السلام عليكم

في الحديث عن الاجرام يوجد لدينا مسلكان:
الاول: المسلك الوصفي: ونعني به وصف المجرم بحسب ما تعارف عليه العامة والمختصة في اطلاق التسمية على الشخص المخطئ، وهو تفصيلا يختلف من مجتمع لآخر، ففي مجتمع ما يعتبر شارب الخمر علانية جريمة يعاقب عليها المرء، بينما في مجتمع آخر فان هذا الامر لا بأس به، ولتحديد المجرم من غيره نلجأ للقانون المتبع والرسمي وهو غالبا ما يكون متأثرا بالدين الرسمي للدولة والعادات والتقاليد والذوق العام.

الثاني: المسلك المذهبي: اي ما يفترض ان يكون قانونا للبشرية بشكل عام.

والمسلك الاول: قد يجمع على ان المجرم هو من يقوم بشيء ضار اتجاه المجتمع، ويدخل تحت هذا العنوان العام: السلوك الاجرامي المادي: وهو الضرر المادي والجسدي الذي يتعلق بـ( النفس والعرض والمال ..) ، أما السلوك الاجرامي المعنوي فهو الذي يكون ضد الذوق العام او ضد العادة، نحو السير عاريا في السوق أو شتم الآخرين علانية.

ونلاحظ ان في كلا الامرين طرفين: طرف فاعل ، وطرف ضحية : والضحية تكون كارهة ومتضررة من الفعل، وهي ما يركز عليها في القضية، فالفاعل قد يكون هو كذلك جاهلا او غير متعمد في سلوكه الضار اتجاه الآخر، ولكن العرف والقانون يجرمه -ولو بصورة اخف من المتعمد- لانه اضر بالطرف الآخر.. اللهم الا اذا تنازل الطرف الآخر.

وعلى ذلك اعتبر من يقوم باضرار الآخر مجرما حسب اغلب القوانين والاعراف، وما القانون الا مستمد من نص تضعه السلطة التشريعية، والتي تعتمد على افراد يطغي عليهم البعد الديني والعرفي، أي المعايير والمثل العليا في المجتمع والعادات والتقاليد.

وعلى ذلك فان اطلاق صفة المجرم على الشخص المخطئ قد يضيق او يتوسع من بلد لآخر، ومن هنا نطرح المسلك المذهبي باستمساكنا على هذه المعادلة المتعارف عليها: وهي ان المجرم هو من يضر بالمصلحة العامة (أي ضد المجتمع) سواء كان الضرر ماديا او معنويا.

أما الضرر المادي فهو غالبا ما يتفق على استحقاق مرتكبه العقاب، رغم الاختلاف في حجم العقاب.
ولكن ما اود الحديث عنه ومناقشة الاراء التي تذهب مذاهبا متنوعة هو الضرر المعنوي بحق المجتمع، هل هو ضرر بالفعل ويستحق العقاب عليه؟؟؟

إن قلنا مثلا ان شخصا زنا بإمرأة: فنحن أمام احتمالين: الاول ان المرآة كانت راضية بالفعل، والاحتمال الثاني هو انها لم تكن راضية ..
فإن لم تكن راضية فواضح انها تكون ضحية ومتضررة، ويستحق الجاني عليها العقاب.
ولكن ان كانت راضية بالفعل وقبض عليها الشاهد فهل هما مجرمان بالفعل؟؟ هنا نرجع لمعايير المجتمع، فان قال بانهما احرار في فعلتهما لم يكنا كذلك، وبينما في مجتمع آخر يقول بان هذه الفعلة جريمة لا تغتفر.، أفلا يلزم هذا الدور؟؟
لاننا نقول بان الجريمة هي التي يقول بها المجتمع انها جريمة (كالزنا بتراضي الطرفان مثلا)، ونعود نسأل المجتمع ماهو الجريمة؟ فيجيب الجريمة ما نقول نحن بانها جريمة .. وكأن المجتمع يقول: بان الجريمة جريمة!! وهذا دور لا ينتج شيئا.
فنحتاج الى مسائلة المجتمع: لماذا اعتبرت ذلك الفعل جريمة؟؟ فهو إما يعتمد على العرف او يعتمد على النص الديني .. ولكن النص الديني عندما نتأمل المخطيء الذي يستحق العقاب نجد النص الشرعي يلمح الى ان اعتبار الجريمة التي تستحق العقاب مرده الضرر العائد للطرف الثاني او المجتمع ايضا أو بنفسه!، أي هو يعتبر هذا الجرم من القسم الذي فيه متضرر، فالرأي الديني (ان ثبت) يقول نحن نعاقب فلان على ارتكابه الزنا لانه اضر إما بنفسه أو بالطرف الثاني أو المجتمع، ولكن يبقى السؤال: ان كان الطرف الثاني متقبل الضرر، وكذلك المجتمع فهل يعتبر ذلك الفعل جريمة؟
إن كان الجواب نعم، فعلى ذلك ترك الصلاة –وهو عمود الدين- وغيرها من الذنوب التي يؤكد الشرع على انها ضرر بالنفس- جريمة تستحق العقاب،وملاكات المصلحة والمفسدة هي اسس التحليل والتحريم، ولكنا لا نجد ذلك في النصوص، فهل يا ترى ان النص الديني كان يعتمد على العرف ايضا لتحديد الجرائم التي تستحق العقوبات؟ وكيف يحدد فيما اذا كان الفعل الضار الكذائي مستحقا للعقاب أم لا؟
ثم نذهب الى العرف والعادات والتقاليد والذوق العام، فهي كلها امور نسبية، والنسبي شيء يعتمد على غيره، وفيه الخلل الكثير، فالمجرم الذي ارتكب الزنا مثلا في بلد ترفض الاعراف والعادات والتقاليد والذوق العام ذلك العمل تجعله مجرما ويعاقب عليه ممكن بالقتل، بينما في بلد آخر عكس ذلك، رغم ثبات كل الظروف ما عدى الذوق العام!!
فهل يجوز الاعتماد على الذوق العام لتحديد الجرائم بعد ذلك الخلل؟ لان الاعتماد عليه يلزم التناقض، فهو مجرم هناك وليس بمجرم هنا.

فكيف نحدد المجرم إذن؟ وعلى ماذا نعتمد: الدين أم العرف أم تحديد الضرر الفعلي والواقعي؟ وهل الضرر المعنوي ضرر فعلا أم هو مجرد تعكر مزاج الاغلبية؟ فلنفترض ان يوما تقبل الناس كلهم طعم التفاح واعتبروا اكل البرتقال خلاف الذوق العام والعادات والتقاليد؟؟ فهل يجلد آكل البرتقال؟

هذه اسئلة اطرحها للنقاش، لتحديد نظرية مذهبية حول الاجرام ، لان وصف القوانين العالمية المتناقضة حسب ظني كاف لكشف الخلل فيها فالانسان هو الانسان في كل مكان وزمان والعديد من افعاله بسبب ظروف متكررة في مختلف الامكنة، فان كان العقاب علاجا لوجب ان يتشابه العقاب ويتقارب شكله، ولكنا نجد هناك من يقتل وفي مكان اخر يجازي من يفعل ذلك الفعل. والكم الهائم من الظلامات التي وقعت باسم القانون، الذي يفترض انه يقيم العدل ويسير بالانسان نحو الافضل لدليل على الخلل في القوانين في تحديد المجرم وخاصة في مجتمعنا.. فكم من قانون خالف روحه ؟؟ روح العدل..

عباسي :
معك حق فالجريمة تعتبر جريمة عنما تكون مؤذية وضارة بأحد الأشخاص
والعرف الاجتماعي يحدد ما هو مقبول وما هو مرفوض
والمثال الذي سقته حول الزنا الطرف الثاني راضي أم كاره؟
فإذا كان كارها يعتبر الأمر جريمة وقعت عليــه ولا بد من البحث عن عقوبة مناسبة
وإن كان راضي هناك احتمالين :
الأول أنــه غير مرتبط بعقد أو عهد يلزمه الوفاء والإخلاص (مع أحد) وهنا لامشكلة
الثاني أنه مرتبط بعقد أو عهد (امرأة متزوجة مثلاً) مارست الجنس أو حسب تعبيرك -زنت- مع صديق
فلا جريمة بينها وبين الصديق كون الفعل حصل برضى الطرفين
لكن ماذا عن زوجها والعقد الذي قطعته لــه - موضوع الإخلاص والوفاء
ألا يعتبر زوجها متضررا من عملها ؟
ماذا لو حملت جراء تلك الواقعة
ألا يكون الزوج مغبونا عندئذ
سيعتبر الولد ابنــه الشرعي ويربيه ودون علمه بالحقيقة
في هذه الحالة
المجتمع يعتبر أن الجريمة حصلت على الزوج
وحتى لو كان العكس الزوج خان زوجتــه ..
فالجريمة واقعة على الزوجة المغبونة أيضا

ربما تختلف نظرة المجتمعات حول جريمة من هذا النوع
فمجتمع إسلامي قد يعتبر القصاص المناسب هو القتل رجما
في حين مجتمع أوروبي قد يعتبرها زلة بسيطة

المهم أخبرني ما رأيك عندما تكتشف أن شريكة حياتك لا تبادلك الوفاء والإخلاص
هل تجد ذلك جريمة؟؟؟؟

سوري حر ..
تحية .. وشكرا لاطراء الموضوع ..
بصراحة لا زلت شخصيا في طور البحث ..
وجوابك هو انه بلا شك فان الغيرة البشرية سوف تجعلني غاضبا على الشريكة  .. واتمنى ان تكون جريمة .. بل مبررا لقتلهما بيدي لوول

----
تكملة للموضوع:
بينا ان هناك مسلكين في تعريف الجريمة:
المسلك الحالي: وهو يصف الجريمة في اطارها الواقعي، فيقول ان الجريمة ما اعتبره القانون او المجتمع جريمة، وفي هذا التعريف دور لا ينتج ولا يميز لنا حدود الجريمة بشكل دقيق، فنحن نأت ونسأل القانون او المجتمع: ما هي الجريمة؟
وهذا المسلك نراه في التعريف القانوني وبعض التعاريف الاجتماعية والمأخذ عليه هو: ان الظاهرة الانسانية والاجتماعية سابقة في وجودها على الظاهرة القانونية.
ومن امثلة التعاريف الاجتماعي التي تأخذ المسلك الحالي نحو تعريف "سالن" : الجريمة انتهاك للمعايير الاجتماعية. فالمعايير الاجتماعية من مجتمع لآخر مختلفة حسب الثقافة والدين والمثل، وكذلك يطرح سؤالا: هل كل انتهاك للمعايير الاجتماعية تعتبر جريمة يجب ان يعاقب مرتكبيها؟
وعرفت الجريمة من قبل "كلينارد" : على انه سلوك مؤذ وضار اجتماعيا ويتعرض صاحبها للعقاب.
وهنا وان كان التعريف يسلك مسلكا واقعيا مذهبيا الا انه لا يحدد لنا معنى الضرر: هل هو مادي ام معنوي؟ وكم حجم دائرته وماهو حدوده وصوره؟ وماهي المصالح التي تعتبر في نظر المجتمع مصالح يجب الدفاع عنها؟ ولماذا يعتبرها المجتمع مصالح؟

فهذه التعاريف برأينا لا تتناول حدود وكنهة الجريمة، ايها المجتمع ايها الدين ايها العرف ..الخ لماذا اعتبر العمل الفلاني جريمة؟
الجواب المتفق عليه هو انه يتكون من اركان تالية:
- وقوع الضرر ، وله صورتين: الاولى ايجابية أي فعل، والثانية سلبية أي عدم فعل.
- الفاعل ذو ارادة وتعمد في إلحاق الضرر بالطرف الآخر عن طريق ممارسة الفعل.
- ان هذه الممارسة الاجرامية تستحق العقوبة كأداة من ادوات الضبط الاجتماعي: القضاء على الجريمة و الوقاية منها.
وهذا المسلك هو المسلك المذهبي ، أي ما يجب ان نعرف الجريمة على انها:
ضرر متعمد يلحق بطرف ما، ولضبطه يحتاج الى عقوبة.

النظرية الدينية في أي خانة تقع؟
وفق الدين يعتبر من يرتكب مخالفة للمعايير الاخلاقية التي اتفق عليها فطرة غالبية الناس السليمين يعتبر مذنبا، او مجرما بحق المعبود، لانها عصيان للسيد، بعبارة "تاوية" مخالف للسير الطبيعي للكون، فالمحدد لكون الذنب ذنبا هو النظام الاخلاقي، ولكن نجد العديد من الذنوب كـ"الكذب" و "الحسد" و "ترك العبادة" –وهي اعظم الذنوب- لم يشرع لها الدين عقوبة دنيوية، وعلة ذلك في انها لا تضر المجتمع (او الطرف الآخر) ضررا بليغا كالقتل او السرقة او الاغتصاب، ويمكن تداركها بآلية تربوية، أو ان تلك الملكات والصفات لا ينفذ لها العقاب الجسدي. وكذلك تؤمن النظرية الدينية بالبعد الوقائي كما هي بعض النظريات الاجتماعية التي ترتكز عليها بعض القوانين والاعراف، فمثلا تعاطي المخدرات يعتبر جرما رغم كونه لا يضر طرفا آخرا بصورة مباشرة، ولكن لكونه ضررا للنفس وعدم معاقبة المتعاطي يعطي تبريرا لغيره لكي يتعاطي فيضر نفسه وبذلك تنتشر المشاكل البيولوجية وغيرها، لذلك تم الاتفاق على معاقبته.
فالدائرة الاتفاقية بين النظرية الدينية وغيرها هو:
ان الجريمة ضرر يمس بالنظام الاجتماعي أو الاطراف الآخرين، وردعها يكون في العقاب المادي.

نأت الى العقوبة وفلسفتها:
وهي انها وسيلة من وسائل الضبط الاجتماعي لمنع إلحاق المجرمين الضرر للافراد المجتمع الآخرين.
فإذا كانت العقوبة نافعة لدفع الضرر كانت مبررة، والدفع يشمل المنع او الوقاية والردع.

هذا المحور الذي اراه متفقا عليه عند كافة النظريات والمدارس والمذاهب بشكل عام:

ولكن؟؟

كيف يكون الضرر وما هو صوره؟
وماهو مصاديق هذا الضرر؟

فهل الزنا بتراضي الطرفين دون التزام احدهما بعقد –مثلما تفضل الاخ سوري حر- يعتبر جريمة يعاقب عليها؟؟
هل الاستمناء جريمة؟ هل ملابس "القوثيك" جريمة؟
هل المس بمشاعر الاخرين –كالخيانة الزوجية- جريمة؟
هل المثلية الجنسية كميل جنسي جريمة؟ وهل ممارسة اللواط بتراضي الطرفين جريمة؟
هل التخنث جريمة؟
هل و هل وهل ...

يتبع ..