تحية طيبة لعميدنا العلماني وآسف على تأخر الرد بسبب دسامة مادة موضوعك والتي تحتاج لمزيد من الوقت والتفكير ..
واسمح لي أن استغل تلخيصك للموضوع في تلك المداخلة مع الاخ حارث , وأتناقش معك فيها نقطة نقطة سريعا وباختصار حتى لا نمل ..
(f)
اقتباس: العلماني كتب/كتبت [/i]
أقول:
1) الأخلاق عبارة عن أسس وأحكام وقواعد لتنظيم المجتمع البشري وتحصيل "السعادة" وخلق يوم أجمل وغد أفضل للجنس الانساني. وهي ناتجة عن تفاعل "العقل الانساني والتجربة الانسانية وأصول الاجتماع البشري".
السعادة مفهوم مرن ياعلماني .... فمثلا سعادة المؤمن في التزامه بطاعة ربه التي تورثه الرضى والراحة القلبية والأنس بالله , وسعادة الكافر الملحد في الدوران في فلك نفسه , وسعادة الشريرالسادي في ايذاء الاخرين وابادتهم وسحقهم وضربهم بالقنابل
, وسعادة الشاذ في الزواج من عنزة أو فرخة أو رجل مثله ...
هل تلك النوازع النفسية التي لا ترتبط بمبدأ سامي أو غاية نبيلة : يصح لعاقل أن يجعلها هي حجر الزاوية ومعيار الاخلاق ؟
أضرب لك مثال بسيط : الجربان لذته في حك جلده حتى ينزف الدم , فإذا نزف الدم استنشق الصعداء واستراح
مع أن في ذلك مزيد في مرضه و إيذائه
وبالعكس : الطفل تعاسته في لحظات إلقامه ملعقة الدواء المر العلقم في فمه
مع ان في ذلك نفعه وشفاؤه
من هذين المثلين المبسطين : نعلم جميعا أن معيار الصواب والخطأ , ماينبغي وما لا ينبغي لايكمن في مذهب اللذة التي نسميها السعادة , وانما يكمن في السعي للرقي بالنفس والسمو بها في مدارج النبل والكمال ...
هنا تكمن سعادة الانسان !
اقتباس:2) الأخلاق عبارة عن منظومة قائمة بنفسها، تنضدت على قاعدة الاجتماع العامة القائلة: لا تفعل لغيرك ما لا تريد أن يفعله غيرك لك.
أوافقك على ذلك
اقتباس:3) الدين لا يفيد الأخلاق بشيء، فهي مستقلة عنه، وإن كان ثمة احتياج من طرف لآخر، فالدين هو من احتاج الأخلاق ومن استعملها كي يصل إلى قلوب مريديه.
أيهما جزء من الاخر ؟
الدين - بغض النظر عن صحته أو لا - هو المنهج الذي يسير الانسان بحسب مقتضاه في الحياه , ويحد رؤيته للحياة والكون على اساسه , أي أنه هو ( المحرك ) لعقله وسلوكه , فمن خلاله يتشكل فكره ومن ثم سلوكه ..
يستوي بعد ذلك هل كان دينه الاسلام أم الشيوعية أم الأبيقورية ! المهم أنه لابد لكل انسان من فلسفة للحياة , هذه الفلسفة هي الدين في جانبه النظري , وعلى أساسه تتحدد الاخلاق ..
فمثلا : الاسلام يؤمن بعالم الغيب والحساب : ولذلك هو يحض على مكارم الاخلاق وينهى عن مساوئها , وليس هناك تغيير لمفهوم الخير والشر إلا من حيث المناط وتنزيل الفعل على الموقف .. مثال : ظلم الاخرين جريمة وخلق سيء , لكن ان كان هؤلاء الاخرين مجرمين فيجب عقابهم
قد تقول لي : يا أي هذه من المسلّمات العقلية التي لاتحتاج للإسلام لكي نفهمها , وأقول لك أنها غير مطبقة خارج الاسلام للأسف , وتعال لنرى :
النظام الاقتصادي في الرأسمالية يبيح الاحتكار , مش كده ؟ وليس هناك مايجرّم هذا المسلك الاناني طالما أن المحتكر مليونير وله القدرة على سحب السلع من السوق لإلجاء الناس إلى الرضا بماسوف يحدده من أسعار نار !
صح ولا أنا غلطان ؟
تعال لنرى النظام الاقتصادي الاسلامي الذي تنظرون اليه نظرة استهجان واستخفاف لنرى أيهما الاحق بالاستخفاف والنبذ :
نجد أن المحتكر ملعون ! وفي ذلك أحاديث شريفة كثيرة تجدها مبسوطة في كتب الفقه في أبواب البيوع والمعاملات ..
ونجد فوق ذلك نظام التكافلالاجتماعي الذي يوجل على الأغنياء مساعدة الفقراء بنسبة 2.5 % من أموالهم المدخرة إذا وصلت إلى حد معين يسمي في اصطلاح الفقهاء ( النصاب ) وهذا التكافل غائب في عالم الرأسمالية الذي يشترك مع الإشتراكية في ازدياد الغنى غنى , والفقير فقرا ..... لأن الرأسمالية تنسى الفقير , والإستراكية تعرقل الغني وتعجزه ...
فليست هناك أخلاقيات في العالم المال في أكبر نظامين اتصاديين عرفتهم البشرية ... ويتفرد الاسلام بينهما عاليا خفاقا ليرط بين الاقتصاد والاخلاق ربطا متينا محكما لم يعرف حتى الان ولن يعرف لأنه يتعارض أصلا مع البنية الفكرية والمعرفية للمشروع الحضاري الغربي ..
معلش أطلت في تلك النقطة ولم أكن أريد أن أطيل , ولكن لكي أبين أن الاخلاق مرتبطة ارتباط جازم بالدين اذا كان هذا الدين هو الاسلام , ذلك الدين الشامل المتكامل .
اقتباس:4) الأخلاق مركزها "هذا العالم" (الدنيا) بينما مركز الدين هو "العالم الآخر" (الحياة الأخرى).
لهذا السبب أؤكد أن مفهوم الدين يجب أن ينحصر في الدين الصحيح الذي يرط بين الدنيا والاخرة ويجعل الدنيا مزرعة نجني حصادها في الاخرة , وهذا هو الاسلام .
وبذلك لايكون هناك انفصال بين العمل الصالح في الدنيا وبين عالم الاخرة لأن ( جزاء ) هذا العمل سوف نناله يوم ( الحساب ) ..
هنا يلتقي خط الدنيا وخط الاخرة في نقطة واحدة .
اقتباس:5)الأنبياء والمرسلون هم من "سطوا" على الأخلاق وجيروها لحساب الدين، وربطوا القواعد الانسانية النبيلة على الأرض "بالحياة الأخرى" التي تحدثوا عنها "في السماء".
وهل ايجاد الوقود الذي يحافظ على استمرار الاخلاق النبيلة يعتبر خطيئة في نظرك ؟ هل تريدني أن أستشهد لك بكتاب تاريخ أخلاق أوروبا لليكّي كي آتيك بأسماء المومسات التي كان يصاحبها أرسطو وسقراط وأفلاطون ؟ وهم قمم المنظرين لقواعد الاخلاق ؟
اقتباس:6) إذا كانت هذه هي "طبيعة الأخلاق"، فإن "للملحد" (بحكم انتمائه إلى الجنس البشري) نفس "المنظومة الخلقية" التي "سرقها الأنبياء" من "التجربة الانسانية واستخلاصات العقل الانساني". بل ان "للملحد" القدح المعلّى، لأن "المنظومة الخلقية" التي يستند إليها هي "انسانية الوجه واليد واللسان ودنيوية المكان". لذلك "فأخلاق الملحد" هي "أصيلة" بينما "أخلاق المتدين" هي "مستعارة، ومسروقة" (فالمتدين تعلم أخلاقه من نصوصه المقدسة التي سرقت نتاج العقل الانساني).
من تعلم ممن ؟
الانبياء ليسوا محمد ومسى وعيسى فقط ياعلماني , وليسوا حتى ابراهيم ولوط اللذان ينتهي عندهما ذكر الانبياء في الكتاب المقدس , وانما موكب الانبياء موكب ضارب في عمق التاريخ قبل أن يعرف العقل البشري معنى الحضارة ...
العقل الانساني لايستطيع التمييز بين الحقائق المجردة إلا عن طريق العلم والمعرفة والتوجيه , وكل هذه تحتاج لمدد من خارج عالم الانسان الاول , وإلا لما تحضر ولاتقدم .
[QUOTE]7) "الملحد" مرن في "منظومته الخلقية" يشكل أعراضها ويبلورها بحسب مقتضيات الزمان والمكان ووفق المنطق المتحرك لطبيعة هذا العالم الذي نعيش فيه. بينما
"أخلاق المتدين" متكلسة متحجرة منذ عهد "رسالته" ونزول "نصوص إلهه على أنبيائه". هذه الحقيقة تجعل موقف "المؤمن" لا أخلاقياً
عود على بدء !
كلام متناقض لو فهمت ماقلته في أول مداخلتي , أيكون الثبات على المبدأ وعدم اعتبار الشر والظلم خير في يوم من الايام : تكلس وتحجر ولا أخلاقية ؟ ياللهول ( على رأي يوسف وهبي ) !
أتكون الميوعة والانحلال والظلم والانانية البغيضة التي تجعل حق اليوم باطل الغد وباطل اليوم هو حق الغد بزعم تحقيق السعادة الفردية : هي الحق والخير ؟
عجبت لك يازمن !
بجد مش مقتنع بهذا الكلام لا لأنه يتعارض مع الاسلام فقط ولكن لأنه يتعارض مع أبجديات العقل والتفكير المستقيم .
والخلاف مش عيب , لكن الاهم أن نغيّر تفكيرنا قليلا ونوافق الاخر في ما لديه من صواب ونراجع أنفسنا فيما لدينا من خطأ .
:redrose: