لنحاول أن نتخيل فصول مسرحية الخلق كما حدثت فصلاً بعد فصل... منذ بداية التطور و حتى هذه اللحظة. هل كان المشهد حين رٌفع الستار لأول مرة هو مشهد لكونٍ بغير عقل؟؟؟ منشغلاً بلا نهاية في لعبة من ألعاب الحظ وإلقاء زهر النرد؟؟؟ أم أن الستار رٌفع عن مشهد مختلف عن ذلك تماماً؟؟؟ ولا بد من التأكيد على أن فصول المسرحية لا تزال تتوالى فصلاً بعد فصل.. ولا يزال الممثلون يقومون بأدوارهم...

إن الرؤية تختلف باختلاف المشاهد.. فلو كان المشاهد ينظر بمنظار كونته أفكار إلحادية راسخة سبق تقريرها والثبوت عليها.. فإنه لن يرى شيئاً سوى عشوائية وفوضى تزاوجت مع فوضى وعشوائية ليكون الناتج وليداً من نظام دقيق وعجيب... وترتيب مذهل سوف يستمر في الحدوث جيلاً بعد جيل وفصلاً بعد فصل... ومع أن كل جيل من الأجيال كان يسقط بين فكي الفوضى القاتلة.. إلا أن الوليد كان دوماً وبغير استثناء هو النظام والدقة... وعلى الرغم من كل ذلك فإن مسرحية التطور لازالت مستمرة في التقدم للأمام من الفوضى إلى النظام.. بدون وجود عقل منظم ليقوم بترتيب هذه الفوضى لتصل للفصل الذي تم فيه خلق الإنسان.. التحفة الرائعة للنشوء والتطور، والمنتج النهائي لهذه التركيبة التي كان قوامها مزيجاً من الفوضى والتشويش...

وفي الجهة الأخرى.. إذا لم تكن للمشاهد تحيزات مسبقة لما يراه أو ضده.. وترك لخياله العنان ليذهب به حيثما يتجه النظام العام للخلق.. فحينئذٍ طبعاً سوف تأخذ المسرحية شكلاً واتجاهاً مختلفين كلياً... ففي كل فصل تتكرر فيه الحياة لتأخذ شكلاً جديداً اشد تعقيداً.. أو تتجلى في شكل أكثر ترتيباً في كائن أرقى وأعلى مرتبة من غيره.. ومع كل تطور في أنماط الحياة على طريق رحلة التطور الطويلة.. فإنه سوف يلمح اليد القديرة للخالق القدير الذي يقود مسيرة هذه المنظومة الرائعة... ولو أمكن تشبيه المشهد الأول برمية النرد.. فمن الممكن أن نشبه المشهد الثاني بلعبة الشطرنج.. حيث يتم تحريك كل قطعة بيد خبيرة تخطط وتنظم لكل حركة ولا تتحرك إلا لغاية وهدف... إلا أن الرقعة الحقيقية ممتدة لتغطي الكون بكامله.. فهذه هي مساحة الرقعة التي يؤدي عليها ما لايعد ولا يحصى من الممثلين أدوارهم التي يلعبونها في هذه المسرحية التي ولدت منها الحياة من لاشيء...

هل كانت مسيرة التطور كلعبة الشطرنج التي تقتضي وجود عقل مدرك عليم يقوم بتحريك كل قطعة طبقاً لخطة ونظام وحنكة وصبر وبصيرة؟؟؟ أم أن الأمر كان بمجمله نتيجة فوضى وعشوائية وتشويش؟؟؟
هل ساد الاضطراب على كل شيء ثم راح ينخرط في معركة الحياة والموت مع عدو من فوضى يهب كالرياح على وجه الأرض من كل اتجاه وفي كل اتجاه بغير وجود قواعد للعبة.. وبدون وجود غرض أو هدف.. وبدو تخطيط أو تدبير.. ومع ذلك فقد كان من المتوقع – لدى البعض – بالرغم من عدم وجود عقل يفكر أو يتوقع.. أن كلا من العملاقين المتحاربين سوف يخسر المعركة.. فكل منهما سوف ينتهي إلى تدمير الآخر أو إلى الإنتحار في يأس مطلق... ومن المؤسف أن يكون هذا هو الحل لأتباع مذهب قتال الفوضى مع العشوائية لينتج عن هذه المعركة السلام والأمن والقانون والنظام الدقيق... أو لتزاوج الفوضى مع الاضطراب لإنتاج مولود من النظام الكامل...

إنها حقاً حالة متقدمة من الحالات الرياضية المنافية للعقل والتي يمكن للتفكير السقيم فقط أن يتمخض عنه تبريراً لما يقوله دعاة هذا المذهب.. وياله من ولاء وتعظيم ذلك الذي تحظى به ألهة الفوضى من أبنائها الأعزاء... فهم يتصورون أنه إذا أمكن القضاء على الفوضى بيد الفوضى.. أو إذا قامت الفوضى بتدمير نفسها.. فإن ما سيتبقى بعد ذلك هو النظام الكامل أو لا شيء على الإطلاق... وبناءً على ما سبق فلا يوجد هناك لغز ينتظر الحل.. أو سر ينتظر أن يكشف عنه.. ولا معضلة تنتظر أن يٌرفع الحجاب عنها...

ياله من حل عجيب غريب للتخلص من معضلة أرهقت العقول لعقود طويلة.. وعلى كل حال ليست هذه المقدمة سوى بداية أجابة للسؤال الذي طرحه الزميل شهاب الدمشقي في موضوعه "هرطقات حوارية".. وسوف أتناول فيما بعد الأدلة التي تؤكد وجود خالق لهذا الكون وهي مقسمة لخمسة أقسام سأطرحها تباعاً...
وليلتمس لي الزملاء العذر في حالة تأخري لأنني لا أملك الوقت الكافي بالفعل.. لهذا سوف استغل عطلة عيد الأضحى لتكملة الموضوع إن أمكن..

تحياتي
سلام

كيف بدأ الخلق؟؟؟

لعقود طويلة ظل الفلاسفة مشغولون بإيجاد إجابة لهذا السؤال.. وفي العصر الحالي انصب اهتمام العلماء على معرفة أصل الخلق.. والعقبة التي لازالت تواجههم هي من الذي سبق الآخر.. هل الدجاجة هي التي باضت البيضة؟؟ أم أن البيضة هي التي أفرخت الفرخ؟؟
وتعتبر الكيفية التي تم بها خلق المواد العضوية من أصعب التحديات التي يواجهها العلماء اليوم.. فالمواد العضوية هي من نتاج الحياة.. والحياة نفسها هي من نتاج المواد العضوية.. فكيف تحولت المواد غير العضوية إلى مواد عضوية قبل أن تٌخلق الحياة؟؟؟
إن هذه المشكلة التي جابهت الباحثين كانت مشكلة متناقضة في طبيعتها.. وكل مشكلة تم حلها كانت تؤدي إلى العديد من المشاكل التي ربما تكون أصعب من سابقاتها.. وكل سؤال تمت الإجابة عليه كان يقود لعدد من الأسئلة مستعصية الإجابة...

افتراضات عن أصل الخلق
طبقاً للبحوث العلمية فإن الصورة التي كانت عليها البيئة في الأرض وشكل الغلاف الجوي المحيط بها منذ ما يقرب من ثلاثة مليارات ونصف المليار من السنين قبل أن تظهر الحياة كانت بيئة تخلو من الأكسجين الحر في الجو.. على الرغم من وجوده حبيساً كعنصر داخل الكثير من المركبات... وفي جو من هذا النوع فلا يمكن أن تقوم حياة تعتمد على عملية الأيض لإطلاق الطاقة من خلال الأكسدة... وفي الواقع فإن عدم وجود الأكسجين الحر في الجو كان ضرورة جوهرية تتطلبها عملية تخليق المركبات العضوية من المركبات الغير عضوية.. وبناءً على ذلك وبترتيب دقيق محكم كما نعتقد.. أو بمحض الصدفة كما يظن بعض العلمانيين.. فإن الجو خلال الثلاثة مليارات والنصف مليار سنة من عمر الأرض ظل خالياً من الأكسجين.. إضافةً إلى أنه لم تكن هناك طبقة واقية من الأوزون.. وكان لابد للمواد الكيميائية الأولية اللازمة لوجود أشكال ثابتة من المركبات العضوية أن تنشأ دون وجود الأكسجين.
ولابد أن عدم وجود طبقة من الأوزون قد سهل وصول لفحات إشعاعات الطاقة القادمة من الكون إلى الأرض وإلى سطح المحيطات دون عوائق... وقد كان هذا القذف المستمر للطاقة الكونية الشديدة قد صار عاملاً هاماً في تكوين الكائنات الأولى في عصر ما قبل الحياة.. وهي التي ساعدت في تحويل المواد من مواد غير عضوية إلى مواد عضوية.. وكما يقول العالم البريطاني هالدين (Haldane) فإن تخليق المواد العضوية الأولية مثل الأحماض الأمينية في المحيطات من المركبات الكيميائية غير العضوية قد سببته الإشعاعات الكونية في جو خال من الأكسجين.. وقد بدأ هذا التفاعل الكيميائي من جزيئات بسيطة من مركبات غير عضوية مثل الماء وثاني أكسيد الكربون والأمونيا.. وكلما تقدمت هذه العملية صارت مياه المحيطات تشبه الحساء الساخن المخفف (الحساء الهيولي).

ومع أن أبحاث هالدين كانت قد نشرت في عام 1929 في مجلة Rationalist Annual إلا أنها لم تحظ باهتمام يذكر من المجتمعات العلمية.. وقبل هالدين ببضع سنوات كان العالم الروسي (Oparin) أوبارين قد نشر بحث علمي قصير في روسيا في عام 1924 ذكر فيه أفكار مماثلة عن أصل الخلق.. ولم يكن هذا البحث أكثر حظاً من بحث هالدين.. إلا أن الرسالتين بحثتا معاً وبصورة مستقلة موضوع كيفية تخليق المواد العضوية من المركبات الغير عضوية قبل أن تنشأ الحياة.

لي عودة
تحياتي
سلام

علامة جديدة على الطريق

بعد أبحاث أوبارين وهالدين قام علماء آخرون بالانخراط في نفس البحث من جديد... وقد كان صاحب أهم أثر نظري في هذا المجال هو هارولد يوري (Harold Urey)... فقد أعاد طرح نظريات أوبارين وهالدين في كتابه The Planets وأعاد الحياة في اهتمام العلماء بالبحوث الرائدة فيما يتعلق بأصل الحياة... ولكن في مجال البحوث التجريبية كان ستانلي ميلر (Stanley Miller) -وهو تلميذ يوري- هو الذي استطاع أن يخطف الأضواء عام 1953.. وبحسب نظرية يوري فقد استطاع ميلر أن يخلق الجو الذي كان مشابهاً لجو الأرض في المراحل الأولية وكان هذا في جهاز من الزجاج محكم الغلق.. وقد ملأ الجهاز ببضع لترات من غاز الميثان والأمونيا والإيدروجين موافقاً بذلك الجو الذي ظن العلماء أنه الجو الذي كان سائداً على الأرض.. وأضاف إلى هذا الخليط قليلاً من الماء واستبدل أثر البرق بجهاز يطلق بعض الشرارات.. كما استعمل لولب كهربائي لتسخين الماء وإبقائه في حالة غليان.. وبعد مرور عدة أيام بدأت تترسب على الزجاج طبقة حمراء.. وعند تحليلها وجدها ميلر غنية بالأحماض الأمينية.. التي تترابط لتكوين البروتينات التي تشكل المادة اللازمة في تكوين قوالب الحياة... في ذلك الوقت كانت تجربة ميلر تعتبر أكبر دليل دامغ على أن المادة العضوية التي يلزم وجودها لبناء قوالب الحياة يمكن أن تتكون من التفاعل الطبيعي بين الجو ومياه البحر لتكوين "الحساء الهيولي"... وبعد هذا الكشف المذهل راح الكثير من العلماء المتحمسين يتنبأون بأنه لن يمضي وقت طويل حتى يتمكن العلماء من تخليق الحياة ذاتها في أنبوبة اختبار... إلا أنه وبعد مرور العديد من السنين اضطر ميلر نفسه أن يعترف قائلاً:
" لقد تبين أن مشكلة أصل الحياة أصعب كثيراً وأشد تعقيداً عما كنت أتصور أنا ومعظم الناس"

لقد تصادف أن تم بنجاح إجراء بحث علمي هام آخر في نفس العام يرتبط أيضاً بنفس الموضوع.. ولأول مرة تمكن واطسون وكريك (Watson & Crick) من فك رموز حامض DNA.. والـــ DNA مع الـــ RNA يكونان القوالب الرئيسية للحياة... وقد أدى هذا إلى تحدَ أكبر في تصور كيفية تكوين الحياة من بعض الأشكال البدائية للمواد العضوية عن طريق الصدفة المحضة حسبما تصور العلماء لتتحول إلى مواد مركبة في غاية التعقيد...

كانت المشاكل ذات جوانب متعددة.. وكان من ضمن الأسئلة التي أثيرت سؤال عن كيفية تحويل المادة غير العضوية إلى المادة العضوية الأولية اللازمة لبناء قوالب الحياة.. وبأي قدر من الصدفة... وبعد العودة إلى تجارب يوري الأولى... وبعد إعادة فحص النتائج المعملية بدقة بالغة لتجربة ميلر اكتشف العلماء وجود عيوب كثيرة الأمر الذي أزال عن التجربة الكثير من البريق الذي كان يلمع فيها...
كان أهم الاعتراضات أن تجربة ميلر تمت في دورق زجاجي بسيط وأنبوبة اختبار.. كما أن الماء الذي كان يمثل مياه البحر قد ظل في ذلك الجهاز عند درجة الغليان.. بينما في الظروف الطبيعية لم تكن المياه لتصل إلى هذه الدرجة من الحرارة.. الأمر الذي كان يستدعي إبقاء مياه البحر في درجة الغليان على مدى مليارات من السنين...

وبالعودة مرة أخرى لتجربة ميلر التاريخية والعاصفة التي أثارتها نجد أنه لم يمر وقت طويل حتى هدأ كل الغبار واستقر على الأرض.. وأثناء الهدوء الذي تلا العاصفة أعاد بعض العلماء تقييم الأمور بهدوء... وكان أحد أبرز هؤلاء هو ديكرسون (Dickerson) الذي أعاد بدقة فحص جميع النتائج والاستنتاجات المستخلصة من تجربة ميلر في مقالته (Chemical Evolution & the Origin of Life) الموضوعية الخالية من أي تحيز... وقد كان من المحتم على ديكرسون أن يقول: "رغم أن التجربة أنتجت الكثير من الأحماض الأمينية الموجودة في بروتينات الكائنات الحية.. إلا أنها أنتجت أيضاً الكثير من الجزيئات التي لا توجد في الأجسام الحية"...

وقد قام العديد من العلماء بإجراء تجارب أخرى على نمط تجربة ميلر واكتشفوا أنه من بين جميع الأحماض الأمينية التي أنتجتها هذه التجارب فإن الفالين فقط هو الذي يوجد في البروتين اليوم.. ولم يحدث أن أياً من السبعة أحماض الأمينية التي تكون بواسطة إطلاق الشرارات الكهربية في هذه التجارب قد تحددت كمُكون للبروتين حسب القانون العام للحياة على الأرض...
وقد أضاف ديكرسون: " ما هو سبب اختيار المجموعة الحالية التي تتكون من 20 حمضاً أمينياً؟؟ هل كانت هناك بدايات فاشلة لها شفرات وراثية معينة كانت تتكون من مجموعة أخرى من الأحماض الأمينية ثم انقرضت وماتت بغير أن تترك أثراً لأنها لم تستطع أن تتعايش مع مجموعات أخرى استطاعت أن تبقى على قيد الحياة؟؟؟"..

وعلى ذلك فإن مهمة تخليق بروتين على أعلى درجات التعقيد من التركيب المتتابع الدقيق وهو المادة الأساسية لتكوين لبنات الحياة مثل (DNA/RNA) من خلال الأحماض الأمينية البسيطة التي أمكن تخليقها في تجربة ميلر... كانت مهمة مستحيلة... وحتى لو قبلنا أنه نظراً لتداخل وتفاعل ما لايعد ولايحصى من الصدف فإن جزيئات (DNA/RNA) قد أمكن تخليقها أخيراً.. فإن المعضلة أبعد ما تكون عن الحل..

وقد قال العالم البريطاني (Bernal) الذي يؤكد على استحالة تكوين جزيء واحد عن طريق الصدفة: "إن تكوين بقية أنواع الحياة عن طريق الصدفة أقل معقولية عن وجود آدم وحواء في الجنة"

يتبع

تحياتي
سلام

بروكاريوتس، إيوكاريوتس والأركيبكتيريا:

يقول ديكرسون (Dickerson): "كانت الكائنات الحية في الأزمنة السحيقة تعيش على الطاقة المنبعثة من البرق والأشعة فوق البنفسجية"
لم يذكر أحد من العلماء الذين يبحثون موضوع وجود الكائنات في الأزمنة السحيقة قبل نشوء الحياة المعقدة، نظرية الإشعاع الكوني هذه في عصر ما قبل "الحساء الهيولي"... إلا أنهم أيدوا فكرة أنه مهما كانت نوعية الكائنات التي كانت موجودة قبل نشوء الحياة المعقدة فلا بد أنها كانت تستمد الطاقة اللازمة لها مباشرة من الحرارة... ومن بين جميع مجموعات البكتيريا التي تم تصنيفها من قِبل العلماء على أنها من أقدم الأنواع لم يُذكر سوى نوعين فقط هما بروكاريوتس و إيوكاريوتس (Prokaryotes & Eukaryotes).. والفرق بين هذين النوعين ببساطة هو أن بكتيريا بروكاريوتس على الرغم من وجود غشاء رقيق ومحدد إلا أنها لا تحتوي على نواة بشكل واضح.. أما بكتيريا إيوكاريوتس فهي تحتوي على نواة محددة وواضحة المعالم ومستقرة وسط كل خلية...

إلا أنه سرعان ما تبين أن الرأي القائل بوجود نوعين فقط من البكتيريا كان رأياً متسرعاً وهذا من وجهة نظر "كارل ووز" (Karl Woese) حيث قال: " ببساطة.. فإن وجود نوعين من البكتيريا على المستوى الميكروسكوبي لايعني هذا أنه يجب أن يكون هناك نوعين فقط على المستوى الجزيئي "

وفي بحث تم نشره في مجلة (Scientific American) عام 1981 أكد "ووز" أن الأركيبكتيريا يمكن أن تعتبر بحق أول أشكال الكائنات... وذكر أن هذا النوع الثالث هو نوع متميز وقد سبق في وجوده جميع الأشكال الأخرى.. وعلى هذا فإن هذا النوع هو الذي يجب اعتباره أقدم الأسلاف للحياة... وقد قدم "ووز" ومؤيدوه وابل من الدلائل القوية على هذا الكشف حتى بدأت غالبية العلماء الميل لرأيه.. مما جعل "ووز" يكتب قائلاً: " رغم أن قلة من علماء البيولوجيا لاتزال تجادل في طرحنا.. فإن فكرة الأركيبكتيريا تمثل تجمعاً متميزاً على أعلى مستوى.. وقد صارت فكرة مقبولة بشكل عام "

وبحسب ما جاء في قاموس هيتشنسون للعلوم: "الأركيبكتيريا هي أقدم أشكال الحياة التي ظهرت منذ حوالي أربع مليارات من السنين.. حين لم يوجد في جو الأرض إلا النذر اليسير من الأكسجين"

وعلى الرغم من اجماع العلماء على أن هذا النوع من البكتيريا لديه القدرة على استخلاص الطاقة اللازمة من خلال الحرارة.. إلا أن أحداً من العلماء غير ديكرسون لم يذكر أنها خلقت مباشرة في الأصل من الأشعة الكونية ومن ضربات البرق...

وبحسب الدراسات العلمية المقبولة والمعترف بها فإن الحرارة المباشرة من النار قد لعبت دوراً هاماً وحيوياً في خلق واستمرار حياة الكائنات في العصور السحقية قبل نشوء الحياة المعقدة.. وفي الواقع فإن هذا هو الشكل الوحيد المتوفر لاستخلاص الطاقة اللازمة لحياة هذه الكائنات في تلك المرحلة... ومع تكاثرها المستمر بلا انقطاع على مدى ألوف الملايين من السنين.. فلا شك أن موتها قد لَوّث مياه البحار بعد أن تحللت وتخمرت لتحوَل مياه البحر إلى "حساء هيولي"...يتبع

تحياتي
سلام

الطين والتمثيل الضوئي والدور الأساسي في عملية نشوء الحياة:

بعد انتهاء المرحلة التي عاشت فيها الكائنات الدقيقة (البكتيريا) بدأت مرحلة أخرى تختلف عنها تماماً.. وكانت هي المرحلة التي تتوسط بينها وبين المرحلة النهائية للتخليق الضوئي (Photosynthesis).. وهذه المرحلة المتوسطة تعتبر المرحلة التحضيرية لتخليق المواد التي كان وجودها ضرورياً من أجل نشوء الحياة...

الكيمياء بشكل عام تنقسم إلى قسمين أساسيين هما الكيمياء العضوية والكيمياء غير العضوية... والمواد غير العضوية هي تلك المواد التي تتعلق بالمركبات التي هي معادن في طبيعتها.. وليست من نتاج الحياة.. ولمجرد وجود الكربون في ذاته لا يؤهل المركَب لأن يعتبر عضوياً.. وكذلك فإن الماء وكلوريد الصوديوم والبوتاسيوم.. كلها مواد غير عضوية لوجودها على نطاق واسع خارج الخلايا الحية.. وأيضاً فإن ثاني أكسيد الكربون يعتبر من المواد غير العضوية بالرغم من أنه يُنتج بواسطة الكائنات الحية خلال عملية التنفس... وباستثناء ثاني أكسيد الكربون الذي يُعتبر غير عضوي فإن الكربون يوجد في جميع المركبات العضوية التي ليست بالضرورة من نتاج الكائنات الحية...

كما ذكرت سابقاً فقد حاول بعض العلماء البارزين حل لغز إعداد المركبات العضوية قبل نشوء الحياة على الأرض.. وقد كان جوهر المشكلة يكمن في أن جميع المركبات العضوية هي من نتاج وجود الحياة.. فكيف تكونت هذه المركبات العضوية سواءً في البحر أو على الأرض الجافة بينما لم توجد في تلك الحقبة سوى المركبات غير العضوية؟؟؟ ففي تلك الأزمنة لم يوجد معامل كيميائية متقدمة كالموجود الآن في معامل صناعة الأدوية مثلاً... حتى يمكن تخليق المركبات العضوية من المركبات غير العضوية..

والفضل بالقيام بهذه الدراسات العظيمة في هذا المجال يرجع إلى كل من برنال(Bernal) ،وهالدين(Haldane)، وديكرسون(Dickerson)، وميلر(Miller)، ويوري(Urey)، وكارينس-سميث(Carins-Smith)، وأوبارين(Oparin).. فعبقريتهم تستحق التحية والتقدير لمحاولتهم إعادة بناء وتكوين هذه القصة المذهلة عن كيفية خلق المركبات العضوية من المركبات غير العضوية بغير توفر الظروف الخاصة اللازمة والتي يمكن التحكم فيها في المعامل الحديثة.. وعلى الرغم من نجاحهم في بعض الجوانب إلا أنهم فشلوا في جوانب أخرى.. وهم أنفسهم يعترفون بهذا الفشل.. وعلى الرغم من ذلك فإن إعترافهم هذا هو دليل آخر على عظمتهم...

إن البحوث العلمية كلها تدور حول إعداد المواد العضوية اللازمة لنشوء الحياة.. وكل هذه البحوث ظلت محصورة في أثبات بداية مائية في نشوء الحياة.. إلا أن المعضلة هي أنه وعلى الرغم من أن المركبات العضوية يمكن أن تتخلق في محاليل مائية في بحار ما قبل التاريخ فإنها تعود بفعل العوامل المائية للتحلل مرة أخرى إلى مكوناتها الأصلية الأولية.. وكان التحدي هو في معرفة كيف أمكن تجنب حدوث هذا التحلل حتى يمكن أن تتكون مادة عضوية أكثر تقدماً واستقراراً فلا تعود إلى جزئياتها الأصلية؟؟؟
وما دامت المادة العضوية الأولية في الماء فإن انتقال ذرة الهيدروجين إلى المواد الكيميائية الجديدة يعني استمرار تحلل المادة القديمة إلى مكوناتها الأولية البسيطة.. وهكذا.. مما يؤدي إلى دائرة مفرغة ما أن يتم فيها تكوين مادة عضوية إلا وتفقد بالمقابل مادة عضوية أخرى...

لي عودة

تحياتي
سلام

الحلقة المفقودة:

بناءً على ماسبق من استحالة تخليق المواد العضوية في بيئة مائية.. فقد تنامى توجه جديد يقول بضرورة وجود مرحلة جافة تتمكن فيها المواد الكيميائية العضوية البدائية غير المستقرة في الحساء الهيولي من أن تستقر وترتقي إلى مركبات عضوية أكثر تعقيداً.. فلا تنعكس لتعود مرة أخرى إلى مكوناتها الأساسية...

بالإضافة لذلك فإن تكوين البروتينات والأحماض النووية من الأحماض الأمينية الأولية يحتاج بالضرورة إلى التخلص من جزيء من الماء في كل زوجين من الجزيئات في الأحماض الأمينية والنوويات (Nucleotides).. وتسمى هذه العملية باسم البلمرة (Polymerization).. وقد كانت المشكلة هي أنه على الرغم من أن عملية البلمرة تمت في مياه الحساء الهيولي فإن وجود الماء كان يؤدي بالضرورة إلى انعكاس هذا التفاعل.. وبهذا فإن عملية البلمرة تتحول إلى عملية لا بلمرة...
كان هذا يعني أنه لابد أن يكون تبخر المحاليل الأولية قد حدث بعد ارتطام مياه الحساء الهيولي بالصخور وبطين الشواطئ... ولعل هذا كان ضرورياً ولازماً للمركبات البدائية التي تخلقت في الماء وللمركبات الأخرى الأكثر تقدماً وارتقاءً والتي استقرت فلم تعد تتحلل مرة أخرى إلى أشكالها الأصلية..

وقد تكون أكثر النظريات معقولية وأقربها للحقيقة كانت تلك التي قدمها برنال (Bernal) الذي قال بأن العوامل المساعدة مثل الطين والسيلكا قد لعبت دورها في هذه العملية: "إن التصاق جزيئات الماء بسطح الطين وبلورات المواد غير العضوية كان وسيلة فعالة لتركيز وبلمرة الجزئيات العضوية"
ومنذ ذلك الحين فإن هذه الفكرة لم تفقد وجاهتها ومعقوليتها..

وقد أخذ كارنس-سميث هذه الفكرة إلى مدى أبعد.. فبينما ذكر برنال أنه ليس الصلصال وحده بل كان السيلكون أيضاً ضرورياً كعوامل مساعدة في تكوين الجزيئات العضوية.. فقد ذكر كارنس-سميث أن أنواع الصلصال ربما كانت وحدها هي التي تكونت منها المركبات العضوية في بحثه الذي نشره عام 1966..

وعلى الرغم من التباين في الأراء عن كيفية التغلب على مشكلة التكوين ثم التحلل المعاكس في الماء.. إلا أن هناك أمر أكيد متفق عليه وهو أنه لاتوجد أية نظرية عن النشوء الكيميائي للحياة يمكن قبولها بغير وجود بداية جافة.. أو مرحلة جافة متوسطة.. وقد نشأت هذه المرحلة عندما تحولت مياه البحار إلى حساء هيولي ثم تركزت هذه المياه لوجودها على الصخور أو على الشواطئ.. ولما جفت تكونت طبقات من صفائح رقيقة من الصلصال..

كما أن البحوث التي قام بها كل من نوام لاهاف(Noam Lahav) ودايفيد وايت(David White) وشيروود شانج(Sherwood Chang) بيَنت بشكل أوضح أهمية الصلصال كعامل لعب دوراً أساسياً في تخليق المادة العضوية... فقد بينوا كيف أن الصلصال حين تعرض إلى دورات من البلل والجفاف استطاع أن يربط بين جزيئات الحمض الأميني المعروف باسم جلايسين (Glycine).. وتسببت هذه الدورات في انتقال الطاقة من الجو المحيط إلى الجزيئات العضوية..

ويرى العلماء أنه مع ازدياد جفاف الصلصال وبالتالي ازدياد تركيز المحاليل التي يحتويها.. بدأت هذه المحاليل تتبلور في نسق غير متناظر... وتكونت بذلك طبقة دقيقة ورقيقة.. ومع استمرار ترسب طبقة فوق أخرى تكونت صفائح رقيقة تشبه قطع الفخار..

ويقول كوين (Coyne) من جامعة كاليفورنيا في هذا السياق عن خصائص أنواع الصلصال الكاؤلينايت (Kaolinite) في المراحل المبكرة من عملية النشوء الكيميائي بأن هذه الأنواع من الصلصال تمتص الطاقة من الوسط المحيط بها من خلال عملية النشاط الإشعاعي.. ثم تخزنها ثم تطلقها عندما يتعكر الصلصال من خلال عمليات البلل والجفاف المتوالية..

إن رحلة الكشف عن أصل الحياة أطول من أن تنتهي.. والواقع أنه على الرغم من بحوث العلماء وجهودهم في هذا المجال للكشف عن أصل الخلق فإنها لم تتقدم عن مرحلة الحساء الهيولي للمواد العضوية والتي لايزالون يستقصون أسرارها...

يتبع

تحياتي
سلام

الدجاجة التي أنجبت فرخاً


بالعودة إلى المعضلة الكبرى التي واجهت العلماء وهي أن الحمض النووي لا يمكن أن يكرر نفسه بغير وجود الأنزيمات.. وأن الأنزيمات لا يمكن أن تتركب بغير الحمض النووي.. وبحسب رأي كل من واطسون وكريك فإن الــ DNA لا يستطيع أن يقوم بعمله بما في ذلك تكوين المزيد من الــ DNA بغير عوامل مساعدة من الأنزيمات أو البروتينات.. والبروتينات لا يمكن أن تتكون بغير الــ DNA الذي لا يمكن أن يتكون بغير البروتينات... وهكذا فإن العلماء عليهم أن يواجهوا مجدداً معضلة الدجاجة والبيضة وأيهما بدأ أولاً.. البروتينات أم الــ DNA ؟؟؟

وللخروج من هذه المعضلة اقترح البعض أن كلاً من البروتينات والــ DNA قد تكونت في معزل عن الآخر وبشكل متوازٍ.. إلى أن حدث بشكل ما أن بدأ كل منهما مرحلة جديدة في الاعتماد على الآخر..
قد يبدو للبعض أن هذا الحل هو ضربة فائقة من العبقرية !!! ولكن حين ننظر في الأمر بتمعن أكثر فإننا لانجد فيه أي أثر للعبقرية.. فقد أغمض أصحاب هذا الرأي أعينهم تماماً عن سؤال هام.. وهو كيف أمكن لكل من البروتينات والــ DNA أن يتكونا ويعملا بشكل متواز في معزل عن الآخر؟؟؟ رغم أن كل منهما في كل مرحلة من مراحل وجوده لا يقوم إلا على وجود الآخر...

هل كانت للصدفة المحضة دور في تضافر كافة العوامل اللازمة لتحقيق نتيجة تبدو أنها غير ممكنة الحدوث؟؟؟ عجيب حقاً.. فإنه بالنسبة للعلماء أصبحت هذه النتيجة ممكنة الحدوث وبغير إشراف منهم على الرغم من براعتهم وعلمهم وخبرتهم..

من الممكن أن يكون قد غاب عن بال هؤلاء العلماء أنه لكي يستطيعوا أن يحققوا نجاحاً في هذا الأمر فإنهم يحتاجون إلى أكثر المختبرات تقدماً وأكثرها حداثة.. وإلى أكثر الأجهزة تطوراً.. بينما من المفروض أن المعضلة المذكورة آنفاً قد حدثت خارج الظروف المحكومة داخل المختبرات.. وهؤلاء العلماء الذين أجروا التجارب المذكورة فعلوا ذلك بالنسبة لمعضلة مماثلة تتعلق بتكرار الوجود الذاتي لمركب RNA من غير وجود البروتينات والأنزيمات التي يجب أن ينتجها الــ RNA بنفسه.. إلا أنهم اضطروا إلى الاعتراف بأن نجاحهم هذا لم يكن نجاحاً على الإطلاق.. ويعترف هورجان (Horgan) بأن هذه التجارب العلمية شديدة التعقيد بحيث لم يكن من المستطاع تقديم تصور معقول عن مشهد واقعي لأصل الحياة..

ويقول أورجل (Orgel)الذي يتفق مع هورجان: " لابد لك من القيام بأمور لا حصر لها بشكل صحيح وأن لا تخطئ ولا في أمر واحد "
ويُعبر هارولد كلاين (Harold Klein) عن شكوكه في إمكانية التعرف على كيفية نشوء الحياة بالكلمات التالية: " إن تصور كيفية حدوثها يكاد يكون مستحيلاً "
ونحن نتفق معه في الرأي .. لكننا نعترض على كلمة "يكاد".. فقد كان عليه أن يعترف صراحة فيقول أنه من المسحتيل تماماً حدوثها بغير وجود الله...

ويرى ديكرسون بأنه وبعد القيام بالكثير من المحاولات للعثور على عملية تكميلية بين تواتر البروتين وتواتر الحمض النووي لم تكن هناك من محاولة واحدة ناجحة... وفي ذكر التعقيدات المتعلقة بتزامن عمليتين متوافقتين تتسبب كل منهما في وجود الآخر.. راح ديكرسون يربط بين هذا الوضع المستحيل وبين معضلة الدجاجة والبيضة.. ولكن الحل الذي قدمه لم يكن حلاً على الإطلاق.. فقد اقترح أن كلاً من البيضة والدجاجة قد نشأ بمعزل عن الآخر وتكوّن بغير الاعتماد على الآخر..

في الواقع فإن جميع من يكنون احتراماً لديكرسون على أعماله الرائدة والتي لا تقدر بثمن في محاولة الكشف عن أصل الحياة.. لابد وأنهم قد دهشوا لمدى سذاجة هذه العبارة... ولعل العذر الوحيد الذي يمكن التماسه لديكرسون أنه قد أعياه التعب وبلغ به الفشل مبلغ اليأس بعد كل محاولاته الطويلة وتجاربه الشاقة للخروج من هذه المعضلة بغير الاعتراف بوجود الله.. ولكن لامخرج لأحد بدون الله تعالى.. فبوجوده تبارك ةتعالى على رأس كل أمر تختفي كل معضلة من الوجود..

إن مشكلة ديكرسون والعلماء الآخرين الذين يتباهون بموقفهم العلماني الرافض لوجود الله تتلخص ببساطة في تصميمهم العنيد على إزاحة الله تعالى من القيام بأي دور خلاق في نظام الكون.. وبالطبع لا توجد في الطبيعة أية معضلة.. لكن المعضلة تبدأ في الظهور لحظة إزاحة الله تعالى خارج نطاق خطة الخلق.. والمثال على مدى الغيظ واليأس الذي ينتاب العلماء نجده في الحل الذي قدمه ديكرسون لمشكلة البيضة والدجاجة.. فهو حقاً إعتراف بالإحباط الشامل والفشل الكامل..

بالإضافة لذلك فهناك معضلة أخرى من معضلات البيضة والدجاجة.. فمن المعروف أن جزيئات الــ RNA تعمل كرسل تحمل المعلومات والتعليمات التي يصدرها الــ DNA فتنتقل إلى أماكن معينة.. حيث تصل هذه التعليمات وتنفذ بدقة متناهية.. وحين حاول العلماء الكشف عن النمط التي اتبعته الطبيعة في تنفيذ هذا العمل لم يندهش العلماء فحسب لمدى التعقيدات التي تمت بها هذه العملية.. بل واجهوا معضلة جديدة.. إذ يلزم أنزيم شاحن ليلحم حمض أميني معين مع جزيء من RNA الناقل الذي لابد أن يُستقبل في الجهة المستهدفة بواسطة Anticodon.. لكن المشكلة هي أن الأنزيم الشاحن الذي ينشط عملية النقل هو نفسه يتخلق بواسطة العملية التي يقوم بها.. وهذا مثال آخر على معضلة الدجاجة والبيضة..

وهكذا كانت كل طريق للبحث والاستقصاء يطرقها العلماء تؤدي بهم إلى نفس المعضلة الأزلية.. ويبدو كأن جداراً سميكاً من الصخر الأصم قد اعترض سبيل البحث عند نقطة معينة.. فلا يمكن تحقيق أي تقدم بعدها..

لقد حاول ديكرسون أن يُخلص نفسه من حصار ذلك الركن الضيق بادعاء أن كلاً منهما قد وُجد وتطور في معزل عن الآخر.. وإذا كان الأمر كذلك فعلينا أن نتصور مشهد البيض وهو يبيض بيضاً.. والدجاج وهو يلد أفراخاً.. كلٌ في معزل عن الآخر وفي خطين متوازيين.. وقد استمرا على هذا المنوال على مدى الملايين من السنين.. وهكذا عاش كلٌ منهما مستقلاً دون الاعتماد على الآخر إلى أن حدث ذات مرة أن أشرق يوم دافئ جميل فكرت فيه الدجاجة أن تضع بيضة بدلاً من ولادة الفرخ الصغير.. وفكر البيض أن يفقس أفراخاً بدل من أن يفقس بيضاً آخر.. وبهذا وصلت القصة إلى نهايتها السعيدة التي كانت في مصلحة كل من الطرفين...

لابد لنا من احترام ديكرسون احتراماً شديداً لخدماته العظيمة التي قام بها في سبيل الكشف عن أصل الخلق.. كما أنه من الضروري تقدير أسلوبه المتوازن غير المتعصب في محاولاته لإيجاد حلول للمشكلات العلمية.. ولكن أن يطرح ديكرسون هذا الحل لمعضلة الدجاجة والبيضة فهو أمر يترك المرء في دهشة محيرة.. ولعله لم يكن رأياً محسوباً يمكن أن يؤخذ على عالم قدير مثل ديكرسون.. بل لعلها كانت مجرد زفرة إحباط وحيرة لنفس قلقة.. أصابها اليأس وغلبها القنوط بسبب استحالة العثور على حل للموقف الذي لا يمكن أن يجد حلاً إلا بتنكيس الرأس خشوعاً وإجلالاً وتقديراً لوجود الخالق عز وجل.

نهاية القسم الأول

يتبع

تحياتي
سلام

البقاء للأصلح.. أم البقاء على قيد الحياة؟؟؟


لا بد لنا بدايةً أن نوضح المفهوم الحقيقي لمعنى كلمة "الأصلح".. إذ أن موضوع البقاء على قيد الحياة بالنسبة لجميع الكائنات الحية ليس موضوعاً سهلاً كما هو سائد في فهم البعض للأفكار الدارونية مثل فكرة "البقاء للأصلح"... ولا يمكن فهم هذا المصطلح فهماً صحيحاً إلا إذا طُبق على أمثلة محددة.. وإلا فإن ذلك سيؤدي إلى سوء فهم عند العديد من الناس بدلاً من أن يؤدي إلى المعرفة الصحيحة الصائبة... وبدون توضيح المعنى الحقيقي لكلمة "الأصلح" فإننا لا نستطيع وضع هذا المصطلح موضع اختبار.. وأما عن دور "البقاء للأصلح" في تطور الحياة واستمرار تقدمها من الأشكال الدنيا إلى الأشكال العليا فإن احتمال فشل هذا الاختبار مؤكد..

إن الحكم على نوع معين من أنواع الحياة على أنه أفضل من نوع آخر أو يتفوق عليه هو مشكلة معقدة تختلف من موقف إلى آخر.. ففي أحيان كثيرة وعند وقوع كارثة ما.. يحدث أن نوعاً معيناً متفوقاً يشغل درجة عليا في سلم التطور يكون أقل قدرة على مواجهة التحديات من أنواع أخرى تشغل الدرجات الدنيا من سلم التطور.. وهكذا فإن الطبيعة تصدر حكمها تلقائياً في مصلحة هذه الأنواع الدنيا عندما تحين ساعة الصراع على البقاء في الظروف القاسية..

وقد يحدث أنه في أوقات الجفاف والقحط الشديد أن تتمكن بعض أنواع الحياة الدنيا من البقاء على قيد الحياة بسهولة.. في حين يهلك الإنسان لعدم مقدرته على تحمل الظروف الصارمة والضغوط الصعبة.. وفي حالة الكوارث الطبيعية كالتغير الفجائي في درجات الحرارة والثورات البركانية والأعاصير المدمرة والفياضانات وحرائق الغابات والزلازل... فإن الطبيعة لا تُفرّق في تعاملها مع الأنواع المختلفة من الحياة.. وليس من الصعب أن تمحو هذه الكوارث في ثوانٍ معدودة ما استغرق التطور ملايين من السنين في تكوينه.. وعلى الرغم من ذلك.. وتحت هذه الظروف المدمرة تستطيع الكثير من الأنواع الدنيا من الحياة أن تستمر وتزدهر وتتكاثر دون أية عوائق.. إلا أن السؤال الذي يظل قائماً هو: من الأصلح؟؟ وبأي مقياس تقرر أنه الأصلح فعلاً؟؟؟

إنها مجرد حالة بقاء على قيد الحياة لا أكثر.. وليس الأصلح هو الذي يبقى دائماً.. كما أن من يبقى ليس دائماً هو الأصلح... وكل ما يمكن تقريره بشيء من المعقولية هو أن هناك بعض أنواع من الحياة تصلح للبقاء تحت ظروف معينة.. وهناك البعض الآخر من الأنواع التي تصلح للبقاء تحت ظروف مختلفة تماماً... وبناءً على ماسبق فإن مجرد البقاء على قيد الحياة ليس في ذاته عاملاً للحكم على قدرة الأنواع المختلفة على البقاء... وإذا قمنا بتحليل حالة الصراع من أجل البقاء التي تحدث بين أفراد نفس العينة حين تتعرض لتأثير الكوارث الطبيعية المختلفة نجد أنه من الممكن أن تفنى أعداد كبيرة منها.. إلا أن البعض منها يبدي مقاومة فطرية ضد الكوارث التي تصيبها.. والبعض يتجاوز هذه الكوارث وتمر عليه مرور الكرام.. مع أنها تدمر أفراد كثيرة من نفس نوعه.. ولو أننا تخيلنا حالة شديدة من وباء الدوسنتاريا فمن المحتمل أن يتسبب هذا الوباء في وفاة بعض الأشخاص الذين يقومون بأعمال إدارية أو مكتبية.. في حين ينجو منه بعض عمال الفلاحة الذين يكدحون في الأرض وليس لديهم من قوة سوى قوة العزيمة.. دون أن يكون لهم أية مواهب عقلية أو ذهنية.. وأيضاً فإن نفس الأشخاص الذين تكتب لهم النجاة من ويلات وباء معين قد لا يستطيعون النجاة من بعض الأمراض المعدية كالكوليرا مثلاً.. بينما من ينجو منها قد يغادر الحياة بسبب مرض بسيط كالإنفلونزا الذي يعاود الظهور عاماً بعد عام.. أو ربما بسبب مرض أقل خطورة في تأثيره..

هذه هي ويلات الحياة واختباراتها.. والبقاء على قيد الحياة أمر نسبي عندما يتعلق بموقف معين لا يحكم بالضرورة دائماً على أن من يستمر في البقاء هو الأصلح بين كل أنواع الحياة.. والعلماء لا يعرفون الأسباب الحقيقية التي من أجلها تُفضل عملية الانتخاب الطبيعي بعض الحيوانات على البعض الآخر الذي تقضي عليه بالفناء.. ولا يوجد هناك مقياس معين يمكن به قياس كل حالة بالقسطاس.. إن الانتخاب الطبيعي التلقائي الخالي من الإدراك والعقل لا يستطيع أن يأخذ في الاعتبار كل الأمور الموجبة والسالبة قبل أن يصدر الحكم في مصلحة البعض أو ضد البعض الآخر..

إن أهم ما في الأمر هو أن نضع في عين الاعتبار أن قوانين الموت والحياة ليست محكومة مباشرة بالانتخاب الطبيعي فيما يتعلق بظاهرة البقاء والفناء.. لأن المحصلة النهائية تتأثر بعوامل لا حصر لها.. يمكن أن تُبقي أو تقضي على نوع معين من أنواع الحياة لأسباب هي في الواقع محكومة بالخطة الإلهية العامة للخلق.. ولم تكن هذه الخطة لتحقق هدفها في التطور والتقدم من الحالة الأدنى إلى الحالة الأعلى بغير دور واعي للخالق العظيم الذي يُقدّر كل شيء في توافق تام مع خطته... وأولئك الذين ينكرون هذا الأمر لابد وأن لهم رأياً مسبقاً ينزعون إليه في إنكارهم هذا.. الإنكار الذي يساوي إنكارهم للتطور نفسه إن كانوا حقاً يدركون بأمانة حجم وكم المشاكل التي يعنيها الإيمان بالتطور بغير الإيمان بالخالق.. المشاكل التي سوف أدرجها في المشاركة المقبلة..

تحياتي
سلام

الزميل غالي ..

تتراكم جبال من الادلة الان التي تثبت نظرية التطور ..... النشوء و الارتقاء

المقالات الواردة اعلاه عبارة عن تكرار لأفكار كانت ربما تتردد من 50 سنة او اكثر و ليست جديدة ، فهي نسخ و لصق لافكار بعض المسيحيين الذين واجهوا نظرية التطور بالرفض .... لكن غالبية هذه التساؤلات اجيب عليها الان ، و اصبح تكرارها مجرد لعب في الوقت الضائع.

المقالات ، او بالاحرى الخرافات المبطنة ببعض الاسئلة العلمية التي نقراها اعلاه ... لا تهدف إلى البحث العلمي بل تهدف إلى الإشارة إلى الوهم المسمى ( الله ) و محاولة إعطائه دورا في عملية الخلق ... و طبعا هذا منهج غير علمي و بينه و بين العلم سنوات ضوئية.

طبعا لنا الحق ان نسأل صاحب هذا المقال كيف تدخل ( الوهم ) في عملية الخلق و مع الادلة لو سمحتم ؟؟ و كيف تبرر وجود الكثير من الفشل في هذه التصاميم المنسوبة لهذا (الوهم) ؟؟ و ما هي فكرتك عن شكل و كيان و قدرات هذا الوهم ؟؟

تحياتي ..

على فكرة ياغالى انا اكتشفت انك ناقل المقالات دى من كتاب للخليفة الرابعة للاحمديين كان من باب الامانة العلمية ان تذكر هذا,اما محتوى الكتاب نفسه فهو منقول من افكار للاهوتيين مسيحين انجليز ممن ينتمون للاهوت الجديد حتى الخليفة برضه معندوش امانة علمية عيب موش كدة برضة