تحياتي مجدداً، سأقوم بالرد بشكل عام، فلا أستطيع الرد على كل مشاركة على حدة.
تحدث الأصدقاء ههنا، عن جانب معين في نقدهم لعبد الناصر وعصره ونهجه، وهو جانب تسلط وديكتاتورية الحكم، أو طابعه الشمولي، دون الأخذ بعين الاعتبار المرحلة والعصر الذي جاء فيه عبد الناصر وحكم فيه البلد، والطور في تكون الدولة المصرية.
فقبل عبد الناصر لم يكن هناك بلداً بالمعنى المؤسساتي المستقر.
وسأتطرق بردي لبعض الأمور التي أتى على ذكرها الزملاء:
1. في تاريخ كل الدول تقريباً، فلا بد من مرحلة تبنى فيها الدولة، فقبل أن نتحدث عن حرية المواطن، علينا أن نبني الوطن، وإلا فالحرية للمواطن هي مجرد حديث في فراغ الوطن، وترف فكري لا أساس ولا قاعدة له، فالإنسان بحاجة أولاً قبل حرية التعبير وممارسة الديانة بحرية وحرية الإلحاد وحرية المثليين جنسياً وحريات مسك يد الحبيبة بالشارع .. الخ:)، أقول هو بحاجة أولاً إلى إطار يمارس فيه هذه الحرية أو الحريات، وإلا فإنها ستصبح فوضى كما حدث في سوريا الخمسينيات، ومصر قبيل ثورة يوليو.
لقد ذكر العزيز العلماني نابليون الأول، ولكني سأذكر أيضاً كمثال نابليون الثالث والذي وصل للحكم بعد سنين طويلة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في فرنسا(نتيجة لعدم الاستقرار السياسي)، نابليون هذا باني فرنسا الحديثة وصل للحكم بشكل ديمقراطي عام 1848 ثم قام بانقلاب داخلي عام 1852 وعين نفسه امبراطوراً، وله الفضل خلال 18 سنة من حكمه باستقرار البلاد السياسي رغم أنه ترك الحكم بعد خسارة مريرة في حربه ضد ألمانيا (بروسيا).
الناس تحتاج أولاً للأمن في الوطن:
الأمن الاقتصادي أولاً، فالجائع لا تهمه حرية الرأي والتعبير.
الأمن الاجتماعي ثانياً، فالذي يخشى على نفسه من الموت والسرقة والبلطجة لا تهمه ولا تفيده أصلاً حرية الرأي ما دام الرأي للسلاح.
والإنسان بحاجة لتحقيق الذات الجمعي، أي أن يعتبر نفسه جزءاً من وطن لا تتحكم فيه عناصر خارجية وتلعب به كيفما أرادت.
2, عبد الناصر حقق الكثير لبلده وللعرب عموماً، أرسى أولاً أسس الدولة ومؤسساتها وحدث اقتصادها المترهل وأخرجها من الإقطاعية الثقيلة المتخلفة (رغم مظاهر البذخ والارستقراطية بعهد الملك التي يحن لها البعض ويعتقدها كانت سائدة لدى الشعب بينما هي حكر على أقلية من الأقلية)، وثانياً عمل ليضمن لمصر موقعاً قوياً إقليمياً وعالمياً، وليبني حوله إطار حقيقي لأمن إقليمي فاعل وممتنع على الطامعين بالأمة، وقادر على المواجهة، ونكسة حزيران 1967 لم تكن إلا جولة، ولا يمكن محاسبة ناصر عليها وحده، ولا يحاسب بكل الانجازات عليها وحدها.
3. انتقد البعض ههنا المؤسسة المخابراتية التي أرساها ناصر في مصر، وربما صدرها لسوريا (لا أعتقد بالفعل ذلك فالمخابرات ليست اختراعاً مصرياً، وبسوريا فإن من أسس لها كان حزب البعث).
لكن المخابرات مؤسسة مهمة لاستقرار أي بلد داخلياً، تجاوزاتها هي شيء يجب التنديد به، وليس وجودها ولا قوتها أبداً. فعلى سبيل المثال فإن إضعاف المخابرات العسكرية من قبل الرئيس اللبناني سليمان فرنجية (في سبعينيات القرن الماضي) كانت سبباً أساسياً في إضعاف الدولة اللبنانية وإطالة الحرب اللبنانية الأهلية ومنعها من التوقف، بل لو أنه تابع على النهج الشهابي السابق ربما توقف فتيل شرارة الحرب سريعاً جداً.
4. عبد الناصر لم يكن مغامراً عسكرياً، بل أنه تفادى الاصطدام بإسرائيل مراراً وتباعاً، ولا يجب خلط الخطاب السياسي والأيدولوجي والتعبوي بالممارسة السياسية الفعلية، فجميع السياسيين بما فيهم الغربيين يمارسون خطاباً سياسياً مختلف عن ممارستهم السياسية، ناصر كان واقعياً جداً وواعياً لقدرات مصر، ولم يرغب أبداً بالدخول بصدام مباشر مع إسرائيل ولا المغامرة بهكذا حروب خاسرة، ولكن الحرب فرضت عليه فرضاً، بل حتى وثائق الإسرائيليين التاريخية تؤكد على هذا الأمر، وأن أمر الحرب ضد مصر وسوريا عام 1967 لا علاقة له بخطاب ناصر من أساسه. وجاء خداع السوفييت لناصر أيضاً ليزيد الطين بلة. (راجع خطابات ناصر أدناه لتعلم المزيد عن براغماتية ناصر في قضية المواجهة ورغبته أولاً بتكوين حلف عربي واسع والقضاء على الرجعية قبل المضي بمواجهة العدو).
5. الزيادة السكانية التي حدثت منذ عهد ناصر، هي من أحد منجزات عصره، والتي ذكرها البعض بغير موضوع وكأنها نقيصة، إذ أن تحسن مستوى الإنسان المصري المعيشي والصحي ساهم بتكاثر أهم وهبوط من ناحية لوفيات الأطفال ومن ناحية لارتفاع معدل عمر الإنسان.
5. أنا لست ناصرياً بالمعنى الأيدلوجي والسياسي للكلمة، ولكني أعتبر ناصر قائداً كبيراً في تاريخ أمتنا العربية، سيبقى التاريخ يذكره بالخير، ولو أنه أخطأ بالكثير فإنه قام بالكثير أيضاً وكمحصلة فإن ماله أكثر مما عليه.
بعض الفيديوهات المهمة:
أجزاء من خطب عبد الناصر:
http://www.youtube.com/watch?v=AfX0MhOx0bo
يا جمال يا حبيب الملايين:
http://www.youtube.com/watch?v=C0-_quiywzM