رحم الله سيد قطب
:D: رحم الله سيد قطب
لم أجد مناسبة لي في حياتي بطولها وعرضها , أعلن فيها ترحمي على المرحوم سيد قطب كمناسبة اليوم , وأنا في صاعقة من أمرْ , بد أن أتخمني بيان كتائب القسام غيظا وكمدا .
وإن كنت مضطرا لرفع عتبي على الله العليّ القدير رب العالمين جميعهم بغير استثناء لو أنه تدخل بقدرته جلَ وعلى وحمى أطفال القطاع ونسائه وشيوخه ورجاله ومقاومته , حماهم بغطاء من رحمته التي وسعت السموات والأرض بطولها وعرضها وما فيهما من عالمين .
أما وقد سبق السيف العزل وقدُر القدر , فعتبي عليه جل وعلى أنه لم يلطف بقدره فكان قدرا قاسيا أصاب أكثر من الـ 1300 شهيدا قتلا وما يزيد على الـ 5000 ضحية تجريحا وحرقا
وغيظي وكمدي يا سادة ليس على قلة الـ 48 شهيدا الذين أعلنت كتائب القسَام أنهم كانوا محصلة خسائر حماس ( المقاومة ) إنما غيظي وكمدي على عقلية الما بعد قطبية التي أبدتها حماس في هذه المعركة , والذي تتوج أخيرا ببيان كتائب القسام حول خسائرها
فلو عددَنا , ووفق بيانات حماس , وليس بيانات سواها , فإنه يمكن القول أن الشهيد سعيد صيام قتل وابنه و أخيه وابن أخيه ولن نحسب الآخرين , فهم أربعة
وفي استشهاد القائد الريان لن نحسب إلا واحدا فيكون المجموع خمسة شهداء أجلاء سقطوا قبل بدء التوغل المعادي
ولن نزيد بالحساب , بل سنختصرها ,ونطرح من الـ 48 خمسة , فيكون الناتج ثلاث وأربعون شهيدا رحمهم الله جميعا , و أفسح لهم فسيح جنانه
هؤلاء الشهداء هم , وعلى ما فهمت مجموع المقاومون الذين لاقوا وجه ربهم على مدى المعركة – أي فيهم من قتل عبر القصف وفيهم من قتل في عمليات إطلاق الصواريخ وفيهم من كر على العدو و واجهه بشجاعة وإقدام فكان أن جاهد بنفسه فاستشهد خالدا مخلدا إلى علياءه جل وعلى
لكن هذه النتيجة يا سادة يا كرام خير دليل على أن كتائب القسام ( المقاومة) لم تقاوم بل كانت مشغولة بهدف واحد لا شريك له , هو استمرار إطلاق الصواريخ باتجاه مستوطنات العدو عملا بنصيحة السادة في حزب الله والتي تقول: و بحكم تجربة حرب تموز : أن النصر والخسارة في المعركة هي في تحقيق العدو لأهدافه المعلنة مسقطين قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الحرب خدعة , وغاضين النظر عن الخسائر المادية والبشرية وما يتبعها من آلام دائمة ومؤقتة تصيب البشر عملا بدعوة القرآن الكريم للمؤمنين أن غضوا أبصاركم (ونعم المؤمنين )
والنتيجة السريعة التي تخطر ببال المتابع تقول أن الشهيد الصبح كان المقاوم الوحيد الذي خرج على قرار عدم المواجهة فواجه العدو بحزامه الناسف الذي تحصل عليه و في حالة انفعال تُفجر الصبر وتهتك الأعصاب , وقد رأى الدبابات المعادية في متناول يده وربما صارت تحت الشبابيك وفي ناصية الطريق وربما على مدخل النفق الذي يتحصن فيه " المقاومون"
ولعل المفاجئات التي وعدنا بها , وتكرر وعدُنا بها , وانتظرناها بصبر, و لهف بعد كل جرعة ألم كنا نتجرعها مع مشاهد العدوان الوحشي , والتي صبّرنا لها القلب بانتظار توغل الجيش الجبان داخل أراضي القطاع _ حسب وعد كتائب القسام _ وعدنا وجدَدنا صبرنا وتوعٌدنا بانتظار أن تدخل الدبابات المعادية حمامات ومراحيض وغرف نوم المقاومين, لكنها وبكل أسف لم تأتي تلك المفاجئات باستثناء ذلك الإستشهادي الجليل والوحيد الذي ذكره بيان المقاومون كيتيم جن صبره فأطاح بنفسه تحت بطن دبابة معادية
يبدو أن المفاجئات التي وعدنا بها مقاومي حماس قد جاءت على مذهب المرحوم سيد قطب الذي نظّر يوما لحاكمية إلهية فاختصر المسلمين بالجماعة الإسلامية وأضاف عليها الحمساويون المابعد قطبيون بأن اختصروا المقاومة بالخاصة الخاصة المقاتلة لذلك لم يُعر أصحاب البيان شأنا لـ 240 شهيد من عناصر القوة التنفيذية و قائدهم الذين باغتتهم طائرات العدو مع ما يقاربهم عددا من المدنيون في الساعات الأولى للعدوان .
كما لم يلحظوا أنهم بهذا الرقم القليل الذي أعلنوه من الشهداء أطلعونا على مجرى المواجهة كما أطلعونا على تلك العقلية الانعزالية التي تتعامل مع الآخرين بفوقية كريهة لتصبح فيها دماء الآخرين وعواطفهم شيء يصعب على هؤلاء المهووسين برعاية الله وجنده الواقفون على مداخل القطاع لحمايته نيابة عنهم وهم الأبرار المختارين الذين فيما لو انتقاهم ربهم فإنما لوعد بجنة تجري من تحتها الأنهار, وتتنازعهم على أبوابها الحوريات – حسب الأغنية التي كانت تذيعها قناة الأقصى بالترافق مع عرض مشاهد جنازة القائد الشهيد سعيد صيام رضي الله عنه و أرضاه –
إن حماس و على مدى الاجتياح لم تثبت لنا شغفا بجنات الله و خلده بقدر ما أثبتت لنا عشقا و شغفا بجنات السلطة و الحكم حتى و إن كانت هذه السلطة على إمبراطورية مضحكة كإمبراطورية غزة أما النزوع الاستشهادي الذي يبتغي وجه الله كما أشاعوا , وطالما نخروا به عقولنا بالدعوة له فهو ليس أكثر من خطاب يهدف إلى تجنيد المُضلًلين بجوائز الآخرة للقيام به , أما هم فلهم اولويات لا تتعادى الباب الخلفي للحياة .
كل ما نراه من براهين مخالفة ليس أكثر من انسياق عادي يحكم البشر جميعا في هذه الحياة فيكرون حينا و يفرون أحيانا أخرى
إن تكرار الوعد بالمفاجئات التي وعدتنا بها كتائب القسام قبل بدء الهجوم البري نشطت مخيلتنا فرحنا نخمن ونراهن على عدد السيارات التي قامت حماس بتفخيخها في الأماكن المحتملة لانتشار العدو , و آلاف العبوات الناسفة التي ستنفجر تحت جنازير الدبابات والإستشهاديون الذين سيخرجون من بطون الأرض أو سيسقطون من أسطح المباني محاكاة لطيور أبابيل وعدونا بمشاركتها في معركة الفرقان التي راح إعلامهم وأنصارهم يشبهونها بمعركة بدر_ أجلكم الله _
و أنهم سيزلزلون الأرض من تحت العدو آليات العدو ويحيلون القطاع إلى مقبرة للعدو كما وعدونا بها وكما أعلنت إعدادها حماس لجنود العدو .
لقد شط خيالنا بعيدا عندما رحنا نتخيل كيف ستواجه قيادة العدو جمهورها , و قد وقع جيشها في شرك لا هو بقادر فيه على التقدم ولا هو بقادر على التراجع منه .
و لعل ما زاد الإيحاء في عقولنا تعزيزا كان التشدد الذي كانت تبديه قيادة حماس السياسية في الخارج , و توعُد الكتائب في الداخل حتى أننا حٌمقنا على ما بدا لنا من تخلف وتآمر على الواقع الميداني للمعركة , فيما تضمنته المبادرة المصرية من تهاون لا يتناسب والنصر القادم والمجزرة التي يلاقيها جنود العدو على ارض المعركة و المأزق الذي و قعت فيه قيادة العدو , و قد تورطت وجيشها في مواجهة انزلقت إليها , فأمسك اشاوس حماس بزمام مبادرتها فصاروا هم أصحاب القرار في إنهائها وبالشكل الذي يجدون .
فهم الذين استعًلوا على نهج سلطة عباس المتخاذلة التي عملت على مدى المعركة على إنقاذ جيش العدو من براثن ( المقاومة)عبر دعوتها العالم وبالتنسيق مع مصر للوقف الفوري للقتال
لقد أرسلوا بسمات الاستخفاف و الرأفة على كل عربي لم يشد عزمه الانتصار القادم الذي سيغير مجرى التاريخ - حسب بعض تصريحات بعض من قادة حماس.
اما قد تتوجت الوعود و المعركة المنتظرة و النصر بخروج القائد موسى أبو مرزوق علينا من شاشة التلفزيون بمجلس حربي لم نرى لوجوهه صورة سابقة _ ما أوحى لنا بحفلة رقع بصاطير _ سبقت ذلك المؤتمر الذي أعلن فيه وقف القتال بما يزيد على قرار العدو بستة بواري قسامية أطلقتها المقاومة بعد أن أعلن أولمرت الكلب هزيمته
كم كان بودي لو أن قارئ الإعلان كان الدكتور محمد نزال فان وجهه و ملامحه كانت أكثر وداعة من وداعة وجه موسى أبو مرزوق
و لعل وجه السيد نزال كان يمكن أن يكون له وقع البلسم الذي تختتم به غزة آخر فصول القرف الذي انتابها والدماء والدمار والتشرد الذي لفها وقد خذلتها مقاومة حماس .
لقد اختبأت حماس في إنفاقها و تركت فقراء غزة يناطحون سيل القذائف المنهارة عليهم من كل حدب و صوب.
إن معرفتي و متابعتي الطويلة للإخوان المسلمين و حماس في طليعتهم لم تستطع أن ترسم في عقلي صورة غير صورة الناس المجردين من كل المبادئ المراوغين إلى ما بعد حدود الكذب و النفاق و المهووسون بالسلطة كهوس أغانيهم بحوريات الجنة و حوريات الدنيا إن استطاعوا لها سبيلا .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
|