موضوع ذو صلة بموضوع الاسماعيلية http://www.nadyelfikr.net/index.php?showtopic=54679





كان على الاسلام أن يمر بعصور من الفوضى والمحن كما مرت بها المسيحية من قبل .فمنذ بداية القرن الثاني وحتى نهاية القرن التاسع للميلاد ,ظل هناك صراع قائم لاينقطع في المسيحية , بينها وبين المذاهب التي سبقتها من تلك الافكار التي كانت تعود للظهور بين الفينة والاخرى بأشكال مختلفة ,وعلى يد شخصيات مختلفة ايضا .

وفي عرض تلك البقعة الواسعة من الارض التي يدين سكانها بدين المسيح , خيّم السكون على الديار المسيحية بكاملها بعد خمود هذا الصراع .. لقد نجحت المسيحية الارثوذوكسية في سجن الثوريين المونتانيين , واتباع بولس المانويين كما نجحت في اخضاع الاريين العقلانيين .

هكذا قيدت الاكليركية والاورثذوكسية المسيحية , وهما تعبيران لمدلول واحد ,بربقة عبوديتها عقل الانسان حتى بزغ عصر الاصلاح الديني .وكان على الاسلام أن يمر بهذه الادوار نفسها , الا أن دور الاصلاح فيه لايزال في طور الجنينية بعد .

أن الاسلام يتطلب من معتنقيه اعترافا بسيطا بحقيقة ازلية ,ومزاولة بعض واجبات خلقية . أما في النواحي الاخرى فهو يمنحهم اوسع المجالات لتحكيم العقل . وبعامل ((الوحدة المقدسة )) فيه نراه ينظر الى جميع المذاهب والطوائف بعين المساواة للديمقراطية . ولذلك كان طبيعيا أن المضطهدين والهراطقة في نظر كل مذهب هم الذين سارعوا الى الالتفاف حول راية محمد .
ذلك لانه حرر العقل البشري من عبودية الكهانة , فسارع ناسخو الالواح واحرار المفكرين الزرادشتيين والمانويين والمسيحيين واليهود والمجوس : كلهم سارعوا الى تلقي ظهور محمد لآنهم كانوا ينتظرون ذلك على اساس انه يحقق حلمهم الديني ((بالوحدة)) . أما جحافل المذاهب المتضاربة التي مزقت كنيسة المسيح مابين القرن الثاني والقرن السادس فهي اما انها ذابت في دين محمد او عايشته بسلام , لاتخشى لأن يسئ معاملتها الروم الارثوذوكس او الكاثوليك مادامت في رعاية تسامح الخلفاء .

وفي الوقت الذي كانت فيه هذه الطوائف تتبنى معتقدات محمد فأنها حافظت على مفاهيمها البدائية الاولى . كما ولدّت بدورها مذاهب وافكار جديدة في الاسلام .

من الحقائق الثابتة في الوقت الحاضر أن الخصائص القومية لآفراد شعب ما والظروف المناخية التي يعيشون فيها , والطبيعة الجغرافية للبلاد التي يقطنونها وتأثير المذاهب السابقة لديهم , كل هذا يصبغ معتقداتهم ومبادئهم .

ويصدق هذا على المسيحية كما يصدق على الاسلام . فأيران هي التي خلقت مذهب (( اللاادرية )) .ومن هناك بزغت المفاهيم التي اشبع بها العالم البيزنطي , واثرت تأثيرا مباشرا على المعتقد البدائي لدى المسيحيين واليهود فوهبتهم مفهوم الالوهية (المتأنسة ) اي التي تختلط بالبشر على الارض .
وكانت (( المانوية )) ذلك المزيج المزوق من الخيال والفلسفة , والتي تدين له المسيحية بالشئ الكثير وتعترف بالشئ القليل , حية لم تمت بالرغم من اضطهادها على يد المسيحيين والزرادشتيين . وهل من الممكن ان يفنى ذلك المذهب وهو نتاج غريب شاذ ولدته الحياة الاجتماعية المتفسخة لآمة بكاملها ؟يجوز أن يجرب رجال اللاهوت قتله والقضاء عليه ولكنهم لن يستطيعوا ذلك حتما .

على هذا الاساس اخلت حنبلية اباء المذهب السني في ايران مكانها ((للفلسفة التصورية)). وهكذا طردت قوة الخيال المتوفرة في مذهب (( الاله الانسان )) شخصية علي الحقيقية واتخذت لنفسها مكان المسيح بين الناس . ولم تنحصر عملية التأليه هذه في شخصية علي , اذ تم تأليه خلفائه من بعده ويقدم لنا المذهب الشيعي مظهرين : احدهما التشيع الصافي لاحفاد محمد المباشرين والثاني الشيعية الحلولية .

والحق أن ضيق الافق العقلي ليس طبيعة مقصورة على مذهب واحد كما أن الرعود في المذهب (( الاثناسي)) غير مقصورة على المسيحية .ففي الاسلام ايضا ( مع بعض الاستثناءات ) نجد كل مذهب يُدين المذاهب الاخرى ويدعي أن اصحابها هالكون . وهو يرى هلاكهم ليس (( الى الابد )) كما تفعل المذاهب المسيحية , بل الى حد يكفي لان يجعل اصحاب ذلك المذهب الاخر يرون الشرور التي يتعرضون لها من جراء اختلافهم في عقيدتهم عن المذهب المدين . ودون النظر الى الصواعق التي تستنزلها اية فئة اسلامية على رؤس الفئات الاخرى كما هي الحال في المسيحية , فأن المرء يستطيع ان يرى نوعا من الوحدة العامة في الاسلام .

يتبع .....................

حوالي منتصف القرن السابع أسس قسطنطين سلفانوس الجناح المانوي عند طائفة (( البولسيين )) الذين اشتقوا اسمهم من القديس بولس وزعموا انهم تلاميذ مخلصين له .

ويرفض هؤلاء البولسيون تلقيبهم بالمانويين وان كانت تعاليمهم ذات شبه كبير بتلك التعاليم التي كان يقول بها ماني الفارسي . ويعزو جميع الكتاب المسيحيون , بأستثناء (( ملنر)) اصل هؤلاء البولسيين الى المانوية , ومعنى ذلك أن المانوية قد خلقت أباء الكنائس (( الاصلاحية )) في اوروبا . وما كرههم للصور والاثار المقدسة الا انعكاسا للتاثير الاسلامي عليهم . وهم في خصامهم لفكرة تأليه العذراء وعبادة القديسيين , وفي استنكارهم تقديس كل الاشياء المنظورة يقتربون كثيرا من وجهات النظر الاسلامية . أنهم يرون مع ماني , على كل حال , أن المسيح كان روحا طاهرة حمل ( شبه جسد ) على الارض , وان ( الصلب )كان مجرد (رمز) . كما أنهم يعتقدون بخلود المادة ,واصالة مبدأ ثانٍ ووجود ذات حي هو الذي خلق العالم المرئي الذي سيظل بمارس سيطرته الزمنية عليه حتى تزول الخطيئة وينتهي الموت . ويغالي البولسيون في ترجماتهم للاناجيل المسيحية في ابتداع الاشارات والصور الرمزية , ويدعون لانفسهم , كما فعل ماني , بصيرة باطنية في معاني الكلمات الواردة فيها .

كان البولسيون يضطهدون من قبل الكنيسة الارذوكسية والبلاط البيزنطي وقد اعلن عليهم , طوال قرنين من الزمن , صراع عنيف في شمال ارمينيا وكبدوكيا قام به المتعصبون والحكام الفرديون في القسطنطينية . وجرت اثناءه اعنف الاعمال الوحشية
يقال ان مئة الف بولسي قد ذبحوا باوامر ثيودورة الثانية القاسية وقتل بعضهم بالسيف واحرق بعضهم حيا .

واخيرا خضعوا للقوة الغاشمة , الا انه مع ان قلاعهم قد دُكت ومدنهم دمرت , فقد ظلت عقيدتهم حية تماما , حيث تسربت مبادئهم الى البلغار الذين كانت تعتبرهم الكنائس الارذوكسية غير مرغوب فيهم .
وقد ظهر البولسيون في بروفينس الجنوبية بعد تدميرهم في اسيا كما برزوا في سافوي في القرن الثالث عشر .
ومصيرهم في هذين البلدين معروف لكل متدارس للتاريخ الاوربي . لقد تم القضاء عليهم واستئصال شأفتهم عن طريق النار وأعمال السيف .. ولم توفر النساء والاطفال . أما من نجا منهم , وهو قليل , فقد دهمته ( نعمة ) الاسترقاق .
ومع هذا فأن البولسية لم تمت , لقد اطلت برأسها ثانية في بريطانية جيث قاسى مُتبعوها الذين اتخذوا لانفسهم اسم ( لولاردز) مثل ماقاسى اسلافهم في اسيا وفيس افوي وفي بروفينس . ثم ظهرت من جديد في ( بوهيميا ) بزعامة ( هس ) وهناك كان مصيرها مشكوك فيه . واخيرا تم لها النصر بزعامة لوثر وكالفن على مضطهديها السابقين .

بهذا نكون قد تتبعنا الى هذا الحد مصير ذلك المذهب الغريب الذي لم يكن له نفوذ قوي في موطنه الاصلي مثل نفوذ بعض الحركات الدينية السياسية التي كانت تعاصر ذلك المذهب في الاسلام .

في هذه الفترة العاصفة , وعندما كان كيروسير البولسي يدمر القسم الشرقي
من الممتلكات البيزنطية , وقد ملآ مدن اسيا الصغرى بالدمار , كان يعيش في الاهواز من فارس رجل لايقل عن ( ماني ) في عبقريته ولاأتساع ثقافته أو عمق تفكيره , وكان مقدرا له أن يلعب دورا لايقل عن دور ماني في تاريخ الاديان .

أنه عبد الله بن ميمون القداح الذي صوره اعداؤه مجوسيا في ولادته بينما اعلن تلاميذه أنه من أحفاد علي !!!!!!!!!!!!!!!!!!

ميمون القداح وهو مولى جعفر الصادق كان يقوم هو الآخر على خدمة إسماعيل الذي كان المرشح لخلافة والده جعفر.

يتبع ..................

ومهما كان الامر , فأن من الواضح أن عبد الله بن ميمون كان أحد التابعين المخلصين لبيت محمد (!!!!) . واذا فكرنا في النتائج المرعبة التي ترتبت عن تعاليمه, بشكل مباشر او غير مباشر , أتضح لنا أنه كان من المستحيل حتى على المؤرخين , كابن خلدون أن يتجنبوا النظر الى الرجل وتعاليمه على اساس غير مستحب .

وهم يظنون أن عبد الله بن ميمون رجل كانت تلهبه الرغبة في نسف سيطرة الاسلام بنفس الوسائل الجانبية التي تبناها معاصره العظيم ( كيروسير) ضد المسيحية .

وهم يقولون :
(( ولما كان أبن ميمون واعيا للمخاطرة المترتبة على اعلانه الحرب العلنية على سلطة راسخة في ضمائر الناس تسندها القوة الزمنية , نراه قد قرر اللجوء الى العمل السري كما فعل ماني ))

ومن أجل ذلك غلّف مذهبه بحجاب من الفوضى والابهام . ولكي يستطيع أن يستأصل الناحية الايجابية في الدين والسلطة قرر عبد الله أن يقسم أتباعه الى سبع مراتب كما فعل الفيثاغوريون من قبل . وكانت أخر هذه المراتب صُعُداً تتضمن القول ببطلان كل دين , وعدم المبالاة بالافعال , ( التي كان أبن ميمون لايفترض فيها أن يصاحبها ثواب او عقاب ),لا في الحياة ولا الاخرة .

وقد عيّن بن ميمون مفوضين من قبله ونشرهم في البلاد , , وكلّفهم أن يقبلوا المريدين , ويلقنوهم المذهب بالتدريج حسب استعداد كل منهم الى المرتبة الملائمة . وكان التظاهر بخدمة أبن اسماعيل يخدم هؤلاء الجماعة كقناع سياسي , في حين انهم بخدمتهم عبد الله كانوا يخدمون الالحاد ويكونون رسلا له .. النويري صفحة 298

ويصف الشهرستاني أتباع هذا المبدأ بروح فلسفية , بينما يصف (محسن فأني في كتابه (( دبستان )) هذه ( الاخوة ) بشكل دموي , لكننا اذا تدارسنا الموضوع بحرص , وجدنا انه من المحتمل أن يكون عبد الله بن ميمون ذا مذهب مادي , وانه مثل ماني , كان يلهبه الطموح لخلق مذهب طبيعي كهربائي يكون من شأنه أن يوفق بين الفلسفة وبين الدين , وتكون مراتب المريدين فيه شبه مطابقة لمراتب الصوفية . وأنه لواضح مما يذكره ( مير خوند ) أن الفاطميين في مصر تبنوا الكثير من عقائدهم وتعاليمهم المبهمة من عبد الله بن ميون القداح .. والاختلاف الجوهري بينهما أن عبد الله بن ميمون يقول بأن الامام المنتظر من نسل اسماعيل لم يظهر بعد . بينما يعتقد الفاطميون انه ظهر في شخص عبيد الله المهدي وخلفائه .

وقد تقدم عبد الله من الاهواز الى البصرة , ومن ثم الى سورية , حيث استقر في
(( السلمية )) . وفي خلال سفره وتنقله اتصل ابن ميمون بالبولسيين ونقل الكثير من معتقداتهم . ولابد أن الصراع الطويل المرير بين البولسيين والبيزنطيين , وكذلك نجاح البولسيين في الابقاء على مذهبهم , قد تركا أثرا كبيرا في نفسية ذلك الرجل الذي كان يرسم في أعماقه مشروع دين جديد .

لذلك نراه قد قولب تعاليمه بشكل جزئي , فبنى قسما منها على ماقال به ماني , وبنى القسم الاخر على التصوف الاسلامي .وتقوم المانوية في اصلها على رواسب من الفلسفة الفيثاغورية والزرادشتية والمسيحية .

يتبع ................

تسجيل متابعة واهتمام ..

(f)

الزميل الحر .... شكرا لمتابعتك (f)




وقد اتخذ أتباع عبد الله لآنفسهم لقب (( الباطنيين )) على اساس دعواهم بوجود تفسير باطني لمفاهيم الدين العامة . وهذه دعوى تشبه مايقوله المانويون والبولسيون الى حد كبير . ويبدو أن عبد الله قد أكد خلود المادة , فقد أعلن صراحة :
(( أن الله ليس منفصلا عن مظاهر وجوده , ولايمكن الاخبار عنه بشكل مستقل في أنه موجود او غير موجود , محيط أو غير محيط , ذلك لان تأكيد ذلك عنه معناه افتراض وجود المشابهة بينه وبين مخلوقاته , وأن العلة الاولى نتجت بفعل أمر واحد كان في ضمير الازلية يطلق عليه اسم العقل )) .

وقد ولّدت تلك العلة الاولى علة ثانية هي (( النفس )) وعلاقتها بالعلة الاولى كعلاقة الطفل بوالده .

والصفة الاساسية لهذه العلة هي الحياة , كما ان الصفة الاساسية في العقل هي المعرفة . وأن هذه العلة الثانية تُنتج المادة قبل وجودها . وصفتها الاساسية هي السلبية .

ومن بعد ذلك تم خلق الزمان والمكان والعناصر والنجوم والاجساد الجامدة وجميع مخلوقات الكون . وأنه نتيجة للرغبة الملازمة من جانب العلة الثانية لتطوير نفسها الى العلة الاولى اظهرت وجودها في المادة على شكل حيوان بشري .

وأن غرض الروح البشرية أن تناضل الى الاعلى محاولة الوصول الى مبدا الحكمة الخلاق . وما الانبياء الا تجسد لهذا المبدأ .
ووظيفتهم مساعدة الروح البشرية في نضالها مع المادة . وعلى هذا الاساس أطلق ابن ميمون على الانبياء لفظ (( الناطق )) وجعلهم سبعة في عددهم كالنجوم الثوابت . وكان يرى تقدم العالم يسير على شكل حلقات متداخلة .


(( وكما تحركت الافلاك بتحريك العقل والنفس والطبائع , كذلك تحركت النفوس والاشخاص بالشرائع بتحريك النبي والوصي في كل زمان دائرا على سبعة سبعة , حتى ينتهي الى الدور الاخير , ويدخل زمان القيامة وترتفع التكاليف وتتلاشى السنن والشرائع .وأنما هذه الحركات الفلكية والسنن الشرعية لتبلغ النفس الى حال كمالها . وما كمالها الا بلوغها درجة العقل واتحادها به ووصولها الى مرتبته فعلا .وذلك هو (( القيامة الكبرى )) حيث تنحل تراكيب الافلاك والعناصر والمركبات وتنشق السماء , وتتناثر الكواكب , وتتبدل الارض غير الارض , وتطوى السماوات كطي السجل لكتاب مرقوم , فيه يُحاسَب الخلق , ويتميز الخير عن الشر , والمطيع عن العاصي , وتتصل جزيئات الحق (( بالنفس )) الكل , وجزئيات الباطل (( بالشيطان المبطل )) .
_ ( تلخيصا لما أورده الشهرستاني ج1)

اضافة على ما تقوله
بالنسبة لوضع الفرس
الذين حقدوا على العرب منذ ان احتلوا عروشهم
فهم لجئوا لتلبيس الاسلام باقنعة وبراقع مجوسية
فكان ان تحول الاسلام عندهم لروايات خارقة عن اعمال الائمة المعصومين وعن امتيازاتهم في الكون وفي الأخرة
وعن فضائل المعصومين وحقهم في امتلاك الاملاك والاعناق وانه من حقهم ان ننذل لهم ونعبدهم ونعشقهم ونهتف باسمهم كل دقيقة ووو
اي ان الاسلام تحول من دين فضائل وتقوى الى محبة اهل البيت ومحبة الحسنين والدعوة للانتقم لهم والدعوة لمبايعة علي على الولاية الخ
بينما صلب الموضوع في الدين وهو العمل الصالح والتأمل في الكون تم اهماله ورميه في المهملات

الزميل جورنالست

Arrayولم تنحصر عملية التأليه هذه في شخصية علي , اذ تم تأليه خلفائه من بعده ويقدم لنا المذهب الشيعي مظهرين : احدهما التشيع الصافي لاحفاد محمد المباشرين والثاني الشيعية الحلولية. [/quote]

تم التطرق في بداية الموضوع الى وجود مظهرين للمذهب الشيعي , التشيع الصافي والثاني الشيعية الحلولية .

كرأي خاص أرى أن التشيع الصافي او أتباع مدرسة جعفر الصادق الفقهية الاسلامية هي مكمل ومتمم للمدارس الفقهية السنية الاربعة أو تعتبر المدرسة الفقهية الخامسة في الاسلام ..

ألا أن الانتقاد دائما موجه للمظهر السياسي للتشيع المبني على ماجرى من اختلاف حول من يخلف الرسول بعد وفاته هذا امر , والامر الاخر هو ماحصل في الاسلام من انشقاقات بعد موقعة صفين وبعد مقتل الحسين عليه السلام , فهل نحن أحفاد معاوية وأحفاد يزيد ؟.. من يدري ربما يكون أحد جدودنا مستشيع ثم تسنن ومن السخف ان يفكر مثقف في القرن الواحد والعشرين بأتجاه : أنصار أل البيت , وأحفاد النواصب .. فعلى مجرى التاريخ هناك الكثير ممن تشيع وممن تسنن وحسب التزواج والنشئة العائلية .

أما مايخص الفرق الباطنية او الشيّع الحلولية .. فهذا أمر كبير ويتحمل مسؤوليته شيعة ال البيت أنفسهم , فهم قبلوا انضواء تحت راية محبة ال البيت كل من هب ودب من فرق فكرية شارفت على الانقراض فلجأت الى التشيع وهي المانوية والمزدكية والخرمية وملل أخرى يفصلها الشهرستاني في كتابه الملل والنحل ...

مسؤولية الشيعة الاثني عشرية تمييز هؤلاء وردهم الى اصولهم الفكرية , لانهم أي الفرق الباطنية يدعون التشيع وكانوا يمارسون التستر في نشر دعواهم والتقية خوفا من القتل أما الان فحرية التفكير والانتشار مكفولة للجميع , وهاهي الديانة البهائية قد انفصلت انفصالا كليا عن الاسلام ( التشيع ) وتنتشر عالميا ولها شخصية مفردة , وعلى الفرق الباطنية الاخرى الانفصال كليا عن الاسلام للحفاظ على شخصيتها المتميزة .

وعبد الله بن ميمون القداح يقول :
(( أن لكل حرف وكلمة معنيين , لآن التنزيل له تأويل . ولكل أمرئ مايقابله في عالم غير مرئي )) . وهو يرى : ((أن معرفة الحق لايمكن الوصول اليها بالعقل بل بالتلقـــــــــــــــــــــين )).

وقد طوّر تلاميذ عبد الله بن ميمون تعاليم أستاذهم فقالوا :
(( أن القيامة الكبرى تعني تجلي الامام في مملكة سماوية وتزول منها الشرائع الدينية . ويغدو نكران الدين مسموحا به )) .كما بيّنوا أن لآيات القرأن الكريم معنى باطنيا , وأن الدين الاسلامي ليس تأدية العبادات التي هي مظاهر خارجية له , وأنما هو شعور داخلي في النفس . وقالوا ايضا :

(( أن كل مالايؤذي النفس مسوح به . واضافوا (( أن الصيام ليس اكثر من كتمان أسرار الامام . وأن النهي عن الخديعة يتضمن , لدى المريد , عدم فضح اسرار المذهب )) .وقالوا (( أن الزكاة تعني تقديم الاعشار للامام المعصوم )).
وملخص القول , لقد جاؤوا بكل هذه الزخرفة المتراكمة من مجموعة المذاهب والفلسفات التي سبقت عصرهم , والتي تميل الى معاداة الشريعة والاخلاق .

لقد أستقر عبد الله بن ميمون في سوريا , موطن المسيحية اللاادرية حيث طوّر تعاليمه أكثر فأكثر . وهناك استطاع جلب (حمدان) المدعو ( قرمط)الى مذهبه الذي خلق له سمعة سيئة في تاريخ الاسلام .


وكانت طريقة التلقين التي اتبعها تلامذة عبد الله بن ميمون هي الطريقة المانوية الاولى التي تبتدئ بألقاء المريد اول دخوله في بحر من الشك عن طريق توجيه اسئلة جانبية اليه ثم اعطائه اجابات لفظية مبهمة . وكما يقول محسن فاني (( كانوا لايقصدون بها غرضا شريرا بل مجرد جعل طالب الحقيقة والحكمة ناشدا لنفسه الكمال )) . وكانت هذه العملية تختلف حسب اطلاع الرجل الذي يريدون أقناعه على اصول دينه . فالداعي (( المبشر )) يشرح المذهب المراد قبوله بشكل مبسّط ثم يطعّمه بالشك والمشاكل التي تعترض طريقه . وتدريجيا , يقتلع من نفس تلميذه اليقين .وأخيرا يقترح عليه أن يتبع تفاسير النظام الباطني كحلٍ أخير للنجاة بروحه من الهلاك .

فأذا كان الداعي يريد تلقين شيعي مثلا , فأنه يتظاهر بالولاء والاخلاص لبيت محمد , ويبدي أمامه كل حسرة وأسى على الظلم الذي عوملوا به _ كما في حال أستشهاد الحسين ومذبحة كربلاء . وبعد ان يمهد الداعي هذه الطريق ينفذ متباطئا الى عقل الشيعي الذي يكون قد غدا قابلا للاستجابة , فيلقنه مبادئ الباطنية .

واذا كان الداعي يود تلقين يهودي فأنه يبدأ أول ما يبدأ بأضطهادات المسيحيين والمسلمين لليهود . ومنطلقا من التظاهر بقبول ما يعتقده اليهودي بصدد انتظار مسيحا موعودا , نجد ذلك الداعي يأخذ في أقناع اليهودي تدريجيا بأن مسيحه الموعود لايمكن أن يكون غير الامام الاسماعيلي الذي يدعو له .

أما أذا كان الرجل الذي يراد تلقينه مسيحيا فأننا نجد الداعي يضخّم مقدار عناد اليهود وجهل المسلمين في تقدير مسيحهم . ثم يجعل يتقرب اليه عن طريق المبادئ الاساسية في الدين المسيحي .وفي نفس الوقت يظل يشير الى ان هذه المبادئ والاعمال التي قام بها المسيح رمزية لااكثر . وانها اشير الى معنى أكثر عمقا من سطحيتها ,معنى لايستطيع الوصول اليه الا الامام الباطني .

وبعد أن يكون عقل المريد الجديد قد تم تشكيله , نجد الداعي يبادر الى القول بأن المسيحيين قد اساءوا فهم ((المخلّص)) , وان الامام الباطني هو المخلص الموعود حقا .

يتبع ...............

وقد صاغ عبد الله بن ميمون ايضا مبدأ التُقية وهو (الانسجام الخارجي مع اعتقاد ديني اجنبي او ممارسته ) في عبارات مقتضبة .وكان ذلك شائعا بين جميع المذاهب المانوية _ ودون أستثناء البولسيين .

وقد أعاده عبد الله بن ميمون لسببين :

اولهما: تجنُّب الاضطهاد .
والثاني :تسهيل عملية التلقين .

والتُقية هي الدفاع الطبيعي الذي يلجأ اليه الضعفاء والمضطهدون ضد الاقوياء .
فليست طبيعة الناس جميعا تتحمل الاستشهاد . والكثير منهم يضطرون الى الرضوخ عندما يعجزون عن مقاومة اعدائهم . وهذا ما جعل المسيحيين الاولين يستعملون التقية .
لقد كان على الاسماعيليين , لاسباب خاصة , أن يخفوا معتقداتهم في طول وعرض البلدان الخاضعة للخلفاء العباسيين .ولما طال عليهم زمن التستر طلبا للنجاة , صارت التقية طبيعة ثانية لهم . وعنهم أخذ الشيعة عادة أستعمال التقية هذه . فقبل ان تتصالح ايران وتركيا كان على الشيعي أن يقوم بشعائر السني عندما يقوم بأداء فريضة الحج .

وبطبيعة الحال كانت التقية في مثل هذه الحالات ضرورة لازمة للشيعي الورع الذي يرغب في زيارة الاضرحة المقدسة . الا أن هذه التقية , وهي الابن الطبيعي للاضطهاد والخوف , قد غدت عادة متأصلة في نفوس الفرس الشيعيين
الى درجة أنهم اصبحوا يمارسونها حتى في الظروف التي لاتكون ضرورة فيها . وهم يفعلون ذلك لتجنب الاساءة الى غيرهم واثارة الشكوك عندهم , تماما كما يفعل البروتستانتي فيتقبل بعض طقوس الكاثوليكية في البلدان الكاثوليكية .

أما حمدان المدعو قرمط فقد انفصل عن ((محّمده))وأنشأ مذهباًخاصأ به .كان عبد الله بن ميمون قد نهى عن استعمال العنف في تلقينه , أما قرمط فقد دعا الى ذلك , وأعتبره حجر الزاوية في مذهبه الجديد.وربما أنه مثل كيروسير , قد لجأ الى ذلك بفعل اضطهاد المذهب السائد له .لقد اشعل نار الثورة في الاحساء والبحرين . وكان ضعف جيوش الخليفة مما كتب له النصر . فماكان منه الا أن فعل مثل ما فعل كيروسير , فجمع جيشا هائلا من اتباعه وتقدم من البحرين ينشر الخراب والدم .
وقد ظل القرامطة , من معاقلهم في البحرين والاحساء , في صراع دام طوال قرن كامل من الزمن مع خلفاء بغداد .لقد هاجموا مكة ونقلوا الحجر الاسود , وهو رمز القدم من عهد ابراهيم , كما فعل الوهابيون بعدهم بتسعة قرون , وأقاموا لهم مركزاً جديداً في (( الهفوف)) للتعبد فيه حسب معتقداتهم الجديدة .وكما فعل البولسيون الذين دمروا (( أمنس)) وحطموا ضريح القديس حنا وحولوا كاتدرائيته الى اسطبل للبغال . ولكن عهد القرامطة كان قصيرا حيث فتك بهم الخليفة العباسي المعتضد , وازال أثارهم .

وقد حُرّمت الاسماعيلية بعد قهر القرامطة وصار اتباعها يُقتنصون ويُفتك بهم ,فكان على الاسماعيلية أن تخفي راسها في كل مكان .وقد استمر ذلك الى أن استطاع عبيد الله المهدي أن ينتزع افريقيا من العباسيين .

يتبع ..........

وكان الفاطميون في مصر خير معاضدين للعلم والمعرفة , بيد انهم مع رغبتهم العظيمة في نشر المعرفة بين رعاياهم لم يغفلوا عن الحسنات السياسية التي تتوفر في التنظيم الدعائي الذي اسسه عبد الله بن ميمون .وكانوا قد تبنوا الكثير من معتقداته المانوية وجعلوها تخدم اغراضهم .لقد أسسوا الكليات والمكاتب العامة , واهمها دار الحكمة , وزودوها بالكتب وادوات الحساب , وخصصوا لها اموالا طائلة . كما عينوا فيها عددا كبيرا من الاساتذة والمدرسين . وكان الالتحاق بهذه المدارس , واغتراف كنوز المعرفة هذه , والاطلاع على نسخ المخطوطات القيمة مسموحا به للجميع دون كلفة .

وكثيرا ماكان الخلفاء الفاطميون يعقدون المناظرات العلمية حيث يتناقش مدرسو هذه الاكاديميات , كل في حقل أختصاصه , كالمناطقة , والرياضيين , والفقهاء , ورجال الطب , وهم يرتدون الخلعة او الملابس المميزة لمراكزهم العلمية .

ولاتزال الازياء المميزة للجامعات الانكليزية المختلفة في الوقت الحاضر تحفظ لنا شكل الخلعة والقفطان العربي .

وكانت هنالك (257000)) دوكا تدفعها الخزينة العامة هي المخصص السنوي الذي يُنفق على هذه المعاهد كرواتب للمدرسين والموظفين , ولتوفير ما تتطلبه تلك المعاهد من خدمات ومواد . وفي هذه المعاهد كانت تُدرس جميع فروع العلوم . وكان يرتبط بدار الحكمة مأوى يتم فيه تلقين تعاليم الاسماعيلية بشكل دائم وكان من العادة أن يلقي داعي الدعاة درسه مرتين في الاسبوع :

يوم الاحد ويوم الاربعاء , ويحضرها الرجال والنساء وهن يرتدين البياض وينحزن الى جانب من الحلقة . وكان يطلق على هذا الاجتماع أسم مجلس الحكمة . وقبل البدء بالدرس كان داعي الدعاة يستأذن الخليفة , وهو الداعي الاكبر , ليطلعه على الدرس الذي سيلقيه على المريدين الجدد , كما ينال بركة توقيعه على ظهر الدفتر وبعد أنتهاء المحاضرة كان التلاميذ يقبّلون يد داعي الدعاة ويلمسون توقيع الخليفة بجباههم .


ويصف المقريزي مراتب التدرج هذه التي تشبه مراتب محفل الماسونية الحرة

وفي الحقيقة , أن هذا المأوى في القاهرة قد غدا فيما بعد مثالا تنسج على منواله جميع ديار المسيحية . لقد اسس عبد الله بن ميمون سبع مراتب , وال ( سبعة ) عددد مقدس , فهناك سبعة نجوم ثابتة وسبعة ايام في الاسبوع , وسبعة أئمة في الدين .

ولما كان الميل الى التقديس عميق الجذور في الذهنية المصرية وممتزجاً بالحلقات الصوفية , فقد تم فرض تلك المراتب على اسس مانوية , فزيد العدد من سبعة الى تسعة , وكانت الدرجة الاولى هي اصعب الجميع . وهي تتطلب وقتا أطول من غيرها لتشكيك عقل المريد , ولاستمالته لحلف تلك اليمين المغلظةالتي يربط بها نفسه الى العقيدة السرية بأيمان أعمى وطاعة مشروطة . وبعد ذلك تكون العملية سهلة للغاية حيث يقاد المريد الى التعرف على المبادئ الباطنية ليغدو اداة طيعة في سبيل المطامح الواسعة .



وكانت حلقات التدريس في المهدية ثم في القاهرة فيما بعد , مراكز بعيدة الاثر من ناحية الدعاية السياسية . أما معرفة المبادئ التي تسير بموجبها تلك الحلقات فقد كانت مقصورة على قلة معينة .

وكما هي الحال مع اصرار مبادئ فرسان الهيكل والعلمانيين والثوريين في فرنسا لم يكن يناط اللثام عن تلك الاسرار الا للقلة فقط , وبشكل جزئي , اي لذلك النفر اليسير الذين يُقصد استخدامهم لنسف قوة الاعداء من اساساتها .
أما بالنسبة للجماهير والذين لم ينالوا مراتب في تلك الطريقة فقد كان دين الدولة الرسمي هو الاسلام .وكانت مبادؤه الاخلاقية , وممارسة فروضه العبادة شيئا تشدّد عليه الدولة بكل اصرار . وكان معظم الخلفاء , والمعز لدين الله خاصة , أتقياء ذوي ورع يقومون بتأدية واجباتهم الدينية وحقوق الشرع كاملة . وكان الفقهاء وموظفو الدولة مسلمين اتقياء ايضا .
ومهما يكن الامر فأن حقيقة وجود هيئة سرية تسير على خطوط غامضة كان بفكك عرى المجتمع . والحق أن تنظيم المبعوثين السرّيين هو الذي اضعف سيطرة العباسيين دون أن يزيد في قوة الفاطميين او يوسع مدى نفوذهم الزمني .

وقد اطلق على الفاطميين في مصر أسم أسماعيلية الغرب مقابل أتباع الحسن بن الصباح الحميري والمعروف عامة باسم حسن الصباح . وهو صاحب تلك الشهرة السيئة في التاريخ عند الغربيين الذين يعرفونه كمؤسس لنظام الحشاشين . ولكنه معروف لدى أصحابه باسم (( سيدنا )) ويطلق على تلاميذه أحيانا أسم الاسماعيليين الشرقيين أو ملاحدة كوهستان .
كان الحسن أبن فقيه شيعي , عربي النسب , كما يشير اسمه , يعيش في مدينة خوى من فارس . وقد نال شتى فروع علم زمانه , ويقال أنه كان زميلا في دراسته لنظام الملك , الذي غدا وزير الب ارسلان وملك شاه السلجوقيين في الشرق وكذلك زميلا للشاعر الصوفي عمر الخيام .
ولما فشل طموح حسن الصباح في أن ينال وظيفة عالية في بلاط ملك شاه تقدم الى البلاط الفاطمي في القاهرة حيث المأوى القاهري . وكانت فارس في ذلك الوقت خاضعة لتشدد المذهب السني الذي كان سلاطين السلاجقة يزيدونه مثيرا لانهم من أتباع المذهب الاشعري المخلصين .
وعاد الحسن من مصر الى اسيا فأستطاع بالعنف حينا وبالخداع حينا اخر
أن يستولي لنفسه على قلعة ( الموت ) المحصنة ومعنى اسمها عش العقاب وهي تقوم في معقل جبلي حصين في اعالي بلاد فارس .. .

وخلال الخمسة والثلاثين سنة التي تمكن فيها الحسن الصباح من السيطرة على تلك المنطقة أستطاع ذلك الداهية أن ينظم جهازا يبعث الرعب في اسيا واوروبا الشرقية وافريقيا . وذلك لانه كان بوسعه أن ينتقم من الاضطهاد بالاغتيال .

وكان الحسن نفسه محافظا على جميع مظاهر الدين , لايسمح بالسكر أو الرقص أو الموسيقى في منطقة نفوذه . ويبدو أن باطنيته تختلف عن تلك التي دعا لها الاسماعيليون الغربيون . ويشرحها كل من الشهرستاني ومحسن فاني بأسهاب وأن كل من الرجلين يتكلم عن صاحبها بمزيج من الخوف والرهبة مما يجعل القارئ يشّم أنهما كانا يخشيان خناجر فدائييه .


المادة التاريخية من كتاب المؤرخ الهندي سيد امير علي " روح الاسلام " يتميز الكتاب بنظرته الموضوعية الصرفة ويعمد الى المقارنة بين الديانات السماوية والديانات الوضعية ويبين أن النظام الفكري الذي جاء به محمد براء مما الحق به من خزعبلات الحقها بعض اتباعه في عصور متأخرة .