نقطة ضوء
حر الصيف وبرد الشتاء..!!
حسن خضر
كانت الفكرة الأساسية في مقالة الأسبوع الماضي، هي التركيز على أهمية الحدث اللبناني، وعلى حقيقة أن ما يجري في لبنان سيترك آثارا بعيدة المدى على المنطقة كلها. وقد جاء سقوط الحكومة اللبنانية يوم أمس لتأكيد ما ذهبنا إليه.
المهم أن كرة الثلج اللبنانية تتحرك بقوة متزايدة، وإذا شئنا الكلام بطريقة مجازية، يمكن القول إن رفيق الحريري، قد أسقط الحكومة اللبنانية من قبره. ولا مجازفة في القول إن مصير النظام نفسه أصبح في مهب الريح.
علاوة على ذلك، يقوم النظام السوري في الوقت الحالي بمحاولات سريعة، ومضطربة، لتدارك حماقة الاستهانة بمشاعر اللبنانيين، وفرض التمديد لرئيس انتهت ولايته، حتى لو استدعى الأمر انتهاك الدستور اللبناني نفسه.
إن خطورة الوضع الذي خلقه النظام السوري لنفسه بيديه لا تخفى على أحد. وفي هذا السياق جاءت زيارات مصرية، وجزائرية، ومن جانب الأمين العام للجامعة العربية، ناهيك طبعا عن الاتصالات السرية، لتنبيه حكّام دمشق إلى خطورة وضعهم.
وكما جرت العادة دفع الحكّام السوريون من رصيد الآخرين لتدارك الأزمة، فقاموا بتسليم الأخ غير الشقيق لصدّام حسين إلى الحكومة العرقية، واقترحوا على الأميركيين تسيير دوريات مشتركة سورية ـ أميركية على الحدود السورية ـ العراقية، كما أنكروا كل صلة بالعملية الانتحارية في تل أبيب، وتكلموا عن دعمهم للإدارة الفلسطينية الجديدة.
جرت كل هذه الأحداث في غضون يومين فقط (الأحد، والاثنين)، وليس من السابق لأوانه القول إن تفكير النظام الأسدي في ضرورات البقاء سيرغمه على اتخاذ خطوات سريعة للخروج من الشرك اللبناني بأقل الخسائر الممكنة.
ومع ذلك، ليس هذا ما يستحق التفكير الآن، ربما نركز أنظارنا على نقطتين:
أولا، يعيد مشهد المعتصمين أمام البرلمان اللبناني مشهد معتصمين آخرين في بلاد أخرى تمكنوا من إسقاط حكوماتهم بطرق سلمية، وبالعصيان المدني، ومن خلال اقتحام البرلمان، أيضا. وقد شاهدناهم على شاشات التلفزيون، وخفقت قلوبنا من أجلهم. ولا شك أن قلوبا كثيرة تخفق الآن من أجل المعتصمين في لبنان. ولا شك أن الشرارة اللبنانية التي تشتعل الآن في عالم يسوده الظلام، لن تذبل في وقت سريع.
الفرضية الأساسية أن الناس يستطيعون تغيير حكوماتهم بأيديهم، وهم لا يحتاجون إلى أحزاب ثورية، ولا يحتاجون إلى ضباط يصلون إلى السلطة بانقلابات عسكرية، لا يحتاجون إلى دبابات، ولا يحتاجون إلى بنادق، ولا يحتاجون إلى البيان الأوّل على ظهر دبابة. فقد انتهى زمن الانقلابات، والأحزاب الثورية، ومجلس قيادة الثورة، والبيان الأوّل.
الآن، نحن في زمن منظمات المجتمع المدني، والنقابات، ومنظمات الشباب (غير التابعة للسلطة، طبعا) التي تتمكن بمجرد وقوع قشة من قصم ظهر البعير. وفي كل نظام من الأنظمة العربية الكثير من القش، والكثير مما يستحق القصم.
ما ينبغي الكلام عنه الآن أن اللبنانيين يصنعون التاريخ لنا ولهم.
ثانيا، يصعب الكلام عن انتصار المعارضة اللبنانية وكأنه حقيقة مؤكدة في الوقت الحاضر، فما زالت هناك مخاطر بفضل هشاشة الوضع اللبناني، وبفضل التكوين الطائفي للبنان.
علاوة على ذلك، كما يدرك أشخاص في مناطق مختلفة من العالم العربي أن اللبنانيين يصنعون تاريخا جديدا لأنفسهم وللعرب، فإن أشخاصا في سدة الحكم في عواصم عربية مختلفة على دراية كافية بما يعنيه الحدث اللبناني، وليس من مصلحتهم انتصار المعارضة اللبنانية بهذه الطريقة. لذلك، سيبذل هؤلاء الجهد، والمال، والنصيحة، في أفضل الأحوال لتحجيم الحدث اللبناني، وفي أسوأ الأحوال لتخريبه.
هناك، أيضا، مسالة حاسمة وهي مدى وعي السوريين لاحتمالات الربح والخسارة في لبنان. ورغم أن فرضيتي الأساسية هي أن ما يحكم موقفهم في الوقت الحاضر يتمثل في المقايضة، مقايضة الأميركيين، والمعارضة اللبنانية، أي بتقديم تنازلات مقابل تنازلات، إلا أن طريقتهم المعهودة في الدفع من رصيد الآخرين قد تحرّضهم على تجنيد أكثر من طرف في لبنان لخلط الأوراق، بطريقة قد تمنحهم وقتا أطول.
أخيرا، في ظل ظروف كهذه لا يكون إسقاط الحكومة كافيا لتحقيق الانتصار، رغم الأهمية العملية والرمزية لحدث من هذا النوع. لذا، فإن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن يتمثل في الكلام عن الخطوة التالية.
كيف سيتصرف أقطاب المعارضة بعد سقوط الحكومة للحيلولة دون خلق فراغ في البلد؟ ربما يجدر بنا الكلام، أولا، عن احتمالات الصراع الداخلي.
رغم أن لبنان لا يشكو من توّفر عناصر الفرقة والانقسام، إلا أن تجربة الحرب الأهلية اللبنانية قد تركت آثارا سلبية عميقة تجاه فكرة الحرب. ورغم أن حالة السلم الأهلي البارد، إن لم نقل الحرب الأهلية الرمزية، استمرت بأشكال مختلفة بعد انتهائها بشكل رسمي، إلا أن الأطراف الإقليمية والدولية لن تسمح بانفجار الحرب في لبنان.
كانت الحرب الأهلية اللبنانية في أواسط السبعينات جزءا من حروب إقليمية ودولية أكبر حجما، وأكثر خطورة. وقد تغيّرت كل المعادلات السابقة بطريقة جذرية. وفي المعادلات الجديدة غير مسموح بالحرب الأهلية في لبنان.
في سياق فرضية كهذه يصعب التفكير في انفجار واسع النطاق للوضع في لبنان. وهذا، بدوره، يرجح احتمال البحث عن تفاهمات لبنانية ـ لبنانية على قواسم مشتركة للحيلولة دون الفراغ السياسي من ناحية، ولتنظيم عملية خروج السوريين من لبنان من ناحية أخرى. تتمثل أهم عوامل الحسم، في هذا السياق، في موقف الشيعة في لبنان. ولن ننتظر أياما كثيرة لمعرفة حقيقة هذا الموقف.
المهم أننا نشهد أحداثا كبيرة، ومن الصعب التفكير في لحظة ملل واحدة في قادم الأيام. صيف هذا العام شديد الحرارة، رغم أننا ما زلنا نشكو برد الشتاء.
http://www.al-ayyam.com/znews/site/templat...8&Date=3/1/2005