طيب باختصار مخل
ومن شخص غير متخصص مثلي لا في الفلسفة ولا في الفيزياء.
سأحاول أن أقول ببساطة وسذاجة ما فهمته من الكتاب :
فريتجوف كابرا
فيزيائي يقوم بتحليل تاريخ الفلسفة ليستخلص منها كيف ومتى نشأت فكرتي المادة والروح ، ومن أين جاءت هذه الثنائية.
فهو يلقي باللوم الأكبر على ديكارت ، الذي أعلى من شأن الفكر على الجسد ، وبالتالي نتج عن هذا التفكير الكثير من المشاكل بحق البشرية.
منها مثلا ، تحويل الكائن الحي والتعامل معه كأنه ماكينة لا قيمة لها، فالقيمة الأساسية هي "للفكر" أو للنتيجة التي سوف تأتي عندما نجري تجاربنا على هذا الفأر أو ذاك. وتعذيب الحيوانات لا يعني شيئا أبدا فهي بلا "فكر" وبالتالي بلا روح ولا تحس بشيء. وحتى ديكارت نفسه قال بأن صراخ الحيوانات التي يتم إجراء التجارب عليها ليس إلا صرير ماكينة لا أكثر من ذلك.
طبعا الاقتباس وارد مع مرجعه في الكتاب.
طورت فلسفة ديكارت أسلوب حياة أدى إلى الثنائية التضادية في الحياة وفي الإنسان، مما أدى إلى فصام على مستوى الفرد ، وعلى مستوى الجماعة، فالمادة شيء والروح شيء آخر تماماً .
وبعد أن كانت الفلسفة "الخيميائية" القديمة التي تعاملت معها الكنيسة باعتبارها سحراً وحرقت أتباعها وقطعت أوصالهم ، تتعامل مع الطبيعة كصديق للإنسان ، جاءت الديكارتية المحمومة لتتعامل مع الطبيعة على أنها العبدة المسخرة لخدمة الإنسان والتي يجب أن ترتمي تحت قدميه، وبما أن ذلك حصل في عصر سادت فيه البطرياركية أي النظام الذكوري ، فقد تحولت السماء إلى رمز للفكر والرجل حيث يقبع فيها "الآب" بكل علوه وشموخه ، وتحولت الأرض إلى الأنثى وإلى أعمال الجسد. مما ادى إلى عدة نتائج اجتماعية :
1- تقديم اعمال الفكر على أعمال الجسد ، ونتج عن هذا أن الكاتب مثلاً أصبح شيئاً عظيماً ، ولكن المزارع والذي كان صاحب مهنة راقية في العصور السابقة ، أصبح لا يستحق سوى أن يكون أكثر من عبد عند السيد المفكر الكاتب صاحب الإقطاعية.
2- احنقار المرأة باعتبارها رمزاً للجسد والدونية والشهوة ، وأنها كائن أرضي ، أما الآب في السماء فيمثله على الأرض الرجل في مركز السيادة.
3- أدت فلسفة استغلال الأرض واستعبادها إلى اختفاء "هيبة" الأرض التي كانت موجودة في العصور السحيقة قبل ذلك والتي كانت موجودة عند "الخيميائيين" الذين تمت إبادتهم كمشعوذين. وهنا بدأ عهد جديد بين الإنسان والأرض ، حيث أصبحت الأرض عبدة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فتم استغلالها أسوأ استغلال، ولم يعد هناك أي حرص على نظافتها أو كرامتها، مما دمر اجزاء كبيرة منها وجعلها لم تعد صالحة للعيش نهائياً بعد الآن ، وتم حفر الأرض والبحث فيها بتدقيق عن كل ما يمكن أن يتم نهبه واستغلاله للربح . ومثلما حصل في الأرض ، بدأ التعامل مع الجسد يتم بنفس الأسلوب ، فقد تمت تجزئة الجسد ، على أساس أنه ماكينة لا أكثر ، والبحث فيه عن أدق الأسرار ، وقد كان الخيميائيون يتعاملون مع الجسد على أنه وحدة واحدة كاملة مقدسة ، إذا أصيب فيه عضو ما ... فهذا يعني أن هناك في مكان ما ...عضو آخر قد يكون هو السبب.
وأما في فلسفة المكائن الديكارتية ، فلم يعد هذا الكلام وارداً ، فالعطل في الماكينة يسببه ترس محدد ، لا بد أن يتم دراسته بمعزل عن بقية الأجزاء التي تعمل بشكل سليم دون أخذ في الاعتبار أبداً مسألة "العضوية" أو Organism و إنما تم التركيز على الآلية أو Mechanism ، وهكذا بدأت ثقافة الميكرسكوب هي التي تسود ، واليوم أصبحت كل الأبحاث التي يتم تمجيدها في كل جامعات العالم ، هي تلك الأبحاث التي تغوص أكثر في أجزاء أكثر صغراً من الجسم والمادة ، واما المحاولات البحثية الجادة التي تم تقديمها كلها في الجامعات ومنها رسائل دكتوراة وعلى مستوى عال جدا من الجودة فقد تم احتقارها والتعامل معها بأسلوب التهكم والسخرية لمجرد أنها حاولت أن تنظر إلى المرض بشكل شمولي وللإنسان ككيان متكامل ، وليس كجزء من ماكينة حصل فيه عطل داخله.
سيادة ثقافة التجزئة والميكنة أدت إلى تحول المستشفيات إلى كيانات لا آدمية ، يتم التعامل فيها بمنطق الربح والخسارة ، والأهم من ذلك هو سيادة الرجل في المستشفى كرمز للفكر ، حيث الرجل هو الطبيب وهو رجل المهام الأساسية ، وأما المرأة فهي الخادمة المساعدة له وهذا هو الدور الذي تم إعطاؤه للممرضة . والمرأة التي تصبح طبيبة تجد أن عليها أن تتعامل بأسلوب بطرياركي وتفعل مثل نموذج الآب الذي تم فرضه في تلك المستشفيات ، ولا مجال لمشاعر مثل الحنان والامومة والرحمة ، فتلك الأشياء لا علاقة لها بعطل الماكينة ولا تساهم في شفائه ، وإنما يؤدي إظهارها فقط إلى السخرية من الطبيبة أو الممرضة وربما إلى فصلها من عملها نهائيا. ويعرض كذلك لعلم النفس وأهم النظريات التي أدت إلى تكريس فصل النفس عن الجسد ، بحيث أصبح المرض النفسي يتم التعامل معه على أنه لا علاقة له أبدا بالماكينة (الجسد) والعكس صحيح.
بعد هذا الاستعراض الذي يشمل أيضا عرضا لما وصل إليه الاقتصاد ، بحيث أصبح جل ميزانية العالم تقريباً يصرف على التسلح الذي يهدف إلى الاستيلاء على المزيد من الأراضي لمزيد من استغلالها لمصلحة الدولة المتسلحة...وما أدته هذه المصاريف الرهيبة التي يصرفها العالم اليوم على السلاح من مجاعات وأوبئة وأمراض كان يمكن تجنبها كلها لو تم توجيه تلك الترليونات من الدولارات لخدمة البيئة والنظر إلى الأرض باعتبارها "الأم" بدلا من العبدة ، ويسرد فريتجوف كابرا نتيجة هذه النظرة بإحصائيات اقتصادية مخيفة جداً تدل على مدى توحش الدول في صرفها على المزيد من السلاح والمزيد من المصانع التي تنتج السلاح ، و المزيد من البيزنس الذي يعنى بإشعال الحروب لدر الأموال ، ويستعرض النتيجة المعاكسة "الخيميائية" التي لو كانت قد طبقت لكانت الكرة الأرضية اليوم في حال يختلف تماما عما هي عليه حيث اليوم تسير بشكل مباشر كل يوم بشكل أقرب نحو الهاوية .
ويعنى فريتجوف كابرا بأن يثبت في كتابه وهو محور الكتاب هنا ، خطأ النظرة الديكارتية التي فصلت الروح عن الجسد، وهنا يدخل هو كأخصائي فيزياء ، ليقول أن الديكارتية قتلت نفسها من حيث ظنت أنها تنمي نفسها ، فنتائج الأبحاث التي حولت كل شيء إلى مادة ومكائن وآلات انعكست فجأة في وجوه العلماء المذهولين والغير مصدقين عندما تم الغوص في تجزئة المكائن إلى أصغر شيء ممكن وهو الذرة ، حيث اكتشف العلماء لأول مرة أن المادة هي في الحقيقة لا مادة ، وهي مجرد طاقة، ولا يوجد شيء صلب يمكن الإمساك به في النهاية ، ولا يمكن القول أن هناك أصغر "مادة" وأننا قد وصلنا إليها، فكل شيء في النهاية اتضح أنه "روح" كبيرة تسري في كل مكان وتتقافز بشكل لا يمكن التنبؤ به من هنا إلى هناك والذي يحصل هنا قد يؤثر بشكل دراماتيكي فيما قد يحصل هناك ، أي نفس النظرة الخيميائية التي تم إعدامها وتقطيع اوصالها في القرون الوسطى على يد الكنيسة البطرياركية التابعة "للآب" الذكر السيد.
ثم يسرد نتيجة هذا الاكتشاف في الفيزياء ويقول أن العالم بطريقة ما أصبحت لديه "عقدة فيزيائية" بحيث أصبح لدى الناس جميعاً تصور في عقلهم الواعي والباطن ان ما يقوله علماء الفيزياء لا بد أن يكون دائما هو الحقيقة، والتي يجب أن يسير عليها فيما بعد كل أصحاب العلوم الأخرى. وهذا بسبب تأثير نيوتن وأينشتاين واللذان لم يهملهما فريتجوف كابرا في كتابه طبعاً.
وهكذا ، يبدأ فريتجوف كابرا في سرد كيف بدأ العالم يتحول مرة أخرى إلى النظرة الكلية البيئية Ecology وكيف بدأ الاقتصاد يتغير نحو المصانع الخضراء ، وكيف بدأت المستشفيات تفيق شيئاً فشيئاً على حقيقة أن الإنسان يمكن أن يشفى من السرطان بسبب الرحمة والشفقة التي توفرها الممرضة والتي كان يسخر منها طوال كل تلك العقود السابقة وليس بسبب العلاج الكيميائي الجاف الذي قد لا يؤدي إلى أي نتيجة ، وكيف أن العامل النفسي له أثر مباشر في الكثير من الأمراض العضوية التي كان يتم التعامل معها على أنها عطل ميكانيكي بحت ولا بد من توفير الزيت اللازم له وينتهي الأمر، بدأ يسرد كيف بدأت الأرض والدول بشكل عام تفيق إلى حقيقة أن الكرة الأرضية تسير نحو الهاوية بسبب سياساتها الحمقاء والترليونات التي صرفت على التسلح والنووي واستعباد الكوكب الأم ، وكيف بدأ العالم يفيق نحو تلك الحقيقة وغير ذلك من المجالات ، مثل أن المرأة بدأت تستعيد مكانتها ككائن راقٍ ، و المنظمات التي تنشط في ذلك المجال ، وأن مهن الجسد لم تعد حقيرة كما كانت في السابق وبدأ اتجاه جديد ينظر إليها على أنها مهن راقية مثل مهن العقل والفكر. وهو يتنبأ بأن الديكارتية سوف تنهار تماما خلال القرون القادمة وسوف يتغير شأن البشرية من النظرة الثنائية الفصامية إلى النظرة الواحدة التي تعتمد على وحدة الوجود، بحيث سيقنع الجميع أن الروح والجسد شيء واحد ولا يوجد شيء يمكن نزعه من شيء، فإذا قضيت على الجسد فقد قضيت على الروح ، والعكس صحيح، وأيضا استمرارية الحياة بشكل الطاقة الحركية الدائمة التي لا تهدأ.
وإنما تنتقل بين المتناقضات لتحقق توازن الوجود ، فكلما زاد نقيض إلى درجته القصوى ، بدأت الطاقة في الخروج منه والتحول إلى نقيضه حتى يبقى التوازن الكوني موجوداً ، وهذا هو القانون الأهم الذي قاله الرجل العجوز أو (لاو تسو) في كتابه "الطريقة القديمة" أو Tao Te Ching ، كما أنه فصل في كتابه ذلك تفاصيل ذلك الصراع بين الين واليانج ، والذكورة والأنوثة ، واستغلال الأرض ثم الخضوع لها ، ذكر كل تلك الأشياء التي تحصل اليوم في كتابه ذلك بعبارات صريحة. وكإنه يسرد بالضبط ما سوف يحصل عبر التاريخ وما سينتهي إليه الحال كما نراه اليوم. ولهذا سمى فريتجوف كابرا كتابه باسمه وفي كتابه الآخر The Turning Point أو "نقطة التحول" يذكر فريتجوف كابرا أن العالم اليوم قد وصل إلى النقطة التي بلغت فيها البطرياركية ذروتها ، وبلغت النقطة التي يتم عندها بداية التحول إلى الأنثوية مرة أخرى وإلى النظرة البيئية مرة أخرى، وهذا هو موضوع الكتاب الثاني لفريتجوف . ونقطة التحول تلك هي النقطة التي نراها في رمز الين واليانج الذي تحدث عنه لاو تسو في كتابه والتي تفصل بين اللونين الأبيض والأسود في رمز الداوية كما في الصورة التالية :
وسوف أنتقي لكم بعض أفضل الاقتباسات التي أعجبتني كثيراً من كتابه ، ومنها ما يلي :
Array
This picture of a perfect world-machine implied an external creator; a monarchical God who ruled the world from above by imposing his divine law on it. The physical phenomena themselves were not thought to be divine in any sense. And when science made it more and more difficult to believe in such a god, the divine disappeared completely from the scientific world view , leaving behind the spiritual vacuum that has become characteristic of the mainstream of our culture. The philosophical basis of this secularization of nature was the Cartesian division between spirit and matter. As a consequense of this division, the world was believed to be a mechanical system that could be described objectively, without ever mentioning the human observer, and such an objective description of nature became the ideal of all sciences.
[/quote]
Array
From the earliest times nature - and especially the earth - was seen as a kind and nurturing mother, but also as a wild and uncontrollable female. In Prepatriachal eras her many aspects were identified with the numerous manifistations of the Goddess.
Under Partiarchy the benign image of nature changed into one of passivity, whereas the view of nature as wild and dangerous gave rise to the idea that she was to be dominated by man.
with the raise of Newtonian Science, finally, nature became a mechanical system that could be manipulated and exploited, together with the manipulation and exploitation of women
[/quote]
Array
One of the most difficult things for people in our culture to understand is the fact that if you do something that is good, then more of the same will not necessarily be better.
This, to me, is the essence of ecological thinking. Ecosystems sustain themselves in a dynamic balance based on cycles and fluctuations, which are non-linear processes
[/quote]
أرجو أن يكون هذا قد ساهم بشكل ما ، في وضع رؤية ولو بسيطة عن النظرة التي يتحدث عنها فريتجوف كابرا في كتبه.
أراكم بعد حين