مصباح الحق
اتكأ الأستاذ عمرو اسماعيل على القضية الفلسطينية ليمررها على كونها أحد أسباب الإرهاب المتلفح بعباءة الإسلام في مقاله (مرة أخري.. نصوص يجب أن نجد لها حلآ)، ولا أدري إن كان هناك خطأ طباعي عرضي في كلمة (أخري) أم أنها مقصودة، وهي ليست موضوعنا هنا في كافة الأحوال.
إلا أنه اقتضب كثيراً ولم يذكر لنا للأسف كيف يكون الحل العادل للقضية الفلسطينية التي تفنن حزب حماس بتجويع شعبها في الداخل ودفعه لقتل وتصفية بعضه وأفشل كل محاولات السلام بذريعة الإسلام ورفضه للاستلام للحضارة والتعايش والتقدم والازدهار بالاستفادة من خبرات وعلوم وتكنولوجيا العدو المبين، بل اكتفى بالتلميح عن فكره الأصولي بذكر فلسطين وما تحمله من موروث ديني ممهداً لمقاله المشبع بالتقية، وتناسى تماماً أن المسلمين يتدخلون في أفريقيا والبلقان والشيشان وأفغانستان والهند وغيرها ، ويهددون الحضارة الإنسانية في عقر دارها- الغرب الديموقراطي- وحين يرد الغرب عليهم بتحرير العراق والضغط على إيران والسعودية وباكستان وغيرها من الدول المتأسلمة، يشرعون بالنواح على كرامتهم وأرضهم وموروثهم. وهذا لعمري ينطبق على من يكيلون بمكيالين ، إن لم يكن أكثر…!
ثم ركز الأستاذ عمرو على أسباب الإرهاب الحقيقية وصوب بدقة نحو النصوص حين قال: "... تبقي المعضلة الرئيسية والتي يتجنب الجميع مناقشتها وهي النصوص التي يعتمد عليها زعماء الارهاب والتي لا يستطيع علماء الدين المعتدلون عندنا كما نسميهم الرد علي تفسيرهم لها والتي يجد تفسير الاصوليين لها صدي واسعا بين المسلمين و تدرس هذه النصوص وتفسير الاصوليين لها في مدارسنا وخاصة المدارس السلفية في جزيرة العرب.." انتهى.
ونستخلص من ذلك أن الأستاذ عمرو لا يقصد جرح العلماء باتهامهم بالحرج من مناقشة النصوص الإرهابية التي تؤدلج المسلم وتوجهه لكره الحياة وإبادة الآخر، بل يضع الملامة على الأصوليين، وليته قدم لنا تعريفه عن هؤلاء الأصوليين، حيث أكتفى بالقول أن تعاليمهم تشكل القاعدة الأساسية المنتشرة في "مدارس السلفية في جزيرة العرب". وجزيرة العرب تشمل المفرخة العربية السعودية للإرهاب، فلماذا لا يضع الأستاذ عمرو النقاط على الحروف ويقول ببساطة ووضوح أن المناهج الدراسية في العالم الإسلامي هي نبع الفكر الإرهابي السلفي وهي تستند برمتها على آيات السيف ومبررات الأحاديث والتفاسير؟
ما هذه البهلوانية في شقلبة الأمور مداراة منابع الإرهاب! مثل هذه الكتابات لا تصلح الأمور بل تزيد من عمق العبث بتحريفها الأسباب الحقيقية وراء كل هذا الإرهاب العالمي. فالسيد عمرو يريد أن يجد حلاً- كما يوحي لنا- للنصوص الظلامية والظالمة التي قامت على أساسها إمبراطورية المسلمين...... على حساب عزة وكرامة الإنسان وعقله وعلى حساب أديان وحضارات تاريخيةٍ عريقة، وعلى حساب شعوبٍ تاريخيةٍ أصيلة ومديدة ، كالكرد والآشوريين والأرمن والفرس والزنج والهنود و…القائمة لا تنتهي. كل هذا التاريخ الدموي للإسلام منبعه وأصله النصوص القرآنية التي مهدت للأحاديث والفقه الإرهابي.
والأستاذ الأستاذ عمرو لا يلوم "شابا تشبع بها [التفسيرات الأصولية ] ويحب الله ورسوله عندما يفجر نفسه معتقدا انه بعمله هذا يخدم الاسلام والمسلمين وهو سبيله الي رضاء الله عنه ودخول جنة النعيم الابدية.. ". وهو محق في عدم وضع الملامة على هذا الشاب اليافع المغسول الدماغ بآيات القتال والأحاديث المحفزة على تنفيذها، ولكني أهمس بأذن الأستاذ عمرو الآية الكريمة "ولا تحسبن اللذين قتلوا في سبيل الله [الجهاد الإرهابي] أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون.." وهم "يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم [قافلة الموت منذ 1430 سنة].." وهم على يقين انتحاري عميق بأن "الله لا يضيع أجر المؤمنين."
فالأجر عند المنتحر والناحر الإسلامي هو حور العين والغلمان الموعود بها في الكرخانة السماوية الخيالية حيث ينكح الإرهابي من النساء "لم يطمثهنَّ إنسٌ قبلهم ولا جانٌ" و "مقصورات في الخيام" لا عمل لهن سوى اشباع الغريزة الجنسية لدى الشهيد الوافد. وللوصول إلى هذه الجائزة الربانية، ما على الشاب المؤدلج بالإسلام سوى قتل البشر الأبرياء بهدف الجهاد وبأمر ووعد من الخالق القواد الذي وصف جنوده الإرهابيين بأنهم مشغولون في إفتضاض الأبكار بقوله "إنَّ أصحابَ الجنّةِ اليومَ في شغلٍ فاكهون". ومن شدة تعلق هذا الإرهابي بالجائزة، "فقد روي عن بعضهم أنه قبل أن يُقدم على الانتحار وتفجير نفسه، يربط عضوه الذكري بقطعة قماش سميكة ليظل محفوظاً، ولكي يستعين به بقوة لدى الحور العين في الجنة." (شاكر النابلسي- الجنس والموت في انتحار الإرهابيين- آفاق، 12/2/2008).
أما عن الإسلام المعتدل الذي يحدثنا عنه الأستاذ عمرو في مصر، فإننا نجد في التاريخ الإسلامي في مصر ما يكفي لدحض هذا الاعتدال بكافة الأوجه والمقاييس، ولشيوع الموضوع والمعرفة ببطلان هذا الاعتدال، نكتفي بالقول بأن الوهابية تم تصديرها من مصر الأزهرية، وعلى المدعي بغير ذلك عبء البرهان. فعلى سبيل المثال، هناك الهيجان الثائر في مصر لعزل شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي بعد مصافحته الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز خلال مؤتمر الأمم المتحدة لحوار الأديان. ردة الفعل الديناصورية لا تعكس الصورة البريئة والمتخيلة التي تكلم عنها الأستاذ عمرو اسماعيل! فقد قررت محكمة جنايات الجيزة تغريم رئيس تحرير صحيفة "الفجر" الخاصة عادل حمودة، والكاتب الصحفي محمد الباز بمبلغ ثمانين ألف جنيه مصري لكل منهما لإدانتهما بسب وقذف هذا الشيخ، مما يعني: الصحفيون المثقفون يعادون رمزاً إسلامياً لأنه ومن باب التقية يدعو لتطبيع العلاقات مع إسرائيل... القردة والخنازير في القرآن وكتب الأصوليين يا سيد عمر اسماعيل.
وسرد الأستاذ عمرو بعضاً من آيات السيف والقتال، وأوضح بجلاء رؤية الأصوليين بالقول: "فالجهاد فرض عين منذ (941م) عندما سقطت غرناطة بيد الكفار النصارى [لاحظوا الوصف الوهابي]، واستطرد قائلاً: "ان لم يجد علماؤنا الافاضل تفسيرا لهذه النصوص غير تفسير السلفيين المنتشر لها .. يقنع عامة المسلمين ويسحب البساط من تحت أقدام جماعات التطرف الاصولي فسيبقي الارهاب سيفا مسلطا علي رقاب الجميع تغذيه الحالة الاقتصادية والسياسية المتردية لمجتمعاتنا وتؤيده نصوص دينية لم يستطع انصار الاسلام المعتدل تقديم تفسير لها يدحض حجج الاصوليين ويكسب قلوب عامة المسلمين.." انتهى
ونحن بدورنا نؤكد للأستاذ عمرو بأن هؤلاء العلماء الأفاضل الأجلاء لا يغرفون من الهواء بل يطبقون النصوص الإلهية المدوية والدموية والتي نضم صوتنا مع الأستاذ عمرو ونطالب بحذفها وشطبها وأنسنة القرآن ليصبح معاصراً ومواكباً للحداثة والإنسانية والحضارة والتعايش مع الغير، إذا كان للإسلام أن يعيش كدين للبشر. حذف تلك النصوص القرآنية يؤدي لتحقيق نداء الأستاذ عمرو، حيث لن تبقى مادة تخضع للتفسير والتطبيق الجهادي والأصولي. وإن لم يتم ذلك، فسوف يتحد العالم ضد كافة المسلمين، لأنه لا يوجد أي اعتدال أو سماحة أو توازن وجودي بناء وراقي مع وجود تلك النصوص في القرآن......... حاضن الإرهاب ومسببه في كافة أنحاء المعمورة.
أما عن الحالة الاقتصادية والسياسية المتردية للمجتمع العربي، فهي نتاج مباشر للإسلام وتعاليمه، فالإسلام يسمح بعدم محاسبة السلطان المتخم بأموال وخيرات البلد والذي يتزوج من رجال الدين بعقد نفعي وترياق ديني لتحقيق مآربه. فمع غياب التغطية الدينية على الحاكم الجائر، ستعم الديمقراطية وتوزع خيرات البلاد على الشعوب المفقرة وتحصل المرأة على المساواة العادلة مع الرجل وتستبدل كتب الجهاد والقتال والتنافر ويحصل الفرد على فرصة العمل حسب المؤهل والكفاءة وليس من منظور المحسوبية أو الانتماء الديني. النصوص الدينية عائق أمام الحضارة والبشرية، وإحلالها من قدسيتها هي الحل يا استاذ عمرو اسماعيل.
http://www.elaph.com/Web/AsdaElaph/2008/12/387519.htm