الزميل المحترم / ماجد الدومري (f)

مرحبا بك و بأي نقد. لكني أحب أن أنتهز الفرصة للتعليق بما أحببت أن أوضحه بشدة:

Array
لكني فقط أريد أن ألخص تناقضك أنت كما حاولت تلخيص تناقض فئات مجتمعك: "زعماً منك بالرغبة بالانتقال بمجتمعك إلى مستوى حضاري أعلى، أنت تؤدلج لتبرير سياسة عسكرية وضعتها شركات المال والنفط والسلاح الأمريكية والبريطانية للمنطقة العربية من أجل إخضاعها لاستعمار مباشر يهدف إلى سرقة ثرواتها أولاً (العراق والخليج والسودان)، وإلى حماية ونصرة حليفها الاستراتيجي الديني (اسرائيل) ثانياً. وبالتالي فباسم تشخيص المشكلة وطرح الحلول لمجتمعك أنت تعمل على تدميره وهزيمته أمام أعدائه فوق دماره وهزيمته الحالية".[/quote]

بداية أحب أن أؤكد على قاعدة هامة و هي أن (نقد - أو نقض - طارح موضوع ما لا يمثل نقدا للموضوع ذاته حتى و إن كان نقدا موضوعيا لأنه يمثل نقدا لموضوع مخالف) و لن يحدث أي فرق أن تكون نية الطارح صدقا أو كذبا خيرا كانت أم شرا. و هذا - قياسا مع الفارق - كما لن ينقد القضية (الشمس تشرق من الشرق) كون قائلها مجنون أو مختل عقليا.
كما أننا يجب أن نفرق بين كذب أو صدق قضية ما و بين كذب أو صدق قائلها. ففي نفس المثال السابق قد يوجد جاهلا يعتقد في صميم نفسه بحقيقة سطوع الشمس من الغرب و بالتالي فحينما يطرح (الشمس تشرق من الشرق) فهو يطرحها بنية الكذب - و على العكس من ذلك فموضوع الطرح صادقا. و العكس بالعكس.

و عود لموضوعنا - دعني أفترض معك أسوأ الظنون - و هي أن طارح الموضوع عميل لكلا السي آي إيه و الموساد و هو يتقاضى بالإضافة لذلك أموالا من الشركات ذات الجنسيات المتعددة - أضف لذلك سوء طويته و كرهه للمجتمع و .... إلخ.
إلا أنه بفرض إثبات كل ما سبق ذكره في سياق متسق - تبقى حقيقة أنه لا توجد علاقة على وجه الإطلاق بين هذا و بين موضوع الطرح. و بالتالي هما موضوعان منفصلان لا يتقاطعان و الخلط بين نقد هذا و ذاك عمل يحمل الكثير من المخاطرة.
كما أن التسليم بأن الفوضى في تصب في مصالح العالم الغربي - و قد يكون في هذا الكثير من الصحة و إن كنت لا أؤيده على تعميمه - التسليم المطلق بذلك لا يعني عدم وجود الفوضى. بالضبط كما أن التسليم بأن موت شخص ما نتيجة مرضه العضال قد يخدم ورثته - الذين يهنئون أنفسهم بمناسبة مرضه القاتل - هذا التسليم أيضا لا يعني إطلاقا إنتفاء المرض من المريض لمجرد أن مروجي موضوع مرضه من المستفيدين - بل أن ذلك الإعتقاد بالسلامة قد يكون أهم أسباب موت المريض.

لم يؤثر نقدنا للثلاثية (الماركسية - الدارونية - التحليل النفسي) بوصفها بمؤامرة يهودية على الإسلام - لم يؤثر بالطبع في النظريات كونه غير ذو صلة - كما لم يؤثر حتى على تقبلنا القهري لها. لكن قد أثر بها الكثير نقدا في ذات المواضيع من داخل سياق ذات العلوم.

يا سيدي الفاضل إن كان من حق مجتمعاتنا التدقيق في نيات طارحي مواضيع ما فمن الواجب عليها على التوازي التدقيق في صميم تلك المواضيع أيضا على سبيل التغيير. لن يخمد التوتر الطائفي ببلد مثل مصر الدفع بأن مثيري الموضوع من المغرضين الموالسين للغرب. و هذا بالرغم من إمكانية ذلك - فقد يكون طارح الموضوع عميلا - لكن و في ذات الوقت فالفتنة موجودة و هي كالنار من تحت الرماد - لم و لن يخمدها إنكارنا لها و إتهاماتنا لطارحي تلك الحقيقة - بغض النظر عن نياتهم.

Arrayمن الجميل أن يكون لدى الإنسان نظرية متكاملة بشأن موضوع ما، ولكن من الأجمل بكثير أن تكون هذه النظرية صحيحة ومبتكرة وليست مجرد تنغيم على استراتيجيات وضعها وينفذها سواه وليس له في الدفاع عنها لا ناقة ولا جمل (على افتراض حسن النية).
[/quote]

سوف أختلف مع الإقتباس بعاليه على جملته:

* - التناقض في مجتمعاتنا ليس نظرية بل هو واقع أرى أنه من الصعب إنكاره و إن إختلفنا في درجة شدته. كما أن الفوضى - بوادرها أعني - ليست نظرية بل هي واقع. و النظرية الوحيدة هنا هي زعم طارح الموضوع أن:-
- يوجد تناقض شديد بين مرجعيتنا المعرفية الدينية و تباعا باقي المنظومات التي ترتكز عليها كالبنية الأخلاقية و القانونية و الإقتصادية - و بين تلك المرجعيات التي إستوردناها مرغمين أو بإرادتنا من الغرب.
- التناقض بين خلفياتنا المعرفية و تباعا الأخلاقية الدينية و بين تلك الواردة و الذي لم يحل منذ زمن بدايته يمثل البنية التحتية لكافة مظاهر الفوضى الحالية.
- إذا كنا نعني نفس المصطلح حين نطلقه "التقدم" فطارح الموضوع يزعم بإستحالة السعي لمجتمع متقدم بدون حل تلك التناقضات أولا - و إلا سوف نتلقى الفشل تلو الآخر كما سبق و حدث - و يحدث - حتى وصلنا لمرحلة اليأس و الإرتداد.
- هذا التتابع غير السوي بأعلاه يجعل طارح الموضوع يزعم بحتمية الفوضى حسما لهذا العقم بين الإرتداد و التقدم.

* لتقييم نظرية ما - لا يجب أن يهمنا كونها مبتكرة من عدمه - تتوافق مع رغباتنا أو مع رغبات الآخر من عدمه - حسن النية من عدمه. فالنظرية يجب أن تبدأ من الواقع بإستقراء ظواهره - ثم تفرض فرضا - يتم الرجوع للواقع أيضا من صحة تحقيقه. فإن تحقق فهي صحيحة أو هي غير صحيحة.

و في النهاية لا أزعم دقة ما قد طرحته - فقد يكون صحيحا جزئيا أو قد أكون مخطئا كليا. مما يحدده النقد الموضوعي للطرح.
أما عن لماذا تم طرح الموضوع و ما هي نيتي من ذلك فهذا موضوع لحديث آخر. و أصدقك القول فأنا لا أعلم على وجه التحديد. :mellow:

أشكرك على مداخلاتك العميقة المثيرة للعقل و أتمنى بالفعل أن تزيد.

لك مني كل إحترام و تقدير ,,, (f)

الأخ العزيز وليد .
تقديري .
ربما تعلم أني طرحت موضوعا مشابها بعنوان ( تصدع العالم ) و لكني ركزت فيه على الجانب السياسي ، و لهذا لم أشأ أن أكرر نفسي و أشارك في هذا الشريط بأفكار سبق أن طرحتها ، بالرغم من ارتباطها الوثيق بموضوع الفوضى ، و لكني أشعر الآن أن بعض تلك الأفكار ستدعم ما تطرحه هنا ، خاصة مع ما يثيره صديقنا الدومري من إعتراضات و شكوك .
لنتفق أولا أن لكل نظام إجتماعي نقاط قوته و ضعفه ، و يكون الضعف على حالتين إما أن يكون مؤقتا نتيجة تغيير عنيف ، أو أن يكون الضعف بشكل دائم ،و النظام العالمي ليس استثناء من القاعدة ،
علينا أن نتفق أيضا أن الفوضى في النظام تعني نقص القواعد المقبولة على نطاق واسع من الجميع و ليس ضعف مكونات هذا النظام
وفقا لقناعتي فإن النظام العالمي يشهد نوعا من الفوضى نتيجة أننا نعيش في فترة تحولات كبرى ، و نتيجة تلك التغيرات هناك ضعف واضح أصاب إطار الدولة حتى في المجتمعات القوية الناجحة ، هذا الضعف ينتج أساسا لوجود ( مساحات إجتماعية خاوية ) دون انتماء سياسي و دون سيطرة من جانب الدولة ، تلك المساحات تتسع في كل مكان و تصبح فوضوية بالطبيعة ، أما على المستوى الدولي فالفوضى ناتجة عن تعذر تحديد الوحدات التي يتكون منها المجتمع العالمي و بالتالي افتقاد القواعد المنظمة لعلاقاته بشكل محدد و دقيق ، كما لم يعد هناك مركز تنظيمي يحظى بالمصداقية و يتكامل داخله الجميع .
لمزيد من التوضيح يمكننا تفسير تلك الفوضى من زاويتين: الأولى هي الزاوية القيمية و القانونية و الثانية الزاوية العملية سواء في المجال السياسي أو الإقتصادي و البيئي .
في الجانب القيمي/ القانوني، سنجد أن هناك المفكرون الذين يعتنقون رأي كانط في إمكانية ظهور ضمير كوكبي قائم على أساس حقوق الإنسان ،و إمكان تحقيق النظام خلال إلتزام الجميع بقيم عالمية ، و لكن هذه الفكرة تراجعت بشدة في طوفان التمردات الثقافية و تنافر اللاعبين ،مما يجعل إمكانية وجود ضمير جماعي حاليا ضربا من الأوهام ، و حتى من المنظور التاريخي سنجد آلاف من القواعد التي ظهرت لتنظيم العلاقات الدولية ثم تغيرت بعد ذلك ، إن النظام الإجتماعي كما هو الحال في النظام الدولي لا يظهر بشكل طبيعي ، و لكنه سلعة يجري تسويقها بعد أن يتراضى عليها اللاعبون الأساسيون ، و تكمن قوة النظام الدولي في كونه قيدا مقبولا من الجميع و أنه يتلائم مع الظروف السائدة ، فحتى إدراك وحدة المصالح في حد ذاته لا يكفي لوضع نظام مشترك ، أما ما جعل النظام الدولي ضعيفا فهو الافتقاد إلى المعايير المشتركة ، و تناقض المصالح سوى من الجانب السلبي المتمثل في الحد من العنف و الفوضى ، و النتيجة أن هناك في الوقت الحالي نوع من التعايش بين نظم قانونية متعددة تتصادم و تتعاون في نفس الوقت ،و لكن هذا النظام القانوني الهش لم يعد يقوم بوظيفة التنظيم ، و يفقد القانون الدولي الآن جانبا كبيرا من الحشد المطلوب توفيره حول أهداف عقلانية مشتركة ، هناك أيضا المعايير المزدوجة ، فإذا كانت القاعدة لا تطبق على نطاق واسع ، و أن هناك استثناءات فجة مسموح بها كما هو الحال مع إسرائيل فإن فكرة ضبط النظام العلمي ستصبح فكرة هزلية .
في الجانب العملي نلاحظ بوضوح كما هو الحال في روسيا و يوغسلافيا السابقة و إفريقيا و منطقة الشرق الأوسط أن المرجعيات الجماعية السابقة تتداعى و أنه لم تعد هناك قواعد ملزمة ، و تبدوا المعالم و الثوابت السابقة وقد عفا عليها الزمن دون أن تظهر بوضوح أي قواعد جديدة ، الأخطر من ذلك هو غياب أية مراكز تنظيمية جديدة ذات مصداقية ،و بالتالي تزداد حدة التراجع إلى النظريات الإقليمية ،وهذا يؤدي إلى تفاقم الإنقسامات و استعصاء الحل ، و على الصعيد الدولي تبدوا العواقب واضحة ، فالفوضى تحول دون التنبوء بطبيعة العلاقات التي يمكن أن تنشأ بين المجتمعات و إمكانية تنظيمها في المجتمع الدولي ، ولم يعد واضحا من يملك سلطة اتخاذ القرارات الكبرى و إصدار الضمانات و قبول الإلتزامات و ضمان احترامها ، فما أسهل أن يصبح العالم على شفا الهاوية نتيجة تصرفات لاعب ثانوي مثل كوريا الشمالية أو إيران نتيجة إمتلاك سلاح نووي أو غيرها من أسلحة التدمير الشامل ، هناك الإستخفاف بالشرعية الدولية و تهميشها التي دفعت دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية إلى غزو العراق بدون أي تفويض دولي ،و بالرغم من معارضة أقرب حلفائها في حلف الأطلنطي .
على الجانب الإقتصادي .. إن بناء نظام اقتصادي مستقر يفترض استمرار التفاوض بين أكفاء بشأن المشاكل المترابطة ، كالتجارة و الديون و النقد و المساعدات و أسعار الخامات ، و لكن مثل هذا الحوار لم يبدأ قط بالشكل الذي تتمناه الدول النامية في الجنوب تحت مظلة المساواة في حق التعبير ، على النقيض من ذلك ففي المركز من المسرح الدولي توجد مجموعة محدودة من الدول الصناعية الكبرى و حفنة من اللاعبين الإقتصاديين الكبار حول العالم ، وهم يتحاورون فيما بينهم بمعزل عن الآخرين ،و يطرحون حلولهم على سائر دول العالم للتنفيذ ، وهم يديرون الأزمات بعد حدوثها و بدون أي تطلعات مستقبلية ، كمن يبحر وسط الأعاصير بلا بوصلة سوى شعارات من نوعية الحذر و عدم الثقة في الآخرين ، و هذا الممارسات لايمكن أن ندعوها تنظيما ، بل يغلب عليها الفوضى الناجمة من التنافس الحاد بين اللاعبين .
و لنا عودة بعد أن يمضي الأخ وليد في طرحه الجميل .