العدد: [الثلاثاء ٢٤ آذار ٢٠٠٩ \/]
[إذهب]

الفينيقيّة الصهيونيّة: تكريم المطران أغناطيوس مبارك
أسعد أبو خليل *
لم يكن مستغرباً أن تقرأ عن تكريم لبناني رسميّ وكنسيّ لصهيونيّ. فمي المرّ، التي مدَحَت الاجتياح الإسرائيلي للبنان في عام 1982 وزادَت عليه زيارةً خاصة لأرييل شارون لمؤازرته بعد مجزرة صبرا وشاتيلا، حظيت بتكريم ما بعده تكريم في الإعلام اللبناني، حتى في جريدة «الأخبار». وطن ينتشي بأرزه (وبمغارة جعيتا التي شهدت عمليّات حجز وتعذيب نفذتها القوات اللبنانيّة التي تحبّ الحياة حبّاً جمّاً) كما ينتشي بزيارات ممثلي الرجل الأبيض القادم إليهم واعظاً من الغرب. هو وطن يرى في الاستكانة والخنوع بوجه العدو عملاً حضاريّاً وحداثة، هي الديكارتيّة المُتبكرة.
لكن ماذا تقول في وطن يرى في تدخّل الاستعمار الغربي في شؤونه دليلاً على تفوّقه على جيرانه؟ ماذا تقول في وطن لا يجد ما يفخر به في تاريخه، فيلجأ إلى أساطير وحكايات مُستقاة من تاريخ المسرح الرحباني وترّهات سعيد عقل وفؤاد أفرام البستاني؟ ماذا تقول عن وطن يندم لنفضه غبار المستعمِر عنه؟ ماذا تقول في وطن كان جزء أساسيّ من سياسيّيه يستجدي المستعمِر للبقاء في ربوعه؟ وماذا تقول في وطن يسمح لحلفاء إسرائيل بأن يأمروه بوأد كل مقاومة لإسرائيل؟
■ تناغم بين فكرتين
أما التزاوج أو «التناغم» بين لبنان وإسرائيل فليس بجديد، إلا إذا صدّقنا أكذوبة أن «الكلّ كان مع المقاومة»، وكأنّنا نسينا تعليقات جريدة النهار وافتتاحياتها في الثمانينيات والتسعينيات (يوم كانوا مع اتفاقيّة 17 أيّار)، وتبجّح غسان تويني أخيراً في وصف القرار 425 بأنه «من أهم إنجازاته». لن نناقشه في إنجازاته الأخرى، إن وجدت، لكن ما أهمية هذا القرار الذي لم يؤدِّ إلى سحب جندي إسرائيلي واحد من لبنان، والذي تذكّرته الأمم المتحدة بعد أن انسحب الجيش الإسرائيلي بذلّ؟ ورقصة العار بين لبنان وإسرائيل جارية منذ بداية التأسيس، لكيانيْن مثّلا خنجريْن في خاصرة فلسطين العزيزة.
فالفكرة المؤسِّسة للجمهوريّة المشوّهة كانت متشابهة في نسقها مع الفكرة الصهيونيّة. ولم يكن في الأمر صدفة على الإطلاق. فبذرة الوطنية اللبنانية (أو النموذج اللبناني للنازيّة، وخصوصاً بعد انطلاقة حزب الكتائب وتسرّب عقيدته إلى الثقافة السياسيّة والشعبيّة في لبنان) نمت وترعرعت في كنف الصهيونيّة، ووعى لذلك مُؤسِّسون من الأوائل، حتى قبل أن يتفرّغ إميل إدّه والمطران اغناطيوس مبارك (حتى لا نتحدث عن عائلات سلام وتيّان وتويني وسرسق الذين باعوا بعلمهم أراضي في فلسطين للحركة الصهيونية) للحماسة في الدعوة الصهيونيّة من لبنان ومن محافل دوليّة.
والفكرة اللبنانيّة تحمل الكثير من عناصر الفكرة الصهيونيّة من: 1) الإيمان بتفوّق عنصر ديني ــــ طائفي على العناصر الأخرى في الوطن. 2) اعتناق فكر النازيّة ــــ الفاشيّة الذي يقول بتفوّق النوع على الكم من البشر (عبّر عن هذه الفكرة في السنوات الأخيرة بصراحة عديدون، نذكر منهم جبران تويني وبيار الجميّل، الحفيد)، واعتماد نظام لاديموقراطي يعكس الفكرة المعادية للمساواة بين البشر، هم ليسوا سواسية «كأسنان المشط» في النموذجين: الصهيوني والفينيقي. 3) ربط الوطن (بهويّته وسياساته الخارجيّة) بالدول والأحلاف الغربية (والإسرائيليّة، وإن تخفّت وراء رداء ما يُسمّى «المجتمع الدولي»)، ومعاداة المحيط العربي والإسلامي (وإن أصبحت العروبة بتعريف الحريري وجنبلاط تعني الولاء المطلق للأمير مقرن بن عبد العزيز). 4) ربط الفكرة الأساسيّة لإنشاء الكيان بأساطير تتناقض مع الوقائع التاريخية ومع علم الآثار. 5) النظر إلى مشروع إنشاء الكيان كاستثمار استعماري غربي. 6) الاستعانة بنظريّات الاستشراق لتسويغ قمع فئة أو طائفة بحالها وقهرها (أو حتى تهجيرها). 7) الترويج لتحالف بين الأقليّات في المنطقة خدمة للمشروع الصهيوني.
والفينيقيّة الصهيونيّة (والمصطلح ورد في مقالة بالعبريّة للمؤرّخ الإسرائيلي، الياهو الياث في مجلة «كاثدرا» في عدد نيسان 1985) لم تَمُتْ بتأسيس ما سُميّ دولة الاستقلال (الأوّل أم الثاني أم الثالث لم نعد ندري لكثرة المزاعم والنظريّات)، لا بل نَمَت وترعرعت في كنف الدولة الجديدة، وانتشرت أفكارُها وسمومُها، سافرةً كانت أم مقنّعة، في الثقافة والسياسة في لبنان. وهي تبلورت في هذا العداء السافر للشعب الفلسطيني وقضيّته، مما يتيح لمي الشدياق (التي انتقدت أخيراً في برنامجها «بكل وقاحة» غياب الدماء في ثورة الأرز عبر القول إنه «ما فيه ثورة بلا دم»، مع أنها كانت هي نفسها ضحيّة لعمليّة اغتيال بشعة) أن تقول من شاشة «ال.بي.سي» إن الشعب الفلسطيني باعَ أرضَه. وهذا العداء يفسّر الكثير عن مشروع رفيق الحريري للبنان، وقد كشف عن المستور أخيراً فؤاد مطر في جريدة الأمير سلمان بن عبد العزيز (وهي غير جريدة الأمير خالد بن سلطان، وهي غير جريدة الأمير خالد الفيصل وهي غير جريدة الشيخ سعد بن رفيق). فهو نشر ما جاء في حديث غير منشور أجراه هو مع رفيق الحريري الذي أبلغه بمخطّطه لتوطين الفلسطينيين في مزارع شبعا كجزء من مشروع «دولي ــــ عربي ضخم» (الشرق الأوسط، 15 حزيران 2008). وسننتظر نفياً من قريطم كما ينتظر سمير جعجع بياناً رسميّاً من الحكومة الأميركية ضد التوطين، كما وعدنا أثناء زيارته المظفّرة إلى هناك.
■ بداية العلاقات
ونعلم اليوم القليل فقط عن بداية العلاقات بين إسرائيل ولبنان (هناك كتابان لكرستن شزلتز وللورا زتلنغ ايزنبرغ عن الموضوع، تُرجم منهما واحد إلى العربية). لكن لبنان، الرسمي والكنسي، يتستّر على الموضوع، ويزيد من عنده روايات مختلقة عن بطولات للجيش اللبناني في حرب فلسطين، بينما نعلم اليوم أن جيش لبنان حرص، خلافاً للخطّة الموضوعة، على عدم تجاوز الحدود. كانت مسرحيّة هزليّة، لمن لا يكترث لمأساة فلسطين، أضاف إليها الأمير مجيد أرسلان شاربيه وبعكوره. وكان يُقال إن بعكور «المير» كان كافياً لردع إسرائيل وإخافتها. هذا هو لبنان الحقيقي، لا لبنان الوارد في المناهج الدراسيّة.
وإسرئيل تنشر بعض الوثائق لكن بعد عقود من تاريخها، وهناك ما لا يُنشر، وهناك ما يُنشر بانتقائية خبيثة. ولا تزال الدولة تتستّر، مثلاً، على خطط موضوعة لتهجير الفلسطينيين من أرضهم في عام 1948. ولبنان، مثله مثل الدول العربيّة ــــ باستثناء مملكة القهر في السعوديّة، إذ إنها أصبحت قبلة الليبراليّين العرب، وهذا يفسّر سبب هذا التفجّع الذي أظهره رضوان السيّد على كل الشاشات عند وفاة الملك فهد بن عبد العزيز ــــ لا ينشر وثائق تاريخية. لا ندري إذا كان هناك من أرشيف رسمي مُعتمد، إذ إن كل وزير يأخذ أرشيفه معه بعد نهاية الخدمة. وهناك أرشيفات مهمة في بكركي، لكنها لا تُفتح إلا بإذن، وأمام الموثوقين فقط. وهناك طبعاً أرشيفات مهمة عند زعماء الإقطاع الطائفيّين، لكنها مُغلقة هي الأخرى. يتفرّغ لبنان لترداد ترّهات من طراز: «لم يضحِّ أي بلد عربي من أجل فلسطين كما ضحّى لبنان»، بينما نحن نعلم اليوم الكثير عن تآمر لبنان من أجل خدمة إسرائيل، لا من أجل فلسطين. ونحن نعلم أن لبنان خالف أُسس الميثاق الوطني (في شقّ السياسة الخارجيّة) الذي على أساسه قامت الدولة الفتيّة منذ الاستقلال عبر تحالفات، مُعلنة ومخفيّة.
وقرأنا في الصحف أخيراً خبر تكريم المطران اغناطيوس مبارك في الذكرى الخمسين لوفاته. ولم ينسَ بطريرك الموارنة، الذي كرّم عقل هاشم في تأبينه، أن يجعل التكريم عرمرياً ورسميّاً. وحرص الرؤساء الثلاثة (أو الآفات الثلاث) أن يرسلوا من يمثّلهم. وحضر ممثلون عن المعارضة والموالاة على حدّ سواء، حتى وديع الخازن حضر بالرغم من حاجته لزيارة إميل لحّود يوميّاً. المناسبة استحقّت، كما استحقّت أن تحضر صولانج الجميّل (التي وصلت إلى التمثيل النيابي بتزكية حزب الله وتيار المستقبل وحزب الكتائب) شخصيّاً، وهي، أكثر من غيرها، لا يمكن أن تفوّت المناسبة، وهي التي كانت تحرص على إعداد طعام أرييل شارون عند زياراته إلى لبنان كما روى هو في مذكراته، وهي التي دعته ليكون أول ضيف في القصر الجمهوري بعد تنصيب بشير (لم يكن لها ما تريد. ظروف...).
العلاقات بين الصهاينة وساسة لبنان بدأت مبكراً جداً. إميل إدّه، الذي لم يغفر لفرنسا تركها للبنان، أراد أن يقود انتفاضة مسيحيّة في بيروت في 1948 لتتزامن مع اجتياح واحتلال إسرائيلي في جنوب لبنان في عام 1948(راجع مقالة بني موريس في مجلة «دراسات في الصهيونية» عن العلاقات بين إسرائيل وحزب الكتائب في مجلد 5، 1984). وإلياس ربابي كان يتلقّى دفوعات نقديّة من إسرائيل لدعم حملات حزب الكتائب الانتخابيّة منذ أوائل الخمسينيات. وفي مرحلة ما قبل الخمسينيات، حيث تتوافر وثائق منشورة أو محفوظة، جرى الاتصال بين البطريركيّة المارونيّة والحركة الصهيونيّة على مستويات رفيعة (وهذا لا يشين الموارنة الذين (واللواتي) سقط منهم من قاتل في صفوف المقاومة الفلسطينية). وتبلور الاتصال طبعاً في عقد الاتفاقية المشؤومة بين الوكالة اليهوديّة (الأداة المنفذة للحركة الصهيونيّة) والكنيسة المارونيّة في عام 1946. والاتفاقيّة (أو الحديث عن العلاقات المبكّرة بين لبنانيّين وإسرائيل) لا تزال سرّ الأسرار في التاريخ اللبناني (باستثناء قلّة من المراجع التي تأتي على ذكرها مثل كتاب الرفيق فواز طرابلسي، «صلات بلا وصل» وكتاب الرفيق بدر الحاج، «الجذور التاريخية للمشروع الصهيوني في لبنان». أما كتاب محمد زعيتر الضخم «المارونيّة في لبنان» فلا يمكن الركون إليه بسبب منحاه الطائفي، إذ يكنّ الكاتب ضغينةً للموارنة والمسيحيّين عامة)، وقد اعترفت الاتفاقية بحق اليهود في «الاستقلال» في فلسطين، مقابل اعتراف صهيوني بـ«الوجه المسيحي» للبنان (تُراجع مقالة لورا زترنغ ايزنبرغ في مجلة «دراسات في الصهيونية» مجلد 13، 1992). ووعدت الكنيسة المارونيّة في المادّتيْن الأولى والثانية بدعم الهجرة غير المشروطة لليهود إلى فلسطين (أي مخالفة بنود الكتاب البريطاني الأبيض في 1939)، بالإضافة إلى تبنّي مطلب اليهود في إقامة دولة ذات سيادة في فلسطين ــــ في أرضكَ يا شعب فلسطين. لكن الاتفاقيّة، الحقّ يُقال، لم تنسَ شعب فلسطين، أو الشعوب العربية، فهي أشارت إليهم بـ«العناصر المعادية».
وتضمنت الاتفاقية بنداً خاصاً بالحفاظ على سريّة الاتفاقيّة. لا ندري ـــ لا، ندري ـــ إذا كان البطريرك صفير، الذي يرفض زيارة سوريا من باب الحرص على السيادة في الوقت الذي عاد فيه إلى لبنان أثناء العدوان الإسرائيلي عليه في 2006 على متن طوّافة عسكرية أميركية معتمراً قبّعة عسكريّة أميركية، بعد أن كان وعد في واشنطن أن نائب الرئيس الأميركي، ديك تشيني، يسعى لحلّ «الأزمة» في لبنان آنذاك، سيسمح بفتح الخزائن البطريركيّة في بكركي للنظر إلى ما عُقد من اتفاقيات مع الصهيونية، ومع إسرائيل لاحقاً. وفي الجانب غير الرسمي من الاتفاقية، على عادة الحركة الصهيونيّة، كان هناك دفوعات مالية لدعم جرائد ومكاتب... في بيروت (تذكر وثيقة إسرائيلية عن دعم صهيوني لجريدة «صوت الأحرار» في ذلك الوقت). ولم يكتفِ البطريرك عريضة بذلك، بل تبادل رسائل «رسمية» مع ديفيد بن غوريون.
وقد بارك البطريرك عريضة دعم الدعاية الصهيونية حول العالم، وإن كان يتّبع التقيّة بعض الشيء داخل لبنان. فهو قد أرسل خطاباً في 1947 إلى رئيس تحرير الهدى (اللبناني الصهيوني على ما تذكر الوثائق الإسرائيليّة) لطلب الاتصال بوكلاء الحركة الصهيونية في أميركا. ولكن البطريركيّة لم تكتفِ بذلك.
■ المطران مبارك
لكنّ ذروة خدمة العدو الصهيوني تجلّت في نيسان 1947، عندما تطوّع إميل إدة (جدّ كارلوس، ولا يجوز تحميل الأولاد آثام وخطايا الآباء أو الأجداد، لكنّ إميل يذكّر بكارلوس في جانب واحد على الأقلّ: فقد كان إميل يصرّ على المرافعة في المحاكم اللبنانية باللغة الفرنسية ــــ يا للحضارة) والمطران مبارك للإدلاء بشهادة سريّة لدعم الحركة الصهيونيّة أمام لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين (يونسكوب). وكان المطران مبارك غيرَ متحفّظ البتّة في تأييده لإنشاء الدولة اليهودية على أرض فلسطين. لم يكتف بالشهادة، فألحقها المطران مبارك برسالة قارن فيها بين «تنوّر» اليهود والمسيحيين و«تخلّف ورجعيّة» المسلمين العرب. وختم مبارك رسالته بالتشديد على أنّ «لبنان يطلب الحريّة لليهود في فلسطين كما يطلب حريته واستقلاله هو». وتفرّدت جريدة «الديار» آنذاك بنشر نصّ الرسالة (وحصولها على النصّ كان لغزاً الألغاز، وإن رُجّح أن يكون التسريب قد أتى من وزارة الخارجيّة)، مما أدّى إلى اندلاع تظاهرات واحتجاجات يومها، كما أنّ نوّاباً موارنة (وغير موارنة) قادوا الحملة ضد رسالة مبارك (راجع مقالة وليام حداد عن «المواقف العربية المسيحية نحو الصراع العربي ــــ الإسرائيلي» في مجلة «العالم الإسلامي» (بالإنكليزية) عدد 2، 1977، وإن أخطأ حدّاد في وصفه لشارل مالك كمعارض للصهيونية، إذ إن أبا إيبان كشف في مذكّراته (كما كشف آخرون) أن مالك كان صديقاً لممثّل إسرائيل في الأمم المتحدة، وكان يتبادل رسائل صداقة ومداعبة في وريقات تحت الطاولة أثناء الخطب والمداولات. لعله كان يهزأ من المفارقة أن ممثل العرب في الأمم المتحدة كان صديقاً، إن لم نقل مناصراً، للصهيونية. كما أننا نتذكر أن مالك تقاعدَ من تقاعدِه بعد الاجتياح الإسرائيلي في عام 1982، ودعا إلى «محاكاة حضاريّة» بين لبنان وإسرائيل آنذاك. لعلّ تلك الدعوة إلى المحاكاة هي التي دفعت الحكومة اللبنانيّة إلى إطلاق اسم مالك على جادة في العاصمة). لكن موقف مبارك المُجاهر أحرج البطريركيّة المارونيّة، مما أدّى إلى إصدار إدانة (ماكرة) من البطريرك عريضة الذي كان يصرّ على السريّة في مواقفه الداعمة للصهيونيّة. ونفى عريضة أن تكون رسالة مبارك معبّرة عن موقف بكركي.
وأثارت رسالة مبارك التي تضمنت كلاماً مُحقّراً بالعرب وبالمسلمين مواقف متعددة. بشارة الخوري لمّح إلى أن كميل شمعون كان على أقلّ تقدير مطلعاً عليها، كما أن المؤرخ حسّان حلاق (الذي أسبغ شهادة الدكتوراه على الطالب النجيب رستم غزالة، الذي نال إعجاب اللجنة الفاحصة) أصاب عندما لاحظ أن بشارة الخوري ورياض الصلح (والأخير يحتاج إلى دراسة خاصة بالنسبة إلى ما ورد عن علاقاته بالصهاينة) «لم يقدما على أي عمل قانوني يحد من نشاط المطران وتحدياته وممارساته...» (راجع حسان حلاق، «موقف لبنان من القضية الفلسطينية، 1918ــــ1952"، ص. 175). صدرت إدانات وبيانات واستنكارات آنذاك، لكننا سننتظر عقوداً قبل كشف المخبّأ عن طبيعة التورّط في التحالف مع العدو الصهيوني. (كما أن جريدة النيويورك تايمز ذكرت في عددها الصادر في 28 آب 1948، أن الإذاعة اللبنانية تحدّثت، وحدها من كل الإذاعات العربية، عن «فرصة» لتحقيق «حلّ معقول» بين العرب والإسرائيلييّن عبر مفاوضات مباشرة، وكان هذا قبل زيارة السادات إلى إسرائيل بعقود. وتحدثت الصحيفة في العدد نفسه عن وجود فئة من اللبنانيّين تؤيد إقامة دولة يهودية في فلسطين).
وكانت الوكالة اليهودية قد طلبت من إميل إدّة ومن المطران مبارك الإدلاء بشهادات دعماً للصهيونية أمام لجنة «بيل» البريطانية في عام 1937، وأمام لجنة التحقيق الأنجلو ــــ أميركية في عام 1946 وأمام لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين في 1947. قَبِلَ إدة ومبارك، وإن أصرّا على سريّة مرافعتيْهما. وكانت الحركة الصهيونية جدّ مدينة للمساهمة اللبنانية في الدعاية الصهيونية، إلى درجة أنها عرضت تمويل مكتب إعلامي لبناني في واشنطن. وجمعية «أصدقاء لبنان» في أميركا لم تكن آنذاك بعيدة أبداً عن الخط الصهيوني، أو الخط الفينيقي الصهيوني. وليس مستغرباً أن رئيس الجمعية كان المطران اغناطيوس مبارك عينه. ويتضمن الأرشيف الأميركي رسالة من الجمعية إلى الأمين العام للأمم المتحدة في كانون الأول 1949 يبلغونه فيها أن «لبنان لم يكن يوماً دولة عربيّة، بل هو فينيقيّ في الأصل ومسيحي في العقيدة».
والمصادر الإسرائيلية لاحظت أن مبارك لم يكن يحتاج إلى حثّ أو إقناع. كما أنه لم يكن، مثلاً، مثل الياس ربابي الذي كان يقرن عروض تأييد الصهيونيّة بطلبات متكرّرة من أجل دفع مبالغ ومرتّبات مقطوعة، ومن أجل إدارة جريدة العمل باتجاه صهيوني، كما قال في مراسلات سرّية مذكورة في المراجع الإسرائيليّة. مبارك كان «عقيديّاً مخلصاً»، كما تقول عبارة أجنبية. صحيح أنه لم يكن ضالعاً في التحضير للاتفاقيّة بين البطريركية المارونية وبين الحركة الصهيونيّة، لكن يبدو أن البطريرك عريضة لم يكن يثق بقدرته على الكتمان. وقاحته، لا جرأته، في الدفاع عن إسرائيل، مثّلت إحراجاً قد يكون سبّب استقالته غير المعلّلة من المطرانيّة. والمراجع الإسرائيليّة عبّرت عن خيبة أمل من تجربة المطران مبارك. لم يكن هناك قدرة أو رغبة على تغيير الرأي العام اللبناني من جانب صهاينة لبنان. ساند كثيرون من شعب لبنان ــــ آنذاك على الأقل ــــ قضية فلسطين وثورتها. حتى بعض حلفاء محمد دحلان وعبد الستّار أبو ريشا في الحكومة اللبنانيّة الحاليّة مشوا في تظاهرات دعم لفلسطين.
المطران بولس مطر في تكريمه لذكرى المطران مبارك أغفل كل ذلك التاريخ. لا بل وصف مبارك بأنه «حبر من أحبار الكنيسة» و«علم من كبار أعلام لبنان» («المستقبل»، 8 حزيران، 2008). لم يتحفّظ المطران مطر في التكريم، وشاركه ممثّلو الرئاسات الثلاث وآخرون من الذين (واللواتي) تقاطروا من كل أنحاء لبنان. لم ينسَ المطران مطر أن يشيد بعمل المطران مبارك «الوطني». وتعريف الوطنيّة أمر شائك في بلد مثل لبنان، حيث غلّفت شعارات الوطنية تحالف الكتائب والقوات اللبنانية، الذيلي طبعاً، مع إسرائيل، بالإضافة إلى استضافة جوني عبده (هذا المُحاضر الجديد في الوطنية الذي، على ما روى محمد حسنين هيكل في واحد من أحاديثه التي لا تنتهي، كان مُرشّح رفيق الحريري للرئاسة اللبنانية منذ الثمانينيات) لأرييل شارون في منزله، فيما كان شارون يدير الاجتياح والاحتلال الإسرائيلي للبنان في 1982.
ولكن لمَ العجب. فبوادر الظهور الصهيوني كانت دائماً حاضرة في لبنان، وهو ازداد صفاقة بعد ثورة الأرز. لم يستوعب لبنان مغزى تكريم جون بولتون من فريق متعدّد الطوائف من 14 آذار: جون بولتون الذي انتقد حكومات إسرائيل لرأفتها بشعب فلسطين، ولشدة اعتدالها في التعامل مع الأعداء العرب. سلّمه غازي يوسف وآخرون درع الأرز والترمس، وإن عاد يوسف واعتذر من محمد حسين فضل الله عن فعلته، وزعم أنّ آل الحريري «ورّطوه». لا ندري إذا قالوا لبولتون إن «مجد لبنان» أُعطي له هو أيضاً. ثم تقرأ استطلاعاً للجامعة الأردنية في لبنان (حتى قبل ثورة الأرز والبلّوط) يظهر فيه أن نسبة غير قليلة من شعب لبنان ترى في أي عمل عنفي ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي (ليس فقط ضد شعبه المدجّج) عملاً إرهابياً. ثم تقرأ لـ«رمزي سعد» مديحة في عزّام عزّام في جريدة الحياة، وتقرأ رسالة حب وحنين من بلال خبيز إلى مدينة تل أبيب (ثم يحاول ملحق النهار أن يعلّل عبر التذكير بـ«ماضي» خبيز، وكأن الماضي اليساري للكثير من المحافظين الجدد يشفع لهم: يستخدمون ماضياً يسارياً لتسويغ حاضر يميني ـــ صهيوني)، وتقرأ أخباراً مختلقة في جريدة المستقبل (التي وصفت مناورات جيش العدو الموجهة ضد لبنان قبل أشهر بأنها «دفاعية») وعلى محطة القوات اللبنانية عن وصول مختلق لجيش الحدود إلى نهر الليطاني أثناء عدوان تموز، فيما تمنّعت مارون الرأس على جيش العدو الذي يُقهر. هذا زمن يصفّق فيه حضور مؤتمر (ايباك) في واشنطن لمجرد ذكر كلمة لبنان على لسان الخطباء الذين (واللواتي حتى لا ننسى عضوة مجلس النواب الأميركي الينا روس ــــ ليتنن وهي، لشدة عدائها لكل ما هو عربي ومسلم، تستضيف ثوار الأرز وتحيّيهم، وقد زها المرشح الرئاسي الهزلي شبلي الملاط أنه جلس إلى طاولتها في حفل للحزب الجمهوري) لهجوا بحمد ثوار الأرز والبلّوط. هذا زمن أصبح فيه إيلي حبيقة زعيماً وطنيّاً بإرادة النظام السوري وحلفائه في لبنان، أرادوا من تنصيبه نكء جروح الناجين من مجازر صبرا وشاتيلا. هذا زمن الإعجاب بساركوزي في نشرة آل الحريري لأنه أراد دمج إسرائيل في حلف متوّسطي. لكن إذا كان أنطوان لحد (القريب من كميل شمعون) قد كُنّي بصفة «جنرال حمّص» من الصحافة الإسرائيليّة بعد فتحه مطعماً لبنانياً في فلسطين المُحتلّة، فهناك في لبنان من يستحق لقب «ماريشال بابا غنّوج».
* أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة كاليفورنيا
(موقعه على الإنترنت: angryarab.blogspot.com)

عدد السبت ٢١ حزيران ٢٠٠٨

الزميل ابو خليل(f)

الذي فهمته من الموضوع ان اسعد ابو خليل(هل تشابه اسماء مع اسمك)

يحقد على الموارنة (هما مابنحبو :)) واراد ان يعبر عن ذلك في هذا المقال

الا انني لم استوعب العدد الهائل من الاسماء التي طرحها

اشي شمال اشي يمين حتى دحلان وعزام عزام حطهم

يعني دخل الحابل بالنابل

لذا حبذا لو لخصتلنا الموضوع حتى ينفهم

مع شكري

ملاحظة جانبية المقال كتب في عدد السبت ٢١ حزيران ٢٠٠٨:mellow:

شهد شاهد من اهلها ... ماروني يتحدث عن الكتائب.

أسعد ابو خليل ... حين اقرأ له اعرف مدى حجم المؤامرة الكتائبية على فلسطين ..... التحالف بينهم و بين إسرائيل قديم جدا، قبل ان يكون هناك فتح او منظمة تحرير او حتى اي تواجد فلسطيني في لبنان.

عزيزي فودكا, أسعد أبو خليل ناشط يساري ماروني يعمل كأستاذ في جامعة كاليفورنيا, و هو بالفعل يكتب في جريدة الاخبار كل يوم سبت , يبدو ان المقال نشر اليوم في جريدة السفير ايضا مع الاشارة الى المصدر الاساسي..

عموما, فان اسلوبه هذا يشتهر به و هو مليء بالجمل الاعتراضية و الافكار المتداخلة و المتشابكة,

في بداية متابعتي لمقالاته, وجدت اسلوبه يسبب التشوش, لكن مع الوقت بدأت استسيغه و اجده ينجح في تمرير اكبر قدر من الافكار في عباراته...

خلاصة ما يريد قوله, ان المارونية السياسية كانت تتعاون مع الصهيونية منذ ما قبل نشوء دولة اسرائيل, (و هو امر بات معروفا على اي حال, و قرأت مرة عن كتاب اسرائيلي اسمه (صديق عدوي) يتحدث عن تاريخ علاقة الصهيونية بموارنة لبنان...

Array
عزيزي فودكا, أسعد أبو خليل ناشط يساري ماروني يعمل كأستاذ في جامعة كاليفورنيا, و هو بالفعل يكتب في جريدة الاخبار كل يوم سبت , يبدو ان المقال نشر اليوم في جريدة السفير ايضا مع الاشارة الى المصدر الاساسي..

عموما, فان اسلوبه هذا يشتهر به و هو مليء بالجمل الاعتراضية و الافكار المتداخلة و المتشابكة,

في بداية متابعتي لمقالاته, وجدت اسلوبه يسبب التشوش, لكن مع الوقت بدأت استسيغه و اجده ينجح في تمرير اكبر قدر من الافكار في عباراته...

خلاصة ما يريد قوله, ان المارونية السياسية كانت تتعاون مع الصهيونية منذ ما قبل نشوء دولة اسرائيل, (و هو امر بات معروفا على اي حال, و قرأت مرة عن كتاب اسرائيلي اسمه (صديق عدوي) يتحدث عن تاريخ علاقة الصهيونية بموارنة لبنان...
[/quote]

اشكرك على المعلومات عنه ولقد بحثت ف غوغل

وجدت له مقالات جديرة بالقراءة الا انه حسب وكيبيديا

فانه من عائلة مسلمة نصفها شيعي ونصفها آخر سني .

تنحدر من بلدة صور اللبنانية.

بالفعل بعد بحث وجدت انه فعلا ينتمي لعائلة مسلمة (رغم ان عائلة أبو خليل هي عائلة مارونية معروفة)..



وجدت هذا التعريف عنه من مقابلة أجريت معه:






----------------------------------------------------------------
حوار مع د. اسعد ابو خليل كاتب ومفكر لبناني
حاورته: سهير ابو عقصة داودہ* عدد القراءات 1590
2006-04-24

اعتقد أن لبنان مشروع فكري وسياسي مفلس أدي لكوارث... وظاهرة الحريري غير صحية ابداً في لبنان والمشرق
أنا مع السلاح الفلسطيني في داخل وخارج المخيمات وحماس تتخبط وتسير علي خطي عرفات في التنازلات المستمرة

احدث ازمات سياسية بين عدد من الدول بعد ظهوره، يشعر انه فلسطيني اكثر مما هو لبنانياً ومنذ ان اصطدم بالدين في اول صباه بعد ان كان مسلماً متزمتاً في طفولته تمركس . تأثر بجورج حبش ثم تحول الي الفكر الفوضوي. يدعو الي احياء الفكر الماركسي ومن اشد نقاد رفيق الحريري في حياته وفي موته. بكي مؤخرأ محمد الماغوط مترجماً بعض اعماله الي الانجليزية عبر موقعه في الانترنيت وكالة انباء العربي الغاضب .
د. اسعد ابو خليل كاتب ومفكر لبناني يعيش في امريكا منذ اواسط الثمانينات يزود قراء موقعه بكم هائل من المعلومات والمقالات النقدية والسياسية لأهم المواضيع، التحديات السياسية والثقافية التي تواجهها الامة العربية. غاضباً، ثاقباً ومتهكماً، لا يهدأ ولا يستقر وكأنه يؤكد قول تولستوي الطمأنينة حقارة نفسية .
ولد ابو خليل في بيروت لعائلة تنحدر من بلدة صور اللبنانية. تلقي تعليمه الجامعي في الجامعة الامريكية في بيروت في موضوع العلوم السياسية. عام 1983 قدم الي الولايات المتحدة وبقي فيها ليس محبة.. بل ربما بسبب الاغتراب الذي يعيشه أي مثقف في وطنه. حصل علي شهادة الدكتوراه من جامعة جورجتاون في واشنطن وكان قد بدأ يسطع كمحلل لسياسة الشرق الاوسط والنزاع الــعربي الاسرائيلي اثناء دراسته.
ابو خليل شخصية تطالعنا عبر القنوات الفضائية الامريكية والعربية خاصة الجزيرة باستمرار. دائم التنقل والسفر من محاضرة الي اخري ومن دعوة الي اخري. يتميز باسلوبه النقدي اللاذع التهكمي الذي سبب له المشاكل مع بعض الانظمة العربية التي منعته من دخول حدودها.
يُدرس في جامعة ولاية كاليفورنيا وجامعة بيركلي العلوم السياسية وكان قد درس في اهم الجامعات الامريكية. يصر الا يجلب افكاره ونقده الي داخل جدران صفه ويرفض مصافحة أي اسرائيلي خدم في الجيش الاسرائيلي حتي لو كان من انصار السلام . له مؤلفات عديدة تتركز حول الاسلام السياسي، لبنان وفلسطين. بعد محاضرة لامعة لابو خليل حول التحديات في الشرق الاوسط المعاصر كان لا بد لي ان احاورهذا الاكاديمي/السياسي المتميز في حوار مشوق جداً.

الرجل الغاضب

اولاً لماذا انت غاضب؟ ولماذا اسميت موقعك بهذا الاسم؟
قالت مجلة الايكونوميست مرة ان امريكا لا تعرف المفارقة وانما السخرية. هنالك درجات من المرح او الفكاهة. المرتبة العالية هي المفارقة والمتدنية هي السخرية. امريكا لا تعرف المفارقة. العنوان هو عنوان مفارقة ليس هو عنوان بالمعني الحرفي. في فترة الثمانينات عندما كنت تلميذاً مقيماً في واشنطن دي سي كنت اظهردورياً علي برنامج اخباري تي بي إس وكنت اقدم ما لدي من تعليقات عن الحروب الامريكية التي لا تنتهي وفي مرة اتصلت بي المنتجة وقالت لي كالعادة: نريد منك ان تبدي وجهة نظرك اذا نحن اليوم نريد وجهة نظر العربي الغاضب. انا استعملت هذه العبارة كمفارقة. فانت حتي ولو كنت هادئاً فأنت كعربي متهم بالغضب. هناك معني جدي في هذه العبارة. كيف يمكن لك مثلاً ان تري فلسطين وشعب فلسطين وما فعلت وتفعل امريكا في العراق وافغانستان وما تفعل الانظمة العربية بنا والا تكون غاضباً؟ عليك ان تكون متمسحاً او خالي الشعور حتي لا تكون غاضبا. الغضب السياسي يتعلق بالقرار الشخصي للفرد. انا قررت ان اكون غاضباً ولكن اذا سمحت للغضب ان يصبح شخصياً فأنت تتحول الي انسان يائس.لا يمكن لك ان تتعامل مع الغضب الدائم بطرائق عقلانية. احاول قدر الامكان الفصل. احاول ان اتمتع بأشعة الشمس بالشعر بالادب الجميل باللوحات الفنية رغم اني مصاب بالغضب السياسي.
تم تهديدك من بعض الاطراف..من اين تأتي هذه التهديدات؟
بعد 11 ايلول (سبتمبر) تلقيت كماً كبيراً من التهديدات العنيفة والبذيئة وقد قامت مجلة الاداب البيروتية بترجمة بعض هذه التهديدات وعرضت الشرطة المحلية هنا تقديم حماية لي. ولكن ربما بعد افتتاح موقعي علي الانترنيت من عامين ونصف تقريباً وربما حاز الموقع علي بعض الاهتمام من قبل الصحافة الامريكية التي كتبت عنه، لاحظت ان عدد الرسائل والتهديدات التي كنت اتلقاها بانتظام قد خفت وربما يعود ذلك الي انني فتحت المجال علي موقعي لتقديم الملاحظات بدون رقابة. هناك يومياً من يشتمني ومن يدلي بدلوه بدون أي تدخل من قبلي في القسم الخاص بالتعليقات. واتصور ان معظم ما اتلقاه يأتي اما من امريكا او اسرائيل او لبنان.
منعت من زيارة لبنان وزيارة بعض الدول العربية؟
في فترة الـ 1993 كتبت فصلاً في كتاب صدر هنا عن لبنان وهو مقالة تحليلية عن السياسة الخارجية السورية تجاه لبنان ولكن المخابرات السورية واللبنانية رأتا بأني تعرضت بشكل شخصي لحافظ الاسد وهو شخص لا يمس طبعاً. رئيس الوزراء اللبناني (د. سليم الحص) طلب مني ان ابتعد عن لبنان وابتعدت لحوالي ثماني سنوات.الي ان تحسنت الاجواء حيث ساعدني الحص وطلال سلمان ناشر جريدة السفير الي العودة.
في الاردن عندما ظهرت لاول مرة علي الجزيرة تحول ظهوري في الاتجاه المعاكس عن السياسة الخارجية الاردنية الي ازمة دبلوماسية بين قطر والاردن ادت الي اغلاق مكتب الجزيرة في الاردن.
هل كان لعمل والدك دخل في تسهيل رجوعك الي لبنان؟
والدي قد رحل عن هذه الدنيا، ولكن لا شك ان مركز والدي في الدولة اللبنانية ساعدني حيث بني والدي عبر عقود من الخدمة كأمين عام لمجلس النواب اللبناني صداقات عادت علي بالفائدة في هذا الامر. لا شك في ذلك. اطلالاتي في الفضائيات ايضاً جعلت اسمي معروفاً لدي البعض. علاقتي واهتمام سليم الحص وطلال سلمان كانت شخصية وسياسية معاً.
هل تخشي علي حياتك اكثر من بعض الانظمة العربية في الوطن ام اللوبي الصهيوني في هذه البلاد؟
كما قيل من فترة: امام ما يتعرض له الشعب الفلسطيني لا اود ان ادعي أي بطولات وانا بعيد عن الوطن، احتراماً مني لهذا الوطن لا اود حتي ان اتحدث عن خطر كهذا.
مع ان الشعب اللبناني يعاني ايضاً والعراقي.. لماذا بشكل تلقائي قلت فلسطين. لماذا فلسطين؟
انا ذكرت سابقاً الحروب الامريكية التي لا تنتهي. لكن ليس عيباً ان اعترف ان فلسطين مسألة اصابتني في الصميم منذ طفولتي. هنالك فارق بين الوضع بين ما يجري في لبنان وبين ما يجري في فلسطين بهذا المعني: دائماً اري ان الحروب اللبنانية علي امتداد القرون والعقود كانت بفعل ارادة الشعب اللبناني بصورة اساسية. انا من الذين يقولون ان الحروب اللبنانية هي حروب اهلية بصورة اساسية والفصائل اللبنانية خصوصاً اليمينية منها كانت مسؤولة عن جذب وجر التدخلات الخارجية امريكية كانت ام اسرائيلية او حتي سورية. اليمين اللبناني وزعماء الطوائف يتحملون مسؤولية جمة في هذا الاطار. انا افصل لما جري ويجري في لبنان. لا يمكن لي مقارنة ذلك بفلسطين. ما جري لشعب فلسطين هو تدخل استعماري خارجي، لهذا التعاطف والتأييد يختلف بالنسبة لفلسطين عما يجري في لبنان. بالنسبة لي لا يوجد شيء اسمه القضية اللبنانية ولكن يوجد شيء اسمه القضية الفلسطينية. خصوصاً لم اؤمن يوماً بالكيان اللبناني ككيان اذ كنت اري فيه منذ نشأته سنداً ورديفاً ومساعداُ لاسرائيل وهذا ما ارادته الحركة الصهيونية. وهذا الكيان اذا استمر سيستمر بكونه خطراً علي القضايا العربية الاساسية وسيستمر بكونه موطيء قدم لتدخلات اجنبية جائرة . لبنان مبني علي اساس بنيان طائفي ارفضه بشدة.

لبنان وسورية

ما هي رؤيتك إذن للبنان؟ كجزء من سورية؟
انا مع ان يذوب الكيان اللبناني مستقبلاً في كيان عربي ديمقراطي ولكن هنالك صعوبة في طرح هذا الموضوع. النظام السوري نظام قمعي كجميع الانظمة العربية. هنالك من يظن انني أدعو الي الحاق لبنان بسورية. انا لا ادعو الي الحاق لبنان بسورية لاني من معارضي النظام السوري وكل نظام عربي. احتراماً مني لكل سجين او سجينة سياسية في هذا الوطن العربي لم اكتب يوماً كلمة واحدة ولن اكتب كلمة مديح في حق هذه الانظمة. عندما اتحدث عن لبنان فأنا أطرح رؤية مستقبلية. امكانية تحسين الوضع في لبنان تتم فقط اذا تمت اعادة صياغة لبنان علي اسس علمانية. ولكن هذا ليس مطروحاً لأن الثقافة السياسية في لبنان هي ثقافة طائفية ونظام سياسي طائفي لا حصة لي فيه. وحتي استعين بفكر غرامشي بالنسبة للهيمنة الطبقية الثقافية والاقتصادية انا اعتقد أن فكر الهيمنة في لبنان هو فكر الطائفية ونجاح هذا الفكر يكمن في قدرته علي اختراق الحواجزالشخصية والجغرافية لمعظم قطاعات الشعب وهذا مبني علي فكرة/وهم تحقيق النصر لكل طائفة من خلال التنافس الطائفي وليس الطبقي. يعني يعتقد الشيعي او الماروني او السني بأن من مصلحته خوض غمار الحرب علي جبهات طائفية لأن ليس لديهم المصلحة في المعارك الطبقية. انا اقوم بنوع من التعميم. طبعاً هنالك لبنانيون ولبنانيات اخترقوا هذه الحواجز الطائفية ولكن هذه حالات فردية وبشكل عام الفكر المهيمن هو الطائفي كما قال ماركس في الايديولوجية الالمانية : الفكر الكائن عند الفرد ليس مجرداً بذاته وانما يقوم علي اسس مادية ، يعني لا يمكن للفكر الطائفي ان يستمر عبر القرون الا اذا تخيل المرء ان له مصلحة في هذا الفكر. واذا اردنا ان نحلل علي طريقة النظرية السائدة اليوم في علم الاجتماع بما يسمي نظرية الاختيار العقلاني وهي تنطبق علي عملية السلوك الانتخابي نستطيع ان نقول بأن هنالك متخيلا ان مصلحة الفرد في السلوك الانتخابي تكمن في النضال الطائفي.
انت قلت لبنان مجرد طوائف متناحرة وفي كلام آخر قلت الشعب اللبناني . هل تري ان للبنانيين اجندة غير الاجندة الطائفية حتي لو كانت في مرتبة ادني؟ هل تنظر اليهم كشعب؟
انا اري لبنان مشروعاً فكرياً وسياسياً مفلساً ادي الي كوارث. للاسف الشديد نذكر فيها التجزئة القطرية علي اساس انها من ارث الاستعمار ومن الامكانية لرفض هذه الحواجز، ولكن ما حدث انه نتيجة الهيمنة الطبقية والخارجية اصبحت الحواجز القطرية التي خلقها الاستعمار مقبولة وحتي متشربة في نفوس الكثير من الشعوب العربية. مشروع الاردن اولاً او لبنان اولاً قائم علي الكيانية وباتت فكرة مقبولة حتي ولو انها جاءت من قبل الاستعمار. فحتي وإن كنت لا آخذ علي محمل الجد فكرة لبنان كوجود ولكن معظم اللبنانيات واللبنانيين يأخذون لبنان علي محمل الجد ولهذا عندما احلل استعين بهذه التجزيئات.
هل يعني هذا انك تؤيد افكار القوميين العرب؟
انا اري نفسي فلسفياً مضاداً للفكر القومي اساساً. القومية هي فكرة قائمة علي التمايز عن الغير وبهذا التمايز هنالك دائماً قمع للاقليات. ولكن انا لدي تعاطف مع الفكر القومي علي اساسين: الاول: ان الفكرة القومية للشعوب العربية اصبحت حتي من منظور حتي الخيار العقلاني مصلحة وضرورة اقتصادية. لماذا نري عملية الاندماج الاقتصادي في اوروبا وامريكا اللاتينية وآسيا الي حد ما وافريقيا وهي ممنوعة علي العرب؟ من بديهات المصلحة للشعوب العربية ان يكون هنالك اندماج للمصالح الاقتصادية العربية. ثم اني ارفض ان يكون الشعب العربي وحده ممنوعاً مما هو مسموح عند غيره. كما قال جان بول سارتر: انا يهودي بسبب معاداة اليهود لي بتحد. وبسبب وجود معاداة للوجود العربي انا عربي خصوصاً اذا كنت تعيش في امريكا.
بهذا ممكن انك عدو لكثير من اللبنانيين؟
قد تعجبين لذلك بأني حين اذهب الي لبنان للأمانة والانصاف وبسبب اطلالي علي الفضائيات يستوقفني بعض الناس الذين لا اعرفهم ويثنون علي آرائي ومواقفي. أقوم في لبنان بنشاطات كثيرة ومحاضرات اثناء زيارتي للبنان كل صيف وفي مخيمات اللاجئين. طبعاً هنالك من يتفق معي وهنالك ومن لا يتفق. المجموعات اليمينية، سلالة الحريري السياسية هم ممن يعترضون علي موقفي.
داخل لبنان لم اتعرض الي تهديد. اتحرك في مختلف المناطق بحرية. الي الان لم اجد أي خطر. في الزيارة الماضية استوقفني سائقا تاكسي في حادثتين منفردتين قائلين: كيف تتجول هكذا وتأخذ السرفيس بمفردك انا اخاف عليك . لكني اري نفسي شخصاً عادياً لديه موقف وليس لدي ما اخشاه.
انت من اشد من ينتقدون الحريري وارثه. الرجل صار شهيد الامة. حتي مفكرون ومثقفون اذا لم يضعوا كلمة شهيد في البداية يُنتقدوا؟
انا اقول ان الحريري اضر بمصلحة لبنان وفلسطين وسورية في حياته وايضاً في مماته. ظاهرة رفيق الحريري هي ظاهرة غير صحية ابداً في تاريخ لبنان وتاريخ المشرق العربي.

المسلم المتزمت

قلت في احدي المقابلات التي اجرتها معك لوس انجلوس تايمز انك كنت في صغرك مسلماً متزمتاً .

في طفولتي عندما كنت في سن الثامنة او التاسعة مرت علي مرحلة كنت فيها متزمتاً و كنت اقوم بفروض الصوم والصلاة وما حدث في هذه الفترة انني تلقنت التدين علي ايدي الشق السني من العائلة وعندما ذهبت لرؤية جدتي الشيعية قيل لها انني تعلمت فروض الاسلام فما كان منها الا ان اخذتني الي حجرتها لتري طريقة تطبيقي للشعائر الاسلامية، وكان ان نهرتني وبشدة لأني كنت ولم اكن اعلم الفرق كطفل بأني اقوم بهذه الفروض علي الطريقة السنية. وهذه التجربه غير سلبية لأنها ابعدتني كلياً من يومها عن الدين والتدين وحتي عن الطائفية.

هل بكيت؟

نعم بكيت لانها وبختني بشدة وقالت لي هذا ليس إسلاماً.

أنا وجورج حبش

كيف وجدت الماركسية؟

بالصدفة.. كان لي عم ناشط من القوميين العرب لكن لم نكن نراه كثيراً. كان صديقاً لوديع حداد ولجورج حبش وكان يكتب مع غسان كنفاني في مجلة الحرية في الستينات، ومرة اذكر ان احدهم سأله يقال في العائلة انك شيوعي فرد: هذا صحيح انا اكثر من شيوعي . لم افقه معني هذه الكلمة انذاك لكنها اثارت اهتمامي. لكن مرة في عمر 13 سمعت شخصاً امام مدرستي في بيروت يقول: .. من اللينينيين الي التروتسكيين الي الماويين . شعرت بالجهل الشديد لماذا لا اعرف اللينينية والتروتسكية والماوية. واذكر في هذا اليوم ذهبت لمكتبة قريبة لا تزال قائمة الي اليوم واقتنيت كتابا من اربعة اجزاء لاستاذ فلسفة الماني شرقي عن كارل ماركس وفردريك انجلز وبعد هذا الكتاب قرأت سيرة لينين لكاتب روسي مترجم الي العربية ترجمة سيئة جداً واصبحت عندما اتسوق للايديولوجيات اشعر باقتراب نحو فكر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وفكر جورج حبش وهذا اثر علي كثيراً.
انتقدت حبش؟
طبعاً. لا اعتبر نفسي اليوم كما كنت في فترة الجامعة ماركسياً لينينياً. شعرت بخذلان من الماركسية اللينينية وغيرها وانجذبت اكثر نحو الفكر الفوضوي. هذا اثر علي تقييمي لليسار العربي وابعدني عنه. بالرغم من مقالاتي النقدية للجبهة الشعبية، حبش قرأ بعض انتقاداتي وهو رحب الصدر علي غير عادة الزعماء العرب وزعماء الحركات اليسارية وحتي اننا تحدثنا يوماً عن كتابة مذكراته بالاشتراك معي ولكن المشروع لم يتم.
استفزني ما ذكرت في مقال لك حول الجبهة الشعبية ..قلت ان حبش لم يكتب شيئاً مهماً.
الجبهة الشعبية كانت تمثل لي نموذجاً خلاقاً لفكر ثوري كلما اقتربت منه كلما قلت ثوريته. في فترة اولية كانت لي رغبة شديدة ان يكون للجبهة الشعبية فكر ماركسي مغاير للفكر والارث الستاليني الثقيل لكني اكتشفت ان هذا ليس موجوداً وكنت اعتقد ان للجبهة الشعبية ولكتيباتها فكرا خاصا بها ولكن عندما غصت في هذا الموضوع وجدت ان ليس هنالك من شيء وانما هنالك ترجمات معظمها ركيك لما صدر عن الحركة اليسارية الشيوعية العالمية الستالينية والماوية آنذاك.
ولكن رغم احترامي الشديد لحبش هو لم ينتج فكراً. وهو ثوري بالمعني الصحيح للكلمة لأن كلمة الثورة والشهادة ابتذلت علي أيدي الانظمة العربية حتي ان رفيق الحريري تحول اليوم الي ثائر وشهيد ومقاوم وفي هذا ابتذال شديد بالنسبة لي. جورج حبش ثوري ونزيه ومن النادر جداً خاصة بعد ثورة التدفق النفطي علي الثورة الفلسطينية ان نجد كأمثاله. هذا لا يعني انني غير موضوعي في تقييمي له عندما اقول ان جورج حبش لم يكتب فكراً.
حسن البنا لم يكتب مثلاً.. غيفارا كان ثائراً في الجبال؟
معك حق.. كون حبش لم ينتج فكراً لا يحط ابداً من قدره. هنالك الكثير من الزعماء لم يكتبوا، ماركس كتب، لينين كتب لكن الكثيرين لم يكتبوا. معظم الشيوعيون العرب لم يكتبوا الا خطاباتهم.. لكن هذه مسألة هامة. هل انتجت الجبهة الشعبية فكراً يسارياُ خاصاً بها؟ أنا اقول عندما بدأت الجبهة كان حبش يتحدث عن يسار مستقل. لكن بعد سنتين تحولت الحركة الي موالية تماماً للاتحاد السوفياتي وهذا اثر سلباً علي جميع الحركات الشيوعية العريية لأن انهيار الاتحاد السوفييتي ادي الي احداث تمايز فكري عن الارث الثقيل. البرنامج الثابت للجبهة والمسمي باستراتيجية كان الي حد ما مقتبساً من كتاب لماو تسي تونغ باسم التناقضات في المجتمع الصيني .
وما نقدك علي حزب الله؟
ليس لدي بالضرورة خلاف عميق مع حزب الله حول الوضع الراهن في لبنان اليوم (بالرغم من خلافي الايديولوجي) بل العكس. لدي انتقادات. اكن كل الاحترام لحزب الله ولكل من قاوم الاحتلال الاسرائيلي وانا اذكر مبادرة جبهة المقاومة حزب العمل الاشتراكي ـ لبنان ومنظمة العمل الشيوعي والحزب الشيوعي اللبناني. ودائما يجب ان نرفع القبعة او الطربوش لهذه المنظمات الثلاث. لدي علاقة طيبة مع امين عام الحزب حسن نصرالله وبعض القيادات عندما التقيهم من اجل بحثي الاكاديمي. وانا اشاطرهم بصراحتي الكلية وبملاحظاتي وانتقاداتي. مثلاً انا لم اكن متفقا ابداً مع حزب الله في تحالفاتهم مع رفيق الحريري.

معارك لبنان

مع من معركة لبنان اليوم؟ وهل تؤمن بنظرية المؤامرة؟
هنالك عدة معارك مسوغة في لبنان والمرء يستطيع ان يقرر أيا من المعارك يخوض. انا اقول ان أساس ما يجري في لبنان الان هو مؤامرة وتكاد تعلن عن نفسها بمؤتمر صحفي علني ولكن المشكلة طريقة السخرية في عالمنا العربي لنظرية المؤامرة وصلت الي درجة جعلت البعض يعتقد انه ليس هنالك من مؤامرات. انا اقول هناك مؤمرات وهمية وغير موجودة وغير واقعية مثلاً مثل الذين يقولون ان الولايات المتحدة كانت وراء هجمات 11 ايلول (سبتمبر) ولكن هنالك مؤامرات حقيقية.. كيف يمكن لنا ان نستهين بنظرية المؤامرة عندما تقوم الولايات المتحدة بهذه الحروب وتغير من الانظمة وتفرض من عملائها ومن دمي الولايات المتحدة في طول هذا العالم العربي وعرضه؟ انا علي العكس. دائماً اقول انني من انصار احياء نظرية المؤامرة ولكن الافراط فيها مضر لانه ينشر نوعاً من الاتكالية ومن العبث والانهزامية في صفوف الناس لأن نظرية المؤامرة تقبض ببراثنها علي كل مقدرات العالم العربي ولا شيء يمكن عمله. ولكن الاستهزاء المفرط في نظرية المؤامرة يؤدي الي عدم رؤية المؤامرة عندما تضربك وتصفعك وتنهمر قنابل فوق رأسك..

سلاح الفلسطينيين خارج المخيمات؟
انا قلت هذا الكلام في مخيم عين الحلوة السنة الماضية وسأقوله هذه السنة في زيارتي لمخيم الرشيدية : انا مع السلاح الفلسطيني في داخل المخيمات وفي خارج المخيمات. انا ضد نزع أي سلاح فلسطيني لأن تاريخ الحروب الاهلية غير المنتهية في لبنان طويل الي درجة تجعل ممكناً استخلاص العبر والعبر التي استخلص بأن الشعب الفلسطيني لا يستطيع ان يثق باي طرف في لبنان ابداً. لقد استعملت جميع الاطراف اللبنانية الحركات/المنظمات الفلسطينية من دون استثناء وليس هنالك من طرف لم يبل يديه بالدم الفلسطيني خصوصاً من اطراف اليمين بالاضافة لحركة امل الشيعية التي خاضت حروبا ضد الفلسطينيين.

فيروز والماغوط

انتقدت الكثير من السياسيين ويمكن فهم ذلك. لماذا انتقدت فيروز؟
انا من اشد المعجبين والمعجبات بفيروز منذ نعومة اظفاري واحفظ علي شرائط كل ما غنت فيروز من اغانٍ قديمة وجديدة ومتوسطة الي الاسطوانة التي كانت من نتاج تعاونها الاول مع زياد الرحباني وانا منفتح بأن تجري فيروز محاولات واختبارات في الحان متجددة وجديدة ولكن انا اعتقد ان للسن دوراً وان قدرة فيروز الصوتية لم تعد علي ما كانت عليه، بحيث انها اليوم عندما تغني مهما كانت الاغنية، كل الاغاني تبدو متشابهة الي درجة كبيرة. وانا من دعاة ان تعتزل فيروز الغناء حفاظاً علي ما نحفظ لها من ذكري جميلة وعزيزة. وقلت هذا الكلام بعد ان استمعت الي بعض من اغنياتها في اطلالتها الاخيرة في مدينة دُبي.
نأتي هنا الي الماغوط الذي رحل مؤخراً..تأثرت جداً برحيله وترجمت بعض اعماله في موقعك.. ما علاقتك به؟
لا علاقة خاصة لي بمحمد الماغوط ولم التق به ابداً في حياتي. انا بصراحة يعجبني من الشعر والادب العربي الادب الكلاسيكي فترة الجاهلية حتي فترة الستينات مع بعض الاستثناءات كخليل حاوي ودرويش.. في الصيف الماضي اعدت اكتشاف محمد الماغوط في كتابه ما قبل الاخير شرق عدن..غرب الله واكتشفت انه ليس من شاعر عربي معاصر مثله تفوق في السخرية والتحدي والاستفزاز والعبث بصورة غير مصطنعة. ولهذا في الفترة التي كنت اعيد اكتشافه فيها جاءت وفاته لتمثل لي نهاية مرحلة للتحدي في عصر النفط السعودي والهيمنة الامريكية والقتل الاسرائيلي اليومي.

ربما لم يُحدث فيلم كميونخ مؤخراً مثل هذا الاستفزاز. كتبت نقداً حاداً جداً عنه. لقد هللت له الفضائيات العربية وبعض الممثلين العرب الذين شاركوا به؟
شاهدت هذا الفيلم برفقة امرأة ليبرالية في مدينة بيركلي وبيركلي هي مدينة يسارية بالمعيار الامريكي. وجدت ان كل الصالة كانت متعاطفة مع الفيلم والصديقة التي كانت بمعيتي لم تستطع ان تفهم مدي استيائي وغضبي من هذا الفيلم اذ انها حاولت ان تخفف من غضبي بأن تقول بأنه كانت لديه نيات حسنة وانا لم ار فيه الا احتقاراً وتحدياً واستفزازاً لشعب فلسطين. وعدت الي منزلي في تلك الليلة ولم انم حتي الرابعة صباحاً وبعد ان انتهيت من كتابة مقالة نقدية طويلة خصوصاً وانه مليء بالمغالطات والوقائع التاريخية.

وكيف تنظر الي مشاركة العربي الامريكي في العملية السياسية؟
نفس الشيء. اري ان المشاركة العربية في الانتخابات في امــريكا لا رائحة ولا طعم لها وان هذا الصوت يستعمل لتصوير الديمقراطية الامريكية وكأن المشاركات الاثنية متساوية بين الجميع حتي ان المال العربي ليس متساوياً فبعض التبرعات المالية ترفض باستمرار من قبل الديمقراطيين.

العربي الأمريكي

انت تحمل جواز سفر امريكيا منذ حوالي عشرين عاما ولكنك ترفض ان تقول عن نفسك انك امريكي بل وانتقدت ادوارد سعيد في ذلك؟ ارملته مؤخراً قالت في مقابلة انهم ربوا اولادهم علي ان يكونوا امريكيين؟
من حق الاهل ان يقرروا لاولادهم ما يريدون. هذه خيارات شخصية. بالنسبة لي عندما جئت الي هذه البلاد كنت اشعر بالاشمئزاز عندما كنت اري الامريكي العربي؟ يردد في الجملة الواحدة عشرين مرة انه امريكي وكأنهم يريدون تذكير المشاهد انهم امريكيون وكأن المشاهد سينسي اصلهم العربي لمجرد انهم جاهروا بجنسيتهم الامريكية. انا افعل العكس. انا دائماً اتحدث بأنكم انتم الامريكيون. في جامعة جنوب الينوي نهاية العام الدراسي الماضي كنت اتحدث حين سألني احدهم: انت تتحدث عن ان الامريكيين فعلوا وفعلوا هكذا وهكذا. هل انت امريكي؟ هل تحمل الجنسية فأجبت بأني احمل جواز السفر. فقال: ولماذا لا تقول عن نفسك أنك امريكي. فقلت انا ارفض ذلك، فاكفهر وجهه وبعد دقائق تقدم شخص من بين الحضور ورمي في وجهي سلسلة تحمل العلم الامريكي وقال لي: عليك ان تلبس العلم الامريكي او شيئا من هذا القبيل وخرج غاضباً. ولكن للامانة اعتذر الحضور عن هذه الفظاظة وبعد حوالي ستة اشهر ارسل لي هذا الشخص رسالة اعتذار.
قرأت في موقعك مؤخراً انتقاداً تهكمياً علي حماس وقلت ما معناه ان عرفات ليس الوحيد في معادلة الاملاءات؟
آه طبعاً انا من انصار ما كان يسمي عام 1974ـ 1977 جبهة الرفض والاسم الكامل الجبهة الفلسطينية الرافضة للحلول الاستسلامية . انا اردد هذا الشعار وهذا الموقف الي اليوم ومنذ نعومة اظافري كنت من الذين تأثروا بعبارة كانت تتردد لجورج حبش تتضمن جملة تحرير كل ملم مربع من فلسطين بهذا انا لست راضياً ابداً علي مسيرة اوسلو وما ترتب عليها من اقامة سلطة مسخة تخدم اسرائيل وأمن اسرائيل والنوايا الامريكية في المنطـــــقة، وانا اري ان حماس تتخبط في تناقضات وتعارضات لا تتفق ولا تنسجم مع المنطق ولا حتي مع برنامج حماس. انا لست من المعجبين ابداً بحركة حماس. لا علي المستوي الايديولوجي ولا علي مستوي الممارسة وبالرغم من كل الشعارات الطنانة الرنانة التي اطنت آذاننا فإنها تمشي وان بشيء من البطء علي خطي ياسر عرفات من التنازلات المستمرة والمتزايدة. حتي ان التناقضات في المواقف والتي غلبت علي تصريحات ياسر عرفات تسم اليوم التصريحات من قيادات حماس: يعني هم ضد الاعتراف باسرائيل ولكن في يوم آخر هم مع.. يوم مع الهدنة ويوم ضد، يوم ضد المفاوضات مع اسرائيل ويوم مع المفاوضات مع اسرائيل ما دون الوزارة.


* كاتبة فلسطينية ومحاضرة في العلوم السياسية ـ كاليفورنيا

http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=...20خليل:fff