Array
سؤال الى العلماني ...رياض يريد تعلم العربية ...ماهي نصائحك ...العمر 18 سنة ...اللغة الألمانية ....متمكن بعض الشيء من الإنكليزية ...
ماهو رأيك بهذا المعهد المكلف معهد تعليم العربية للأجانب
http://www.aawsat.com/details.asp?section=...p;issueno=10579
[/quote]
أعتقد طبعاً بأن الأمر ممكن جداً وأحيّيك وأحيي ابنك لمحاولته التمسك بجذوره. ولي تجربتين صغيرتين في هذا المجال (مجال تعليم العربية لمن لغته الأساسية أجنبية) أولهما مع "المحيط الأوروبي والثانية مع بكر أبنائي" أريد أن أتحدث عنهما قليلاً، لعل حديثي يعينك على تدبير ما أنت مزمع عليه مع "رياض".
منذ فترة طويلة (أواسط التسعينيات) عملت في تدريس العربية للأجانب في "جامعة شعبية (مفتوحة)" لمدة عامين. كان كل "صف" مؤلفاً من 8 – 10 طلاب. يدرسون "ساعتين" فقط كل أسبوع، على مدار السنة الجامعية (حوالي 7 أشهر). وكان السؤال الأساسي هو: ماذا أستطيع أن أقدّم لهم من مواد في هذه الساعات القليلة (حوالي 60 ساعة)، وسط بيئة أوروبية لا علاقة لها بالعربية نهائياً (لم تكن الانترنت وقتها كما هي اليوم)؟
الجواب كان بسيطاً بل حتمياً: فهذه الساعات القليلة تكفي، بالكاد، لتعلم مباديء القراءة والكتابة. لذلك كانت خطة عملي هي إعداد الطلبة للقراءة والكتابة (مع الحركات والقواعد الأولى البسيطة)، وتكريس ربع ساعة – أو أكثر قليلاً - من كل "حصة أسبوعية" للتحدث في التاريخ العربي الإسلامي والتعود على المصطلحات الأولية البسيطة للهجة العامية (لهجة بلاد الشام بشكل عام)، بل – أحياناً – سماع شيئاً من الموسيقى والألحان العربية الشرقية (كنوع من التحفيز).
في آخر السنة كانت النتيجة لا بأس بها (بتقديري)، فمعظم الطلاب الذين درّستهم أصبحوا "يفكّون الحرف" – كما نقول -، بل كان في كل "صف دراسي" اثنان أو ثلاثة طلاب يذهبون أبعد من هذا ويعملون ويكدون ويجتهدون حتى صاروا يستطيعون القراءة (المكسّرة) دون حركات. في آخر "حصة"، كنت أقول للطلاب بأنهم صاروا يمتلكون "أداة أساسية" لتعلم اللغة العربية هي "المعرفة الأولية بقواعد القراءة والكتابة"، ولكن هذه الأدارة قد يعروها الصدأ والتآكل لو هم أهملوها. والحل الأفضل لمن يريد أن يمضي قدماً في هذا المجال – ويستطيع ذلك طبعاً – هو الذهاب لتعلم اللغة في "بلد عربي" والعيش داخل المجتمع العربي (وأعتقد أن هذا من البديهيات).
في السنة الماضية، قابلت – عن طريق الصدفة – اثنين ممن كنت قد درّستهم في تلك الفترة، وقد أدهشاني حقاً؛ فهما يجيدان الكلام بلسان عربي قويم (رغم بعض "رخاوة الحنك" في نطق الحروف المعطّشة – مثل "الطاء" و"القاف" ... إلخ)، بل والأجمل أنهما كلماني بلهجة شامية "طريفة" تشبه لهجة "أديب شحادة" ("أبو رسمي") في مسلسل "وادي المسك".
أخبراني هذان الصديقان أنهما، وعلى مدار ست سنوات، كانا يعيشان في "الشام" في شهري الصيف (يما يتناسب مع إجازتهما كمعلمي مدرسة في هذا البلد الأوروبي) ويصران على العيش "منفصلين" في جو عربي كامل. في الفترة الأولى قاما بدراسة اللغة العربية في أحد المعاهد لتعليم اللغة العربية للأجانب في دمشق (لم أسأل عن اسم المعهد). بعد ذلك، وبعد أن نالا من معرفة اللغة العربية ما يؤهلهما من تدبر أمرهما بنفسهما، عوّلا على العيش فقط في "دمشق" مدة شهري الصيف (كانا يزوران أحياناً لبنان كما قالا) وتعلم اللغة من خلال الجو العربي الشامي.
أقول كل هذا كي أزعم بأن تعلّم اللغة العربية أمر ممكن جداً لمن يريد فعلاً تعلمها مهما كان عمره (فالشخصان المذكوران كانا في الثلاثينيات من عمرهما عندما بدآ بدراسة اللغة العربية). وهو يعتمد بدرجة أولى على " الحافز والإرادة" ثم "الاجتهاد والمواظبة" وأخيراً "الجو العربي" (التعلم بعيداًعن "الجو العربي"ممكن أيضاً، ولكنه أصعب بكثير طبعاً). هناك أيضاً "الكفاءات الشخصية" في التعلم، فبعض الطلاب يكونون مهيئين أكثر من غيرهم في مجال دراسة اللغات (وأحياناً بعض اللغات فقط) ويتقدمون سريعاً في تعليمهم. ولكن "المثابرة" على الدرس والتحصيل كفيلة بتخطي جميع العقبات في تعلّم اللغة.
--------
هنا، دعني أخبرك بالتجربة الثانية وهي أن "أكبر أبنائي" (14 عاماً) كان في وضع قريب أو مشابه "لابنك رياض" منذ ثلاثة أعوام فقط (لغته الأم: الألمانية والفرنسية على السواء – لغة أمه ألمانية وحديثنا في البيت يتم باللغة الفرنسية-). يومها، إثر زيارة "لفلسطين" والمكوث بها بعض الوقت، لاحظت أن "ابني" بدأ يهتم بأصوله وجذوره كثيراً ، ولقن بعض الكلمات القليلة في "زيارته" وعاد بها كي يكررها معي دائماً ويتمسك بها. بل ذهب أبعد من هذا وصار يستمع إلى الموسيقى والألحان الشرقية. عندها قررت أن أبذل ما في وسعي لمساعدته في تعلم اللغة العربية، ما دمت قد وجدت عنده هذا الحافز القوي. هنا اتخذت معه الخطوات التالية:
1) درّسته شيئاً فشيئاً مباديء القراءة والكتابة، وهو الآن يستطيع أن يقرأ بعض الشيء (بصعوبة ومع وجود الحركات بالطبع).
2) قلت له منذ البداية بأن "اللغة ممارسة" قبل أن تكون علماً. وهي بحاجة لوقت كبير لإجادتها. ولكن المسألة مسألة وقت وجهد ليس إلا.
3) قلت له بأنه قد تمر عليه لحظات يحس فيها "باليأس والإحباط" وأنه لا يفهم الكثير رغم محاولاته الدؤوبة للتعلم. عندها ليتذكر أن المسألة مسألة وقت وجهد فقط، وهذه الفترة سوف تمرّ وتعبرسريعاً ، بل ولسوف يضحك منها بعد أن تمر. المهم ألا ييأس وأن يتابع التعلم، ويحاول أن يجد الحوافز النفسية للإحساس باللذة في الصعوبات والتعلم إن أمكن. فكل سلعة لها ثمنها وعليه أن يفكر بأن تعلم اللغة العربية سلعة ثمينة جداً، وباب يفتح له التعرف على 230 مليون إنسان و 23 دولة (بكل غناها الحضاري والثقافي والانساني والوجداني).
4) أحدثه دائماً عن "أصلي وفصلي وعائلتنا" وعاداتنا وتقاليدنا. عن هضاب الجليل وعن شاطيء الكرمل وعن الكثير مما عشته في بلدي "أيام زمان". ومن خلال الانترنت ووسائل الاتصال الأخرى (الرسائل على التليفون خصوصاً) أقام علاقة وثيقة مع أبناء عمومته (أولاد أخي وأخواتي) الذين بات يعرفهم جيداً بحكم تردده على "البلاد" كل سنة. ورغم أن هذه العلاقة تقوم على الانكليزية (المكسّرة) إلا أنها عبارة عن حبل متين يربطه بفلسطين وعائلته هناك (قبل يومين فتحت بالصدفة محفظته فوجدته يحتفظ بصورة وحيدة فيها هي "لأبي" أنا (جدّه)).
5) أحدثه دائماً بصورة إيجابية عن بلدي ولا أدع مجالاً في رأسه للسلبيات (بقدر الإمكان طبعاً). ولعل هذا سهل علي كثيراً لأنني شديد الحنين إلى الجليل ومشتاق لحيفا دائماً وأبداً.
6) أحاول أن أتحدث معه بالعربية بقدر الإمكان، ومنذ عام أو أكثر كّثفت هذا حتى لو لم يفهم جميع ما أقول.
7) سوف أرسله – لوحده - هذا الصيف لشهر وبعض الشهر إلى "الجليل". وهناك سوف يتلقى العربية على يد أشخاص يحبهم وفي بيئة عربية خالصة يعشقها ويحن إليها كلما ابتعد عنها. فهو على علاقة مميزة بجده (أبي)، وأبي مدرس لغة عربية متقاعد منذ زمن وعنده الكثير من أوقات الفراغ. لذلك استغليت الظرف المؤاتي وطلبت من أبي تحضير برنامج لتدريسه اللغة العربية الفصيحة كل يوم (ساعة وبعض الساعة إن أمكن) خلال الصيف القادم.
------
أخيراً، "بسام" يا سندي، إذا كان لي أن ألخّص ببعض السطور كل هذه التجارب المُعاشة، فلأقل لك بأنك اذا استطعت أن توفر لرياض "معهداً لتعليم اللغة للأجانب في دمشق" فهذا ممتاز جداً وخطوة مهمة جداً (وليس مهماً كثيراً أن يكون مستوى هذا المعهد ممتازاً أو متوسطاً، فالمهم هو "الكادر المدرسي الصارم" و"تأصيل اللغة". فاللغة بحاجة للعيش والممارسة ولكنها ايضاً بحاجة "للتأصيل والدراسة العلمية" كي يستطيع الأجنبي أن يحذقها وأن يتلافى "عقباتها".
حاول دائماً أن تجد عند رياض "الحوافز" لتعلم العربية وتنمّيها بكل ما تستطيعه. حدثه بإيجابية وقدر ما تستطيع عن "الشام" وحاراتها وعاداتها وتقاليدها وخصائصها الثقافية المميزة. إذا كان لديك بعض الأهل والأقارب في "دمشق" فهذا وقت مناسب كي يعزز صلاته بهم، "فالحب والشوق واللهفة" يصنعون المعجزات.
بالتوفيق
واسلم لي
العلماني