نكبة بشرية.. خسائر اقتصادية هائلة.. تقدم إيراني .. تراجع عربي
GMT 2:30:00 2008 الجمعة 4 أبريل
أوان الكويتية
--------------------------------------------------------------------------------
سركيس أبو زيد
من ابريل 2003 إلى ابريل 2008 ما صورة العراق والولايات المتحدة الأميركية بعد خمس سنوات من الحرب؟ ما الواقع السياسي والاقتصادي والعسكري للعاصمتين المنكوبتين بغداد وواشنطن؟
على مستوى العراق
باعتراف أميركي، وبعد خمس سنوات، هذا ما يمكن استخلاصه:
{ قوات الأمن العراقية لم تتحسن بدرجة كافية لإجراء عمليات أساسية بطريقة مستقلة عن قوات التحالف بأسلوب
متواصل في أماكن متعددة، وبقيت قوات الأمن العراقية معتمدة على قوات التحالف في جوانب مهمة من الناحية
اللوجستية والدعم القتالي.
{ ما زال نفوذ الميليشيات والمتمردين مستمرا في تقويض مصداقية وحدات “قوات الأمن العراقية” والتدخل
السياسي في العمليات الأمنية يستمر في تقويض قوات الائتلاف وقوات الأمن العراقية معا.
{ وضع الحكومة العراقية حرج وسيشهد تشققات كثيرة في الفترة المقبلة.
{ حالة الاستقطاب الطائفي بين الكيانات الاجتماعية في العراق واضحة في بغداد، حيث يشكل الشيعة أغلبية واضحة في أكثر من نصف المناطق السكنية، بينما أصبحت المناطق السنية محاطة بمناطق ذات أغلبية شيعية. ومع تعمق النزوح على أساس طائفي تقلصت مستويات النزاع إلى حد ما لأن الكيانات المتنازعة تجد صعوبة أكبر في التغلغل في مناطق الأطراف الأخرى.
{ دول الجوار ستستمر في التركيز على تحسين مواقعها داخل العراق توقعا لانسحاب قوات التحالف. وتقديم المساعدة للجماعات المسلحة من إيران يظل عنصرا مغذيا للعنف في العراق، بينما لا تدعم الدول العربية الحكومة العراقية، وهذا يعزز رفض السُنة العرب العراقيين لشرعية الحكومة.
{ 4.2 مليون نازح عراقي والعدد في ازدياد؛ فقد ذكرت البي بي سي أن الأرقام الأخيرة التي أصدرتها وكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة تظهر أن عدد العراقيين الذين يهربون من منازلهم في ازدياد. الرقم الأخير ستون ألفاً في الشهر، بالمقارنة مع الرقم السابق والذي هو خمسون ألفاً. هذا وتقدر الوكالة أن 4.2 مليون عراقي نزحوا منذ بداية الغزو، ومن هؤلاء غادر مليونان إلى الخارج.
أما الذين نزحوا داخل العراق، فقد هرب أكثر من نصفهم منذ تفجير مسجد سامراء في شباط 2006، والذي أدى إلى نشوب موجة من الصراع الطائفي. هذا وقد قال الناطق باسم هيئة غوث اللاجئين جنيفير باجونيس: إن كثيراً من العراقيين يصارعون للحصول على ضرورات الحياة الأساسية. وأضاف أن العراقيين يواجهون صعوبة متزايدة في الحصول على الخدمات الاجتماعية داخل العراق ويختار كثير من العراقيين مغادرة المناطق المختلطة إثنياً قبل أن يُجبروا على القيام بذلك. وتقدر سورية أنه يوجد الآن أكثر من 1.4 مليون عراقي ضمن حدودها. وتقول الأردن إن فيها 750 ألف عراقي. هذا وقد شكت البلدان من العبء الذي يفرضه اللاجئون على النظام الصحي والنظام التربوي، وقد سجلت وكالة غوث اللاجئين أكثر من مئة وسبعين ألف عراقي في البلدان المجاورة للعراق. ورغم أن الوكالة أحالت أكثر من 13200 لاجئ إلى بلدان أخرى من أجل الاستقرار فإنه لم يُسمح إلا لعدة مئات سمح لهم باللجوء إلى بلدان ثالثة.
على المستوى الأميركي
لتاريخه، طلب الرئيس الأميركي 607 مليارات دولار للحرب العراقية منذ العام 2003. وهي أعلى بمقدار عشرة أضعاف من التكلفة المقدرة قبل الحرب، والتي بلغت من 50 إلى 60 مليار دولار. وبحسب التقرير يمكن تأمين ضمانات صحية لكافة الأميركيين غير المؤمّنين صحيا بهذه التكاليف. وهناك العديد من التكاليف غير الظاهرة في طلبات الإدارة الأميركية المالية، ولعل الدَّين -الذي حل مكان الاستثمار المنتج وقلص من الإنتاج في الاقتصاد الأميركي في المستقبل، بالإضافة إلى تكلفة فوائد الديون التي تساهم بتسرب الأموال للأجانب- من أبرز تلك الآثار السلبية على الاقتصاد الأميركي، عدا عن الازدياد في أسعار النفط وتكاليف معالجة الجرحى، وانخفاض الإنتاج بسبب المصابين، وتكلفة إصلاح الأسلحة والعتاد. ويبلغ مجموع هذه التكاليف ما بين 607 مليارات دولار و 1.3 تريليون دولار. وإذا ما أضيفت إليها تكاليف الحرب على أفغانستان تصبح 1.6 تريليون دولار.
القسم الأول
يقدر هذا القسم مصاريف دافعي الضرائب المبنية على معلومات خدمة الأبحاث ومكتب الموازنات في الكونغرس.
المخصصات المباشرة للحرب:
قبل بدء الحرب قدرت إدارة بوش تكاليف الحرب بين 50 و60 مليار دولار، وطلب بوش عشرة أضعاف هذه المخصصات بين العام 2003 و 2008. وإذا ما تمت الموافقة على طلبات التمويل للرئيس بوش فسترتفع النفقات لتصل إلى 607 مليارات دولار بحسب خدمة الأبحاث في الكونغرس الأميركي.
وهذا يتضمن أيضا 450 مليار دولار خصصها الكونغرس بين العام 2003 و 2007. بالإضافة إلى 158 مليار للعراق من التكاليف الإضافية المكملة التي طلبتها الإدارة الأميركية عام 2008. وتعتمد التقديرات للتكاليف بعد العام 2008 على مسار الحرب في المستقبل. وسيتم التركيز على تقديرات مكتب الموازنات في الكونغرس التي تفترض انخفاضا لعدد القوات الأميركية حسبما أشار وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس، مشبها إياها بفترة الحرب على كوريا. فبعد الحرب على كوريا انخفضت القوات الأميركية بمعدل 50 الى 60 ألف جندي بين العامين 1960 و1970. ويفترض هذا السيناريو أن القوات الأميركية في العراق ستتقلص من 180 ألف جندي إلى 55 ألف جندي في العام 2013. وهذا يفترض بالتالي أن التمويل سينخفص في العام 2009 وستصل مخخصات الحرب المباشرة إلى أقل من 60 مليار دولار في العام 2013 بعد أن كانت 135مليار دولار في العام 2007.
بسبب استدانة تكاليف الحرب، سيضطر دافعو الضرائب لتحمل تكاليف الفوائد على هذه الأموال، حتى تسديد الديون. ويبلغ هذا الدين 660 مليار دولار العام 2008. و 1.7 تريليون دولار في العام 2017. ولهذا الدين آثار عديدة والأهم انعكاسه المباشر على دافعي الضرائب الذين ستتوجب عليهم فائدة سنوية. وستفوق كلفة الفائدة للديون المتعلقة بالعراق الـ 23 مليار دولار في العام 2008. وإذا تم البناء على سيناريو تقليص عدد القوات فستبلغ كلفة الفوائد 80 مليار دولار سنويا ومجموع هذه الفوائد سيبلغ من 2003 إلى 2017 حوالي 550 مليار دولار. لأن معدلات الفوائد تبقى ثابتة بمعدل 4.5 %. وستتراكم الفوائد إلى ما بعد العام 2017 إذا لم تسدد الديون. وتسديد الديون أصلا يفترض زيادة في الضرائب. ونفقات دافعي الضرائب هي مجموع الميزانية المباشرة والفوائد تبقى ثابتة بمعدل 4.5 % وستتراكم الفوائد إلى ما بعد العام 2017 إذا لم تسدد الديون.
القسم الثاني
هناك تأثيران منفصلان على أسعار النفط في الولايات المتحدة، الأول التحول المباشر للثروة من المستهلكين الأميركيين إلى منتجي النفط الأجانب. وقد يبطل مفعول هذا الأثر إذا ما تقلص عدد مستهلكي النفط في الولايات المتحدة، أو في حال صرفت عائدات النفط الأجنبية في الولايات المتحدة الأميركية. ويوافق معظم الاقتصاديين على أن هناك آثارا على الاقتصاد الأميركي أبعد من ذلك من جراء ارتفاع أسعار النفط. التغير في أسعار النفط يقلص النمو الاقتصادي، وثانيا الدين هو من الرأسماليين الأجانب وتذهب فوائد هذه الأموال إلى دول أخرى.
التأثير على أسواق النفط العالمية: العراق منتج أساس للنفط وموجود في منطقة حيوية واستراتيجية. منذ بدء الحرب على العراق زادت أسعار النفط من 37 دولارا للبرميل (الأسبوع الذي سبق الحرب) إلى 90 دولارا في نوفمبر 2007. هذا الارتفاع في أسعار النفط أثر في نمو الاقتصاد الأميركي ونقل مئات المليارات من الدولارات من مستهلكين أميركيين إلى منتجي النفط. وللحرب على العراق أثران في ارتفاع أسعار النفط العالمية؛ الأول مباشر والثاني نفسي. وتقلص حجم الإنتاج العراقي من 1.3 مليون برميل إلى 600 ألف برميل اليوم. ويؤثر ذلك بشكل كبير على أسعار النفط، بالإضافة إلى موضوع سيطرة الإرهابيين على حقول النفط.
فما الأثر لارتفاع هذه الأسعار على الاقتصاد الأميركي؟
هناك أثران منفصلان؛ الأول تسرب ونقل الأموال إلى منتجي النفط الأجانب، ويمكن التخفيف من هذا الأثر بتخفيف استهلاك النفط وصرف العائدات في الولايات المتحدة الأميركية.
ويتوافق الاقتصاديون على أن ارتفاع أسعار النفط له آثار أبعد من أي أثر مباشر، وهو يخفف من النمو الاقتصادي بسبب انخفاض طلب المستهلكين وترشيد تكاليف المصانع التي تستخدم النفط. وقلصت أسعار النفط مدخول الولايات المتحدة لـ 274 مليار دولار. آثار اقتصادية أخرى: من الصعب تقدير حجم هذه التكاليف التي هي أخف من التكاليف التي ذكرت آنفا.
أثر الجرحى والمعاقين: أصيب ألف جندي في العراق. وقدر مكتب الموازنات في الكونغرس كلفة العلاج بين العام 2003 و2017 بـ 10 مليارات دولار. وترتفع إلى 13 مليار دولار إذا ما احتسبت الحرب الأفغانية. ومن الواضح أن هذه التكلفة هي أقل بكثير من التكلفة الحقيقية، لأنها حسبت التكلفة فقط للعام 2017 وليست طيلة الحياة. وتجدر الإشارة إلى أن وسائل العلاج تطورت، مما قلص عدد الوفيات. كما أن المتمردين في العراق تطورت أسلحتهم، مما ساهم في زيادة الإصابات وخطورتها، عدا عن الإصابات النفسية، عدا عن مصاريف الأهالي على الجرحى، وهذا يرفع التكاليف بنسبة 25 %.
تكاليف عسكرية إضافية: زادت كلفة التحفيز للتطوع بالجيش والبحرية والاحتياط والحرس الوطني بين العام 2003 و2006 من تكلفة الحرب 800 مليون دولار، وإذا ما بقيت هذه التكاليف ثابتة فستزيدها 13 مليار دولار. ولم تحسب هذه التكاليف في الميزانية السابقة. وطلبت الإدارة الأميركية زيادة في عدد المتطوعين ستبلغ 650 ألف جندي و 27 ألفا للبحرية، وتقدر التكاليف لهذه القوات بـ 17 مليار دولار منذ العام 2008 حتى العام 2013. ومن الواضح أن الحرب على العراق وأفغانستان عززت من الحاجة إلى زيادة القوات العسكرية وتأخذ الحرب العراقية 80 % من التكلفة. وتبلغ من 85 إلى 90 مليار دولار. بالإضافة إلى الخسائر البشرية التي بلغت 3800 حالة وفاة يمكن وضعها في الإطار الاقتصادي من ناحية خسائر المبدعين والطاقات في البلاد.
وفي أحسن الأحوال إذا ما قررت الولايات المتحدة تقليص عدد جنودها في العراق، فمجرد الاستمرار في الحرب حتى العام 2017 سيكلف الولايات المتحدة 3.5 تريليون دولار، عدا عن آثار البلبلة في أسواق النفط. ولعل الإمعان في الاستراتيجية الأميركية الخاطئة سيكلف الولايات المتحدة اهتزازا في أمنها القومي وخسائر بشرية متعددة ستؤثر حتما على حجم النمو في الاقتصاد الأميركي، هذا عدا عن الاستدانة وفوائد تلك الديون التي يتكبد عناءها دافعو الضرائب في الولايات المتحدة. هذه التكاليف الاقتصادية، أما تكاليف الأرواح فبلغت أكثر من 4000 جندي أميركي قتيل، و 30205 جرحى (الكثير منهم في حال الخطر) وأكثر من مليون قتيل عراقي و5 ملايين مشرد ونازح!
لكن الآثار السياسية لها دورها أيضا، فحرب العراق أورثت إيران دورا هاما ومؤثرا أثبتته زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الأخيرة إلى بغداد، والتي شكلت اعترافا أميركيا بالدور الإيراني. وفي كل يوم تفشل فيه الولايات المتحدة في العراق، تنجح فيه طهران ويكبر دورها ومركزها وتزداد قوتها.
أما على الصعيد العربي، فإن حرب العراق أورثت العرب انقسامات فيما بينهم حول مسألة التعامل مع العراق وكل مكون داخل العراق، وكيفية التعامل مع إيران من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى، ما زاد البيت العربي انقساما وزاد العراق مأساة وأطلق يد كل من طهران وواشنطن لتعبث كما تريد في بغداد.
http://www.youtube.com/watch?v=7vxky_1gEpE