شمس الزوال حارقة
كنت احس برأسي تغلي و الاشعة الصفراء العدوانية تلهبها...كرهت السماء لحظتها لانها لم تظللني بالغمام انا ايضا
دخلت الملعب قافزا من فوق السور...الباب لم يكن قد فتح بعد...لقد أتيت مبكرا كالعادة و كنت أول القادمين...خطوت بسأم فوق الارضية المتربة و بعد خطوات معدودة كان حذائي المنهك قد أصبح أحمر اللون...من الارض خلقنا و اليها نعود...لكنني أكره هاته الارض المغبرة القاحلة التي لا تعني لي سوى الموت و الفقر...لمادا لا تكون أرضا معشوشبة كما نرى في التلفاز...و محاطة بالورود و الاشجار الجميلة...لما لا يكون ملعبنا مثلا مثل ملاعب الكولف؟
امام هذا السؤال تذكرت وجه مدربنا الكالح...تشجعنا ذات مرة و سألناه متى سيصبح لنا ملعب أخضر يا أستاد؟ نظر الينا بملل ممزوج بالقرف ثم قال أشياء لا أذكرها عن الجماعة المحلية و عن الميزانية التي لم تصوت بعد و زيارة المسؤولين...دائما كان يقول في كلامه حتى العادي منه اشياء عن المسؤولين و المنتخبين...ربما ليعطي
لنفسه أهمية لا يمتلكها...كان هو أيضا من هواة نفخ الذات
و البلدية...ألا لعنة الله عليها ما تعاقب الليل و النهار...لا زلت عاجزا الى الآن عن فهم دورها الحقيقي...كانت تبدو لي فيما مضى ككائن اسطوري يتكلمون عنه لكنه لا يرى و لا يظهر...لكنني أكتشفت حقيقتها عندما سمعت بعض أبناء حينا المعطلين يلعنونها و يبصقون بعد ذلك ...هم على الاقل يفهمون اكثر من طفل مثلي...لقد درسوا كثيرا ليصبحو موظفين في الشارع العمومي...يحرسونه و يعتنون باعمدة الانارة و بالابواب
مرت عشر دقائق...الوقت ايضا عدواني...فهو يمر ببطئ شديد..كانه يريد تعذيبي بهاته الحرارة و السأم
لتمضية الوقت اعلنت الحرب على نملة....مرت من أمامي فامسكت عودا صغيرا و صرت احاصرها في كل اتجاه...تدور لليمين اقفل الطريق...الى اليسار أقفل الطريق...احسست بقوة عظيمة...على الاقل أنا ايضا أقفل الطريق مثل رجال الشرطة و الدرك....هم يقفلون الطريق بالساعات امام الناس ليمر المسؤول...و انا أقفل الطريق على نملة ليمر حقدي و مللي
سامت
فاطلقت حكم الاعدام على النملة المسكينة...فعصتها...ثم تذكرت عشماوي و لقطات الاعدام في الافلام العربية...ثم تذكرت سليمان و النملة التي تكلمت معه...أي هراء هذا....لماذا لم تتكلم معي النملة انا أيضا...على الأقل كنا سنمضي الوقت بسرعة و نتناقش في السياسة او في ثمن البصل و العدس
سمعت بعد ثواني صوت صهيل خيل...تذكرت ان ملعبنا المقفر ملاصق لنادي فروسية كبير فيه حمام سباحة و صالات فارهة لكمال الاجسام...و خيول كثيرة يركب عليها اناس ليسوا مثلنا ليقفزو بها فوق حواجز خشبية...على الاقل هم لا تغبر أقدامهم بالتراب الاحمر
قررت ان أذهب لألقي نظرة عن قرب...لارى تلك الكائنات العجيبة...الخيول...و الكائنات العجيبة الاخرى...من يركبون عليها
اقتربت من باب حديدي مقفل عال قليلا...يؤدي الى الحظيرة...السور أيضا ليس عاليا و يمكن ان اقفز فوقه...تذكرت القردة
وضعت حقيبتي الممزقة جزئيا على الارض و قفزت...امسكت يدي السور و جدبت جسمي فصرت فوقه...كان المكان هادئا...ثم قفزت مرة أخرى نحو الاسفل...احسست بألم في ركبتي...تقدمت ببطء فظهرت لي رؤوس خيل يصهلون...تشجعت حتى وصلت امام احدهم...كان ضخما لكن لطيفا...ذاعبته فلم يفعل شيئا...كان جميلا
حاولت ان أسترجع ما أعرفه عن الخيول...لم اتذكر الا ما سمعته ذات يوم و انا امر قرب سوق الخضار من سكيرين...بالصدفة سمعت احدهم يقول للاخر...يا ابن القحبة هل تعلم كم يساوي ذاك الجواد في نادي الفروسية؟ ان ثمنه على الاقل يساوي مدخولك لمدة سنتين أو ثلاثة...فأقفل مؤخرتك و لا تذكرنا بهؤلاء القوم و خيولهم
أحسست بالفخر بعد هذا التذكر لانني اداعب حيوانا يساوي الملايين...ساتفاخر على اولاد الدرب في المساء
لكنني بعد وهلة لم أفهم شيئا...كيف يستخدم هؤلاء القوم الخيول للتسلية و هي تساوي الملايين في حين لا يجد الكثيرون قوت يومهم الا بشق الانفس؟
قلت مع نفسي في محاولة للجواب ان الظلم يملأ العالم...و ان الله ليس عادلا او لم يخلق العالم عادلا كما ينبغي....و الا لكان أعطى جوادا لكل مواطن و سمح للجميع بالتسجيل الباهض الثمن في نادي الفروسية...امام هذه الفكرة حاولت تخيل نفسي فوق فرس يقفز بي في الهواء...يجري بي و أهرب به من الواقع نحو السماء...لكن حلمي لم يدم
سمعت اقتراب خطوات...فاختبات امام برميل كبير موضوع بين الحظائر...ثم رايت شخصا اظنه الحارس...حمل خيشة فارغة ثم ذهب...احسست بالرعب...اذا رأني هنا فسوف يضربني
يجب ان أرجع للملعب...فالتدريب سيبدأ