مرحبا
بداية أعتذر عن المشاركة التي سأضعها ، لأنها ستبدو مبتورة ومشتتة ، وهذا بسبب ضيق الوقت الشديد.
ولكن لدي بعض الأفكار التي أعتقد أنها تمس لب الموضوع.
لا أعتقد أن المشكلة تخص الدين قدر ما هي متعلقة بالإنسان.
الإنسان يميل إلى الإنتماء إلى جماعة والولاء لها.
والتوجس من كل من هو خارج نطاق هذه الجماعة.
أعتقد أن هذا طبع بشري لا يمكن التخلص منه.
على سبيل المثال ، من خلال عملي استطعت أن أشاهد عن قرب سلوك العاملين في محلين تجاريين ينافسان بعضهما ، ويبيعان نفس البضاعة ، وكلاهما يفتح في مول تجاري واحد.
يأتي موظف يعمل في الصيدلية 1 في الصباح ، وموظف يعمل في صيدلية 2 في الصباح.
كلاهما ينظر إلى الآخر ويبتسم ويوميء برأسه بترحاب ومودة ظاهرين.
في داخل كل صيدلية يعمل كل منهما بقوة على إفشال عمل الصيدلية الأخرى من خلال تحدثهما إلى الزبائن.
وهي حرب بلا هوادة لا تتخذ شكلاً ظاهراً للجميع، إلا من يراقب فقط.
كلا منهما يحاول تخفيض سعر نفس الدواء والتسويق للزائرين أن أسعاره أرخص وخدمته أفضل من جاره.
وفي فترة الراحة في الظهيرة ، يلتقي الموظف 1 مع الموظف 2 في الممر ويقفان سوية للتحدث في مواضيع عامة جدا بابتسامة مصطنعة. كلاهما يحاول شمشمة الأخبار عن عمل الآخر بطريقة ملتوية، وكلاهما يتوجس خيفة من الآخر ، ولا يثق فيه ، وينتظر الفرصة لاستعمال أي شيء لضرب الآخر الضربة القاضية.
ماهي تلك الفرصة ؟ الجواب: لحظة الحصول على المعلومة المناسبة.
شاهدت فيلماً وثائقياً عن حياة بل جيتس ، ولفت نظري فيه عبارة مهمة للغاية، قالها أحد أصدقائه في شركة برمجيات منافسة :
قال لي بل جيتس عند بداية معرفتي به : نحن صديقان ، وأنا أحترمك للغاية ، ولكن احذر مني بشدة، وراقب ما تقوله جيداً حال جلوسك معي، فلو قلت لي معلومة أو فكرة إبداعية عن شركتك، سأستعملها ضدك فور ذهابي من هنا وسوف أدمرك.
هناك شعور دفين بالكراهية بين الموظف أ والموظف ب.
والسبب هو اختلاف الإنتماء.
وحده فقط اللامنتمي هو الذي يمكن للآخر أن يأمن منه بأنه لن يسعى لتدميره.
ولكن لا يوجد لا منتمٍ كامل ، وحتى هذا عادة ما يعاني من أمراض نفسية قوية ، استفاض كولن ولسون في الحديث عنها في كتابه الشهير.
وعادة ما لا يترك الآخرون حتى هذا الشخص المسالم في حاله، ويحاربونه بأقصى ما لديهم من كراهية، لأنهم يخشون من منظره هكذا وهو معلق في الفضاء دون حبال تربطه بأي شيء ، ويشعرون بالإختناق من مجرد الفكرة.
إنه شيء يماثل السباحة في البحر بدون عوامة ، وسط جمع من السباحين الذين يرتدون كلهم عوامات.
يبدو ذلك الشخص الشاذ الذي لا يرتدي ماركة معينة على جبينه ، أو يحمل بادجاً على قميصه مثيراً للخوف من جميع الأطراف المنتمية والتي يحارب بعضها بعضاً طوال الوقت.
فبدلاً من أن يتركه الجميع في حاله ، يحاربه الجميع.
قد يقول قائل أن موظف أ وموظف ب لن يصل بهما الأمر أبداً إلى حمل السلاح مثلاً وتكسير صيدلية الآخر.
وهذا صحيح ، ولكن كلاهما يحاول القضاء على مصدر الدخل الرئيسي للآخر وتدمير أسرته بالتالي.
ولكن مهنة الصيدلة تتطلب رقياً عقلياً ودراسة ، والدين لا يتطلب هذا، وكذلك تشجيع فرق الكرة ، وكذلك الإنتماء الحزبي والسياسي ، وغيرها من الأنشطة الإنتمائية التي يمكنها أن تنتشر بسهولة في الأوساط الشعبية البسيطة التي لم يصل أفرادها بعد إلى درجة ثقافية أعلى من فلسفة استخدام الذراع للحصول على الحق.
الدين هو وقود هائل يغذي هذا الطبع فقط. والتخلص منه هو الحل. لا تسكينه وتنويمه.
ولكن بناء على ما قلته حتى الآن ، هناك سؤال : هل هذا الحل - التخلص من الدين - هو في الحقيقة حل؟
لا أعتقد ، فالإنسان سرعان ما سيستبدل الدين حال التخلص منه بشيء آخر لتفريغ الطاقة الإجتماعية التي هي ليست مستغلة كما يجب حتى الآن على الأرض.
وكلما نزلنا من الدول الغنية إلى الدول الفقيرة ، استطعنا ملاحظة كيف أن تلك الطاقة البشرية عاطلة عن العمل.
كذلك في المجتمع الواحد في الدولة الواحدة ، إذا نزلنا من المستوى الأكثر علماً والأكثر غنىً إلى الطبقات الشعبية والبسيطة ، لاحظنا أن العامل القوي هو البطالة ، وهي التي تدفع الإنسان دفعاً إلى البحث عن غاية ومعنىً للحياة ، لا يمكن إيجاده ، في ظل ظروف قلة العلم والثقافة إلا في الإنتماءات المشهورة التي تتراوح بين الدين والسياسة والكرة. وكل هذه يستغلها أناس محددون في الطبقات المتعلمة والغنية ، في تجنيد الأنصار لهم للحصول على المزيد من السلطة والقوة.
وهذه هي المشكلة الأخرى الكبرى ، مشكلة الزعامات المحركة للجماهير.
خاصة عندما تكون فاسدة والجماهير نفسها لا تثق فيها.
وهذا ما يتحقق بشكل نموذجي في مصر مثلاً.
فالمسلمون لا يثقون في شيخ الأزهر والمفتي ، وهناك قسم كبير من الأقباط كذلك لا يثقون في البابا ولا في نواياه.
وهذا أعطى الفرصة لما يمكن تسميته " فوضى الولاء " لدى الطرفين.
ففي الكنيسة ظهر البابا الجديد الذي استقل بفئة كبيرة من الأقباط في كنيسته الأرثوذكسية الخاصة.
وفي الجامع ظهر أئمة أكثر انتماء للجماهير وأكثر لمساً لما يعتمل في نفوسهم.
وكلا الطرفين ، يستعمل الآخر المنافس كمحفز أساسي لتكثير أتباعه.
البابا الجديد مكسيموس ، والذي يتخذ اسماً مشابهاً للمحارب Gladiator الذي تمرد على الإمبراطور القذر ، وتفوق في حلبة القتال وقتل كل البرابرة، يتخذ علناً من الصيدلية المنافسة له (الإسلام) وقوداً لتحريك الأتباع نحوه. حيث فشلت القيادة الدكتاتورية لشنودة في تسويق المسيحية الحقيقية ، مما جعل الإسلام ينتشر وينتصر.
والإمام الجديد ، بن لادن والظواهري وغيرهما ، يتخذ من الصليب عوناً له في تحفيز الجماهير اليائسة من قياداتها الفاسدة والخاملة.
وهذا الأمر ليس خاصاً بمصر ، فالمجتمعات الأخرى في كل العالم لديها من المبررات الكثير ، للتراشق بالحجارة في الشوارع ، هناك مثلاً البروتستانتية والكاثوليكية.
وهناك مانشستر يونايتد وليفربول .
وهناك اللون ، والجنسية ، والحزب السياسي.
وهناك الكثير من بدائل الدين ، التي لا تحتوي على كل نسبة الكربوهيدرات الفكرية والدهون والشحوم التي تمتليء بها الكتب المقدسة ، ولكنها رغم ذلك قادرة على توفير طاقة كافية لشحن العقل والعاطفة بطاقة عنيفة يمكنها إحداث نفس النتيجة التي كان الدين يؤدي إليها.
لو نزعت السكر الأبيض من المجتمع ، سيأتي الإنسان ببدائل فورية له ، وستنتج له نفس الطاقة وتؤدي إلى نفس النتيجة التي كان السم الأبيض الضار بالصحة يفعلها بالناس.
أعتقد أن هذا يلخص ما أريد قوله ومضطر للتوقف عند هذا الحد
لا بد أن أجري الآن إلى العمل
تحياتي لك بهجت