"دحلان"... بين ماضي الحرمان وحاضر الفساد والمال والسلطان
بقلم: د. إبراهيم حمامي
تهديد، تنظير، تلميع، اتهام، تبني تيار الإصلاح، زعامة، أمر ونهي وبطولات وغيرها هي أهم عناوين لقاء دحلان - الذي لا صفة رسمية له- المطول الأخير مع رؤساء التحرير والكتاب في الأردن يوم الخميس 29/07/2004.
محطات ووقفات هامة وخطيرة تكشف عما يدور في رأس المحرك الرئيسي وراء أحداث الوطن المحتل الأخيرة والذي يتفادى الجميع تقريبا الحديث عنه إلا همسا ولمزا لأسباب عديدة تتراوح بين الخوف أو التملق أو الخشية ممن يدعمه - واشنطن وأتباعها- أو محاولة الرهان على ما قد يراه البعض الفرس الرابح في المواجهة الأخيرة.
صال دحلان وجال خلال لقائه المذكور ومن خلال مقابلات صحفية وفضائية كثرت في الآونة الأخيرة وأعطي فيها منابر ومساحات في شبه إجماع واتفاق لإظهاره بشكل القيادي والإصلاحي الحريص على مصلحة الوطن الضائع بين فاسدين ومفسدين، وكأنه لا دخل له، وكأنه براء مما آلت إليه الأحوال، وكأنه شريف مكة صاحب الأيادي البيضاء والنظيفة، ولكن قبل الخوض في تفاصيل الدور الدحلاني لنتوقف ونستذكر.. من هو دحلان؟ وكيف أصبح وبهذه السرعة رجل المرحلة كما يحلو للبعض تسميته؟
محمد يوسف دحلان يعرف بالتحديد ماضيه منذ ولد في 29/09/1961 وتربى ودرس في مخيم خانيونس لأسرة فقيرة معدمة ودراسته في الجامعة الإسلامية في غزة ليكون أحد مؤسسي وقادة الشبيبة الفتحاوية عام 1981 ليعتقل عدة مرات بين 1981 و 1986 ثم يبعد عام 1988 إبان الانتفاضة الأولى.
تنقل دحلان بعدها بين ليبيا - الذي عرف فيها بـ "أبو ريالة" و"العصفور" أثناء إقامته في سكن الطلبة في قصر بن غشير قرب طرابلس، حيث كان وبشكل عام منبوذا ومشكوكا فيه!- والجزائر ليستقر به المقام في تونس حيث بدأ نجمه يلمع بعد وجوده بالقرب من الرمز الذي يملك مفاتيح "فتح" وكل شيء.
يقول أحد مسؤولي الـ C.I.A السابقين (ويتلي برونر) أنه تم تجنيد دحلان في تونس في الثمانينات وتمت تزكيته وتسميته مع الرجوب ليكوّنا سويا القوة الضاربة المستقبلية بعد اتفاقات أوسلو، مع ملاحظة أنه لم يتم نفي هذه المعلومة رغم نشرها على نطاق واسع في أكثر من صحيفة.
في يناير/كانون الثاني 1994 تسربت تفاصيل عن اتفاق بين دحلان ومسؤولين من جيش الاحتلال والشين بيت عرف بـ "خطة روما" لاحتواء حركة حماس، وهو ما طبقه دحلان كمسؤول للأمن الوقائي بحذافيره فسقط على أيدي جهازه العديد من الضحايا بالرصاص أو تحت التعذيب في المعتقلات، والأسماء والتواريخ والتفاصيل متوفرة لمن أراد الاستزادة.
صعد نجم دحلان بعدها من خلال مشاركته الدائمة في وفود التفاوض وكثر ظهوره على الشاشات واشتهر ببدلاته باهظة الثمن وشعره المصفف شعرة شعرة ليوصف من قبل الصحافة الأجنبية بـ"الكولونيل الوسيم" رغم أن كل أهل غزة يذكرون "البنطلون والقميص الكحلي" التي كان يرتديها دحلان ولمدة شهر كامل دون تغيير بعد دخوله قطاع غزة، وسبحان مغير الأحوال.
بدأت رائحة دحلان المالية تفوح بعد أن أصبح مالكا لفندق الواحة على شاطيء غزة وهو المصنف كواحد من أفخم فنادق الخمس نجوم في الشرق الأوسط وبعد فضيحة ما عرف ب "معبر كارني" عام 1997 عندما تم الكشف أن 40% من الضرائب المحصلة من الاحتلال عن رسوم المعبر والمقدرة بمليون شيكل شهريا كانت تحول لحساب "سلطة المعابر الوطنية الفلسطينية" والتي اتضح في ما بعد أنها حساب شخصي لدحلان!
المرحلة الفاصلة سياسيا في حياة دحلان كانت خلافه الشهير مع عرفات حين عرض استقالته كمسؤول للأمن الوقائي في 05/11/2001 والتي رفضها عرفات ثم بعد مسرحية الحصار بين شهري 03 و 05 من عام 2002 عندما برز كواحد من "عصابة الخمسة" مع حسن عصفور، محمد رشيد، صائب عريقات، ونبيل شعث التي أدارت "السلطة" وقتها ثم لاحقا إبان حكومة أبو مازن حين رفض عرفات وبشكل قاطع تعيينه وزيرا للداخلية ليلتف أبو مازن على ذلك ليعين دحلان وزيرا للشؤون الأمنية، فيمتدحه بوش شخصيا ويطلبه ليصافحه على الملأ، ثم ليستقيل بعد أخذ ورد واتهامات متبادلة نهائيا يوم 05/06/2002، لتتسرب بعدها تفاصيل رسالته وخطته لموفاز بتاريخ 13/07/2003 لإقصاء عرفات.
لم ينه ذلك طموح دحلان الذي أصبح يرى في نفسه خليفة شرعي لسيده ومعلمه، ولم يثنه ذلك عن الاستمرار في حشد ورص صفوف مؤيديه فأغدق الأموال على كوادر "فتح" ليكسب الولاء، تماما كما كان يفعل عرفات، ولكنه كان التلميذ الذي فاق معلمه وأكثر من انتقاداته التي لم تستثن أحد فهاجم مركزية "فتح" وعرفات (صحيفة الوطن 04/10/2003)، ورشحت معلومات عن محاولته الإطاحة بعرفات (صحيفة عكاظ 29/05/2004) مما أثار حفيظة العرفاتيين فاتهمه جبريل الرجوب بالعمالة، واتهمه "أبو محمود" من كتائب شهداء الأقصى يوم 20/07/2004 بأنه "من رؤوس الفساد مع سمير المشهراوي وموسى عرفات".
أصبحت المواجهة إذا مفتوحة بين التيار العرفاتي والتيار الدحلاني داخل حركة "فتح" في صراع بغيض على السلطة، فقرر دحلان التقدم خطوة أخرى فأجرى انتخابات داخلية لحركة "فتح" في قطاع غزة، وفاز مؤيدوه بأكثر من 90% من الأصوات رغم اعتراض عرفات عليها، ومحاولته إلغاءها، مما شجع دحلان على الخروج العلني بالإيعاز لعناصره بافتعال أحداث غزة الأخيرة من خطف واقتحام وحرق وإشتباكات وتهديد وزعرنات باسم الإصلاح ومواجهة الفساد، وليبدأ معركة الإطاحة بمعارضيه من خلال دعم صائب العاجز بآلاف الأسلحة الرشاشة وشاحنات الذخيرة وبضخ ملايين الدولارات ليحسم معركة غزة لصالحه.
دحلان كان قد مهد لما جرى من خلال لقاء صحفي اختار أن يكون أمريكيا مع صحيفة نيويورك تايمز قبل يوم واحد من أحداث غزة حين خيّر الفلسطينيين بين "بناء نموذج في غزة" أو "الدخول في فوضى ودمار كوضع الصومال".
هذه المواقف والانتصارات الدحلانية شجعته ليقف ويقول ما قال يوم 29/07/2004 في لقائه مع رؤساء التحرير والكتاب في الأردن ليزاود على عرفات ويتهمه بشكل غير مباشر بمحاولة قتل أبو مازن (بدفع 15000 دولار)، وبأنه اتخذ الموقف الخاطيء في كامب ديفيد، وبالتستر على مطلق النار على نبيل عمرو، ثم ليعرج على قريع والبرغوثي والتشريعي منظرا وموزعا للأدوار، متهما بعدها مركزية فتح بالرشوة، وليصبح ناطقا باسم كتائب شهداء الأقصى، واصفا مقاومة حماس بـ "الاستهبال"، والأهم أن ينصب نفسه حامي الحمى ورافع راية الإصلاح ضد الفساد معطيا إنذارا نهائيا حتى يوم 10/08/2004 لتطبيق اتفاق عام 2000 وإلا فإن تيار الإصلاح - بقيادته طبعا- سيستأنف "التحرك الفتحاوي" حتى "لو كلفنا ذلك رقابنا".
اللقاء المذكور احتوى على العديد من النقاط الخطيرة وتوزيع الاتهامات يمنة ويسرة وتبرأة للذات وتشويه للحقائق وأمور أخرى يصعب حصرها.. ولكن يبقى السؤال: أيحق لدحلان وهو صاحب التاريخ المذكور أن يتحدث عن إصلاح أو غيره؟ أيعقل أن تفتح له الأبواب والمنابر ليبث اتهاماته؟ هل هو البديل للفساد المستشري؟ الإجابة تكون بكم آخر من الأسئلة أطرحها عامدا متعمدا ليشكل مجموع إجاباتها الرد الحقيقي:
* من أين أتى دحلان بالملايين ليصرفها على أتباعه في "فتح"؟
* من أين له الأموال ليمتلك فندق الواحة وليشتري مؤخرا أكبر وأشهر منازل غزة - منزل الشوا-؟
* هل يستطيع دحلان أن يكشف عن مصدر ثروته المقدرة بـ 53 مليون دولار وهو القادم من عائلة معدمة؟
* ما هو رده على ويتلي برونر من الـ C.I.A؟
* من دفع فاتورة إقامته بفندق كارلتون تاور بكامبردج ليتعلم اللغة الإنجليزية على أيدي ثلاثة من المختصين في إحدى أكبر وأغلى الجامعات في العالم وتحت الحراسة الأمنية؟
* لماذا طلبه بوش تحديدا ليصافحه دونا عن غيره من أعضاء الوفد؟
* لماذا تصر مصر على توليه الشؤون الأمنية في قطاع غزة؟
* هل يستطيع التنصل من مسؤولية جهازه القمعي -الأمن الوقائي- في قتل وتعذيب النشطاء من الفصائل الأخرى؟
* كيف يقيّم انتفاضة الأقصى وإنجازاتها، وما موقفه من التنسيق الأمني الذي كان بطله لسنوات عدة؟
* من يشرف على موكبه المؤلف من 11 سيارة وموكب زوجته - أم فادي- المكون من 3 سيارات وأيضا مستشاروه الأربعة عشر!؟
* كيف يبرر انصياع الصحف الفلسطينية لأوامره كما ادعى ليوقف نشر رسالة مروان البرغوثي كاملة رغم أنه كان بدون منصب ولا يطمع بمناصب لأنه شفى غروره منها!
* هل يعترف بمركزية حركته "فتح" التي اتهمها بتلقي الرشاوى الشهرية من عرفات (30 ألف دولار لكل عضو شهريا و100 ألف دولار للناشط)؟
* هل يعلم من أطلق النار على نبيل عمرو كما ادعى أيضا؟ لماذا لا يذكر اسم المجرم ليلقى الجزاء العادل؟
أكتفي هنا بذلك فالقائمة طويلة وطويلة جدا.
الإجابة عن هذه الأسئلة المنتقاة والتي لا يصعب الإجابة عليها ستقودنا إلى حقيقة واحدة أنه لا يحق لفاسد أن يتحدث باسم الإصلاح ولا يحق لمن تلوثت يداه بعذابات ودماء الفلسطينيين عندما كان مسؤولاً للأمن الوقائي أن يدعي الوطنية، ولا يحق له أن يعطى دروسا في الأخلاق والإصلاح وهو من أصبح يمتلك الملايين، لا يحق له ذلك حتى وإن تغطى بأفخم البدلات وصفف شعره فهو غارق في الفساد حتى قراقيط آذانه.
الإصلاح لا يكون باستبدال فاسد بآخر ولا باستبدال النهج العرفاتي (صاحب عقلية الفاكهاني كما أسماه دحلان) بنهج دحلاني مستسلم سلفا وملبيا شروط الاحتلال. الشعب الفلسطيني ليس بغبي حتى وإن وجد فيه دحلان هذا من يشتريه بماله المشبوه المصدر، وحتى وإن وجد فيه من هم على استعداد لتغيير جلودهم مقابل وعود بمناصب أو غيرها. المسألة ليست إصلاح أو محاربة فساد بل هي صراع على الكراسي والسلطة بشكل مقيت.
اللعبة لم تنته بعد بل هي لم تبدأ ويخطيء من يظن غير ذلك. صحيح أن المثل القديم يقول " الثورة يقودها الشرفاء ليحصد ثمارها العملاء" لكن انتفاضة الشعب الفلسطيني ووعيه تختلف فهي ليست ثورة ضد الاحتلال فقط ولكنها ضد الظلم والفساد والطغيان.
دحلان ليس بأفضل من غيره والكل نتاج أوسلو البغيضة وذاكرة الشعب لازالت قوية ولم تنس أو تغفر له أو لغيره جرائمهم بحقها.
يردد الناس في فلسطين هذه الأيام عبارة أختم بها:
"اللهم إضرب الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين"
اللهم آمين
http://www.palestine-info.info/arabic/spfi...n/da7laan_4.htm