حدثت التحذيرات التالية:
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(958) : eval()'d code 24 errorHandler->error_callback
/global.php 958 eval
/showthread.php 28 require_once
Warning [2] Undefined variable $unreadreports - Line: 25 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 25 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/showthread.php 28 require_once
Warning [2] Undefined variable $board_messages - Line: 28 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 28 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/showthread.php 28 require_once
Warning [2] Undefined property: MyLanguage::$bottomlinks_returncontent - Line: 6 - File: global.php(1070) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(1070) : eval()'d code 6 errorHandler->error_callback
/global.php 1070 eval
/showthread.php 28 require_once
Warning [2] Undefined variable $jumpsel - Line: 5 - File: inc/functions.php(3442) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/functions.php(3442) : eval()'d code 5 errorHandler->error_callback
/inc/functions.php 3442 eval
/showthread.php 673 build_forum_jump
Warning [2] Trying to access array offset on value of type null - Line: 5 - File: inc/functions.php(3442) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/functions.php(3442) : eval()'d code 5 errorHandler->error_callback
/inc/functions.php 3442 eval
/showthread.php 673 build_forum_jump
Warning [2] Undefined property: MyLanguage::$forumjump_select - Line: 5 - File: inc/functions.php(3442) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/functions.php(3442) : eval()'d code 5 errorHandler->error_callback
/inc/functions.php 3442 eval
/showthread.php 673 build_forum_jump
Warning [2] Undefined variable $avatar_width_height - Line: 2 - File: inc/functions_post.php(344) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/functions_post.php(344) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/inc/functions_post.php 344 eval
/showthread.php 1121 build_postbit
Warning [2] Undefined array key "tyl_unumrcvtyls" - Line: 601 - File: inc/plugins/thankyoulike.php PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/plugins/thankyoulike.php 601 errorHandler->error_callback
/inc/class_plugins.php 142 thankyoulike_postbit
/inc/functions_post.php 898 pluginSystem->run_hooks
/showthread.php 1121 build_postbit
Warning [2] Undefined array key "tyl_unumptyls" - Line: 601 - File: inc/plugins/thankyoulike.php PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/plugins/thankyoulike.php 601 errorHandler->error_callback
/inc/class_plugins.php 142 thankyoulike_postbit
/inc/functions_post.php 898 pluginSystem->run_hooks
/showthread.php 1121 build_postbit
Warning [2] Undefined array key "tyl_unumtyls" - Line: 602 - File: inc/plugins/thankyoulike.php PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/plugins/thankyoulike.php 602 errorHandler->error_callback
/inc/class_plugins.php 142 thankyoulike_postbit
/inc/functions_post.php 898 pluginSystem->run_hooks
/showthread.php 1121 build_postbit
Warning [2] Undefined array key "posttime" - Line: 33 - File: inc/functions_post.php(947) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/functions_post.php(947) : eval()'d code 33 errorHandler->error_callback
/inc/functions_post.php 947 eval
/showthread.php 1121 build_postbit
Warning [2] Undefined variable $lastposttime - Line: 9 - File: showthread.php(1224) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/showthread.php(1224) : eval()'d code 9 errorHandler->error_callback
/showthread.php 1224 eval





{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
سياسات الرغبة
لايبنتز غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 409
الانضمام: Jun 2007
مشاركة: #1
سياسات الرغبة

سياسات الرغبة

دراسة فلسفة دولوز السياسية






انور مغيث



أنحصر اهتمام الفلسفة السياسية الكلاسيكية في موضوع البحث عن أفضل نظام لحكم البشر.وفي هذا الإطار جاءت جهود أفلاطون وأرسطو والفارابي ، ولكن مع التحقق التاريخي للحداثة تغير موضوع اهتمام الفلسفة السياسية لينصب على البحث في الأسس التي يقوم عليها المجال السياسي كظاهرة إنسانية.

أصبحت نظرية العقد الاجتماعي نموذج بدأت الفلسفة السياسية في تكريسه والاقتداء به . وقد تفاوتت تجليات هذه النظرية من هيمنة مطلقة للدولة عند هوبز إلى أولوية الفرد عند جون لوك ، وحتى نقد الإرادة الكلية عند جان جاك روسو ، إلا أن هذه الأطروحات جميعا قد دارت حول تأسيس الممارسة السياسية ووسائلها و غايتها وعلى هذا المنوال سارت جهود كانط وجون ستيوارت مل وهيجل زمن ومن بعده .

وقد واجه هذا التحديد للفلسفة السياسية أزمة كبرى مع قدوم الماركسية وأذدياد تأثيرها الفكري فلقد قضت الماركسية على الطابع النظري التأملي للفلسفة السياسية وحولته إلى مشروع عملي وحددت له غاية قصوى هي التحرير الإنساني ، كما ربطت هذه الغاية بفكرة الثورة التي كان ينظر إليها في الفلسفة السياسية نظرة سلبية.

ونتيجة لتأثير الماركسية حدث استقطاب حاد في الفكر الفلسفي السياسي وأصبح إما انحياز للمشروع التحريري وإما دفاعا عن الليبرالية ، وتوارت خلف هذا الاستقطاب كل محاولات الفلسفة السياسية بمعناها التقليدي أو الحداثي .

وقد وصل هذا الاستقطاب إلى طريق مسدود إذ أدت الماركسية الرسمية إلى تكريس النموذج السوفيتي على المستوى الأممي وإلى الهيمنة النظرية للأحزاب الشيوعية في كل بلد على حدة ، وهو أمر قد ضاق به الكثير من المفكرين الماركسيين أنفسهم . ومع انهيار الاتحاد السوفيتي اطلقت الليبرالية مقولة نهاية التاريخ التي تغلق باب الاجتهاد في وجه تأملات الفلسفة السياسية . إزاء هذا الوضع المأزوم تبدت في الأفق ملامح نهضة جديدة للفلسفة السياسية ، فعادت لتحتل مكانة مرموقة في الفكر الفلسفي في النصف الثاني من القرن العشرين.

البنيوية والفكر السياسي

في فرنسا كان الأدباء دائما هم أصحاب المواقف السياسية التي تدافع عن القيم الإنسانية ، ولكن بعد الحرب العالمية الثانية إنتقلت هذه المهمة إلى الفلاسفة ، ورغم أن كتابات هؤلاء الفلاسفة كانت نادرا ما تتعرض لقضايا الفلسفة السياسية ، تباروا جميعا في اتخاذ المواقف العملية تجاه القضايا السياسية المطروحة والتي فرضتها طبيعة المرحلة التي تتسم بالحرب الباردة والتحرير من الاستعمار.

ويشير فانسان ديكومب إلى أهمية إتخاذ مواقف سياسية في المشهد الثقافي الفرنسي قائلا لقد كان الموقف السياسي للفيلسوف هو الذي يحدد المعنى الأخير لمحمل فلسفته (1) . وكان جان بول سارتر هو النموذج الأوضح لهذه الظاهرة الجديدة، لم يكن كتابه "الوجود والعدم" عام 1942 حاملا لأي رسالة سياسية ولكن بعد تحرير فرنسا من الاحتلال النازي كتب "الوجودية نزعة إنسانية" وفيه تتضح ملامح الالتزام السياسي لديه حيث يرى أن "الإنسان هو مستقبل الإنسان" إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواطن الصادر إبان الثورة الفرنسية 1789 ينبغي له بالفعل أن يكون عالميا وأن يمتد إلى كل البشر ، إن الديمقراطية والحرية والعدالة هي قيم كونية لكل البشر ، ومن هنا جاء التقاؤه بالنزعة الأممية في الماركسية ، وتبنيه لكثير من مواقف الحزب الشيوعي ، كما إنحاز إلى جانب المناضلين من أجل تحرير الجزائر وكتب في مقدمة كتاب "معذبو الأرض" لفرانز فانون أن العالم الثالث سوف يمد البشرية بالإنسان الجديد .

وفي منتصف الخمسينات ظهرت أعمال عالم الأنثروبولوجيا كلودليفي شتراوس لتعلن عن منهج جديد في العلوم الاجتماعية وهو البنيوية وكان ليفي شتراوس متحفظا في اتخاذ مواقف سياسية علنية ، وإذا كان قد عبر عن تأثره بالماركسية إلا أنه قدمها باعتبارها علما لدراسة المجتمع وليست دليلا للعمل السياسي.

وقدم شتراوس عددا من الأطروحات العلمية كانت لها أثار سياسية عميقة . فلقد أظهرت البنيوية نسبية قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان التي كان من المفترض أنها عالمية كما بينت أرتباطها بالثقافة الغربية ، بل وأكثر من ذلك أعتبرت أن دعاوى نشر الديمقراطية والحضارة لم تكن إلا قناعا لفرض السيطرة الغربية على العالم ، وطالبت بحق الثقافات غير الغربية في الوجود وفي النمو الذاتي .

تحت تأثير البنيوية بدا الالتزام بقضايا الشعوب انطلاقا من قيم إنسانية عالمية أمرا عبثيا ، استخدم شتراوس موهبته البلاغية في الحديث عن الجمال والكرامة والاختلاف الذي لا يمكن تجاوزه لثقافات العالم الثالث(2) ولكن من جهة أخرى بدا الأمر أن هذه النسبية قد تؤدي إلى نزعة رومانسية جديدة تعمل على تحديد أي تناول نقدي لأشكال البطش والسيطرة التي قد توجد في الثقافات غير الأوربية وتشجع على اللامبالاة تجاه قضايا الشعوب .

وجاءت ثورة الشباب في 1968 ، وبدت ملامح التزام سياسي من نوع جديد في التشكل ، ألتزاما يختلف عن المناداة بتعميم قيم الديمقراطية الغربية في العالم والمنطلقة من النزعة الإنسانية ، كما يختلف عن اللامبالاة البنيوية تجاه الممارسات التي تحدث خارج العالم الأوربي.

وصار هناك التزام سياسي يحتفي فلسفيا بكل ما عملت الثقافة الغربية على تهميشه داخل أوربا أو خارجها وظهر لون جديد من المواقف السياسية لدى الفلاسفة كان أهم المعبرين عنه ميشيل فوكو وجاك ديريدا وجيل دولوز .

جيل دولوز في الفلسفة المعاصرة

يصف الفيلسوف الفرنسي آلان باديو معاصره دولوز قائلا : " لم يكن دولوز بنيويا ولا ظاهرياتيا ولا هيدجريا ولا مستوردا للفلسفة التحليلية الأنجلو أمريكية ، كما أنه لم يكن مفكرا ليبراليا ولا أخلاقيا مدافعا عن حقوق الإنسان ، لقد كان قطبا وحده،(3) وبالرغم من هذا لم تكن صلة دولوز مقطوعة بتاريخ الفلسفة بل أن جزءا من شهرته أعتمد على قراءته المبتكرة للفلاسفة السابقين ، وقدم أعمالا هامة في تحليل فلسفات سبينوزا وليبنتز وهيوم وكانط ونيتشه وبرجسون وفوكو ، وهذه الأعمال وثيقة الصلة بآرائه الفلسفية ، بل أنه قد أتهم بأنه يتذرع بأعلام الفلاسفة ليعبر عن فلسفته الخاصة ولهذا يخرج الفلاسفة معه في صورة غير متوقعة ربما تناقض الصورة المألوفة عنهم ، ويدافع دولوز عن أسلوبه في تناول الفلاسفة السابقين معتبرا أن أفضل طريقة لإثارة الاهتمام بالفلسفة القديمة وإبراز خصوبتها هو مواجهتها بمشاكلنا المعاصرة . فهذا من وجهة نظره أفضل من الطريقة العقيمة التي يتم فيها التعامل مع أفكار الفيلسوف على أنها مجموعة من المعتقدات التي ينبغي حمايتها من التحريف والتغيير ، وقصر الغاية من البحث في تاريخ الفلسفة على عرض أراء الفيلسوف في صورتها الأصلية كما كان يريدها صاحبها .

ولهذا يقول "نحن لا نقدم شيئا إيجابيا وحتى لا شئ على الإطلاق في مجال النقد أو التاريخ ، عندما نكتفي بالإلماح إلى مفاهيم قديمة جاهزة شبيهة بالهياكل موجهة نحو إرهاب كل إبداع ، دون أن نلحظ أن قدماء الفلاسفة الذين نعزو إليهم هذه المفاهيم ، إنما كانوا يفعلون سابقا ما يحاول البعض أن يمنعه عن المفكرين المعاصرين : فقد كانوا يبدعون مفاهيم (…) حتى أن تاريخ الفلسفة عينه يمكن أن يغدو عديم الأهمية إذا لم يعزم على إيقاظ مفهوم نائم ، ويعيد تحريكه فوق مسرح جديد حتى وإن جعله ذلك ينقلب ضد ذاته"(4) .

لم يفقد دولوز يوما ثقته بالفلسفة ولا بدورها في تحرير الإنسان ولهذا رفض بشدة بعض المقولات الشائعة الموروثة من هيجل وهيدجر مثل "نهاية الفلسفة" و"تجاوز الميافيزيقا" كما رفض الدخول في أي جدل بشأنها واعتبرها "تخريفا مثيرا للضجر" إن ما يضمن للفلسفة استمرارها من وجهة نظر دولوز هي أنها تقوم دائما بمهمة لا يمكن للعلم أو الفن أن يحلا محلها فيها وهي ابتكار المفاهيم ، ولهذا السبب وضع دولوز نصب عينيه مهمة تحرير الفلسفة من وطأة العلوم التي تحكمت فيها في النصف الثاني من القرن العشرين مثل اللغويات وعلم النفس والأنثروبولوجيا .

إن الفلسفة مع دولوز تعود إلى قضاياها ومناهجها الخاصة ، ويرى دولوز دائما في نفسه فيلسوفا كلاسيكيا ويأتي التجديد والحيوية للفلسفة من نوعية الأسئلة التي نطرحها عليها والمتعلقة بهموم العصر.

لدولوز أسلوب مميز في الكتابة الفلسفية ، فما أن نبدأ القراءة في عمل من أعماله حتى نشعر بالتشتت وبأن النص لا يتقدم في اتجاه معين بل يذهب بنا في جميع الاتجاهات ، وفي داخل النص تتولد المفاهيم في إيقاع متواتر وسريع ، فما أن نشعر بأننا كدنا ندرك دلالة مفهوم معين حتى نجده نفسه قد تفرع وتشعب إلى مفاهيم صغرى متنوعة ، ولكن هذه الخطوط المتشعبة ما تلبث أن تلتقي عند نهاية القراءة .

إن فلسفة دولوز لا تعمل وفق نموذج البناء الخطي ، ولكن وفق نموذج الشبكة التي يؤدي أي خط فيها للألتقاء بباقي الخطوط . كما يقدم دولوز فكرا متعدد المراكز بحيث يصعب تحديد موضوعا رئيسيا يشغله ولهذا نلاحظ تنوعا في العناوين التي يختارها الباحثون لتوصيف فلسفة دولوز ، تنوع يصل بها إلى حد التضارب احيانا ، فهي تسمى "فلسفة الكثرة" ، "فلسفة الحدث" ، "الترانسندتالية الإمبريقية" ، "فلسفة المحايثة" …الخ . لكننا في قلب الخضم الصاخب لفلسفته يمكننا أن نبرز بعض المعالم التي يحرص دولوز على تأكيدها أكثر من مرة .

نقد التمثيل

التمثيل هو المفهوم السائد عن الفكر في مجمل تاريخ الفلسفة ويقوم على اعتبار أن المفاهيم هي تصورات أو تمثيلات لموضوعات في الواقع ، ويعرف دولوز التمثيل بأنه أولوية الهوية في عملية التفكير وبأنه ملائم لمولد الميتافزيقا الذي واكب الفلسفة الأفلاطونية ، ويفترض التمثيل أنه يبدأ في الفكر بلا مصادرات ، بالضبط كما كان ديكارت يتصور نفسه في رحلته للبحث عن اليقين ، ولكن دولوز يرى أن التمثيل قائم على مجموعة من المصادرات التي لا يمكن إثباتها ، فالتمثيل يتصور أنه قائم على ملكة الحس السليم التي تتجه بطبيعتها إلى ما هو حق وهذا أيضا هو هدف الإرادة الطيبة للمفكر نفسه .

كما يقوم التمثيل على مصادرة مؤداها أن الخطأ هو المغامرة السيئة الوحيدة للفكر ويتجاهل مغامرات سيئة أخرى كالحماقة والتفاهة والانحطاط .. ثم أن التمثيل يجعل الفكر يأخذ شكل القضية الحملية التي تقبل الصدق والكذب ويستبعد بالتالي الحماقة والتفاهة والانحطاط وهي أيضا مغامرات تتعلق بجوهر الفكر(5) الخطر إذن في اعتبارنا التمثيل مرادفا للفكر هو أنه يدعونا لاستبعاد وتهميش ما لا يقوم التمثيل على إدراكه وهو الاختلاف.

لو نظرنا إلى الاختلاف في إطار التمثيل لا يحضر في المعنى الشائع الذي يرى في الاختلاف مجرد تمييز بين هويتين محددتين سلفا ، ولكن دولوز يرى الاختلاف سابقا على تحديد أي هوية ، فهو الذي يؤسس الهويات ولا يتأسس عليها. وأولوية الاختلاف على الهوية تجعل الوجود صيرورة وتجعل المعنى مرتبط بالحدث وليس بالشئ بمعنى آخر أن "الفعل هو الذي يحمل المعنى وليس الصفة"(6).

واعتبار التمثيل مرادفا للفكر يقودنا إلى مأزق آخر فهو يقتضي أفتراض وجود ذات تنتج التمثيلات على غرار الذات الديكارتية ، ولكن دولوز يرى أنه "لا توجد الذات بشكل مسبق ولا تنتج التمثلات التي تشكل العالم ، بل على العكس هي منتج للألعاب المتعددة للواقع و للمحايثة ، لقد نشأت من سلاسل من التركيبات السلبية" (7).

ويرى دولوز أن الكوجيتو الديكارتي قائم على عملية عزل أنطولوجي للذات وتحديدها الوجود فهو ينطلق من استقلال الذات وتحديدها للوجود . ولكن ، "عبارة أنا أفكر" . لا ينبغي أن تفهم كنشاط مقصود وإرادي وهادف للإنسان ولكن كانفعال لأنا سلبي يشعر أن فكره وعقله الذي يسمح له بأن يقول "أنا" يمارس داخله ويمارس عليه ولكن لا يمارس بواسطته . فالأنا في حقيقة الأمر متصدع تخترقه تشققات يحدثها الزمن والأحداث الذان يفرضان عليه فرضا.

لقد أرتبط الدفاع عن الحرية في تاريخ الفلسفة بفرضية وحدة الذات وفاعليتها وهو ما قد يجعل من إطاحة دولوز بالذات إطاحته بالحرية نفسها ، ولكن دولوز لا يرتد بالحرية إلى الذات وإنما يرتد بها إلى الرغبة ، ولكن هذه الرغبة بدورها لا ترتبط بذات معينة وإنما يرجعها إلى مجال سابق على تحديد الإنسان كشخص أو كفرد "إن تحلل الذات هو الموضوع الرئيسي للفلسفة في النصف القرن الأخير ويتم عن دولوز فيما يسميه ما قبل الشخصي ، فهو مجال تتكون فيه الذات وتتحلل أيضا وهو أيضا المجال الذي توجد فيه الحرية ، وهو ليس مجال ما هو فردي و ما هو شخصي" (8) هذا المجال هو الذي يسميه دولوز "الجسد بلا أعضاء"فالأعضاء تنظيم للجسد ولكن الرغبة تنشا فى الجسد قبل هذا التنظيم وتبرز من خلال تدفقات Fluxيسعى المجتمع بعد ذلك الى تنظيمها وتقنينها والتحكم فيها .يحدد المقام الحيوى والمركزى لمفهوم الرغبة .معركة دلوز الثانيه وهى مع التحليل النفسى نقد التحليل النفسي

لقد كان دلوز فى كتاباته الاولي يهتم بمفهوم الرغبة اهتماما خاصا ، ولكن لقاءه بالمحلل النفسى فيلكس جاتاري بعد احداث 1968 في فرنسا جعل فكره يخرج من الاطار الفلسفي التأملي الي مناطق جديده اكثر عينيه كالتحليل النفسي والسياسة .

يعتبر دولوز مع جاتاري في كتابهما "ضد أوديب" أن التحليل النفسي الفرويدي ليس إلا وسيلة في يد الرأسمالية فهو عبارة عن عملية ملاحقة للرغبة من أجل السيطرة عليها والتحكم فيها وتتجلى عملية تدعيم التحليل النفسي للرأسمالية في مجموعة من التعريفات والأجراءات التي يتناول من خلالها مفهوم الرغبة :يتبنى التحليل نفس تعريف أفلاطون للرغبة باعتبارها فقدان manque ولكنها في حقيقة الأمر من جهة نظر دولوز – إنتاج production ، ويجعل التحليل النفسي الرغبة مرتبطة بالجنس فقط كما يجعل اللذة هي هدف الرغبة وغايتها بحيث يكون الحصول على اللذة تخلصا من الرغبة ، ويجعل التحليل النفسي الرغبة محصورة في الإطار العائلي القائم على تعميم عقدة أوديب ، وبالتالي يقوم بتهميش الدور الأكبر للمجتمع في عملية خلق الرغبة ودور الدولة في عملية الكبت .

ولقد وصلت عملية التضامن بين التحليل النفسي والرأسمالية لمواجهة الرغبة وتشويهها وحصرها إلى أن أصبحت "أريكة المحلل النفسي هي المكان الوحيد لمواجهة الواقع ، هي الأرض الأخيرة للإنسان الأوربي في عالم اليوم" (9) .

تحليل الرأسمالية

يقترن علم النفس بالسياسة وبالرؤية التاريخية لتشكيل ملامح الفلسفة السياسية عند جيل دولوز . ومبرر الحضور القوي لعلم النفس من خلال مفهوم الرغبة وموقعه المركزي في فلسفة دولوز . وتعبر الرغبة عن نفسها من خلال مجموعة من التدفقات تظهر في مجالين : الجسد بلا أعضاء والمجال الاجتماعي Socius وهذا المجال الأخير هو الذي يضعها في صلة مباشرة مع السياسة .

فالنظام الاجتماعي كان يسعى دائما لوضع شفرات على كافة تدفقات الرغبة وهو ما يعني عمليا القيام بمحاولات تحجيمها . ولكن الرأسمالية تتميز بأنها تفك شفرة التدفقات وتسمح لها بالجريان على السطح الاجتماعي ، ولا يعني ذلك أن الرأسمالية تقوم بتحرير الرغبة في إطار تقعيدي Axiomatique يسمح بإعادة توظيفها أي في إطار المنظومة الرأسمالية العامة ويلعب التحليل النفسي دورا رئيسيا في إنجاز عملية التوطين هذه ، وهذه العملية ذاتها هي التي تؤدي إلى انتشار الشيزوفرينيا في المجال الاجتماعي ، الشيزوفرينيا مثلها مثل الرأسمالية تقوم بفك شفرة تدفقات الرغبة وإطلاقها ، ولكن الشيزوفرينيا تتميز بغياب الإطار المعياري الذي تتوطن فيه التدفقات . وبالتالي تكون هي الأساس الذي تنطلق منه النزعات الثورية المواجهة للرأسمالية ولتوضيح الفارق بين الشيزوفرينيا والرأسمالية يقول دولوز : "إن الشيزوفرينيا تميل إلى جانب الرغبة ، أما الرأسمالية فتميل إلى جانب غريزة الموت التي تسحق الرغبة وتدفع بها إلى الإطار التقعيدي المميت ، ولذا فالرأسمالية هي أكثر التشكيلات الاجتماعية قسوة"(10) هكذا تكون الرغبة هي اللغم الكامن في قلب الرأسمالية وتكون الشيزوفرينيا وسيلة تفجير هذا اللغم.

دولوز وماركس

لم تكن السياسية هما واضحا في كتابات دولوز في عقدي الخمسينات والستينات ولكنها أصبحت الهم الرئيسي الذي يشغل أغلب أعماله بعد هذا التاريخ ومنذ كتابه "ضد أوديب" الصادر عام 1973 "ضد أوديب كان بأسره كتابا في الفلسفة السياسية"(11) . يشير دولوز بذلك إلى تحول إهتمامه من مباحث الوجود والمعرفة إلى الفلسفة السياسية ذات الطابع العملي المشتبك مع القضايا الراهنة وتجليات السياسية المعاصرة وعلى راسها ظاهرة الرأسمالية ، ولعل هذا التناول النقدي للرأسمالية هو الذي يدفع إلى البحث عما بين فكر دولوز وفكر ماركس من أواصر .

يقول دولوز نفسه : "أعتقد أننا ، أنا وفيليكس جاتاري ، قد بقينا ماركسيين ، ربما كل بطريقته . ذلك لأننا لا نعتقد بأن ثمة فلسفة سياسية لا يكون مركزها هو تحليل الرأسمالية وتطوراتها ، أن أكثر ما يهمنا لدى ماركس هو تحليل الرأسمالية كنظام كامن لا يتوقف عن إزاحة حدوده الخاصة ، والتي يجدها دائما تكتد إلى مستوى أكبر لأنها هي رأس المال نفسه"(12) .

ولكن قراءة متأنية لأعمال دولوز السياسية توضح أن التأثير المتأخر لماركس عليه كان سطحيا – والسطحية صفة يحبذها دولوز إنطلاقا من فلسفته في الوجود التي ترى أنه لا شئ يحدث في الأعماق ، فالأحداث كلها تحدث على السطح – يرى دولوز أن المشكلة السياسية الأساسية لم تعد كما كان الحال عند بداية الحداثة ، هي مشكلة الحق والحرية في مواجهة الظلم والهيمنة وإنما يتبدى الملمح الأول للمشكلة الأساسية في كونها أصبحت – وفي هذا يتفق مع ماركس – هي التحكم في التدفقات (سلع – رؤوس أموال – بشر ..الخ) أما الحق فهو ليس إلا شكلا من أشكال العنف مرتبط بالدولة ، ولهذا لا يمكن له أن يكون مراقبا على الدولة لأنه أحد توابعها ، وبالتالي فدولة سيادة القانون شكل من أشكال الدولة في عهد الرأسمالية العالمية ، إلى جانب أشكال أخرى مثل الفاشية والشمولية وهذه الأشكال يحل بعضها محل الأخر عند اللزوم حسب حاجة الرأسمالية .

أما الملمح الثاني للمشكلة السياسية الأساسية ، وفي هذا يختلف مع ماركس ، فهو استبعاد كل فكرة عن التقدم وعن التاريخ وتطوره الخطي وكذلك استبعاد أن تكون الحرية هي غاية التاريخ الإنساني ، وكل هذا ينبع من رفض دولوز للتميز التراقبي بين التشكيلات الاجتماعية عبر التاريخ ، وهنا يقدم دولوز مفهوما مختلفا للدولة عما قدمه ماركس فهو يرى أن هناك باستمرار تعايش وتضامن متبادل بين الدولة الحديثة والدولة القديمة (الاستبداد الشرقي) بل أنه في التحليل الأخر "لا توجد سوى دولة واحدة منذ البدء Vrstaat فالدولة وجدت بشكل كامل ومرة واحدة"(13) .

ولعل أكبر دليل على هذا الثبات البنيوي والاستمرارية الوظيفية لكافة أشكال الدولة هو أننا لو قارنا بين أبرز شكلين للدولة المعاصرة وهما الاشتراكية الديمقراطية والدولة الشمولية لوجدنا أن الفارق المظهري يتضاءل أمام وحدة الغاية . إذ تقوم دولة الاشتراكية الديمقراطية بمضاعفة القواعد axiomes لاستيعاب الأوضاع الجديدة (المراهقين – النساء – كبار السن …) من أجل تنظيم للسوق الداخلية يسمح بالاندماج مع مقتضيات السوق الخارجية ، والتحكم في التدفقات هنا يتم عن طريق مضاعفة القواعد الموجهة ، أما الشمولية فإنها تسحب القواعد .. إن عملية السحب هي مواجهة مع حدود الرأسمالية ، وعملية المضاعفة هي إزاحة لها (14) . إن كلتا الدولتين مشغولتان بحماية النظام الرأسمالي من الغرق تحت فيضانات الرغبة التي تحرره الشيزوفرنيا .

ويميز دولوز بين نزعتين تجاه النظام الرأسمالي نزعة تلحق الظواهر الصغرى بالنظم الكبرى وهي نزعة بارانويا رجعية ، ونزعة تلحق النظم الكبرى بالظواهر الصغرى وهي نزعة شيزوفرينية ثورية . ونصل من هذا التحليل إلى أنه في فلسفة جيل دولوز السياسية يخلي فن حكم البشر ، أي فن تنظيم المجتمع بواسطة الدولة مكانه لصالح شكل جديد من النشاط النقدي والممارسة الثورية يمكن أن نطلق عليه السياسيات الصغرى أو النومادولوجيا .

كيمياء التغيير الثوري

يقتضي النقد الجذري للرأسمالية البحث عن إمكانيات تجاوزها أو على الأقل مواجهتها. ولقد كرست الماركسية تصورا للتغيير الثوري تتفق مدارسها المختلفة على خطوطه العريضة ، وهو يقدم التغيير الثوري باعتباره برنامجا أو خطة ذات خطوات معينة ، وباعتباره مشروعا يتحقق في المستقبل نتيجة لجهد تراكمي . ويعتمد التغيير الثوري في الماركسية على قوى اجتماعية محددة يدفعها الاغتراب أو الاستغلال الذي تتعرض له إلى تحقيق هذا المشروع . ويستهدف الاستيلاء على السلطة أو على جهاز الدولة ذاتها أي شروط التفاوت الطبقي ، وهو ما سيؤدي في النهاية إلى اضمحلال الدولة.

ويختلف تصور التغيير الثوري عند دولوز عن التصور الماركسي اختلافا كبيرا . فالتغيير الثوري ليست خطة وضعت من تصميم إرادة عاقلة ، وهو ممارسة يومية وليست مشروعا يتحقق في التاريخ ، كما أن الاستغلال ليس هو الحافز على الثورة ولكنه تدفق الرغبة مما يجعلها ليست وقفا على قوى اجتماعية بعينها . وفي النهاية لا تستهدف بأي حال الوصول إلى سلطة الدولة .

لا يتم التغيير الثوري إذن وفق تخطيط نظري مسبق قابل للتنفيذ ولكنه يتم من خلال انبثاقات عفوية في المجال الاجتماعي لا تتسم بالاستمرارية بل هي عابرة تشتعل وتخبو بلا حساب . وانطلاقا من تصوره بأن مهمة الفلسفة هي ابتكار المفاهيم حاول دولوز الاحاطة بظاهرة التغيير الثوري في المجتمع الرأسمالي من خلال مجموعة من المفاهيم المبتكرة مثل : الجذمور ، والرحال ، والسياسات الصغرى . وهذه المفاهيم لا تشير إلى كيانات مستقلة ومميزة بعضها عن البعض ، كما أنها في الوقت نفسه ليست مترادفات . إنها إشارة إلى عناصر تتداخل وتمتزج بصورة كيميائية لتكون مركبا قادرا على خلخلة الإطار التقعيدي للرأسمالية .

الجذامير

الجذمور Rhizome هو جزء يقطع من ساق بعض النباتات ويستخدم في إعادة إنباتها . وقد استخدم دولوز هذا المجاز كثيرا في كتابيه الآخيرين "السهول الألف" و "ما هي الفلسفة؟" . لأن هذا المجاز يحقق عند دولوز إشارة كثيفة الدلالة إلى أفكار طالما نادى بها دولوز . فهو يشير إلى ضرورة التخلص من نزعة البحث عن الجذور أو العودة إلى الأصول أو لحظة الميلاد الأولى (الجذر – البذرة ) ، وكذلك يشير إلى التخلص من الولع بالوصول إلى النهايات وتحقيق الغايات (الثمرة – البذرة) ولهذا كانت حملته على ولع هيدجر ببواكير الفكر اليوناني وفي نفس الوقت حملته على تبني الفلاسفة الفرنسيين للمقولة الهيجيلية حول نهاية الفلسفة.

والجذمور أيضا تلخيص لشعاره "فلنبدأ من الوسط" ويتميز الجذمور عن الشجرة وعن البذرة وعن الجذر في أنه يحقق ثلاث شروط أساسية وهي : الاتصال والغيرية والتعددية التي لا تميل لأصل يجمعها . ويرى دولوز أن اللغات كلها قد تكونت طبقا لهذه الآلية . عندما نتصور الفكر مع صورة الجذمور فإن هذه الصورة تكسب الفكر ديناميكية وقدرة على التوليد .

إن مفهوم الجذمور في السياسة يقف بالضرورة ضد النزعات الأصولية كما يقف ضد فكرة تأسيس عهد جديد على أنقاض الماضي أو ما يسمى بالصفحة الجديدة Table rase التي تبدأ صبيحة الثورات السياسية . أن التجديد ينطلق من قلب ما هو موجود كما يتخذ شكل الجهد الجماعي القائم على تنسيق الجهود الفردية في شكل شبكة reseau وليس في شكل تنظيم تراتبي . وتتبدى الملامح السياسية لفكرة الجذمور في هذا النداء الذي يوجهه دولوز لكل الطامحين في تحرير رغباتهم :"كونوا جذامير ولا تكونوا جذورا ، الشجرة نسب أما الجذمور فهو خلف ، الشجرة تفرض فعل الكينونة بين الموضوع والمحمول أما الجذمور فيفترض حرف العطف . لا داعي للبدء في شئ أو الانتهاء منه ، فقط يحسن الخروج والدخول . إن الوسط ليس نقطة بين طرفيه ولكنه اتجاه عمودي وحركة إختراقية تأخذ الطرفين في غمارها"(15).

الرحال

كان يحلو لدولوز أن يطلق على نفسه الفيلسوف الرحال Nomade ، مشيرا إلى اختياره العمدي لعدم الاستقرار في مذهب معين وعدم الانكباب على قضية بعينها. وقد استلهم دولوز هذه التسمية من إشارة كانط في كتاب نقد العقل الخالص إلى دخول نزعة الشك في الفكر اليوناني وهدم المقولات الراسخة في الميتافيزيقا على يد البدو أو الرحل .

"لقد كانت مملكة الميتافزيقا في البدء استبدادية ثم أوقعتها حروب طاحنة في فوضى كاملة ، وجاء الشكاك وهم نوع من الرحل الذين يمقتون كل استقرار على الأرض ليقطعوا الرباط الاجتماعي"(16) .

إن السطح الاجتماعي عند دولوز هو مكان التقاء مجموعة متشابكة من الخطوط يسعى النظام الاجتماعي أن يضعها داخل اطار تقعيدي معين عن طريق القيام بعملية توطين terretorialisation . والرحال يبحث في هذا السطح عن الخطوط التي تمكنه من الهرب من هذا الإطار التقعيدي ولهذا فهو يواجه التوطين بعمليات ترحيل déterretorialisation مستمرة .

هذه الآلية تعمل في مجال السياسة كما تعمل في مجال الأدب والفن . فالفن على سبيل المثال في نظر دولوز هو مفهوم بلا مدلول أو بلا ماصدقات ، فنحن لا نستطيع أن نحدد سمات جوهرية تميز ما هو فني ، أو نشير إلى موضوعات بعينها باعتبارها موضوعات فنية . إن الفن لا يصبح فنا إلا إذا أتاح القيام بعملية ترحيل أو خروج عن الإطار التقعيدي أي إذا أصبح خطوطا للإفلات Lignes de fuite . ولا يعني هذا التعريف أن الفن ملجأ يحتمي به الإنسان من سطوة النظام الاجتماعي أو أننا بصدد نزعة للانسحاب من الحياة والاحتماء بالفن كما هو الحال عند أدرنو ، ولكن خطوط الإفلات عند دولوز لن تصبح خطوطا حقيقية للإفلات إلا بقدرتها على مواجهة النظام العام وعلى تغيير الإطار التقعيدي . وطبقا لهذا التصور لا يكون الفن الثوري هو أحد ألوان الفن أو أحد تجلياته الفرعية ، بل أن الفن بطبيعته ثوري ، والفنانون بطبيعتهم رحل يبحثون بلا كلل عن خطوط للإفلات .

ولقد كان الرحل دوما هم الخارجون على سلطة الدولة وكانوا محاربين كبارا . ولهذا يرتبط مفهوم الرحل دائما عند دولوز بمفهوم آلة الحرب Machine de gulrre ولا يشير هذا التعبير إلى الحرب بمفهومها التقليدي "فالحرب لا تحدث إلا عندما تحتكر الدولة آلة الحرب "(17) .

وهنا يحدث إلغاء للإبداع وتنهار قوة الابتكار ، أما آلة الحرب عند الرحل فهدفها خلق مجال أملس تنطلق فيه عمليات الترحيل في مواجهة المجال المتجدد Strié الذي يصيغه النظام الاجتماعي ليوطن في ثنياته تدفقات الرغبة . إن آلة الحرب هي إذن نوع من المقاومة السياسية لجهاز الدولة ولكنه نمط جديد يختلف عن نمط المشروعات الثورية الكبرى في القرن التاسع عشر . نمط لا يعرف اتجاها محددا ولا يقتصر على مجال بعينه ، يواجه الدولة ولا يطمح إليها . وتأثرا بدولوز تطلق مجموعات مختلفة في مجالات الموسيقى أو السياسة أو الطب البديل وغيرها ، على نفسها اسم الرحل في إشارة إلى المقاومة التي تنبثق من كل مكان.


السياسات الصغرى

ينطلق دولوز من تمييز تقوم به الفيزياء المعاصرة بين المجال الكتلي Molaire والمجال الذري Moluculaire . يقابل هذا التمييز في المجال الاجتماعي تمييزا بين السياسات الكبرى التي تهدف إلى السيطرة وإلى الصياغة الشاملة للمجال الاجتماعي وبين السياسات الصغرى أو الذرية التي تقوم بها مجموعات صغيرة تبحث عن خطوط الإفلات ، وفي واقع الأمر "أن ما يصنع التاريخ الحقيقي لا يحدث على المستوى الكتلي بل يتم على الذري" (18).

ولقد زاد تطور الرأسمالية نفسها من فاعلية المقاومة على المستوى الذري وذلك لأنها انتقلت من منطق الانضباط discipline السائد في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين إلى منطق التحكم Contrôle . ويقصد بالانضباط عملية إخضاع النظام الاجتماعي للأفراد عن طريق مجموعة من المؤسسات مثل الأسرة والمصنع والمدرسة والجيش ومعاقبة الخارجين على الانضباط بالحبس . ولكن التطور الاقتصادي للرأسمالية أدى إلى شكل جديد من أشكال الإخضاع أكثر أنتشارا وأقل ظهورا وهو التحكم "إن التسويق marketing هو الأن أداة التحكم الاجتماعي ، ويشكل جنس جديد من السادة أكثر صلفا . التحكم يتم على مدى قصير وبدورة سريعة ولكنه مستمر وغير محدود أما الانضباط فمدته طويلة ، لا نهائي ومتقطع . الإنسان لم يعد هو الإنسان المحبوس ولكن الإنسان المديون . صحيح أن الرأسمالية قد أبقت على بؤس ثلاث أرباع البشرية ، وهم شديدو الفقر لدرجة يصعب معها أن يستدينوا وكثيرو العدد لدرجة يصعب معها حبسهم : أن التحكم لن يكون عليه فقط مواجهة اختفاء الحدود ولكن أيضا إنفجار العشوائيات والجيتو"(19) .

الانتقال الاضطراري من منطق الانضباط إلى منطق التحكم من شأنه أن يجعل أزمات الرأسمالية أكثر عمقا وأصعب إدارة ، كما أن من شأنه أيضا توسيع قاعدة الراغبين في مواجهة الرأسمالية فيلاحظ دولوز أن العديد من الخيوط قد بدا يفلت من قبضة الدولة : 1- تحديد أراضيها ، 2- آليات الإذعان الاقتصادي (سمات جديدة للبطالة والتضخم …) ، 3-عمليات التنظير الأساسية (أزمة المدرسة ، النقابات ، الجيش ، النساء…) ، 4- طبيعة المطالب التي اصبحت كيفية وليست كمية (نوعية الحياة بدلا من مستوى المعيشة) – كل هذا يشكل ما يمكن أن نسميه الحق في الرغبة(20) .

يستهدف دولوز من هذا الرصد للرأسمالية المتأخرة التمهيد لطرح منطقه في التغيير الثوري والتبرير لأختلافه عن المشروعات الثورية الموروثة عن الماركسية . ويحدد ملامح هذا التغيير قائلا : "ليس من المدهش أن كل انواع القضايا العرقية واللغوية والأقلية والإقليمية والجنسية والشبابية تنبثق ، ليس فقط كنزعات ماضوية ولكن في شكل ثورية راهنة تضع ، بصورة شاملة ، موضع المساءلة كلا من الاقتصاد المعولم وترتيبات الدولة القومية . بدلا من أن نراهن على الاستحالة الخالدة للثورة وعلى عودة الفاشية (…) لماذا لا نتصور أن نمط جديد للثورة في طريقه لأن يكون ممكنا (21) .

نحن إذن أمام ثورة تتسم بالتشظي ولا تسعى إلى تجاوزه لأن هذه الأقليات وإن كانت تخلخل دعائم الرأسمالية إلا أنها تظل أقليات لا تسعى للهيمنة ولا تحمل برنامج سعادة للجميع . ونلاحظ أن الأولوية القيمية والانطولوجية للمستوى الذري على المستوى الكتلي عند دولوز تقابلها أولوية للأقلية على الأغلبية . فقيمة الأقلية لا تتحدد بناء على عددها ولكن على ابتعادها عن الإطار التقعيدي السائد ، وبالتالي لا تتحدد قيمة الأقلية في إمكانية أن تصبح أغلبية أو في قلب النظام ، لأنه إذا كانت القدرة تعني السيادة فإن الدولة هي التي ستكسب دائما . أما إذا كانت القدرة تعني الابتكار وقلب الشفرات وإجراء عمليات الترحيل والتي تتم جميعها على المستوى الذري فإن الدولة هنا ستخسر لا محالة لأنه ليس بمقدورها مراقبة كل شئ كما أن قدرتها على الاحتواء محدودة .

أن تصور التاريخ كمسار لتحقيق تدريجي لذات أو لمعنى (البروليتاريا – الإنسانية ) يتم بواسطة فعالية العقل وغايات الحرية هو أمر ، بالنسبة لدولوز ، قد عفى عليه الزمان مع بروز المسار الذري . إن السياسات الصغرى لا حصيلة لها ولا تحقق غاية خارجية فهي ممارسة بلا نهاية ، وهي غاية ذاتها .

نموذج السياسات الصغرى عند دولوز هو ثورة الشباب عام 1986 ، والتي أعتقد الكثيرون أنها فشلت في تحقيق ما كانت ترمي إليه . ولكن دولوز يرى أنها قد نجحت لأنها دشنت عصر السياسات الصغرى وأثبتت أنه منذ السبعينات في القرن الماضي لا تحدث الثورة الحقيقية على مستوى النظام الاجتماعي لكنها تحدث داخل الأفراد والمجموعات الصغرى . ومرة أخرى لا يعني ذلك الدعوة إلى اللامبالاة تجاه السياسات الكبرى ، أو الفصل بين العمل على المستوى الذري والعمل على المستوى الكتلي ، لأنه في النهاية ينبغي أن تؤدي هذه الحركات الصغرى إلى تغيير الوضع الأكبر .

من هذا المنظور يحاكم دولوز نضال الدول المستعمرة من أجل الاستقلال , "إن نضال دولة صغرى من أجل استقلالها لا يكون ثوريا إلا بوضع الإطار التقعيدي العالمي موضع المراجعة"(22) ومن هذا المنظور أيضا جاء تأييد دولوز للثورة الفلسطينية منذ نهاية الستينات عندما كتب مقالة عن الفدائيين الفلسطينيين بعنوان "المزعجون" عام 1970 . بل أنه يعزو ، في خطاب إلى إدوارد سعيد ، فتور العلاقة بينه وبين ميشيل فوكو في سنوات فوكو الأخيرة إلى خلافهما حول الموقف من القضية الفلسطينية حيث كان فوكو دائم التأييد لإسرائيل (23) وفيما يبدو أن تأييد دولوز للفلسطينيين لا يقوم أساسا على اعتقاد بالحق الفلسطيني ولكنه يأتي من احتفاء بممارستهم الثورية فهو يقول : "ليس للشعوب وجود مسبق (…) هل كان هناك شعب فلسطيني؟ إسرائيل تقول لا . بلا شك كان هناك شعب فلسطيني ، ولكن ليس هذا هو الجوهري . الأمر أنهم منذ اللحظة التي طردوا فيها من أراضيهم بقدر ما يقاومون يدخلون في مسار تكوين لشعب "(24) . إن الثورة الفلسطينية تمثل في نظره نموذجا لخطاب الأقلية الذي يواجه الحكايات الخيالية المسبقة للخطاب الاستعماري .

لقد اختفى الحضور الطاغي لفكرة الثورة التي هيمنت على الخطاب السياسي المعارض في النصف الأول من القرن العشرين واليوم نشعر بأن الثورة غائبة وذلك ربما لأنها أصبحت في كل مكان وانتشرت بصورة يصعب معها تمييزها والإشارة . هذه هي نغمة الأمل التي تسري في ثنايات فلسفة دولوز السياسية .

الفلسفة السياسية في غمار ما بعد الحداثة

يرفض دولوز ، مثله مثل فوكو ودريدا ، أن يحسب على تيار ما بعد الحداثة في الفلسفة . إذ يؤكد دولوز وجاتاري "على كونهم غير مرتبطين بهذه الحركة ويأخذون عليها أنها حركة غير محددة ومتشائمة ولكنهم يتعاطفون مع مقاومتها لما يسميانه الخطاب المهيمن"(25) وعلى الرغم من ذلك نجد الناقد تيري إيجلتون يعتبر دولوز المفجر الرئيسي لتيار ما بعد الحداثة في الفلسفة ويرى أن نزعة ما بعد الحداثة "لا نجدها في أي مكان أشد عنفا مما هي عليه في كتاب دولوز وجاتاري "ضد أوديب" في باريس ما بعد 68"(26) .

ونحن نلاحظ أن فلسفة دولوز تحتوي أغلب المقولات التي يتبناها هذا التيار : الاختلاف ، نقد التمثيل ، تصدع الذات ، الاحتفاء بالجسد ، نهاية المشروع التاريخي..الخ. ويؤكد منج على أن كتاب دولوز وجاتاري "السهول الألف" هو "كتاب في نهاية الحداثه يقترح ما لم يقدمه أحد من قبل : منهجيه عامه تشمل علوم الطبيعة والأنسان . .أنه الأرجانون الجديد الذى سيكون بالنسبة الى ما بعد الحداثة بمثابة منطق أرسطو فىالفكر التمثيلى أو الميتافيزيقى ، أنه يقدم ابستمولوجيا جديدة متوائمة مع المعارف الجديدة.(27)

يوجد بالفعل أتساق بين فلسفة ديلوز السياسية المبادئ المعرفية لتيار ما بعد الحداثة .ولا يعني هذا ان فلسفته السياسيه هي الصيغة الوحيدة المعبرة عن هذا التيار فبينما قدم ديلوز فلسفة تمتلأ بنقد النظام الرأسمالي وتدعو للتمرد عليه ، قدم جان فرنسوا ليوتار فى كتابه "الوضع ما بعد الحداثة" فلسفة تقوم بتبرير هذا النظام وتسعى لتكريس الهوة بين البلاد المتقدمة الممتلكة للمعلومات ذات المردودية الاقتصادية والفاعلية السياسية وباقى العالم والمحكوم عليه ان يعيش فى اعتماد على الغرب صاحب الابتكارات(28)

فى ظل انحسار قدرة الدولة ، نتيجة لتراجع دور الجيش و المدرسة ، على إدماج أفراد المجتمع فى النظام الاجتماعي المهيمن قدم دولوز فلسفة تجعل التغيير الثوري مرهونا بالنضالات الخاصة لمجموعات صغيرة مثل الشباب والنساء والشواذ والأجانب تحاول أن تنتزع مجالا للممارسة طبقا لقواعدها الخاصة المستقلة عن قواعد النظام العام . وإلى هذا يشير فريدريك جيمسون حين يرى أن السياسة الصغرى أو نشاط المجموعات الصغيرة من جانب والعداء للسلطة ولقهر الدولة من جانب أخر ، هي أيديولوجيا ملائمة لسنوات الستينات ، أيديولوجيا تستبدل السلطة بالهيمنة والدولة بالرأسمالية(29) . ولكن دولوز قام باستبعاد قضايا أساسية من مفهوم التغيير الثوري مثل قضية نمط الانتاج البديل لاقتصاد السوق وقضية شكل الممارسة السياسية الذي سيعقب انحسار الديمقراطية التمثيلية فنزع بذلك عن فكرة الثورة أغلب بعدها السياسي. كما أن ربط الثورة بفكرة الرغبة وبالنزوع الشيزوفيرني في إطلاق عنانها يجعل منها سلوكا لا واعيا بل وأشبه بالعصاب ويجعل من قضية الوعي بالاغتراب وبأسبابه كأساس للممارسة الثورية أمرا هامشيا.

إن طرح قضية الثورة بهذا الشكل هو الذي يجعلنا نرى في فلسفة دولوز أول محاولة خصبة لصياغة فلسفة للفوضوية بعد محاولة الفيلسوف الألماني ماكس شتيرنر في كتابه "الأوحد وملكيته" الصادر عام 1846 . فلقد كان السؤال الأساسي الذي يفصل ماركس وباكونين هو : أيهما أجدر بالمواجهة ، الاستغلال أم الطغيان ؟ وكانت إجابة ماركس هي أنه من الضروري البدء بالقضاء على الاستغلال وسيزول الطغيان من تلقاء نفسه . وكانت إجابة باكونين هي ضرورة القضاء على الطغيان وبعد ذلك يزول الاستغلال من تلقاء نفسه . وتندرج فلسفة دولوز السياسية تحت الاختيار الثاني . وإن كان يختلف عن الفوضوية السياسية التقليدية كما هي عند باكونين وكروبتكين وتشومسكي في تغاضيه عن التأكيد على أي فعل إرادي من شأنه تحطيم جهاز الدولة وفي تحاشيه للقيام بأي إسقاط مستقبلي يسمح له بالحديث عن وضع الإنسان بعد التحرر.

ولكن هذا الاحتفاء بالرغبة في مواجهة عمليات التحجيم الاجتماعي جعل البعد الفوضوي موجودا في فلسفته منذ البداية .ويشير آلان باديو إلى تأثير دولوز السياسي مذكرا بتلك المجموعة اليسارية من الطلاب التي كانت موجودة في أحداث 68 مع المجموعات الماركسية المختلفة وكانت هذه المجموعة تسمي نفسها "الفوضويون الراغبون" Anarco – désirants وتعتبر دولوز إمامها الفكري : "فيما بين 68-75 كان دولوز هو مرشد هذه الجماعة من اليساريين التي تتمسك بالرغبة وبنزعة الترحال وبالجنس والاحتفال ، وبالتدفق الحر والكلام والإذاعات الحرة وكل قطاعات الحرية ، أنه الاعتراض الذري المقترن بمواجهة الارادات القوية لرأس المال"(30).

هكذا يقدم لنا دولوز في نهاية الأمر نمطا غريبا للإنسان الثوري ، أنه شخص لا يعرف على وجه التحديد من هم الذين سيجدر به مواجهتهم ، وليست لديه أدنى فكرة عن شكل المجتمع الذي سيحقق بعد الفعل الثوري. إنه مجرد أداة عمياء في يد رغبته المحتدمة .
04-09-2008, 07:43 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  السباق بين الرغبة والفكر 4025 3 1,190 05-18-2008, 09:11 AM
آخر رد: خوليــــو

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS