أؤيد بشدة ما يقوله الحكيم.

أذكر ما قاله لي صديق سعودي يدرس الطب ذات مرة يسألني عن "بهجت" وهل له كتب .... زعلت بصراحة من الأخ بهجت على تبديد جهده هنا ودون جمعه في مجلد واحد أو مدونة واحدة. خسارة كل هذا التعب يضيع هنا وهناك..

الأخ الحكيم الرائي (f)
الأخ إبراهيم .(f)
تأثرت للغاية بتقدير الأخ العزيز الحكيم الرائي و ما أضافه أخي الجميل إبراهيم ، و تشهد سماء مدينة نصر أني أرى نفسي دون ما يظنان ، و لكنهما يريان الجمال في كل شيء لأنهما جميلان نفسا و فكرا . بهجت ليس صاحب فكر و لا قلم و لكنه صاحب قضية ، هي قضية التنوير و التحضر لمصر و لكل العرب ، هذه القضية هي التي تفكر و تعبر و تفجر الأحلام ، إني كغيري من العلمانيين و العقلانيين و المثقفين العرب مجرد أدوات تعمل بها الحضارة ، و نستمد قيمتنا من نبل القضية التي نكرس لها جهودنا ، إننا كبار بقدر ما نضحي و نعمل من أجل تحضر شعوبنا ،و لكن بدون تلك القضية سننضم أصفارا إلى حشد بلا نهاية من الأصفار ، إني على ثقة أن جهودنا ستكون مثمرة في النهاية ،و أن النور سيضيء شوارعنا يوما ، و سيأتي العيد إلى نواصينا ، إن الشمس لا تشرق سوى على من يوقن بأنها تشرق دائما ، نحن أيضا لا ننتظرها بل نذهب إليها كل صباح بقلوب مفعمة بالأمل .

..............................................................................

أصدقائي .
في هذا الشريط أتعرض لما يمكن أن نطلق عليه رؤيتنا للكون الذي نعيش فيه ، و هو بالمناسبة ليس موضوعا فلسفيا و إن كان تجريديا إلى حد كبير ، رغم هذا فإني أطرح فيه أفكارا بلغة الحياة اليومية و بشكل متحرر كلية ، إن العلوم التطبيقية هي مجال تخصصي ،و لذا فتفكيري مادي ، و كل ما هو مثالي يبدوا لي نوعا من الهرطقة ، و عندما أتحدث عن عالم معقد ، ففي مخيلتي تتسابق قوانين الفيزياء الكمية ،و أتذكر مقدار الجهد الذي يبذله عقل مدرب لفهم فرعية علمية بشكل متصل الحلقات بمبادئ الطبيعة الأساسية ،وهذا شيء نادر جدا حتى بين المدرسين في الجامعة ، و لكني لا أقترب من المدارس الفلسفية التي يتبارى فيها مجموعة من الرجال ذوي القدرات اللغوية الفائقة ، و التي يكاد ينحصر هدفها في عدم تحقيق أي هدف ، أحب أيضا أن أقول أن كل الأسئلة السهلة تم سؤالها بالفعل ،و لم يبق أمامنا سوى الأسئلة المعقدة ، و هذا ما نفعله الان ، أن نطرح هذه الأسئلة المعقدة .
إن دراسة الأنظمة المعقدة complex systems مثل الوعي و الذكاء هي فرع حديث جدا من الدراسات ، وهي ما تعرف بعلم التعقيد science of complexity، و لم يظهر هذا العلم بشكل متميز عن غيره من العلوم سوى في الثمانينات من القرن الماضي ، و كي نوضح النظام المعقد في أبسط صوره ، فلنتخيل قطرة ماء واحدة ، ثم نضيف إليها قطرة أخرى مماثلة ثم قطرات أخرى و هكذا حتى نصنع بحر كامل و ربما محيط ، سنجد أنه عند حد معين سنواجه سيلا ، ربما يقتلع مدنا كاملة في مساره ، أي أن المحصلة لن تكون مجموعا للقطرات المائية ، بل سينبثق أمامنا خواص جديدة لم تكن في قطرة الماء ، و لو كان لدينا تريليون قطرة ، فلن نجد في أي قطرة منها واحد على تريليون من الظاهرة ، أي أن هذه الظاهرة الجديدة انبثقت من العلاقة بين قطرات الماء و ليس من مجموعها فقط ، و يمكن القول أن التغيرات الكمية عندما تصل إلى حد معين ينبثق عنها تغيرات كيفية أو صفات جديدة ، وهي ما يمكن أن نطلق عليه الصفات المنبثقة emergent properties التي يتولد عنها النظام المعقد ، و هذا المثال يمكن أن يوضح أن هناك في العمق علاقة بين الكثرة و التعقيد ، فالنظام المعقد يتميز بوجود عدة عوامل أو وسطاء agents يتفاعلون معا ، و في حالتنا ستكون قطرة الماء ،و لكنها قد تكون الخلية العصبية neuronفي نظام أكثر تعقيدا مثل الإدراك consciousness أو الذكاء ، و كلما إزداد عدد تلك الوحدات تعقدت التأثيرات المتبادلة بينها ، و عند حد معين سوف تنبثق الصفة الجديدة كما أوضحنا ، فخلية عصبية واحدة لن تصنع ذكاءا ،و لكن عدد بسيط من تلك الخلايا يمكنها أن تصنع نظاما بدائيا للإنذار وردود الأفعال الأولية ، أما لو تجمعت بعدد كاف قستصنع مخا لحيوانات تمتلك ذكاءا ما ،بل ربما تستطيع ممارسة الإتصال خلال الأصوات ، في مرحلة متقدمة عندما تجمعت تلك الخلايا على هيئة القشرة الدماغية ، إنبثق الذكاء الإنساني الفريد ،و أصبح الإنسان مدركا لذاته self awareness و للعالم حوله ، و كي نعرف التأثيرات المتبادلة في نظام بسيط جدا مكون من وحدات متماثلة ، سوف نكون في حاجة لحواسب إليكترونية قوية ، ولكن لو وصلنا إلى تحليل نظام معقد مثل الذكاء ، فسوف نحتاج إلى كمبيوترات عملاقة ، و هذا يعني أننا كي نفهم كيف يعمل مخ الإنسان علينا أن نستخدم معدات من المفترض أنها تحاكي عمل المخ الذي صنعها ، و هكذا سنجد أنفسنا في مواجهة تناقض منطقي paradox مماثل لما طرحه علينا الزميل وليد في مداخلة سابقة له !.
إن الأنظمة التي تتغير صفاتها نتيجة التغيرات التي تحدث في العناصر المكونة لها ، يطلق عليها الأنظمة المتكيفة المعقدة complex adaptive systems ، أي أن هناك تغير مستمر في صفات النظام ، و كل عنصر يؤثر على الآخر و يتأثر به ، و لعل من أوضح نماذج تلك الأنظمة هو السوق الحرة التي وصفها آدم سميث ، كما يعتبر العلماء الدماغ كما نعرف أسلوب عمله الآن نظاما متكيفا معقدا ، فالدماغ لا يتكون فقط من مجموعة من الخلايا العصبية المرتبطة بالمشتبكات العصبية ،و لكن هناك إفراز النيروبيبتيدات الذي يدفع كل خلية عصبية إلى التأثير و التأثر بالخلايا العصبية المرتبطة بها ، أضف إلى ذلك أن الدماغ يتغير طبقا لتجربته الذاتية ، لأن المشتبكات العصبية تقوى أو تضعف بمقدار التعلم و تكوين الذاكرة .
هل هناك علم حقيقي للتعقيد ، هذا سيكون موضوعا لمداخلة قادمة .

رغم محاولة بهجت تبسيط لغة الموضوع آسف أن أقول أنني عانيت صعوبة في فهم العديد من الأفكار فيه. ربما لأن الموضوع يتطلب معرفة مسبقة -و لو مختصرة- في مجال عريض من العلوم. مع هذا أحببت أن أشارك بوضع روابط فلم وثائقي من إنتاج البي بي سي أعتقد أن له علاقة بهذا الموضوع.

البرنامج يحكي عن علماء سبقوا عصرهم في القرن الماضي . وهم في بحثهم عن الكمال المنشود للرياضيات و قوانين الفيزياء اكتشفوا أن الكون أعقد بكثير مماكانوا يعتقدون. بل إن أدوات البحث نفسها و هي الرياضيات و المنطق الرياضي تحوي قصورا عن حل العديد من المسائل. تعرضت أبحاثهم للإهمال في زمانها بسبب تعرضها للنظرة المثالية التي كانت سائدة عن العلوم بسبب الإكتشافات العلمية الحديثة و التي اعتقد الناس بسببها أن للكون نظام يمكن توقعه بواسطة الرياضيات و الاكتشافات الفيزيائية.
هؤلاء العلماء هم : جيوغ كانتور في الرياضيات, بولتزمان في الفيزياء, و كرت جودل في الرياضيات و آلان تورينغ في علوم الكمبيوتر و الرياضيات. و انتهت حياتهم جميعا بالجنون و الانتحار.

Georg Cantor
كانتور رياضي عظيم .كان يعتقد بشكل ما أنه موحى إليه من الله و قد جن محاولا برهان نظريات وضعها في اللانهايات الرياضية , كشفت نظرياته عن متناقضات منطقية و عدم يقين في مبادئ الرياضيات , و قد قوبل باعتراض شديد من قبل زملائه و انتهى به الأمر في مصحة عقلية لينتحر فيما بعد.

Ludwig Boltzmann
الفيزيائي بولتزمان, جلب عدم اليقين و مفهوم الاحتمالات إلى قلب الفيزياء, و أعتمد نظرية الذرات فيها. و قد صبر كثيرا على معارضة شديدة من زملائه لكن بعد 30 سنة لم يستطع فيها أن يقنع غيره بنظرياته ضعف و انتحر .بدأت أبحاثه تلاقي صدى علميا بعد وفاته مباشرة.

Kurt Gِdel
جودل هو من أعظم الرياضيين في كل الأزمان, أراد أن يحل بعض المسائل التي هزمت كانتور, لكن أبحاثه قادته إلى أن يبرهن مرة و إلى الأبد عدم كمال الرياضيات و أكثر من ذلك برهن أن الرياضيات ستكون دائما غير متسقة من الداخل, و أن بعض المسائل ستبقى للأبد خارج مجال البرهان المنطقي للرياضيات.

Alan Turing
تورينغ هو أبو نظام الكمبيوتر الحديث, العبقري الذي فك شيفرة الألمان المستخدمة في الإتصالات البحرية في الحرب العالمية الثانية. إن نظريات اللانهايات الرياضية ,التي هزت أسس المنطق الرياضي , صارت عند تورينغ بحثا حول العقل البشري, فقد بحث فيما كانت محدودية المنطق الرياضي نابعة من محدوية العقل البشري أو أن قدرة عقولنا ببساطة تتجاوز المنطق الرياضي.
في الفلم أيضا لقاءات و تعليقات قيمة من علماء معاصرين (لم ينتحروا بعد):)

هاكم الروابط:

DANGEROUS KNOWLEDGE 1
DANGEROUS KNOWLEDGE 2

تقديم من موقع البي بي سي

تحياتي

ألأخ بهجت
شكرا لك على مواضيعك ألقيمة جدا .. ولو وبصراحة عادة ماتكون مسهبة ومتعبة في قرائتها لانها تحمل وتحمل في ذهن ألقارئ ألكثير من ألأفكار وبحيث لا تسير في إطار فكرة هدفية محددة واضحة ألمنهجية بما يسهل مناقشتها ..

مسألة ألتعقيد في ألكون بحثها ألفلاسفة ألكلاميون ، ولكن كعلوم تجريدية ( رياضية ) ألمسألة تختلف طبعا .

Array
إن دراسة الأنظمة المعقدة complex systems مثل الوعي و الذكاء هي فرع حديث جدا من الدراسات ، وهي ما تعرف بعلم التعقيد science of complexity، و لم يظهر هذا العلم بشكل متميز عن غيره من العلوم سوى في الثمانينات من القرن الماضي
..


هل هناك علم حقيقي للتعقيد ، هذا سيكون موضوعا لمداخلة قادمة . [/color]
[/quote]

حسب معلوماتي ألمتواضعة دراسة ألأنظمة ألمعقدة وما يتعلق بذلك من علوم ألصعوبة ألألغاريتمية بدأت منذ ألقرن ألتاسع عشر وليس ثمانينيات ألقرن ألعشرين .. وبألذات في بدايات ألقرن ألعشرين ( وخصوصا بعد أعمال غيوديل ) وأواسطة ظهرت مجموعات كبيرة من ألعلوم ألتي تدرس ألتعقيد وألمنظومات ألمعقدة بإختلافها . ورافق ذلك تطور هائل في ألعلوم ألرياضية ألتي تعتمد لنمذجتها من تطور علم ألإحصاء ألرياضي ألى ألغاريتمات ألفضائات ألمتعددة ، وأحيانا كثيرة هذه ألعلوم تبدو وكانها خارجة عن ألسياق ألكلاسيكي في مجرى ألرياضيات وألمفهوم ألكلاسيكي للألغاريتمات أو ألمنطق ألرياضي ( ومن ذلك على سبيل ألمثال علم ألمعلومات ألنوعية أو قبلها ألرياضيات ألمائعة وأنصاف ألمجموعات ألخ ألخ ألخ ألتي جعلت علوم أللأنظمة ألمعقدة وألكبيرنيتكا وألذكاء ألصناعي وغيرها بذاتها تزداد تفرعا وتعقيدا ) ..

ولذا فإتي أحد سؤالك " هل يوجد علم حقيقي للتعقيد " مبهما بعض ألشيء للقارئ ,, عن أي تعقيد تتحدث ؟ هل ألتعقيد بمعناه ألألغاريتمي ألكلاسيكي أو مثلا تعقيد ألعواطف ألبشرية ، بدون هزل .
ومن ألناحية ألرياضية وألفلسفية هل يمكننا إعتبار ألعشوائية أكثر إتساعا وتعقيدا من أي نظام مهما كان تعقيده ؟

وأخيرا عذرا مرة ثانية فألكثير من ألأفكار ألبديعة ألتي جائت في هذا ألشريط تبدو كأنها مبعثرة لا يمكن متابعتها إلا بإجهاد ،

هنالك موضوعة لي لم أستطع إتمامها لظروف مؤسفة ولكنها قد تتلاقى كثيرا مع ألنقاط ألمهمة ألتي طرحتّـها ..
http://el7ad.com/smf/index.php/topic,5355.0.html

مع خالص ألتحية


:redrose:

اعتقد بان علينا ، قبل أن نناقش فكرة ان الكون معقد او بسيط ، ان نتفق على المسلمات ، و المصادرات ، و على الأقل ان نشرح ما نقصده بكلمة "معقد" و كلمة "بسيط" عندما نريد ان نصف بهما العالم . و بعد ذلك ، يمكن ان نتحاور في مدى صحة او انطباق سمة البساطة ، اوسمة التعقيد، على العالم . فان استحضار عبارة من هنا ، و اخرى من هناك، دون اي رابط ، لا يوصل الى نتيجة مرضية . خاصة اذا كان أحدنا يعتبر ان المدارس الفلسفية يتبارى فيها مجموعة من الرجال ذوي القدرات اللغوية الفائقة ، و يكاد ينحصر هدفها في عدم تحقيق أي هدف !
فحسب علمي، لا يخرج فكر دون ان يكون له علاقة بالفلسفة .حتى الفيزياء الحديثة تجدها مفعمة بالفلسفة ، لدرجة ان عبارة " الفلسفة هي ام العلوم " ، انقرضت ، و حل محلها فكرة فحواها ان الفلسفة تكمن في الفيزياء و الرياضيات . لهذا فان المواضيع الضبابية لا تؤدي الى نتيجة . و علينا ان نحدد المفاهيم، قبل ان نناقش مدى صحة العلاقات التي تربطها ببعض .و يمكننا ان نصل الى النتائج بقدر ما نطرح من اشئلة ذكية تبدو في ظاهرها بسيطة جدا !
و السؤال الأول هو :
ماذا نقصد بمكل من المصطلحين :
(الكون المعقد و الكون البسيط ) .

مع التحية .


:Asmurf:

الزميل المحترم سهيل .
أحييك و أشكرك على مساهماتك البنائة في كل الموضوعات التي تشاركنا فيها ، و لعل آخرها التصحيح الخاص بالخوارزمي ،و هو تصحيح يمتد أيضا إلى الدكتور عبد الرحمن بدوي .
ما ذكرته عن اللغة التي استحدمها في هذا الشريط – و غيره – هي ملاحظة صحيحة تماما ، فكثير من الجمل و العبارت غيرتها مرات عدة حتى تأتي واضحة قدر الطاقة ، و لكن ربما لا تكون النتيجة كما أردتها دائما ، فهذا الموضوع يتناول نتائجا لجهود علمية و أيضا مناقشات و أفكار فلسفية ، أي يوجد في المنطقة التي تختلط فيها المعارف الإنسانية كلها ،وهي منطقة تتسع باضطراد و تتعقد على الدوام ، فلم يعد هناك مفر للمواطن العالمي المعاصر من أن يمتلك قدرا متزايدا من المعارف العلمية ، هذه المعارف تمتد من الرياضيات إلى الميكانيكا و الفيزياء و حتى البيولوجيا ، منذ 30 عام مثلا كان يكفي أن يلم الإنسان بأعمال 10 أو أقل من الأدباء و المفكرين ليكون الإنسان مثقفا ، أما اليوم فهناك العشرات ممن يشكلون العقل المعاصر ،ولابد للإنسان أن يلم بقدر كبير من أعمالهم و إنجازاتهم ، ليكون قادرا على الخطاب الثقافي العام بشكل بعيد السطحية و الغوغائية ، لهذا فلن نستطيع أن نتجنب اللغة الإصطلاحية تماما ، فقط سيكون لدينا النوايا الطيبة و المحاولة . .
............................................................................

الزميل المحترم ماجد جمال الدين .
تحية لمداخلتك الجادة .
ما أثرته عن موضوع التعقيد فيمكن أن يكون مداخلتي التي نوهت عنها في المداخلة الماضية ، أما عن تشعب الشريط فهذا موضوع منفصل أؤجله للنهاية .
رغم اعتقادي بأنه ليس هناك خلاف كبير حول وجود أنظمة فائقة التعقيد ، و لعل من أهمها الوعي الإنساني و الذكاء و الزمن ، إلا أني لن أعترض على من يرى أنه هناك خلاف بالفعل حول وجود قوانين أو مبادئ واحدة تفصح عن هذا التعقيد ، و هي المبادئ التي يمكن أن تشترك فيها الأنظمة المعقدة ، فهناك من يرى أن لكل نظام قوانينه وقواعده الخاصة ، و أن البحث في مشتركات بين الأنظمة بالغة التعقيد لا يؤدي إلى شيء مفيد ، و بالتالي فإن الحديث عن علم مخصص للتعقيد سيكون محاولات رومانسية غير مجدية ، بينما هناك من يؤكد على وجود تلك القواعد المشتركة التي تشترك فيها الأنظمة المعقدة ،و لعل من أشهر العلماء الذين يتبنون الموقف الأخير هو ستيوارت كاوفمان Stuart Kauffman ، و قد فعل ذلك بحماس عاطفي مميز في كتابه ( بالبيت في الكون ) الصادر عام 1994 من مطبوعات جامعة أكسفورد ، بينما هناك من لا يجزم بشيء ، ويرى أن الأبواب كلها مفتوحة لكل شيء مثل جيمس تريفل James Trefil في كتابه المثير للتأمل ( هل نحن بلا نظير ) الصادر عام 1997 ، هذه الدراسات التي تتناول التعقيد كعلم منفصل هي ما ذكرت سابقا بأنها دراسات حديثة .
كي نلقي مزيد من الضوء على المقولات السايقة ، سنجد أن هناك بعض الظواهر تبدوا متشابهة بالفعل ، بينما البعض الآخر لا يبدوا كذلك ظاهريا ،و لكن لو تعمقنا ما خلف الظواهر ، سنجد أن كثيرا من الظواهر التي تبدوا متشابهة هي غير ذلك ، بينما كثير من الظواهر التي لا تبدوا متشابهة تكون في الحقيقة متشابهة ،و يجمعها قوانين واحدة ، إذا هل هناك قانون عام للتعقيد يمكن أن نطلق عليه القانون الأول للتعقيد ، مثل القانون الأول للديناميكا الحرارية مثلا ، و أن هذا القانون يفسر سوق آدم سميث و الدماغ البشري معا ، هذا هو الجديد في الأمر ، وهو ما تبحث فيه بالفعل دراسات علمية جادة للغاية ، أذكر منها الآن بحوث العالم الأمريكي – المصري أحمد زويل ، فالمنحة الجديدة التي يعمل بها زويل مخصصة لإستخدام تكنولوجيا الفيمتو ، بهدف دراسة البيولوجيا و الفيزياء و الكيمياء كمظاهر لنفس الجوهر و تحكمها قوانين واحدة ، و نعلم الان أن الفوارق بين علمي الفيزياء و الكيمياء قد تحطمت بالفعل ،ولو نجحت جهود زويل و فريقه البحثي لنال على الأرجح جائزة نوبل أخرى ، و لوجدت الصحف المصرية مادة جديدة للتفاخر الأجوف .
أما عن الإسهاب أو تناثر الأفكار داخل الموضوعات التي أطرحها ، فتلك ظاهرة الشريط الحواري كما أمارسها بالفعل ، إننا -كما أعتقد- في مواجهة ظاهرة جديدة أو نوع جديد من التعبير هو الشريط الحواري ، فالشريط لا ينتمي كله لمنشأه بل يتحول إلى مساهمة عامة ، و دور الطارح لا يتجاوز بعد الرواية أو المساهمة الإفتتاحية إلى مجرد إدارة عامة للشريط ، و كثيرا عندما يبتعد الشريط عن شاطئ الإقلاع أن ينحرف مساره إلى مسارات فرعية ،و لكني أسعى دائما أن تكون تلك المسارات رحلات فكرية في حد ذاتها ، و معظم الشرائط أعد مادتها أو على الأقل إطارها العام قبل الطرح ، و لكني كثيرا ما أجد مساهمات جيدة و مبتكرة و لكنها لا تصب في المسار العام بدقة ،و عندئذ أكون بين بديلين إما إهمال الرد أو التجاوب معه بما يستحق ، حتى على حساب البعد – مؤقتا – عن أهداف الشريط ،و في كل مرة أفضل الحل الثاني ، فبهذا يكتسب الشريط شخصيته المستقلة و حيويته ، أما المادة العلمية المتماسكة أو المقال السياسي و الإقتصادي ، فله شكله القياسي الخاص و مجاله المدونات ، ولو فكرت في إنشاء مدونة فسيكون علي إعادة صياغة المواد المتوفرة لدي كلية ، و لكني لا أجد نفسي في تلك المنعزلات الباردة مهما كانت عالية و موضوعية ، فما زلت مصريا ، هذا الذي يقول أن " الجنة من غير ناس ما تنداس"

الأخوة .
سوف أخصص هذه المداخلة للرد على تعليق الزميل أوارفي ، مؤكدا أنه لا شيء شخصي في الأمر كله ، و لأن ملاحظات الزميل لم تخصص لأحد بعينه فسيكون ردي متصفا بالعمومية أيضا .
1- كل ما جاء في مداخلة أوارفي سبق الرد عليها خلال الشريط كما سأوضح لاحقا ،و لكنه لم يقرأ شيئا من الشريط كما هو واضح سوى شذرات من هنا و هناك ، لا أطالب أحدا بمتابعة ما اكتب ، فقط بعدم التعليق على مالا يقرأ !، ولا أطالب أحدا بقبول أفكاري أو ردودي ، بل على النقيض تماما أرحب بكل ما هو مخالف ، و بالتالي أدعوا من شاء أن يرد على ما أكتبه كيفما يريد ، فقط من الموضع الذي إنتهيت إليه ، و لكن لا يمكن أن أعود إلى نقطة البداية مع كل مداخلة ، و لعل التصرف المناسب في مثل هذا الموقف يكون باغفال المداخلات المكررة ،و لكن هذا التصرف تحديدا يتنافى مع التقاليد التي التزم بها في الحوارت التي أطرحها ، فلم يسبق أن أغفلت أي مداخلة لزميل مهما كانت متواضعة ، اللهم أن تكون مداخلة كيدية لإفساد الشريط كما يفعل بعض الصبية أحيانا ، و بعد أن أخبر هذا الصبي أو ذاك بأني سأهمل ردوده لاحقا .
2- طالما نحن بصدد الشفافية في الحوار ، فإني ألاحظ أن مداخلات أوارفي تقتصر على تصحيح الموضوعات المطروحة من وجهة نظره ، سواء كانت تلك الموضوعات لزميل أو منقولة عن الصحف ، هذا التصحيح يكون شكليا غالبا و من داخل الموضوع ذاته بدون أي إضافات حقيقية من الزميل ، و هذا الموقف (التصحيحي) يذكرني بالمدرسين ، فهل يمارس زميلنا أوارفي مهنة التدريس بالفعل ؟، شخصيا لا أعتقد أن التصحيح -على نبله كمظهر على إيثار الآخرين !- يجب أن يشغلنا كثيرا كمحاورين لنا ثقلنا ولو بحكم حجم المشاركات ، رغم هذا فلست أنكر أن مثل هذه الملاحظات التصحيحية تسعدني شخصيا ، فهي تعطيني فرصة لشرح ما ربما يستغلق على فهم بعض الزملاء المسييسين ، و غير المعتادين على الحوارات الثقافية ، كما توفر لي فرصة لعرض كيف تم إعداد بعض المداخلات التي كثيرا ما تكون بحثا قائما بذاته ، و لكني أرى هذا الأسلوب الذي يركز على إظهار السلبيات و المآخذ سلبيا و يقلل من أهمية المحاور ، و لهؤلاء الزملاء أقول :" لماذا تضيعون الجهد و الوقت في هذا النشاط السلبي ؟ ، أين أنتم و أين أفكاركم و أين شخصيتكم و أين إحساسكم بالتفرد البشري الجميل ؟ ، لماذا تضيعون جهدكم في إلقاء الحجارة على سمير أمين و فرج فوده و بهجت و سيد القمني و بيوتفل مايند ...... و ، أنتم لا تقلون قيمة عنهم جميعا ، فلم لا تمارسون وجودا حقيقيا ولو لمرة واحدة " ، إن الحجارة التي نلقيها على الاخرين يبنون بها منصات عالية يقفون عليها ، فلم لا نبني تلك المنصات لأنفسنا ، إني أفضل أن يهتم المشارك في ردوده بعرض وجهة نظره هو الشخصية في الموضوع المطروح ، أما لو كان هذا الموضوع بعيد عن إهتمامته فلا ضرورة أصلا لمشاركة سطحية بلا معنى تسيء إليه ، و هنا أحب أن أقول للبعض أن الأفكار الجيدة لا تأتي كوحي من السماء أو من ممارسة الغوغائية ، أو النقل من الشبكة بشكل آلي ، و لكنها نحصل عليها من سبيل واحد فقط ، هو القراءة الجادة المثمرة و من المصادر الأصلية ، أيضا لا يمكن الحصول على المصداقية من الإدعاء الأجوف ،و لكن من التواضع العلمي و إدراك النقص البشري الطبيعي ،و من الرغبة الصادقة في التعلم .
3- ينتقد أوارفي غياب تعريف التعقيد من الشريط ،و هذه الملاحظة تم تغطيتها في أكثر من مداخلة أوضحها المداخلة رقم 13 ، وهذا هو النص " حتى في الحوارات الأكثر تحررا لابد من وجود منطلقات أولية و محددات ، لهذا فكرت في البداية وضع تعريفا للتعقيد و البساطة ،و لكني دائما أخشى أن يسلمنا التعريف إلى التداعيات اللانهائية infinite regress ،و بدلا من مناقشة القضية نناقش تعاريفا ، لهذا اعتمدت في فهم فكرة التعقيد و البساطة المقابلة على الرواية الأولية التي قدمتها عن إجتماع الفلاسفة - وهي بالمناسبة قصة حقيقية – فلم أجد أفضل منها ، و إلا فكيف تصف عالما لا يمكن لأفضل العقليات التعبير عنه بشكل مفهوم لكل منها ، بالرغم من تعاصر تلك العقليات و اشتراكها في الإهتمامات و القضايا التي يتناولونها ! " ، أفهم ألا يقتنع أوارفي بهذا الرأي و يعرض رأيا مخالفا إنطلاقا من هذه النقطة ،و ليس من بداية البداية ، و طالما نتعرض لهذه النقطة أحب أن أوضح بعض النقاط ، فمن المألوف عند طرح قضية ما أو عند الرد ، أن يشرع الزملاء في القول ، أنه علينا قبل البداية أن نعرف أشياء مثل الحرية و العقلانية و الحداثة و الديمقراطية .., هكذا ، و عندئذ ما أسهل أن نفتح المعاجم بحثا عن معنى المصطلح ، وفي حالتنا هذه ما أسهل أن أجد معنى للإسترشاد المحلي داخل الشريط يتوافق مع ما أطرحه ، فطالما نحن لسنا في معرض إعادة صنع العالم ، فالتعقيد سيكون في فهمنا للعالم ،و العالم المعقد هو الذي لا يمكن أن نجد له نموذجا واحدا متماسكا في عقولنا تكون له قدرة تفسيرية كلية ، و لكن قضية التعريف شائكة للغاية، فكما أوضحت أنني دائما أخشى أن يسلمنا التعريف إلى التداعيات اللانهائية infinite regress ، أي نعرف التعريف بتعريف آخر و هكذا ، و بدلا من مناقشة القضية نناقش تعاريفا ، إن المعاني لا تقبل النقل من ثقافة لأخرى أو من إطار لآخر ، و بالتالي فالتعقيد هنا سيكون مرتبطا بإطار ما ، و هو ما تفهمه النخب المفكرة في الثقافة العالمية المعاصرة ، خاصة في نموذجها الأنجلوساكسوني القائد ، و بالتالي فلن يكون الأصوليون الإسلاميون مخاطبون أصلآ بهذا الشريط ، فهم سيرون أن الله جميل يحب الجمال و أن العجلة من الشطان و أن التعقيد مس من الجان و هكذا ، و بالتالي ستفقد الكلمات دلالاتها الرمزية ، هناك إضافة أخرى وهي أنني قد فرغت منذ فترة من قراءة كتاب للفيلسوف ( هيربرت كول ) بعنوان ( عصر التعقيد the age of complexity ) ، و بالرغم أن الكتاب كله مخصص لهذه القضية ، فلم يعرض فيه المؤلف الفيلسوف تعريفا واحدا للتعقيد ، فالتعبيرات الشائعة المألوفة هي أبعد الأشياء عن الوضوح أو الإتفاق حولها و أعصاها على التعريف .
4- أبدى أوارفي غيرة حقيقية على الفلسفة و قيمتها ، و هذا شيء أقدره للغاية في زميلنا الغيور ، خاصة أني أزعم إهتماما قديما بالقضايا ذات الطبيعة الفلسفية ، بل أزعم أيضا أني شديد الغيرة على الفلسفة ،و لكني كأي محب ملول كثيرا ما أداعبها بتعبيرات كيدية ،فأخبرها اني مللتها وصرت متولها في العلوم وحدها ، ثم أليس هذا ما يفعله كل المحبون ؟ ، يبقى أني أوضحت رأيا أيضا في تلك القضية في المداخلة رقم 18 ، و نص رأيي هو : " إن الذي أنكره إنكارا تاما هو إمكان التحدث عن أشياء غير محسة ،و لو قال أحد أن تلك هي مهمة الفلسفة الدينية ، بل الفلسفة ( الميتافيزيقا ) بشكل عام ، فسوف أؤكد له أن الفلسفة بذلك تفقد أساس وجودها ، و تستحيل إلى لغو غير مجدي ، و الوظيفة الوحيدة للفلسفة هي تحليل الأفكار التي ترد من المعارف الحسية خارجها .إن هناك فهم خاطئ للفلسفة يؤدي إلى إلحاق أصول العقائد الدينية بها ، و لكن الفلسفة لا تطرح قضايا من داخلها ، وهي لا تقف مع العلوم على قدم المساواة ، ولأنها ليست نظريات تضاف إلى غيرها من النظريات بل هي آلية لتحليل القضايا العلمية ، و ليس نتيجة العمل الفلسفي الصحيح تقديم مجموعة من القضايا الفلسفية بل تقديم توضيحات للقضايا المطروحة من المعرفة المادية ،و التي يتحدث بها غير الفلاسفة . نعم هناك فلاسفة متأملون يقولون عن الكون عبارات و جملا ميتافيزيقية ، مثل جميع الفلاسفة الدينيين ، و لكن ليس من الصعب أن نتبين أنها كلام بلا مضمون ، أي مجرد أخلاط صوتية . لدافيد هيوم الفيلسوف الإنجليزي الشهير عبارة محورية هي :" إذا تناولنا كتابا كائنا ما كان في اللاهوت او في الميتافيزيقا الاسكولائية مثلا ، فلنسأل :هل يحتوي هذا الكتاب على أي دلائل مجردة تدور حول الكم و العدد ، أو هل يحتوي على إثباتات تجريبية تدور حول الحقائق الواقعية القائمة في الوجود ؟. لا ، إذا فاقذف به في النار لأنه لا يحتوي على شيء غير سفسطة ووهم ". هذا يا عزيزي ما قلته لا أكثر . إن كثير من الفلاسفة بل و حتى المتفلسفين يستمدون قيمتهم من غموض العبارة ،و ليس من رجحان الفكرة ،ولو أعدت صياغة عباراتهم بشكل أكثر دقة و اتساقا لن تجد شيئا .و الأغلبية المطلقة من الحوارات حول العقائد تدور في هذا الإطار ،و حاول أنت تجري بنفسك تجارب على مواد من الفلسفة الدينية !.هكذا يا سادة أوقعتموني في المحظور ، فحينما حاولت أن ابتعد عن الحوارات الدينية غرقت فيها ، و هكذا أحقق مرة أخرى مقولة أرسطو الشهيرة :"سواء تفلسفنا أو لم نتفلسف ، لابد من التفلسف " و لعل موقفي من الفسلفة قد أصبح واضحا الان ، و لمن يريد المزيد هناك فقرة خاصة بمستقبل الفلسفة في الشريط الذي طرحته عن مستقبل العالم .
5- يرى الزميل أوارفي أن هذا الشريط عبارة عن كلمة من هنا و أخرى من هناك ، وهذا رأي متعسف و غير موضوعي كلية ، ولا أعتقد أن أحد يصدقه حتى أوارفي نفسه ، فهناك وحدة الموضوع التي تغلف كل المداخلات و هو التعقيد ، ربما المشكلة أن اوارفي و كثير من الزملاء غير معتادين على المقتربات التعددية للقضية المطروحة ، و لكن هذا المقترب التعددي أصبح مألوفا خاصة في تناول القضايا الإنسانية المشتركة على مستوى الصفوة ، هذه القضايا مثل البساطة و التعقيد و الوعي و الحرية .... الخ يشارك فيها الجميع بما في ذلك علماء الفيزياء و فلاسفة المادة ... ، و عندما تقرأ أو تسمع لأحد القمم الفكرية في العالم ستجده ينتقل بين المعارف المختلفة ببساطة ، فهوكنج ( عالم الفيزياء الشهير ) مثلآ يتحدث في كتبه عن أفكار الفيلسوف كارل بوبر كمصدر له ( تحليل و ليس عناصر معلومات أساسية ) ، و زويل يتحدث عن محاضرات عن الوعي تؤثر على أبحاثه العلمية ، و عالم الفيزياء جيمس تريفل يتحدث عن التطور البيولوجي و تشريح الدماغ و علم الحيوان و الذكاء الإصطناعي كل ذلك في كتاب واحد هو ( هل نحن بلا نظير ) ، إني مثلا لم أفهم أو أستسيغ فكرة الطبيعة المزدوجة للمسيح – هذا مختلف عن الإيمان بها - و هي قضية ميتافيزيقة ( لاهوتية ) بحتة سوى من فهمي لميكانيكا الكوانتم ،و الطبيعة المزدوجة للضوء كمادة و موجات في الوقت ذاته ، إني أنصح اوارفي و كثير من الزملاء الذين يستسهلون إبداء الآراء المتعسفة ، أن يقرأوا كل كلمة مكتوبة هنا بدقة و تمعن هذا لو كانوا مهتمين حقا بالموضوعات الفكرية و الثقافية ، فكثير منها مثل جبل الثلج الطافي ، و خلف كثير من المداخلات قراءات مطولة بشكل مبالغ فيه أحيانا ، إن المداخلة الأخيرة عن علم التعقيد لا تطرح في الصحف !، و لكنها بحث فرعي موجز للغاية استندت فيه على 3 كتب ، و يمكن أن أعود لا حقا لهذه الفرعية بتوسع .
حاليا أعد مقال أو مداخلة عن الوعي ، و مازلت حائرا أين أعرضه بشكل آمن ، فمن الواضح أن الغوغائية أصبحت أيديولوجية العقل العربي .

مهلك علينا يا عزيزي بهجت ، فمداخلة الزميل آورفــاي لا تحتاج منك كل هذا التوترو العناء يا صاحبي . نحن قدمنا تساؤلات ، و انت تقدم لنا انفعالات . المسالة لا تستاهل كل هذه العصبية البارزة من خلف السطور . فان كنت تقرأ ما تدون لنا، في كتبك الجديدة الثلاث ، فنحن نأسف يا عزيزي لكوننا الم نطلع عليها بعد ! بل و نشكرك اذ تنقل الينا مكا تقراه هناك، من معلومات جديدة حول تعقيد الكون و بساطته . و اني لآسف اذا كنت قد أثرت فيك كل هذا الشجن ، فما عهدتك تغضب بهذا الشكل ، من نقد بسيط ، يوجه اليك بطريقة غير مباشرة . (f)


عودة للموضوع الاصلي :

انا ارى بان هذا الكون ليس بالتعقيد الكليس ، و لا بالبساطة التي يدعيها اي كان . فالكون يميل الى التوضح لدى انسان العصور المتاخرة . فقد كان هذا الكون غامضا منذ بدا الانسان يميز نفسه عما حوله ، و بدا يلاحظ ما يطرظا من تغيرات و تبدلات مكن حوله . ثم عندما وصلت خبرة الانسان و ملاحظاته في تراكمها الى مرحلة ظهور العلم ، لدا الكون يصبح اكثر بساطة في عين الانسان . و بغض النظر عما يشعر به فلان ، من انه كلما تعرف على الكون اكثر زاد ايمانا بانه يجهل الكثير ...الخ ، فهي علاقة جدلية بين الانسان و المعرفة . و لا يمكن للانسان ان يصل الى مرحلة يقول فيها لقد عرفت كل شيء، و تمكنت من كل خبرة ! فمعرفتنا بالكون هي معرفة مبنية على الحواس ، حتى ولو اعتمدت الحواس على الآلات ، و التقنيات المستحدثة دوما ، تظل للحواس اهميتها القصوى . و يظل التعقيد سمة ملازمة للبساطة في نظرتنا للكون ، نرى التعقيد فنفهمه ،و يصبح بساطة ، ثم تشدنا البساطة الى تعقيد من نمط آخر ، فنعمل على فهمه و هكذا دواليك . فلا يمكننا وصف الكون بانه بسيط ، اذ ان كلمة بسيط قد لا تتحمل تعقيدات الجهل الذي يواجهه الانسان تجاه قضايا عديدة .ولا يمكن ان نصف الكون بالمعقد لمجرد ان فيه اشياء لم نفهمها بعد، او لم نشكل لها انماطا، او تصورات واضحة . فان التقنيات الحديثة و المستحدثة دوما تكشف كل يوم الكثير من العقد و المبهمات ، و عدم الوضوح في قضايا عديدة ، بل و في مسائل كانت في ما مضى "علمها عند الله" . لهذا اجد من غير المستحسن ان نطلق مقولة واحدة لنصف بها هذا الكون ، عفي انه " معقد" ، او انه "بسيط" !

تحياتي .


:Asmurf:

تحياتي للجميع،

مررت بسرعة على المداخلات وأحب أن أضيف زاوية لم المحها في مروري السريع

صحيح ان بساطة الكون التي اكتشفتها النسبية العامة (general relativity) نحرت في مختبرات الـ quantum mechanics الذي تطرق اليه بعض الزملاء. وصحيح أن أينشتاين صرف معظم حياته باحثا عن holy grail النظرية الموحدة (unified theory) بدون جدوى. غير أن اكتشاف الطبيعة الفوضوية (chaotic nature) للطبيعة اعادت للكثير من العلماء والفلاسفة الأمل ببساطة القوانين التي تصف الوجود. أحب هنا أن اشير الى الفارق بين العشوائية (randomness) والفوضوية (chaos) كون الأولى انعكاسا للضجة (noise) التي تلازم كل الأشياء وكون الثانية تعبيرا لارتباط الحدث باالشروط الأبتدائية (initial conditions).

بالرغم من نجاح فيزياء الكم (quantum physics) الجارف في توقع نتائج الأحداث غير أنها لا تدعي القدرة على وصف الوجود. على العكس موسسي النظرية وضعوها على اسس أختبارية كأداة اختبارية. وبغض النظر عن ما إذا كان بالأمكان وضع معادلات رياضية بسيطة قادرة على شرح الجاذبية والحركة والكهرومغناطيسية في آن واحد، فإنه بلا شك بالإمكان اليوم وضع معادلات بسيطة نسبية قادرة على وصف أشد الظواهر الطبيعية تعقيدا، كالتدفق المضطرب (turbulent flow ) مثلا.

الكون، أيها السادة، نمطي متكرر (fractal) في طبيعته .. من أضخم مجراته الة أصغر ذراته، وفي ذلك لعمري بساطة رائعة.

أدعوكم لقراءة :

Chaos, making a new science by James Gleick

and for the mathematically inclined

The Fractal Geometry of Nature


تحياتي

أعتقد أن لدي بعض الإضافات لهذا الشريط .
وهذا ما سأفعله خلال بعض المداخلات .
شكرا للزميل استشهادي المستقبل الذي ساهم في إحياء الشريط بطرحه لمشكلة مصدر المادة .