"إن تدليل الجماهير كالأطفال و التوقف عن نقد ثقافتها هو نوع من النفاق الضال"
إن حياتنا العقلية ممتلئة بالكلام إلى حد التضخم ، كلام كثير و كبير و مبهر و براق ،و لكنه غالبا غوغائي قليل القيمة ، ودائما مربك و مشوش ، هذا التضخم الكلامي يضغط على تفكيرنا ، و يحدد مساراته في دوائر صغيرة مسموح بها ، فلا يكون أمامنا سوى قدرا ضئيلا من الفراغ الذي يمكن أن نتنفس فيه ، الجميع يتكلم في كل شيء ، و غالبا ما يكون المتحدث جاهلا بموضوعه ، ولم يقرأ عنه حرفا واحدا ، و لأن الكلام أصبح يتزايد حجما و تفاهة ، فهو غالبا ما يحصن نفسه بالتعبيرات الضخمة و الإتهامات الجاهزة للمخالف .
لهذا التضخم الكلامي أسباب متعددة ، بعضها خاص باللغة العربية نفسها ،و البعض خاص بالتاريخ المعاصر ،و الكثير مرتبط بالواقع الإجتماعي و السياسي .
اللغة ليست أداة للتعبير فقط ، و لكنها أيضا و بالأساس أداة التفكير ، و بالتالي فمن المستحيل نقل فكرة من لغة إلى أخرى بدقة تامة ، فالأمر سيكون دائما تقريبيا ، فلكل لغة بنائها المنطقي و الثقافي الخاص ،و عندما تحمل اللغة فكرة ما فهي تعيد تشكيلها وفقا للبنى القياسية لها ، و المحصلة ستكون شيئا جديدا . لكل لغة إذا خصائصها المميزة ، هذه الخصائص تشكل الإطار الإدراكي للمتحدثين بها ، و من أهم خصائص اللغة العربية كما تؤكد الدراسات خاصيتان ، الأولى هي المبالغة و الثانية التوكيد ، فالمتحدث يخشى دائما أن يفهم بشكل مختلف ، أو حتى بشكل عكسي ، لهذا فهو يستخدم صيغ المبالغة لتوصيل فكرته ، كما يكرر و يؤكد أقواله بشكل مستمر ، وربما تنفرد اللغة العربية بما يعرف بصيغ المبالغة ، فالفاعل ليس دائما فاعل ،و لكنه للتأكيد فعول و فعال و فعيل و مفعال و فعل ، فالرجل ليس كاذب فقط ،و لكنه كذاب و كذوب ..و هكذا ، و لن تجد شيئا مشابها في اللغة الإنجليزية ولا الفرنسية ، هذه الخاصية انتقلت إلى عالم الفكر و السياسة ، فمن النادر أن تجد من يصف المخالف بأنه مخطئ ، و لكنه سيكون إما كافر أو خائن و عميل .. في قلوبهم مرض ، لا تعلمونهم الله يعلمهم ، ولو حاولت أن تعبر عن أفكارك بجمل بسيطة مباشرة لأعياك ذلك ، فصيغ اللغة العربية بطبيعتها حافلة بالمبالغات ،و لن تستطيع تجاوزها إلا بصعوية ، أما النتيجة ستبدوا كما لو كانت ترجمة عن لغات أجنبية .
حسنا و ماذا في ذلك ؟، هناك خطورة أكيدة ،و هي أن العربي سيفكر أيضا بنفس الصيغ غير الدقيقة و الحافلة بالمبالغات ،و بالتالي سيربك نفسه و يشوش عقله ، و تكون المحصلة نتائج لا علاقة لها بالواقع ، بل نتائج تتوافق فقط مع صيغ المبالغة و تضخيم الحقائق و تلوينها بالخيال المفرط .
هناك عامل آخر لا يقل خطورة ، ألا وهو غياب المعايير القياسية التي يمكن بها تقييم الاخرين و تقدير التميز ، وهذا يبدوا واضحا في مجتمع مثل المجتمع المصري ، غياب هذه المعايير يعود إلى خصائص مرتبطة بالتغيرات التي حدثت في المجتمع ، و هي خاصية التحديث العشوائي ، فأكثر ما يميز التحديث المصري هو عدم الإنتظام ، و أنه يقوم على التجريب العشوائي لمجموعة متناقضة من النظريات و الأفكار ، ولو استعرضنا مسار الحداثة من المنظور التاريخي منذ بدايتها منذ 200 عام ، لوجدنا مراحل متتالية و متناقضة ، و كلها مبتورة لم تستكمل قط ، فمصر الملكية كانت ليبرالية بشكل عام ، رغم وجود الإحتلال ،و لربما بسبب هذا الإحتلال ، بينما جائت أفكار رجال 1952 إنقلابا تاما على الفترة السابقة لها ، فانتهت التجربة الليبرالية القائمة على رأسمالية السوق الحرة ، لتدخل مصر عصر الشمولية الإشتراكية بصورها المختلفة ، مما كان يعني إنقلابا كاملا على كل الأفكار السائدة ، و لم يستمر الأمر طويلا ففي منتصف السبعينات ، بدأ المجتمع في التحول مرة أخرى إلى الرأسمالية و التعددية السياسية ، وصاحب ذلك عودة المقدس إلى الخطاب السياسي ، مما كان يعني الإنقلاب على كل منجزات الحداثة العلمانية ، و التحول إلى عمليات تحديث شكلية تشبه ما يحدث في مجتمعات الخليج ، كل هذا أدى إلى ضبابية القيم و غياب المعايير المشتركة ، وهكذا يصبح الكلام رصيد من لا رصيد له ، حجم هائل من مجرد الكلام يملأ حياة الناس ،وهذا نتيجة افتقاد معايير التميز ، فيصبح الكلام هو المعيار ، و هذا يخلق عالم وهمي بديل ، عالم لا يدعمه سوى الكلام فقط ،و بدون أي دعائم حقيقية صلبة ، و يرتبط بهذا التضخم الكلامي بما يمكن أن نطلق عليه بطولات الحياة اليومية ، فنتيجة أيضا لغياب المعايير الموضوعية للتميز ، يشرع الناس في إختلاق بطولات وهمية صغيرة و تافهة من أحداث عادية ،و لهذا ليس مستغربا أن يتحدث صحفي مغمور عن مقاله الذي أحرج جورج بوش و جعله يدور حول نفسه ، أو أن نصادف ذلك الطبيب المخرف الذي يتحدث عن أسرار الدولة العليا ، التي ينفرد بمعرفة كل تفاصيلها ، هذه الأحاديث التافهة ليست محصورة في طبقة معينة ، بل هي شائعة حتى بين صفوة النخب ، و المدهش أنك تجد أن الجميع يتحدثون في نفس الوقت ، و سيكون مسكينا ذالك الصامت الوحيد – لو تصادف وجوده – فعليه أن يبدي إعجابا بحشد من التافهين .
عامل آخر لا يمكن إنكاره ، هو ديمقراطية الكلام التي تحققها ثورة الإتصالات ، فمنذ سنوات معدودة كان حق مخاطبة الرأي العام محصورا في عدد محدود من الكتاب المعروفين ، و هذا يعني نقاط إرسال محدودة و قاعدة واسعة من المستقبلين ، و بالتالي كان من السهولة نسبيا توفير حدا ما من مستويات الجودة في مادة الإتصال المتداولة ، و لكن ذلك كله تلاشى الان ، فهناك أعداد لا نهائية من المتحدثين ، بحيث أصبح من المشقة متابعة هذه الأصوات أو حتى تحديدها ، أما التقييم و تقدير الجودة و الأصالة فمستحيل حرفيا ، تحول الأمر كله إلى سوق بابلي يتحدث فيه الجميع و لكن لا يقولون سوى القليل ، هذه النوع من المساواة الكلامية سيكون شديد الخطورة في لحظات التحول ، و علينا ألا نستسلم لمنطق متصلب مصمت عن المساواة ، وفقا لمعادلة منطقية على النحو التالي :" طالما كان الناس كلهم متساوون ، فيجب أن يكون كل شيء يفعلونه متساويا كذلك " ،وفقا لهذا المنطق الخاطئ سنقبل أفكار الجميع على قدم المساواة ،و سنتحاشى نقد ثقافة الجماهير باعتبار هذا النقد متعاليا و نخبويا ، إنني على النقيض أرى أن الدعوة إلى الشعبوية هي دعوة معادية للحياة بل مدمرة لها ، فهي مملؤة بالبريق الفاسد و التسطيح الأخلاقي ، وهي تميل نحو التماثل ، هي ببساطة نوع من المشاركة في التفاهة رغم كونها تفاهة مركزية ضخمة تشمل الجميع ، إن دعم الديموقراطية و المساواة لا يعني الموافقة على كل منتجاتهما ، بل على العكس لابد من حماية القيم العليا برفع يد الجماهير عنها ، إن القبول بهيمنة الثقافة الجماهيرية يعني تجميد التاريخ و توقف التغيير .
إن تدليل الجميع كالأطفال و التوقف عن نقد ثقافتهم هو إهانة للجميع و نوع من النفاق الضال ، وبدلا من المساهمة في صناعة ثقافة جماهيرية جديدة أكثر عقلانية و ملائمة للتطور نترك ثقافة الجماهير المفارقة للحضارة هي التي تصنعنا ، وهذا ما يجب أن نخشاه و نعمل على إصلاحه .
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 12-10-2008, 06:15 AM بواسطة بهجت.)
مقال شيق يبين نقطة هامة جدا, وهي "المبالغة" التي نعاني منها بالفعل.
ولكن هذه الفقرة , وخاصة الجزئية الملونة باللون الاحمر استغلقت علي ... فليتك توضح ما تعنيه:
Array إنني على النقيض أرى أن الدعوة إلى الشعبوية هي دعوة معادية للحياة بل مدمرة لها ، فهي مملؤة بالبريق الفاسد و التسطيح الأخلاقي ، وهي تميل نحو التماثل ، هي ببساطة نوع من المشاركة في التفاهة رغم كونها تفاهة مركزية ضخمة تشمل الجميع ، إن دعم الديموقراطية و المساواة لا يعني الموافقة على كل منتجاتهما ، بل على العكس لابد من حماية القيم العليا برفع يد الجماهير عنها ، إن القبول بهيمنة الثقافة الجماهيرية يعني تجميد التاريخ و توقف التغيير . إن تدليل الجميع كالأطفال و التوقف عن نقد ثقافتهم هو إهانة للجميع و نوع من النفاق الضال ، وبدلا من المساهمة في صناعة ثقافة جماهيرية جديدة أكثر عقلانية و ملائمة للتطور نترك ثقافة الجماهير المفارقة للحضارة هي التي تصنعنا ، وهذا ما يجب أن نخشاه و نعمل على إصلاحه .
[/quote]
تحياتي
(f)
12-11-2008, 01:07 AM
{myadvertisements[zone_3]}
خالق محجوب
عضو فعّال
المشاركات: 187
الانضمام: Oct 2008
اعتقد ان هناك سبب اخر اعمق واكثر اهمية، وهو موقفنا من اللغة، وكأنها دين، يجري مراعاتها كما يراعي كتاب مقدس لايجوز تحسينه.
العديد من الكلمات لديها معاني غير متخصصة، والعديد من الاشياء الجديدة يحاولون تعريبها بالقوة بدون ان تملك هذه الكلمات الجديدة اي اتصال مع الناطقين. كما ان هناك انفصال بين اللغة المنطوقة واللغة المكتوبة، وهو انفصال خطير. العديد من التعابير تنشأ في اللغة المنطوقة ولكن لاتُقبل في اللغة المكتوبة..
ونلاحظ ان العربية لازالت تملك قواميسها القديمة، فلاتوجد قواميس جديدة، وكأنها لغة مستحاثية لاطعم لها. العديد من الكلمات القديمة اصبحت غير معروفة وغير مقبولة، في حين البديل عنها هو كلمات عامية.
كم ان هناك الكثير من اسماء لمفاهيم او ظواهر تطرق اليها الاجانب، في حين لامثيل لها باللغة العربية ويجري تعريبها بدون ان تعكس الاصل المقصود بذات الدقة.. اضافة الى الانفصال بين التسميات الاجنبية والتسميات المعربة، ليصبح انفصال بين الواقع والنظرية، بين الانتماء والقدرة على التعبير..
ان العديدين يفقدون روحهم عندما يضطرون الى التعبير باللغة الرسمية الميتة والبليدة
12-11-2008, 01:15 AM
{myadvertisements[zone_3]}
بهجت
الحرية قدرنا.
المشاركات: 7,099
الانضمام: Mar 2002
الزميل المحترم الحر .
خلال هذه المداخلة ربما أكرر بعضا من أفكار طرحتها في شريط سابق محبب إلى قلبي ، هو شريط ( زمن المثقف الأخير ) ، و لن أضع وصلة له هنا فكل ما أريده من الشريط سأضعه مركزا في هذه المداخلة .
نعرف جميعا أن الحداثة نشأت كمعجزة كاملة في مجتمعات المركز ، هذه الحداثة كانت نتيجة عملية نقد شجاعة للثقافة السائدة و من ثم تغييرها ، وبدون هذا النقد الجوهري لظلت قيم العصور الوسطى سائدة إلى اليوم ، وما كانت هناك علوم ولا تكنولوجيا ولا طب ولا شيء من منتجات الحضارة المعاصرة ، لم تتقدم أوروبا إذا نتيجة تملق مشاعر الجماهير و معتقداتها ، و لكن نتيجة حركة تنويرية هائلة قادها مفكرون أحرار ، هؤلاء المفكرون تحدوا قيم المجتمع وثوابته ، و بشروا بقيم جديدة قدر لها الفوز و كانت الدعائم الصلبة لأهم و أخطر حضارات الإنسان على الأرض ، و لكن هذه المراجعة التاريخية للأفكار و الثوابت لم تحدث في المجتمعات العربية بشكل حقيقي ، بل على النقيض فكل المذاهب السياسية الرئيسية في العالم العربي ما بعد الحرب العالمية الأولى ( قومية – ماركسية – إسلامية ) اتفقت على تقديس ثقافة الجماهير و تكريسها كل وفقا لدعواه ،وهذا أدى إلى تعطيل أي نقد حقيقي لتلك الثقافة و بالتالي تسرب الفرص التاريخية لتطوير ثقافات النخب بعيدا عن الصيغ الأيديولوجية ، كما حدث في مجتمعات أكثر حكمة مثل الهند ، و علينا بداية أن نوقن أن ثقافة لا تعرف النقد هي ثقافة ميتة .
يا عزيزي .. نتيجة التفاوت في التعليم و التربية و القدرات فالناس يتطورون على نحو متفاوت رغم أنهم ولدوا متساويين ، هذه الملاحظة هي الفكرة الأساسية التي تقوم عليها أي حركة إصلاحية حقيقية في المجتمع ، و لكننا تصرفنا بشكل كليا انتهازي و أن الجماهير كالزبون الرأسمالي دائما على حق ، إن القبول بهيمنة الثقافة الجماهيرية ذات الطبيعة الدينية الأصولية هي جريمة بشعة ليس فقط في حق المعاصرين بل بالأساس في حق المستقبل الذي نضيعه تماما ، هذا يعني تجميد التاريخ و توقف التغيير .
إن الإسلاميين ليسوا منفردين في تقديس ثقافة الجماهير الدينية ، بل لعل الماركسية هي أكثر الأيديولوجيات عبادة للجماهير ( الطبقة العاملة ) و كانوا يعتبرون أن الطبقة العاملة لا تجسد فقط نظاما إقتصاديا و إجتماعيا أرقى بل ثقافة أرقى كذلك ، و هكذا وجدنا كيف كانت حركة الثقافة البروليتارية السوفيتية تدعوا العمال أن يبدعوا فورا أشكالهم الإشتراكية الخاصة في الفكر و الأحاسيس و مفردات الحياة اليومية ، و القطيعة التامة مع التفسخ و التشاؤم البرجوازي ، حتى أولئك الذين عارضوا القفز مباشرة إلى ثقافة العمال و الفلاحين كانوا يعتقدون أن ثقافة الطبقة العاملة مختلفة عن ثقافة البرجوازية و أنها أكثر رقيا ، و كانوا يتطلعون إلى مسقبل أفضل للبشرية ،
نعم إن النهضة لا يمكن أن تتم سوى بالشعب كأدوات مادية و لكن ليس خلال تبني أفكارها و معتقداتها التي تكون مفارقة للعصر كله ، علينا إما القبول أو الرفض للأصوليات كلها ، خاصة الأصولية الإسلامية من حيث هي عقيدة مطلقة فلا حل وسط ، ولو كان خيارنا هو الأخير فسوف نكتشف أننا تحررنا من وهم كبير ، لقد انتهى عصر الأيديولوجيا ... الحلم بنهضة الشعوب و الحلول الراديكالية هي أفكار قد شبعت موتا و أصبحت شيئا من الماضي البعيد ، لقد سقطت الأيديولوجيا مع أندحار الإتحاد السوفيتي ، لا يوجد أحد الان يحلم باليوتوبيا أو يتصور حلا سحريا و أن المستقبل يمكن أن يتجاوز الحاضر بصورة أساسية ، إن تلك الأحلام و عبادة الشعوب التي تحمل الحقيقة و ستنهض بعد سماع النفير الثوري هو نوع من ( اللااتصال بالواقع ) ، قليلون هم الذين يتصورون أن يكون المستقبل شيئا سوى صورة مشابهة للحاضر .. حسنا ربما نسخة معدلة من اليوم على أفضل التصورات ،إن التاريخ قد رفض الآمال المبالغ فيها و المتعلقة بالثورة ، لقد أخفقت الراديكالية و أصبحنا في زمن الإنهاك و التراجع السياسي العالمي و المحلي ، لا بدائل أخرى .. تلك هي حكمة هذا الزمان ، إن واجب النخب الأقوى و الأذكى و الأكثر حضارة أن تفرض قيم التنوير و الحداثة على الجهلاء فرضا ، فالعالم مهدد بالفناء بسبب ذلك الجهل و الفقر و التعصب ، إن تمكين الشعوب الجاهلة و المتعصبة و المتخلفة معرفيا لن يكون لصالحها بل مجرد حلولا طوباوية يقترحها منعزلون ،فالمنعزلون الحقيقيون ليسوا من يقترح الحلول كنخب بل من يثقون بوعي الجماهير و يؤمنون بفضائل لم يمارسها أحد أبدا .
لو انتظرنا الشعوب فلن نتحرك سوى قبيل قيام الساعة بأيام قليلة ، العالم لا يفعل ذلك ، كل الشعوب التي نهضت من سباتها تقدمت خلال النخب ، النخب هي التي تقود الهند و تعطي لهذه القارة ديمقراطية ليبرالية وسط شعب أصولي متدين و فقير ، النخب الشيوعية هي التي تقود الصين لإقتصاد السوق ، المشكلة دائما هي النخب لا الشعوب ، النخب الهشة الفاسدة كنخبنا العربية هي التي تحيل مشاكلها للشعوب التي يجب أن تتفرغ للعمل و ممارسة أكبر قدر متاح من السعادة ، علينا ألا نرهق الشعوب بالتفكير فهي غير مؤهلة ولا تريد ذلك ، علينا فقط أن نوفر لها الدين و القيم و العقائد كمنتجات نهائية جاهزة ( هوم دليفري ) ، وقتها سنبدأ بالتحرك كما تفعل آسيا اليوم .
ولكن هناك مفارقة هامة بين تنوير الغرب الذي عاضدته الجماهير, وعارضته السلطات بدرجات متفاوتة, وبين من يحملون شعلات التنوير في مجتمعاتنا حيث انهم يواجهون ضغط الجماهير الرافضة والمسيرة من قبل المادلجين المدعومون بدورهم من قبل السلطات.
بالتالي فالحل بالنسبة لمجتمعاتنا لابد من ان يكون قسريا ومفروضا من الاعلى, كالاتاتوركية الكمالية. ومعضلة هكذا حلول تكمن في انها تنسف اهم قيمة من قيم الحداثة, الا وهي "الحرية" على المستوى السياسي والاجتماعي. لان اي تهاون على المستوى السياسي او الاجتماعي ستؤدي لبزوع قوى الظلام والرجعية مرة اخرى. و بالحد من الحريات سنواجه القوى الشعبية (الجماهير) و قوى الرجعية (رجال الدين والانتهازيين) و القوى الديمقراطية (الدول الغربية), فهل هناك نخبة في اي دولة من دولنا ماهلة لان تقف في وجه كل هؤلاء ؟!
مودتي
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 12-11-2008, 02:40 PM بواسطة الحر.)
12-11-2008, 02:25 PM
{myadvertisements[zone_3]}
بهجت
الحرية قدرنا.
المشاركات: 7,099
الانضمام: Mar 2002
الزميل المحترم محجوب .
تحية طيبة .
مشاركة مقدرة و مهمة ، و أتمنى أن نستقبل منك المزيد من التعليقات و المساهمات التي بالقطع تثري الحوار .
لعل من الجدير بملاحظة الزملاء في هذه الفرعية ، أن ثقافة ما بعد الحداثة تركز بشكل ملحوظ على اللغة بناء و تفكيكا ، و هذا الموضوع أي علاقة اللغة العربية بالثقافة السائدة يستحق المناقشة بتوسع كبير ، أما في الرواية الإفتتاحية فقد اقتصرت - و في عجالة- على خصائص اللغة ذات الصلة بظاهرة التضخم الكلامي ، سواء من حيث الحجم أو صيغ المبالغة ، و لكني أتمنى أن يطرح أحد الزملاء موضوع علاقة اللغة العربية بقضية الحداثة بشكل مستقل ، سواء في هذه الساحة أو ساحة الأدب ، ولو كان الموضوع مطروح سابقا ، فأرجوا من يعرف وصلته أن يدلنا عليها للفائدة .
خالص مودتي .
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 12-11-2008, 05:46 PM بواسطة بهجت.)
12-11-2008, 05:33 PM
{myadvertisements[zone_3]}
Serpico
عضو رائد
المشاركات: 1,785
الانضمام: Mar 2007
الأول : متعلق بالتضخم النفسى وكما ذكر بهجت فى التعريف بالموضوع " عالم بديل من الكلام " نحن نحقق ذواتنا بالكلام فنحن " خير أمه " ونحن " أصحاب الحق " ونحن " أولى الدم " ونحن " الوسطية " ونحن " أصحاب قضية عادلة "
الثانى : متعلق بخصائص اللغة العربية وترهل المصطلحات فيها حتى أنك لتجد فيها الكلمة ولها عشر مرادفات فهنا زاد على " وظيفة " الكلمة بعدا آخرا وهو " التضخيم " وأحيانا المبالغة أو التحقير .. ولم تعد وظيفة الكلمة الوحيدة هى " التعبير " بل أصبحت إيصال مشاعرا أخرى ومن هنا انقرض جانب كبير من اللغة العربية وحل محل الكلمات الكبيرة كلمات عملية بسيطة
لو تحدث أحدهم باللغة العربية الفصحى بلا اخطاء فلربما لن يفهمه معظمنا ..
التضخيم والمبالغة موجودان فى كل اللغات ولكن فى لغتنا يطغيان على المعنى بل تضيع المعانى وسطهما.. فنحن شعوب " مبالغة " بطبعنا ونحتضن لغة " متضخمة " بطبيعتها..
ولك ان تتابع اى مظاهرة حتى لو كانت تطالب بزيادة المرتبات وأراهن انها لن تخلو أبدا من نشيدنا المفضل " بالروح .. بالدم .... " ..ولأنه فى الغالب شعار غير واقعى فلا يهتز له احد