بهجت
الحرية قدرنا.
المشاركات: 7,099
الانضمام: Mar 2002
|
غيبوبة المثقفين الجدد .
إن العالم ليس حقيقة مؤكدة مكتملة الصنع و لكنه عمل علينا أن ننجزه .
الإخوان و الأصدقاء (f)
عزيزي مالك .(f)
تحية طيبة .
خلال الرد السابق أجلت التعليق على نقطتين آملا أن أعقب بهما بعد الرد مباشرة و لكن لأسباب خاصة تأخرت في الرد فأرجوا المعذرة ، وربما عذري هو رغبتي ان أعطي للرد كل اهتمامي .
اقتباس:هل هناك من سبل لفتح حوار بناء فعلا-وليس على سبيل المجاز المستعمل كثيرا اليوم في حوارات العرب-بين الاطراف المتخاصمه ولنكن اكثير تحديدا هل هناك ارضيه مشتركه يمكن البدء منها.الخلاف على ما يبدو يمس المسلمات قبل كل شيء لذا فانك تطلب من كل طرف ترك دينه اولا قبل البدء في الحوار وهذا اصعب ما يكون على العربي.
للفيلسوف الفرنسي المسلم روجيه جارودي كتاب ممتع هو ( كيف صنعنا القرن العشرين ) ، في هذا الكتاب يتحدث جارودي عن تأسيسه و رئاسته لمركز الدراسات و الأبحاث الماركسية ( أثناء عضويته في اللحنة المركزية للحزب الشيوعي الفرنسي وقتها ) ، و كيف قام المركز بإدارة حوار بين الماركسيين و المسيحيين على مستوى الغرب المسيحي من ألمانيا و إيطاليا إلى كندا و الولايات المتحدة ، شارك في هذا الحوار كبار علماء اللاهوت المسيحيين ، و تشر جارودي موقفه و رأيه في هذا الحوار الماركسي المسيحي في كتاب نال شهرة وقتها هو ( من اللعن إلى الحوار . ماركسي يتحدث إلى المجمع ) ، من يعرف شيئا عن التقاليد الثقافية في الغرب لن يعجب أن يجد إسم الأب رانر على مقدمة الترجمة الإنجليزية لكتاب جارودي الماركسي ، في هذا الكتاب مقارنة رائعة بين الفكر الماركسي الذي يقدم التفسيرات النهائية قبل الأخيرة كما يرى الأب رانر و الفكر المسيحي الذي يقدم التفسيرات النهائية (المسيحية دين المستقبل المطلق) ، في رده البديع على الأب رانر يقول جارودي المادي الماركسي ( وقتها) :" لنعمل معا كاثوليك و ماركسيين من أجل الوصول إلى النهايات قبل الأخيرة ، و إذا تصورنا – نحن الماركسيون – أننا وصلنا إلى نهاية التاريخ ، فإنه سيسعدنا أن تكونوا أنتم أيها المسيحيون بجوارنا كي تقولوا لنا : يجب ان نذهب أبعد من ذلك ، ولكن ليتكم لا تقولوا لنا ذلك مبكرا ، حتى لا نضطر أن نبتعد عن طريق النضال في اتجاه الهروب التقي " ، هناك أيضا حوار شهير أورده نصا برتراند راسل في كتابه الهام ( لماذا لست مسيحيا ؟) ، هذا الحوار تم بينه و بين الأب ( كوبليستون ) و أذيع في لبرنامج الثالث لهيئة الإذاعة البريطانية عام 1948 ، وكان بعنوان ( وجود الإله ) ،و في هذه المناظرة اتخذ راسل جانب اللاأدريين Agnosticism بينما اتخذ الأب كوبليستون جانب المؤمنين في حوار فائق المتعة و الموضوعية ، ذكرت هذه النماذج و ما أكثرها كي ألقي ضوءا ولو خاطفا على معنى الحوار الحقيقي و محتواه ، لم نجد رجل الدين يكيل اتهامات التكفير و التخوين على رأس برتراند راسل أو جارودي ،أو يتهددهما بنار عرضها السموات و الأرض خالدين فيها ، و لكنه يحاور راسل و جاروي و نظرائهما من اللادينيين على قدم المساواة دون محاولة الهداية في صيغة التعالي التقليدية للإسلاميين ، هل تتصور أن يقبل الإسلاميون مثل هذه الحوارات الذي يشارك فيه كبار رجال اللاهوت المسيحي و بحماس و على قدر المساواة بالعلمانيين ؟ ، هل تتصور أن يتحاور أي رجل دين من الدرجة العاشرة مع مفكر ليبرالي ينادي فقط بفصل الدين عن الدولة دون أن يلعنه عشرات المرات ؟، المشكلة الحقيقية افتقاد الإسلاميين للتقاليد الحوارية في مجتمع تعددي علماني لا يعطي قداسة لفكر أو مذهب ،و لكنه يوفر فرصا متكافئة للجميع .
اقتباس:الباب الرئيس الذي يطرقه الاسلاميون اليوم هو ان لا يوجد تفسير علمي ونهائي قابل للاتفاق حول مسائله الوجود اصلا وسببه ومن هنا فانهم يعتبرون المنضومه الفكريه الدينيه الموروثه هي الاكثر فاعليه ان لم نقل مصداقيه او حتى شرعيه في الحلول محل أي تفسير اخر محتمل واقتراح كل الحلول المطلوبه.
هل هذه المقولة متسقة منطقيا مع ذاتها ؟، أقول أنها غير متسقة فلا المقدمة صحيحة و حتى لو كانت صحيحة فهي لا تؤدي إلى تلك النتيجة المتعسفة ، إن العلم الحديث لا يدعي أنه يجيب على القضايا الميتافيزيقية ولا يطرحها أصلا لأنها قضايا غير حقيقية ، هي تشبه القضايا المنطقية شكلا و لكنها ليست منطقية لأسباب يطول شرحها ، رغم أن هذه الأسباب ليست غامضة أو صعبة الفهم لمن يريد ، و سبق أن تناقشنا فيها في أكثر من شريط ، أما النتيجة فهذا أشبه بالقول أنه طالما لا يوجد دواء واحد يشفي من كل أنواع السراطانات شفاء تاما فلنعد إلى التداوي بالحجامة و الرقى و البخور و حفلات الزار .
القضية ببساطة هي أن لدينا إطاران لرؤية العالم و إدراكه ، الإطار الأول هو إطار تراثي يدور حول النموذج الديني النصي المصمت للعالم ، و الإطار الثاني هو الإطار العلماني و يدور حول النموذج العلمي المتغير للعالم ، لدينا في الإطار الأول نصوص مقدسة و منتجات نهائية ،و لدينا في الإطار الثاني مناهج و مقتربات فكرية ، وكي نقارن بين الإطارين لن نجد معاييرا قياسية ، فقط علينا أن نقارن بين ما يترتب على كل منهما من عواقب و متتابعات consequences ، الإطار الأول سوف يولد لنا نصوصا جديدة على متن النص القديم و هكذا بلا نهاية ، اما الإطار الثاني فهو الذي يقود حضارتنا المعاصرة ،و علينا أن نختار مخيرين لا مسيرين ، فهل نملك شجاعة الإختيار أم لا نملك سوى اللعنات نصبها على الغرب و الجميع !.
|
|
02-06-2007, 04:01 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
مالك
عضو رائد
المشاركات: 768
الانضمام: May 2006
|
غيبوبة المثقفين الجدد .
مرحبا زميلنا المحترم:
يسعدني المشاركة في مثل هذا الحوار الذي نفتقر إلى هدوءه و وموضوعيته والاهم مشروعيه أسئلته, في لحظات تكون فيها أنماط الحوار مخزيه أكثر من الواقع الذي تحاول استنجاده. حتى في نادي مثل نادينا كنا نرغب حقا أن نجد مسائل للنقاش والتعلم أهم المماحكات الطائفية وتسميم أجواء النقاش بهجر العقل كوسيلة...
ان الحداثه السائده اليوم في الغرب بما هي وسيله للتعامل مع الواقع بكل ابعاده ليست منفصله عن الزمن او التاريخ باي حال..ذلك ان عمليه انتاجها وتبلورها اليوم في الغرب ,تم ضمن عوامل واحداث يمكن القبض عليها بكل سهوله عند مراجعه تاريخ اروبا خصوصا في الاربع قرون الماضيه ...
وفي مسالة الدين على وجه الخصوص لا نعجب عندما نرى عالما و فيلسوفا فرنسيا من رتبه بيير بورديو يسم المسيحيه بأنها "دين يسمح بالخروج من الدين" ,كثيرا ما نسمع لاهوتيون مسيحيون يؤكدون هذه المقوله كون المسيحيه في صلب عقيدتها تميز بوضوح بين العامل الروحي والعامل الزمني ."ما لله لله وما ليقصر لقيصر" , رغم ان الكنيسه قبل عصور التنوير والنهضه في اروبا لم تكن تعترف بحق التعدد كما هو مطبق اليوم بالغرب , كثير من الازمات والدماء والجدلات الحاميه تمت قبل ان يترك الدين جانبا عند الحديث عن المجتمع والسياسيه في الاوساط الاكاديميه في اروبا .فليس لاحد الحق ان يناقش الدين كقضيه سياسيه او اجتماعيه هناك لان هذه المساله حلت وانتهت منذ قرون خصوصا بعد تربع الوضعيه كفلسفه رائجه في الاوساط الثقافيه هناك.رغم هذا ان الدين يعيد طرح نفسه مره اخرى اليوم في الغرب ولو من زاويه اخرى بعد اطروحات ما بعد الحداثه . واللاهوتيين في الغرب يعملون بجد الان في عمليه نقد الحداثه او نقد الاسس والمسلمات التي تم بناءا عليها استبعاد الدين..
نعم ان الأصوليين الإسلاميين الان ينظرون الى النقاشات الضئيله بفوقيه باهته ويردون باختصار وبذائه من موقع انهم يملكون الحقيقه المطلقه واحيانا يتملكون الجنه والنار ايظا.
و في الجهه الاخرى نرى الرافضين للمنضومه الدينيه –على أي اساس كان- يذهبون بالغلو باحكامهم والتعسف الى ابعد مدى ..منهم من لديه الدليل القاطع والنهائي على تحريف القران واخر يملك ما يؤكد بطلان رساله محمد و من يجد الالاف المتناقضات عندما يقراء القران وهكذا . يطغى المد الديني في اوساط الناس عندنا وكلما زادت مساحه قوته وسطوته في الشارع صار يبث هلوسات متعدده تعزز امتلاكه للحقيقه والقول النهائيه وامتلاك الحل لكل المشاكل من ضعف الممارسه الجنسيه الى الالمام بقوانيين الكون وتحديدها منذ 14 قرنا.
هل يكون الحل في التوقف عن الحوار واليأس؟
نحن هنا محكومون بالدين عنوة عند الحديث عن عمليه التطوير والتحديث التي لابد لها ان تمر في عقل المجتمع حيث الدين يتمركز هناك...لابد من اعاده قراءه الدين ذاته ومقارنته بما يدعيه الاصوليون اليوم بوصفهم مسيري امور المقدس-كما ميشيل فوكو-
اقتباس
اقتباس:الباب الرئيس الذي يطرقه الاسلاميون اليوم هو ان لا يوجد تفسير علمي ونهائي قابل للاتفاق حول مسائله الوجود اصلا وسببه ومن هنا فانهم يعتبرون المنضومه الفكريه الدينيه الموروثه هي الاكثر فاعليه ان لم نقل مصداقيه او حتى شرعيه في الحلول محل أي تفسير اخر محتمل واقتراح كل الحلول المطلوبه.
هنا انا حاولت وصف ظاهره تفلسف الاسلاميين بعلاقتهم مع الحداثه .
اذا كان النقد موجه لطريقه الوصف او صدقيته , ليس لدي أي مشكله في تركه وطلب توصيف ادق.
|
|
02-08-2007, 09:13 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
بهجت
الحرية قدرنا.
المشاركات: 7,099
الانضمام: Mar 2002
|
غيبوبة المثقفين الجدد .
العزيز مالك .
تحية طيبة .(f)
اقتباس:نحن هنا محكومون بالدين عنوة عند الحديث عن عمليه التطوير والتحديث التي لابد لها ان تمر في عقل المجتمع حيث الدين يتمركز هناك...
عندما أعود إلى أعمق نفسي بعيدا عن اشتباكات الحياة ، لا أرى أي أمل حقيقي في المدى المنظور ، و في مثل هذه اللحظات المنحطة من التاريخ فإن أفضل مايمكن عمله هو تفادي العمل !، نعم لا يمكن التحرك بدون الناس و لكنهم أيضا تيبسوا و تحجروا ولا يتحركون ، الحوار ضروري و لكنه غير ممكن ، هذه هي المشكلة فهل تجد معادلة متناقضة إلى هذا الحد ؟، لا يمكن لأحد الذهاب إلى الحضارة وكل سلاحه هو القرآن في يمناه و البخاري في يسراه ، يمكنه أن يذهب بهما إلى الجنة ربما و لكنهما يربكان الحياة . يا سيدي تريدنا أن نحاور الإسلاميين ، حسنا هل يمكن أن يحاور الإنسان قبرا و كتابا أصفرا و هوامشا على المتون ، هل يمكن أن تستنطق الآلهة بلسان البشر خاصةلو كانت آلهة أمية ؟.
اقتباس:لابد من اعاده قراءه الدين ذاته ومقارنته بما يدعيه الاصوليون اليوم بوصفهم مسيري امور المقدس-كما ميشيل فوكو-
يا عزيزي .. لا يمكن قراءة الدين خارج الثقافة لأنها هي التي تقرأ النص ، فالثقافة دائما جزء من المعنى ، ، إن الثقافة تعيد انتاج الدين وفقا لمقايسها الخاصة و لمصلحة الممول ، ، ولولا ارتفاع أسعار البترول و فشل التنمية في مصر لما شاهدنا انتصار الوهابية و لربما أمكننا إنقاذ الإسلام و إنتاج نموذجا أكثر معاصرة ، إن الثقافة الأصولية لا يمكنها سوى انتاج نماذجا أصولية من الدين ، الآن عندما تنادي الله فلن يجيبك سوى أبو حامد الغزالي و ابن تيمية و محمد بن عبد الوهاب و أسامه بن لادن و أيمن الظواهري ، لم يعد لدينا كثير من البدائل .. علينا إما أن نودع الإسلام السياسي أو نودع العصر .
اقتباس:هنا انا حاولت وصف ظاهره تفلسف الاسلاميين بعلاقتهم مع الحداثه .
اذا كان النقد موجه لطريقه الوصف او صدقيته , ليس لدي أي مشكله في تركه وطلب توصيف ادق.
هو وصف دقيق و النقد موجه لمنطق الإسلاميين الذرائعي .
كل تقدير .
|
|
02-10-2007, 08:30 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
بهجت
الحرية قدرنا.
المشاركات: 7,099
الانضمام: Mar 2002
|
غيبوبة المثقفين الجدد .
علينا أن نعيد كتابة التاريخ و ليس فقط قراءته .
الأعزاء .(f)
بعد توقف قصير اسمحوا لي أن استكمل طرح بعض مظاهر الغيبوبة الثقافية التي تمر بها مصر كغيرها من المجتمعات العربية ، هذه المجتمعات التي تنفرد عن غيرها من المجتمعات الأخرى بوجود تناقضات عضوية حادة مع الحداثة .
ربما يتذكر بعض الزملاء ما طرحناه في شريط سابق عن التحولات التاريخية في طبيعة الثقافة و آليات انتاجها في المجتمع العالمي المعاصر ، وكان ذلك في شريط خاص هو (زمن المثقف الأخير).
هنـا
في ذلك الشريط أكدنا على تحول الثقافة من كونها منتجا فرديا مستقلا إلى عمل مؤسساتي ، و أن النسق الوظيفي للناشط السياسي أصبح مستقلا عن النسق الوظيفي للمثقف الذي ينتج الأفكار ، وفقا لهذا التصور يمكن أن يرى بعض الزملاء أنني سأكون متناقضا مع طرحي السابق عندما أتعامل مع المثقفين كطبقة أو جماعة ذات رسالة حضارية تتميز عن غيرها بالطابع التبشيري الرسولي ، نعم من المبالغة أن نتوقع من المثقف المصري أن يبقى وحده مجسدا للقيم المثالية للمثقف الإنساني عالمي الرسالة، تلك القيم المهجورة . و لكني لا أطالب بهذا النموذج ، فقط أتوقع الحد الأدنى المقبول للمثقف ، فمازال المثقفون يشكلون مجموعات متميزة داخل المجتمعات المتطورة حتى في أشدها حداثة ، و لعل بعضنا مازال يتذكر الرسائل العلنية المتبادلة بين المثقفين الأمريكيين و الألمان قبل غزو العراق ، فمع بروز تحديات ثقافية كبرى يشعر المثقفون في المجتمعات الحية أن هناك رسالة ثقافية عليهم توجيهها إلى الآخرين ، و أنهم في ذلك يعبرون عن الضمير الجمعي للمجتمع الذي يجسدون نموذجه الأرقى ، أذكر كنموذج البيان الذي أصدره 59 من المثقفين الليبراليين العرب ينتمون إلى 11 دولة عربية بعنوان ( ليبراليون عرب: صرخة ضد التبسيط) وهو البيان الرافض ربط الليبرالية بالسياسات الأمريكية ، هذا البيان كان في جوهره يعكس إحساسا بوجود كيان ثقافي ليبرالي عربي ولو في حده الأدنى أيضا .
في هذا الشريط أستكمل حديثي .
17. بعيدا عن تقييم الفترات التاريخية التي مر ت بها السياسة المصرية ، يمكن للعين المدققة أن ترى تهاوي الدور القيادي للمثقف المصري في إدارة المجتمع منذ انقلاب عام 1952 ، فمع اندلاع الثورة المباركة تحول المثقف من قائد للعمل العام إلى مجرد تابع و موظف في آلية إنتاج الخداع أو التوجيه و الإرشاد في أرق العبارات الممكنة ، حتى لا يكون كلاما مرسلا علينا أن نقارن بين قيادات الأحزاب السياسية المصرية الآن و في عهدها الليبرالي قبل 1952 ، و لكن دعونا نتوقف أولآ و نسأل هل هناك إسم واحد من قيادات العمل السياسي بعد انقلاب 1952 يمكن أن نطلق عليها وصف الثقافة دون أن نكون مخاصمين للحقيقة حتى في أكثر صورها تساهلا ؟.
أ- سعد زغلول كما وصفه المندوب السامي الإنجليزي (وينجت) هو زعيم الزعماء ،ويعرف معظمنا سعد زغلول باشا كقائد لثورة 1919 ورئيسا للوزراء في أول وزارة للشعب تشكلت بناء على نتائح انتخابات وطنية نزيهة ،و لكن الذي لا يعرفه الكثيرون أن سعد زغلول هو أيضا رأس الطبقة المثقفة في زمنه ، فسعد زغلول عقلية قانونية و ثقافية متميزة ، وهو الذي تبنى فكرة إنشاء أول جامعة مصرية و من بيته صدر أول نداء للإكتتاب فيها ،وهو الذي رأس اللجنة التي جمعت التبرعات و أشرفت على إنشائها ، و سعد زغلول كان خلف إصدار قاسم أمين لكتابيه في تحرير المرأة وهو الذي مولهما ، أثناء رئاسة سعد زغلول للوزارة الشعبية رفض الإتجار الرخيص بالمواقف الدينية كما يفعل زعماء الحزب الوطني اليوم ، ذهب وفد من الأزهر طالبا من سعد زغلول مصادرة كتاب شبلي شميل ( لماذا أنا ملحد ؟) ، فرفض و رد على من طالبه بالمصادره بأن يكتب هو كتابا يرد فيه على ما جاء بكتاب شبلي شميل و يقول ( لماذا أنا مؤمن ؟) . في زمن اليقظة يرفض سعد زغلول الأزهري مصادرة الكتب التي تنتقد الأديان ،وفي عصر الغيبوبة الكبرى يتحول كل داعر و لص إلى رقيب يصادر الكتب بإسم الله و يقيم دعاوى الحسبة تطهيرا للفروج التي لا يعلو عقله فوقها قيد أنملة .
ب- تشكل الوفد المصري الذي قابل المندوب السامي البريطاني عام 1919 ممثلا للشعب و مطالبا بالإستقلال من 3 زعماء هم سعد زغلول و علي شعراوي و عبد العزيز فهمي و سنجد أن اثنين منهم من أكبر مثقفي مصر هما سعد زغلول و عبد العزيز فهمي الفقيه الدستوري ومصمم دستور 1923 الليبرالي أكثر الدساتير المصرية مطابقة لمواصفات الديمقراطيات الحديثة ، هذا الدستور ألغته مصر لأنه فضفاض جدا و اكتفت بمحاكاة ديمقراطيات ستالين و سالازار و طالبان و الوهابية .
ج- كان حزب الأمة القديم و صحيفته نموذجا للدور الريادي الذي تلعبه النخب المثقفة المصرية ، فقد تشكل الحزب و أنشأ صحيفته ( في الواقع أنشئت الصحيفة أولا ثم تبعها الحزب ) للتأكيد على فكرة القومية المصرية في مواجهة الجامعة الإسلامية و التبعية لتركيا العثمانية ، كان الحزب بقيادة أحمد لطفي السيد أستاذ الجيل و مترجم أرسطو الشهير و معه مجموعة من أعظم المثقفين المصريين الليبراليين أمثال أحمد فنحي زغلول و قاسم أمين و طلعت حرب ، هذا مجرد مثال للدور الذي لعبته النخب المثقفة في الحياة السياسية ، وهل هناك من يريد مقارنة هذا الحزب بحزب الأمة الجديد بقيادة قارئ الكف أحمد الصباحي الكمساري المتقاعد ، و الذي استولى أخيرا على أموال الحزب و تزوج بها من فتاة تصغر أحفاده مستعينا عليها بالفياجرا مما أدى إلى انهياره في ليلة عرسه ، فحملته عروسه الشابة على كتفيها و أودعته غرفة العناية المركزة في إحدى المستشفيات !، هذه المقارنة وحدها تعبر ببلاغة عن مدى تردى المثقفين المصريين و حياتهم الحزبية .
د- طه حسين و عباس محمود العقاد لم يكنا فقط قطبي الحركة الأدبية و الثقافية في مصر و لكنهما كانا من قيادات الأحزاب المصرية ، كان عباس محمود العقاد نائبا في البرلمان عن حزب الوفد و صديقا لزعيمه خالد الذكر سعد زغلول الذي وصف العقاد بقلم الوفد الجبار ، بعد ذلك اختلف العقاد مع النحاس فغادر الوفد مع النقراشي و أحمد ماهر و كان أيضا من كتاب حزب السعديين المرموقين ، كذلك كان طه حسين من أعمدة حزب الأحرار الدستوريين ثم وزيرا وفديا قياديا ،وهو صاحب سياسة مجانية التعليم و أنه مثل الماء و الهواء ، هذا التعليم الذي أصبح الآن فاسدا مثل الماء و الهواء أيضا .
ه- محمد حسين هيكل باشا هو صاحب رواية زينب أول رواية حديثة في الأدب العربي ، كما أنه صاحب كتاب محمد و الفاروق عمر وغيرهما من الكتب العمدة في التاريخ الإسلامي وهو أيضا صاحب الكتاب البديع عن جان جاك روسو ، كان هيكل رئيسا لحزب الأحرار الدستوريين المنافس الشرس لحزب الوفد في بداية العصر الديمقراطي المصري ، و لكنه لم يكن المثقف الكبير الوحيد من قيادات الحزب ، فقد عرف الحزب أسماء بوزن طه حسين و مصطفى عبد الرازق ( شيخ الأزهر بعد ذلك ) و علي عبد الرازق (صاحب كتاب الإسلام و أصول الحكم ) و عدلي يكن ( رئيس لجنة دستور 1923 ) و أحمد ثروت و عبد العزيز فهمي و غيرهم من كبار الفقهاء الدستوريين .
و- محمد فهمي النقراشي باشا رئيس حزب السعديين الذي انشق عن الوفد ( عام 1937 ) و هو نفسه الذي اغتاله الإخوان المسلمون الوسطيون !، لم يكن النقراشي مجرد زعيم سياسي و لكنه كان زعيما للطلبة أثتاء ثورة 1919 و أحد نشطاء لجنة الكفاح المسلح ثم واحدا من أفصح خطباء مصر أثناء الثورة و بعدها و أيضا من أكثر سياسي مصر نزاهة و ذكاء و ثقافة .
ز- مكرم عبيد رئيس الكتلة الوفدية ( تشكلت 1943 ) و ابن سعد البكر كما كان يطلق عليه ، كان واحد من الخطباء التاريخيين و المثقفين البارزين و ما زالت خطبه تردد إلى اليوم نموذجا لأفضل تقاليد مصر الثقافية و .. وحدتها الوطنية .
ح- عبد الرحمن الرافعي هو شيخ مؤرخي الحركة الوطنية المصرية و كتبه مرجع لا غنى عنها لكل من يتصدى للكتابة في هذا الموضوع ،و لكن الرافعي كان أيضا رئيسا للحزب الوطني القديم ، ورغم العداء المستحكم بين الحزب الوطني و حزب الوفد فإن الرافعي حاول دائما أن يفصل بين عمله كمؤرخ الذي ينصف خلاله الوفد و مواقفه السياسية المعارضة لنفس الحزب ! .
هل لنا أن نقارن الآن بين طه حسين و كمال الدين حسين وكلاهما كان وزيرا للتعليم أو بين أحمد لطفي السيد و أحمد الصباحي وكلاهما كان رئيسا لحزب يحمل نفس الإسم ( الأمة )، و هل لنا أن نقارن بين مكرم عبيد و صفوت الشريف أو كمال الشاذلي و كلاهما شغل نفس المنصب تقريبا في حزب الأغلبية ؟.
18. أعلن في عام 1990 عن تشكيل المجلس الأعلى للثقافة برئاسة وزير الثقافة ، يتكون المجلس من 20 لجنة بكل منها 20 عضو من كبار المثقفين العاملين في نفس المجال إضافة إلى أمانة عامة مشكلة من 50 عضو ، و منذ إنشائه و إلى اليوم يقوم د . جابر عصفور بدور أمينه العام ، كان من المفترض أن يقوم المجلس بالتعبير عن طبقة الإنتجلينسيا و قيادة الحركة الثقافية في مصر ، و لكن هل قام المجلس بدوره المأمول ، بل ما هي محصلة هذا الحشد من المثقفين المصريين ؟، الإجابة هي لا شيء كبيرة بكبر مأساة الثقافة المصرية ، يؤمن المجلس الأعلى بالحكمة أولاد البلد القديمة أن (الجبن سيد الأخلاق) ، فلا نذكر له موقفا جديرا بالإحترام في أي تحد واجه المثقفين المصريين بما في ذلك الحرب الشرسة ضد رئيسه بشأن قضية الحجاب ، لم نسمع للمجلس صوتا لإستنكار جريمة بحجم إغتيال فرج فوده و هي الجريمة التي حركت المثقفين العرب في كل مكان حتى أولئك المخالفين لتوجهات المثقف الشهيد ، و لكن أشباه المثقفين في مصر و مجلسها الأعلى للثقافة كانوا ما يزالون يجففون سراويلهم التي أبتلت فزعا من رأس الذئب الطائر ، لم يحرك المجلس ساكنا عند الإعتداء على نجيب محفوظ الذي لا يتوقف مثقفونا الأشاوس عن محاولة التكسب مستغلين اسمه ، إذا كان المجلس يجد مبررا للجبن في مواجهة خناجر الإسلاميين و رصاصهم الطاهر المتوضأ ، فما هي حجتهم في الصمت حيال قضية نصر حامد أبو زيد التي كانت من التجاوز لأي معايير حضارية أن أصدرت جامعة دمشق بيانا تندد فيه بالقضاء المصري و تدينه في مشهد غير مسبوق ولا متبوع .. وليمة أعشاب البحر و روايات الثقافة الجماهيرية المصادرة ، بل سلسلة المصادرات التي لا تنتهي بناء على ضغوط الأزهر و متاجري جماعة الإخوان المحظورة ، تلك المصادرات التي أصبحت معتادة والتي تدنت لتصبح أشبه بالمهزلة و المسخرة لتشمل أعمالا تراثية مثل روايات ألف ليلة و ليلة تلك التي علمت أوروبا فن الرواية !، كل ذلك لم يخرج المجلس الجبان عن صمته ولم يعلمه الكلام ، لم يتحرك المجلس سواء خلال رئيسه أو أعضائه للتعبير .. مجرد التعبير عن عدم رضائه عن تدمير الثقافة و انتهاك المثقفين بهذا الشكل الفج ، حتى البغل يرفس إذا غضب و لكن المجلس المثقف لا يغضب ولا يرفس .
للموضوع تكملة .
|
|
02-15-2007, 11:39 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
بهجت
الحرية قدرنا.
المشاركات: 7,099
الانضمام: Mar 2002
|
RE: غيبوبة المثقفين الجدد .
عشوائيات الفكر و سلطة العوام
.
هذا ملخص مقال سلطة العوام وثقافتهم في مصر الآن! ، بقلم : نبيل عبدالفتاح( مركز الدرسات السياسية و الإستراتيجية بالأهرام ) ، أطرحه للحوار مكملآ لشريطي ( المثقف الأخير ) و ( غيبوبة المثقفين الجدد ) .
شيوع ذهنية وأفكار العوام - وغالب الدهماء -تمثل أحد أخطر أمراض الحياة المصرية المعاصرة , و ثمة نزعة وبائية تنتشر منذ سبعينيات القرن الماضي وإلي الآن مفادها تسييد ادراكات العامة ومعارفهم الشعبية في مجال التفسير والتأويل الديني والإسلامي والمسيحي, و أيضا حول قضايا سياسية واجتماعية وقانونية معقدة ومركبة وتستعصي علي التبسيط.
إن شيوع الخرافات واللجوء إلي السحر و الأساليب الغير علمية في تشخيص الأمراض العضوية أو النفسية ظاهرة قديمة, إلا أنها تتزايد علي الرغم من انتشار التعليم في مستوياته المختلفة, ومن مظاهر سطوة فكر وثقافة وسلطة العوام مساهماتهم وضغوطهم في توجيه وإدارة بعض الخطابات الدينية والاجتماعية والمهنية والطبية والعلمية, ومن ثم التأثير علي توجهات الصفوة المهيمنة في المجتمع والدولة ومؤسساتها, من أبرز مظاهر توجيه العامة للصفوة القائدة تحويل كل القضايا والموضوعات السياسية والاجتماعية والثقافية إلي مدارات الحلال والحرام الديني, أي إلي دائرة ثنائية ضدية بغض النظرعن مدي تعقيدها واستعصاء غالبها علي الأسئلة البسيطة والثنائيات المعيارية, والتي تستعاد للتطبيق علي واقع واكتشافات ظواهر جد مغايرة ومختلفة تماما عن السنن الإفتائية والتأويلية القديمة.
ساعد على شيوع سلطة العوام القنوات الفضائية المتلفزة والوسائط المعلوماتية المتعددة وخطابات اللغو التي تسود بعض برامجها ومواقعها النتية, من ناحية أخري نستطيع ملاحظة نزعة غلابة لدي العوام الذين ينتشرون في مواقع اجتماعية ومهنية عديدة , لإدارة الشأن العام والخاص بعيدا عن أنظمة الدولة ، والميل لإثبات الذات الشخصية من خلال استخدام شعارات العامة والغامضة وتسييدها في السجالات العامة ، ثمة اجتياح لثقافة وسلطة العوام للمجال الخاص عبر أشكال الرقابة الاجتماعية والدينية والتلصص والتنصت والتنطع علي حيوات الآخرين وسلوكياتهم, وهو ما يشير إلي رفض مفاهيم الخصوصية الفردية في داخل نظام الأسرة والعائلة والجيرة وزمالة العمل والمهنة..الخ!.
إن نقد الظواهر الاعتلالية السابقة لا تعني احتقار المواطنين أو الجماهير أو البسطاء من المصريين ، ولا تشير أيضا إلي نزعة نخبوية استبدادية ترفض مشاركة الجمهور في إبداء آرائه في الشأن العام أو الخاص ، و لكن لتأكيد أنه ثمة فوارق مائزة بين هيمنة ثقافة وأفكار العوام وخرافاتهم , وبين عملية توجيه شئون الدولة والمجتمع , و من ثم فانتشار ثقافة وسلطة الدهماء والعوام يعود لأزمة في الديمقراطية ومؤسساتها وفي الثقافة السياسية السائدة التي تكرس الانصياع والخضوع وثقافة الجبر والانقياد والنقل.
من ناحية أخري فإن ممارسة المواطنين غير المؤهلين- ومنهم غالب العوام - للمواطنة الفعالة في الأطر القانونية والسياسية والتطوعية وآلياتها الديمقراطية ، أدت إلى خضوع الصفوة المهيمنة أو المثقفة للجهل العام الذي يشيع بين جمهور العوام في مرحلة تاريخية ما ، و إلى الإجابة عن اسئلتها الخاطئة أو قبول إجاباتها المغلوطة أو التواطؤ في آرائها واتجاهاتها النفسية أو الخرافات التي تتوطن في أنماط تفكيرها الشائعة, إن ظواهر التمجيد الشعبوي للشعب والجماهير في الخطابات السياسية السوقية كانت جزءا من مرحلة في عالمنا وكانت جزءا من مفاهيم الثقافة الشعبية والفلكلور..الخ, والسعي لفهم ما يطلق عليه حكمة الشعوب إلي آخر هذا النمط من الأفكار المبتذلة.
ساعد علي سطوة ثقافة وسلطة العوام عديد من الأسباب ومنها تمثيلا لا حصرا ما يلي:
1. تدهور أنظمة التعليم والتدريب الوظيفي والمهني والحرفي والعمالي لصالح العشوائية والتجريب الشخصي.
2. تراجع الثقافة العالمة ومستوياتها لصالح ثقافة الاستهلاك المرئي, والموضات في أنظمة الملبس والماكياج, وتحول الإنتاج الكبير المستورد نحو إرضاء أذواق الكتل الجماهيرية الاستهلاكية التي يهيمن علي أذواقها واستهلاكها انتاج الصين واندونيسيا وكوريا وسنغافورة..الخ
3. الخلط بين إبداء الرأي - أيا كان - وبين الافتاء في أسئلة الجمهور, وتحول المجتمع نحو ثقافة الفتوي في كل شيء .
4. سطوة ثقافة الخرافات والذهنية النقلية.
5. استيلاء العوام والشارع ودعاته علي الفتوي والتفسير الديني الوضعي, والدعوة والخطابة, ومن ثم يركز العوام ودعاتهم علي أشكال الطقوس الاجتماعية في الإلقاء والكلام والزي والخطاب الديني المتشدد, وذلك كسلاح لحسم النقاشات والجدل, وظهور بعض العوام أمام الآخرين وكأنهم الأكثر تقوي وتشددا لإثبات تدينهم الأفضل, بينما مظاهر الفساد الجماعي تزداد انتشارا, من ناحية أخري تتراجع التجربة الإيمانية والخبرة الدينية والروحية.
6. تراجع النخب المهيمنة عن توجيه الكتل الجماهيرية وشرائحها المختلفة في الأفكار والتحيزات وذلك لأن الوضع السائد يدعم مصالحها في الحكم والثروة - وغياب المحاسبية وانكسار ضوابط القانون - لأن طوفان الفكر الخرافي والآراء الاجتماعية والدينية المحافظة والمغالية والمتزمتة تسهم في دعم الحس الجماعي بالخروج علي القانون.
7. إن تواطؤ النخب المهيمنة مع تدني مستويات المعرفة والوعي لدي غالب العوام هو تعبير عن نقص أو غياب للمسئولية السياسية والثقافية إزاء توجيه ونقد ذهنية الكتل الجماهيرية وأفكارها ، وتقديس بعض مقولاتها وآرائها والأخطر فتاويها دون فحص نقدي وتاريخي , وغالبها لاتعبر عن أسئلة عصرنا وضغوطه ومشكلاته, والأهم إنجازاته في مجال العلوم الطبيعية والرياضية والنظرية والاجتماعية.
8. ميل الصفوة الحاكمة او المهيمنة للتحالف مع الصفوة الدينية الرسمية, وذلك لدعم وجودها وشرعيتها, والتصدي لمنتقدي سياساتها وقراراتها الداخلية والخارجية. العوام يتخذون من إدراكا تهم ومحفوظاتهم ومقولاتهم السماعية او القرائية والتأويلية الوضعية لبعض النصوص أو الآراء الدينية, سلطة رمزية للهيمنة علي المجال العام, والمجال الخاص, ووسيلة لإلغاء التمايزات الاجتماعية في المكانة والثروة, وفي التعليم والثقافة والمستويات المهنية.
9. تحويل منظومة من المقولات الدينية المتشددة الشائعة لتغيير الأدوار والمكانات السياسية والتعليمية والثقافية بين المواطنين والشرائح الاجتماعية علي اختلافها. إنها آلية انقلابية تتحرك بنعومة, ودونما ضجيج لمحاصرة النخب المهيمنة, واستبعاد دورها وسلطاتها, وذلك لصالح( قانون العوام).
إن سلطة العوام المهيمنة هو الخطر الوبائي الداهم في مصر الآن, وتحتاج الي مواجهة جادة وموضوعية وشجاعة, وبلاتردد أو تواطؤ أو خوف, وإلا دون ذلك الطوفان!
|
|
06-25-2009, 02:41 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
بهجت
الحرية قدرنا.
المشاركات: 7,099
الانضمام: Mar 2002
|
RE: غيبوبة المثقفين الجدد .
الثقافـة المصــرية في كارثـة
بقلم: جابر عصفور
الأهرام-25/10/2010
تعاني الثقافة المصرية من كارثة لم يسبق لها مواجهتها من قبل, سواء في درجة تعقيدها أو تشعب جوانبها, أو كثرة مايترتب عليها في مجالات الاقتصاد والصناعة والسياسة وغيرها من المجالات التي تبدو بعيدة عن التأثير الثقافي في الظاهر
ولكنها مشدودة إليه ومتأثرة به علي مستويات عديدة وفي مجالات متباينة. فالواقع أن تخلف الوضع الثقافي للأمة أو تقدمه يترك تأثيره في مجال من مجالات المجتمع, ابتداء من السلوك الأخلاقي وليس انتهاء بالقيم والتقاليد والموروثات والمعتقدات التي تغدو دوافع للتقدم أو التخلف. والحق أن المتأمل في الوضع الثقافي, أينما توجه ببصره في أي اتجاه, يجد مظاهر الكارثة الثقافية في كل مجال. ولعل أول هذه المظاهر لفتا للانتباه التراجع المخيف عن كثير من الإنجازات في المجالات التي حقق فيها هذا الوطن تقدما أكسبه صفة الريادة التي تم التراجع عنها في العديد من المجالات. خذ مثلا وضع المرأة المصرية, وكيف مضت في مسيرة صاعدة منذ ثورة1919 التي رفعت النقاب عن وجه هذه المرأة التي اقترن سفورها بالتقدم المتتابع في مسيرتها الي نهاية الستينيات علي الأقل. ماذا حدث لهذه المرأة, سواء من حيث متابعة صعودها, أو من حيث نظرة المجتمع لها ونظرتها هي الي نفسها؟ وأنا لا أسأل عن عشرات أو حتي مئات السيدات اللائي يتم التركيز عليهن إعلاميا, وإنما عن مئات الآلاف من طالبات الجامعة, والملايين من النساء في مجتمع تتزايد أميته التعليمية وضاق وعيه الثقافي والاجتماعي الي أبعد حد. ألا يكفي دليلا ما حدث من رفض مجلس الدولة تعيين المرأة فيه بإجماع الآراء تقريبا, وذلك بواسطة النخبة المتعلمة التي تنتسب إليه وتعمل فيه. وهو وضع بالغ الدلالة علي تراجع نظرة المجتمع الي المرأة ممثلا في عدد معتبر من نخبته المتعلمة, وماذا عن نوع الأسئلة التي ترسلها نساء الي قنوات الفتوي التي تبث الجهل الديني فنسمع سؤالا عن جواز خلع المرأة ملابسها أمام كلب ذكر في المنزل؟ أو هل ندخل المرحاض بالقدم اليمني أو اليسري؟ وماذا عن فتوي الرضاع المشهورة؟ واعتراض عشرات النساء علي تعيين المرأة في مجلس الدولة, ورفض المرأة المصرية انتخاب امرأة مثلها ابتداء من الإدارة المحلية وانتهاء بمجلس الشعب, ما الذي حدث لوعي المرأة المصرية بنفسها, ولماذا لم يواصل وعي حفيدات وبنات هدي شعراوي ونبوية موسي وسميرة موسي وسهير القلماوي ومفيدة عبدالرحمن تقدمه الي الأمام؟ وهذا هو منطق التطور الطبيعي للأمم. ولكن ما حدث هو النقيض الذي يتمثل في تراجع وعي المجتمع فيما يتصل بصورته عن المرأة, ووعي المرأة بنفسها وإمكاناتها, وذلك الي درجة أن أصبحت النساء عقبة أمام تقدم بنات جنسهن, كأنهن تحالفن مع رجال يزداد وعيهم الاجتماعي تخلفا وحرصا علي العودة بالمرأة ـ نصف المجتمع ـ الي الوراء وانشغالها بحجاب العقل قبل حجاب الوجه, ونقاب الوعي قبل نقاب البدن. تري هل كانت تحلم النخبة الثقافية التي أصدرت جريدة السفور سنة1915 أن المرأة المصرية ستنجذب الي النقاب, تحت دعوي الفضيلة؟! لقد تراجع وعي المرأة المصرية بنفسها, وأصبحت المرأة المستنيرة هي الاستثناء لا القاعدة, في مجتمع وصل وعيه بالمرأة الي قرارة القرار من التخلف. وأرجو أن يكون واضحا, في ذهن القاريء الكريم, أنني لا أعني بالثقافة ـ في هذا المجال ـ معناها الخاص المرتبط بإبداعات الفنون والآداب والعلوم الإنسانية, حيث مجال وزارة الثقافة, وإنما الثقافة بمعناها العام الذي يؤسس وعي المجتمع بنفسه والعالم من حوله, ويشمل القيم وأشكال الإبداع وأنواع السلوك والمباديء الأخلاقية والعادات والموروثات الجمعية والثقافة من حيث هي وعي المجتمع بنفسه, والعالم من حوله, تتكامل في رؤية عالم تصوغه كل مجموعة بشرية في سعيها الي مجاوزة شروط الضرورة والصعود الي ذري الحرية والتقدم الذي لا حد له أو نهاية. ويبدو أن علينا التمييز, في هذا المجال, بين ثقافة تتطلع الي مستقبل أفضل ينطوي علي حلم التقدم, وثقافة تتطلع الي الخلف كأنما انتقلت عيناها الي قفاها, فرجعت الي الوراء وسقطت في هوة التخلف علي كل مستوي, وذلك في علاقة تبادلية, فثقافة التخلف تدفع الي المزيد من التخلف الذي يصل الي وضع الكارثة, وأشكال التخلف السياسي والاقتصادي, فضلا عن الجمود الديني, تدعم الموروث من ثقافة التخلف وتزيده تخلفا علي تخلف. وللأسف فإن هذا هو الوضع الثقافي الكارثي الذي تعاني منه مصر الآن, خصوصا بعد أن استبدلت بطه حسين والعقاد ونجيب محفوظ فقهاء قنوات التطرف الفضائية واستبدلت بحرية الفكر وحق الاختلاف( أعظم ميراث ثورة1919) بقايا قانون الطواريء وطوائف المكفراتية من مشايخ التطرف الذين يتربصون بمثقفي الدولة المدنية والمدافعين عنها لينالوا من الردع ما يردهم الي حظيرة التخلف.
هذه الكارثة الثقافية التي نعانيها لها مظاهر كثيرة. أولها التطرف الديني المتبادل. صحيح أن جماعات الإسلام السياسي من دعاة الدولة الدينية هم الذين بذروا بذور التطرف التي كان لابد من رد فعل مواز لها عند متطرفي الأقباط, لكن الوضع وصل الي حال تنذر بالكارثة التي يعمل علي إشعال نارها من يفترض أنهم عقلاء, فما بالك بالبسطاء والسذج المنخدعين بأفكار أصحاب التعقل الكاذب من الأفندية, وأصحاب اللحي من مدعي العلم الديني في الفضائيات الدينية. وهناك ما يوازي التطرف الديني وما يماثله في مد التعصب الفكري الذي لا يسمح لصاحبه بقبول الرأي الآخر, أو يقبل حق غيره في الاختلاف. وما أكثر اندفاع الذين يرفعون شعارات حق الاختلاف الي محاولة استئصال المختلفين معهم معنويا, في ازدواج الوعي الثقافي وإعلانه غير ما يبطن في حالات كثيرة, حيث ما أسهل استخدام مفردات التخوين والعمالة للسلطة مقابل مفردات التكفير بكل درجاته. وهي ظاهرة أدت الي تقلص ساحات الحوار علي مستوي الأفراد والجمع, والمسارعة الي الاتهام بدل التروي والتبصر. والحق أنه بقدر مسئولية المثقفين عن افتقاد آداب الحوار بينهم, في مدي المسارعة الي الإتهام بدل المجادلة بالتي هي أحسن, فإن الدولة نفسها مسئولة عن غياب الحوار المجتمعي, وإشراك المواطنين في اتخاذ القرارات المصيرية. وأعتقد أن في ظاهرة عدم تجذر مبدأ المواطنة, وتحوله الي شعار أكثر منه واقعا فعليا ما يكمل الصورة التي تزداد قتامة, فأين هو وعي المواطنة عند المصريين الذين لا يرون أثرا لحقوق المواطنة في التعبير أو في حق العلاج والدواء والسكن والتعليم وممارسة الحقوق السياسية والديموقراطية وسط ضجيج النفاق والفساد, والمحسوبية, وبالقياس نفسه, نحن نتكلم عن ثقافة حقوق الإنسان ولكن الواقع العملي يعتدي علي هذه الحقوق التي لا يعرفها المواطنون للأسف, ولا يرون لها أثرا في الحياة التي يعرفونها, وما أكثر المباديء التي لا تحترم عمليا, سواء من الدولة التي وقعت علي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان, أو من المجموعات الفاسدة التي لا تعرف سوي ثقافة التمييز بين المواطنين علي أساس من الثروة التي تحالفت والسلطة, أو الدين الذي نسي دعاته في تطرفهم معني الدين لله والوطن للجميع. وأضف الي ذلك ما يكمله من افتقاد ممارسة الديموقراطية السياسية عند الحكومة والمعارضة علي السواء. ونحن نتحدث كثيرا عن ديكتاتورية الأغلبية, وهذا صحيح, ولكن الأقلية لها ديكتاتوريتها. وانظر الي كم التجاوزات والاتهامات المرسلة في بعض صحف المعارضة التي تري في الإثارة والتهييج والكذب والتدليس وسيلة للرواج. تزداد الصورة بؤسا والكارثة وضوحا عندما نتحدث عن وسائل تثقيف المجتمع ابتداء من تعليم ينحدر يوما بعد يوم, فيخرج جهالا لا متعلمين, لا فارق في ذلك بين التعليم المدني والتعليم الديني الذي يعاني من وضع أشد في درجة الإنحدار, خصوصا في اقترانه بمؤسسة دينية لا تزال تبدو معادية للاجتهاد وتجديد الفكر الديني. ولا أستبعد من المسئولية الثقافية وزارة الإعلام التي لم تضبط بوصلتها علي اتجاه التقدم في حسم, ووزارة الثقافة التي لا يزال أمامها الكثير لتستكمله في نشر الثقافة الجماهيرية المستنيرة والتوسع في إنشاء المكتبات التي تتحول الي مراكز إشعاع ثقافي. وهناك وعاظ الزوايا والمساجد التي يتبع بعضها وزارة الأوقاف التي لم تحقق المأمول منها علي مستوي تجديد الوعي الديني, وتحرير العقل من خرافات الجهالة والتطرف. وشأن وزارة الأوقاف المجلس الأعلي للشباب الذي ينبغي أن يكون وزارة مستقلة, يتحدد دورها بتطوير وعي الشباب بما يناسب متغيرات العصر, ويبعث ذاكرته الثقافية التي يمكن أن يكون رموزها مثالا هاديا, وهو أعجز من أن يواجه عقل الشباب الذي سلبته جماعات التطرف الإسلامي وأفقدته قدراته النقدية.ولا تقتصر مظاهر الكارثة الثقافية علي كل ما سبق فهناك النظرة الجاهلة التي تستريب بالفنون, والتطرف الذي أشاع بين السذج أن النحت كالرسم حرام, وقد سمعنا أخيرا عن فتوي فضائية تحث علي تدمير التماثيل الفرعونية, فضلا عن أنواع النحت لأنها كفر يعود بالمعجب بها الي عصر الوثنية. وفي ذلك مؤشر علي كيفية الإنحدار من فتاوي الإمام محمد عبده الشهيرة عن التماثيل واللوحات الي فتاوي داعية قناة الرحمة في واجب تدمير التمثايل. ونحمد الله علي أن الفتوي لم تدفع شبابا متهوسا دينيا الي تحطيم المعابد الفرعونية أو تماثيل عظماء مصر الموجودة في الميادين. وهو وضع محزن مضحك, قرين كارثة أنهت العهد الذهبي لكليات الفنون الجميلة التي لم تعرف الطالبات المنقبات إلا في هذا الزمن الرديء الذي حرم فيه بعض الأساتذة تصوير الجسد الإنساني والوجه البشري, والتعكير علي ميراث الحركة التشكيلية المصرية ناهيك عن الوعي بأهميتها وقيمتها في الارتقاء بالذوق, فكانت النتيجة أن أصبحت المتاحف المصرية خاوية إلا من بضع زوار هنا أو هناك, فلم يعد هناك معني لزيارتها بعد أن انتشر القبح في كل مكان, وشاعت الفوضي المعمارية كالعشوائيات التي لا تليق بحياة البشر. وبعد أن كانت القاهرة واحدة من أجمل عواصم العالم المتقدم أصبحت من أقبح العواصم العربية وأقذرها. ولا عجب أن يحدث نوع من التطبيع بين سكان أحيائها الشعبية وأكوام الزبالة والقاذورات التي أصبحت أري فيها, مثل غيرها, مظهرا من مظاهر كارثة ثقافية وتخلف وعي اجتماعي وحضاري, لابد أن يوجع الذين عرفوا مصر المصنع والمتحف والجامعة المتقدمة التي يبدو أنها تنكرت لما أنجزته عندما أخرجت مصطفي مشرفة وسميرة موسي وأحمد زويل وطه حسين ونجيب محفوظ, لكن في زمن جميل مضي, ولم يبق منه سوي أطلال تبكي ماضيها وتنوح علي حاضرها, وتسأل مؤرقة عن أسباب الكارثة التي وصلت إيها أمة استبدلت بالأحلام الكوابيس.
|
|
10-25-2010, 08:52 AM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
|