاون الذي فتحه الجيش العراقي من «منطقة الخورة» حتى آخر نقطة في «رأس البيشة» في الفاو تسبب في جرف آلاف الهكتارات من الأرض الزراعية وتحويلها إلى مراصد وسواتر حربية جعلت من المنطقة هذه والبالغ طولها أكثر من 120 كلم أرضاً بوراً، ما أخرجها من كونها أراضي زراعية، كما ان غلق مئات الأنهار وتحويل مجاريها تسببا في رفع نسبة الملوحة في التربة بحيث لم تعد الزراعة ممكنة فيها.
ويؤكد رئيس الجمعيات الفلاحية أن البصرة لا تنتج اليوم اكثر من 1-10 مما كانت تنتجه في السابق، فقد توالت التراجعات سنة بعد أخرى حتى أجهز عليها بالكامل النظام السابق أثناء حربه مع إيران، بعد هجرة الفلاحين وتجريف الغابات الكثيفة من النخيل والبساتين على ضفتي شط العرب.
وبذلك خرجت تمور البصرة منذ ثمانينات القرن الماضي من السوق العالمية، فأغلقت مكاتب التجار في لندن وفرنسا وأميركا والهند وجنوب شرقي آسيا وبلدان الخليج، حتى نسيت الأسواق العالمية المدينة بصفتها منتجاً لأقدم أنواع التمور وأجودها بعد أن كان إنتاجها منها تجاوز الـ130 ألف طن سنوياً.
البصرة تستورد تمورها من المحافظات المجاورة
والمتبضع من أسواق البصرة اليوم يأخذه العجب، فقد اختفت أنواع كثيرة من تمورها، وما هو معروض في السوق منها لا يدل على سابق عهدها به كأشهر مدينة للتمر في العالم، بل إن من يبحث عن الأنواع الممتازة من التمور لا يجدها في تمر البصرة، بل في تلك التمور التي تصلها من محافظات كربلاء وديالى وبغداد وغيرها من مدن النخيل الأخرى، فتمر البصرة صار أصغر حجماً وأقل جودة بفعل العوامل التي ذكرناها.
الجدير ذكره أن الحرب الأخيرة (2003) تسببت هي الأخرى بإلحاق أضرار كبيرة بالمناطق الزراعية في مناطق الفاو وأبي الخصيب وقضاء شط العرب جراء نزوح المئات من عوائل العرب المعدان الذين استوطنوا في بساتين الملاكين الخليجيين خصوصاً الذين لم يتمكنوا من العناية بها بسبب الوضع الأمني الحالي وضعف الدولة وعدم قدرتها على حماية الأراضي التي تقع تحت سيطرتها بموجب القوانين العراقية حيث تسيطر دائرتا عقارات الدولة وأموال القاصرين على الكثير من هذه الأراضي والتي تعرضت مستنداتها الرسمية إلى التزوير والاستملاك من جانب لصوص العقارات.