في زمن ليس ببعيد عنا، وفي قرية صغيرة في الريف الفرنسي، عاش فلاح عجوز يسمى جان مع زوجته الجميلة مارغريت في كوخهما، كان جان يخرج كل يوم صباحاً مصطحباً حماره وكلبه الوفي ويشرع في رعاية أرضه فيحرثها تارة ويزرعها تارة أخرى، بينما كانت زوجته تدور شؤون المنزل وترعى دجاجاتها والعنزة الوحيدة في المزرعة.

جلس جان بعد أن أمضى طيلة فترة الصباح والظهيرة في حراثة الأرض واخرج خرج الغداء الذي أعدته زوجته الجميلة له، لم يكن غداءه سوى قطعة من الخبز قد تصلبت حتى بدت له كحجر الصوان مع بعض الزبدة، لم ينس جان أن يكرم كلبه الوفي بعظم تلقفه الكلب بشغف، بينما صب بعض الشعير والتبن لحماره.

لم تعد الأيام كما كانت في السابق، لقد كبر جان على العمل وغزا الشيب مفرقه، ولم تعد أسنانه تقدر على طحن الحجارة التي يتناولها كل يوم، تمنى جان لو كانت له مثل أسنان حماره القوية أو دقة فك كلبه المخلص. كم هو قاس هذا الفقر؟ خصوصاً حينما تعجز حتى عن هضم الخبز المتحجر!

كان الشيء الوحيد الذي يخالج تفكير جان هو طعامه وقطعة الخبز المتحجرة التي لم تنفع كل الزبدة في تليينها، نظر جان إلى حماره وكلبه بتفحص، فمع اختلاف طعام حيوانيه الأثيرين وشكل فميهما إلا أن هناك ما هو مشترك بينهما، أن الحمار حينما يمضغ الطعام يحرك فكه للأسفل، والكلب حينما يمضغ الطعام أيضا يحرك فكه للأسفل، فكر جان أكثر فهو الآخر حينما يأكل فانه يحرك فمه للأسفل وكذلك زوجته وعنزتها والدجاجات وحتى خنازير جاره ليوك تحرك فكها للأسفل حينما تأكل، كل الحيوانات التي استطاع جان أن يفكر فيها تحرك فكها للأسفل حينما تأكل، الأسد والذئب والضبع والفيل وحتى الحيوانات الصغيرة مثل الهر والفأر والجرذ.

تعجب جان من هذا التشابه فعلى الرغم من اختلاف أفواه الحيوانات إلا إنها كلها تحرك فمها للأسفل، إنها تفعل ذلك لكي تأكل قال جان وأضاف: وهي تأكل لكي تعيش، فالحيوانات تحرك فمها للأسفل لكي تعيش، فتحريك الفك للأسفل يساعد على العيش، فضـّل جان أن يضع نتيجة تفكيره بصورة أكثر ملائمة فقال: الحياة مرتبطة بتحريك الفك للأسفل.

يتبع...

قلب جان المسألة في عقله يميناً وشمالاً، بدا له أن ما وصل له منطقي وصحيح، بدا جذلاً سعيداً فقد كانت هذه المرة الأولى التي تبدو الأشياء بالنسبة له واضحة ويبدو العالم فيه منطقياً قد وضع فيه كل شيء في محله. رجع جان لكوخه، ولم يضع دقيقة واحدة بل توجه إلى كنيسة القرية وطلب من القس أن يجمع القرويين يوم الأحد القادم لأنه يريد أن يخبرهم بحديث سيثير العجب ويحل كل مشاكل الحياة، حبذا لو كان روجيه مراسل صحيفة القرية موجوداً، أضاف جان، وعد القس صديقنا جان خيراً.

جاء اليوم الموعود، وحضر القرويون من كل مكان حتى غصت الكنيسة بالعمـّار وصعب على الرجال أن يجدوا محطاً لأقدامهم. افرد لروجيه مراسل القرية مكان خاص حيث يستطيع الاستماع والكتابة بحرية، بينما فضلت النساء أن يقفن جوار النوافذ حيث يستطعن مراقبة أطفالهن الذين يلهون في الخارج.

قال جان:

إخواني وأصدقائي وأصحابي سكان قريتنا، أليس يتوجب على الإنسان أن يكون ذا خلق؟ وأن يحيا حياته لهدف نبيل دون خداع وغش؟

قال القرويون: صدقت !

قال جان: فما تقولون في من يعيش ليأكل؟

رد القرويون بالامتعاض واستنكار من يعيش هكذا، بينما صاحت النساء: اللهم احفظنا !

قال جان: أيها القرويون، أن قوانين الأخلاق كانت مقلوبة قبلي، كانت القوانين تسير على رأسها، وأنا قلبتها وجعلتها تسير على قدميها، أن الإنسان يأكل ليعيش وان الإنسان والحيوان ليأكل بتحريك فكه للأسفل، فتحريك الفك للأسفل هو مادة الحياة، أيها القرويون، قد اختلفت الحيوانات وتنوعت لكنها كلها تأكل وتمضغ الطعام وتحرك فكها للأسفل، فمال الناس لم يلاحظوا ذلك؟ وأي بؤس مني به هؤلاء الواصفون وقد دأبوا على الوصف بدل تغيير الواقع؟ وانى لهم أن يغيروا الواقع وقد كان يضعون القوانين على رأسها؟

أيها القرويون

إذا كانت الحياة مبنية على علاقات المضغ فسعادة الفقير وزوال الإمراض مرتبطة بتحريك الفك، أفلا تكون لكم عقول فتنظرون بها سبب بؤسكم وفقركم ومرضكم؟ ألا إن سعادة المجتمع وديمومة حياة أفراده مرتبطة بصورة مضغكم وطوال تحريككم لافكاكم، فهلموا معي يا إخوتي وحاربوا العاطلين عن المضغ ومصغري اللقمة ومثقفي الريجيم وآكلي الشوكة والسكين، فقد افلح من عمـّر فمه وحرّك فكه وهذا هو قانون الحياة.

يتبع...

ران صمتٌ مطبق على انحاء المكان حتى خيل لجان ان القوم اصابهم الخرس، لم يفهم القرويون كثيراً مما قال جان، الا ان كلامه داعب وتراً حساساً لديهم، لقد كانو فقراء ينخر جسدهم البؤس والمرض، وجان يتحدث عن السعادة والغناء والشفاء وهو غاية أملهم. انتظر كل واحد منهم من صاحبه أن يتحدث مؤيداً جان كاشفاً عن شقاءهم الذي توارثوه كاهلاً عن كاهل. قطع الصمت صوت بيرتران قائلاً: ربما لم افهم ما قلته يا جان ولكني اعرف بلاداً يقضي أهلوها أيامهم بمضغ التبغ وشرب النبيذ وما رأيتم إلا سعداء يرقصون فرحاً، لم تكدرهم الدنيا بكدرها ولم يخالط فرحهم هم ولا غم.

وكمثل النار في الهشيم تعالى نقاش القوم وطفق كل منهم يحدث صاحبه بتجربته وعن الأيام السعيدة التي قضاها ماضغاً قد علته السعادة وذهب عنه الحزن ثم اتبع القوم ذكرياتهم بحسرة طويلة وهم يؤمنون على كلام جان. ولم يكن مراسل صحيفة القرية بأقل منهم حماساً، فراح يكتب جذلاً كلام جان وتعليقات القرويين دون أن ينبس ببنت شفة.

وكان في القرية طبيب يدعى كلود، لم يكن كلود نبيلاً ولكنه مع ذلك كان يحدث الناس من علو، لكن طيبة قلبه جعلته محبوباً عند أهل القرية، قال كلود:

يا جان، ما هذا الذي تقوله؟ وأي شيطان هذا الذي دلك على هذا الكلام؟ بئس ما جمعتنا هنا لتخبرنا به، أي علاقة هذه بين المضغ وتحريك الفم والفقر والمرض؟

لم يبدو على جان انه تفاجأ بكلام كلود، فرد: أفأنت يا جان تقول للمريض ان لا يتغذى جيداً؟

بل انصح المريض دائماً أن يأكل جيداً وينتقي الطعام الصحي، أجاب كلود.

وماذا سيحصل إذا لم يأكل المريض؟ تساءل جان.

أظنه يموت ...بل أكاد اجزم بذلك، أكـّد كلود.

فقال جان: أيها الطبيب...اسمع لي....ها أنت ذا تقول أن من لا يأكل يموت وأنت تقول أن لابد للمريض من غذاء جيد، فعلام تنكر علينا نحن أن نجعل الشفاء والسعادة في المضغ وتحريك الفك؟ هل يكون الأكل إلا بتحريك الفكين؟ ألا يحق لنا نحن الفقراء أن نبحث عن سعادتنا والشفاء من المرض؟ لماذا تود أن تحرمنا من السعادة؟

ردد القرويون جميعاً: نعم يا كلود ...لماذا تود أن تحرمنا من السعادة؟

قال جان: فألان يا أصدقائي، اذهبوا واخرجوا جميعاً لسعادتكم، اذهبوا إلى مزارع النبلاء الذين يودون أن يحرمونا من السعادة، اقطفوا ما شئتم واقضوا أيامكم سعداء تمضغون الطعام الجيد.

يا مرضى العالم، حرّكوا أفكاكم. صاح جان !

...يتبع

Arrayيا مرضى العالم، حرّكوا أفكاكم. صاح جان ![/quote]

الزميل إنكي : هل تتعمد معالجة الأمور بطريقة سطحية , أم أنك فعلاً تفكر بهذه الطريقة؟
العمال و الفلاحون و الحرفيون و صغار الكسبة في مقاربتك هم مجموعة من المرضى لا أكثر ..
و الدعوة الأممية لتوحيد نضالهم و لملمة جهودهم المبعثرة هي تحريك أفكاك لا غير..
مشكلة أن يبلغ الحقد بك على الماركسية هذا المبلغ , و مشكلة أكبر أن ينتج هذا الحقد مقالاً متهافتاً كهذا , لا يمكن أن تكون هذه عقلية أستاذ جامعي كما تعرف عن نفسك يا زميل..

عزيزي MINDMUSCLES

دع اله الماء يكمل مقالته حتى ترى ونرى ما سيوصلنا اليه جان الحكيم. وبعد ذلك اطبق عليه بفكيك كما تشاء :D

Array
الزميل إنكي : هل تتعمد معالجة الأمور بطريقة سطحية , أم أنك فعلاً تفكر بهذه الطريقة؟
العمال و الفلاحون و الحرفيون و صغار الكسبة في مقاربتك هم مجموعة من المرضى لا أكثر ..
و الدعوة الأممية لتوحيد نضالهم و لملمة جهودهم المبعثرة هي تحريك أفكاك لا غير..
مشكلة أن يبلغ الحقد بك على الماركسية هذا المبلغ , و مشكلة أكبر أن ينتج هذا الحقد مقالاً متهافتاً كهذا , لا يمكن أن تكون هذه عقلية أستاذ جامعي كما تعرف عن نفسك يا زميل..
[/quote]

فقط اريد ان افهم، لماذا تسمي النقد حقد؟

من حق كل انسان ان ينقد ما يشاء، انت فتحت موضوع عن الليبراليين، هل قلنا عنك حاقد؟

اذا لم اسئ لك فلماذا تسيء الي؟

ثم من قال لك انه يتوجب علي دائماً ان اكتب مقال راقي في منتدى؟ بل لابد ان تتنوع مستوى المقالات حتى تبلغ جمهور اعرض :blink:

Array
أيها القرويون

إذا كانت الحياة مبنية على علاقات المضغ فسعادة الفقير وزوال الإمراض مرتبطة بتحريك الفك، أفلا تكون لكم عقول فتنظرون بها سبب بؤسكم وفقركم ومرضكم؟ ألا إن سعادة المجتمع وديمومة حياة أفراده مرتبطة بصورة مضغكم وطوال تحريككم لافكاكم، فهلموا معي يا إخوتي وحاربوا العاطلين عن المضغ ومصغري اللقمة ومثقفي الريجيم وآكلي الشوكة والسكين، فقد افلح من عمـّر فمه وحرّك فكه وهذا هو قانون الحياة.

يتبع...
[/quote]

لا شك ان زرادشت نيتشه ونبي جبران يتقلبان الان في قبريهما :lol::lol:

متعلق

Array
لا شك ان زرادشت نيتشه ونبي جبران يتقلبان الان في قبريهما :lol::lol:
[/quote]

لا شك ان الرجل المقصود من هذا الموضوع بدا يتحرك في قبره كثيراً :lol22:

أمضى القرويون اسعد ايام حياتهم بظل نصيحة جان، كان الكل يحصل على ما يريد من تبغ ونبيذ وحبوب بمجرد الذهاب الى مخازن الحبوب والحقول المجاورة. أما جان فقد صار له اتباع ومريدين وقصده الناس من القرى المجاورة.

ولاول مرة في حياته يحس جان بالاهمية، وان كلماته تتحول الى اوامر بمجرد النطق، أرسل جان من خاصة اتباعه عدداً الى كل فرنسا يدعو الناس الى الجانية، فطفق اتباعه يرددون: يا مرضى العالم، حركوا افكاكم، كانت دعوى جان هي كل ما يريده الشعب، فطفق الجميع يستمع لجان فيحيا السعادة والهناء طيلة ايامه مستريحا وقد اشبع بطنه بما لذ وطاب.

كان النبلاء الخاسرين الوحيدين في معادلة جان ولكنه رآى ان هؤلاء هم القلة ولا ضير في ان يخسر القلة لكي تربح الكثرة فهذا هو قانون الحياة على اي حال، ويستطيع اي نبيل او مالك للارض ان يمضغ معنا طالما انه لايمنع غيره عن الاكل.

مر جان ذات يوم على طبيب يجتهد في تحضير الاعشاب واعداد الدواء لمرضى كانو يقصدونه طوابيراً، كانت وجوه المرضى شاحبة ويئن بعضهم من الالم، عطف جان على الطبيب، وصرخ فيه ماذا تفعل؟

- اعد الدواء للمرضى يا سيد جان، قال الطبيب

- وكم من مريض شفاه دوائك هذا؟ سأل جان.

- قد يشفي البعض وقد لايشفي، هذا يعتمد على المرض نفسه، قال الطبيب بثقة.

- فاي بؤس في ان تبيع نفسك لشيء قد ينجيك وقد يقتلك؟ علق جان على كلام الطبيب.

- ليس على الطبيب الا ان يساعد مريضه يا سيدي، وهذا العلم توارثناه جيلاً عن جيل، انه علم الكيمياء، أكد الطبيب.

- فانت لا تفعل سوى ان تلهي المريض بدواءك، غمغم جان وقد خرج من العيادة، لكنه ما لبث ان التفت الى المرضى وصاح بهم:

يا مرضى.....الكيمياء افيون السقيم !

...يتبع