الكثير من الزملاء هنا (في نادي الفكر العربي) مشغولون بمناقشة القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها من أمور الحياة المهمة، وربما يعتبرون أن الكلام في غير تلك الأمور مضيعة للوقت وترف فكري. البعض يضيف إلى قائمة اهتماماته أموراً أخرى كالثقافة والفكر والدين، ولكنه يضع حدوداً بين ما ينفع وما لا ينفع أو بين الأفكار القابلة للتطبيق على أرض الواقع والأفكار المحلقة بعيداً في سماء الخيال.
طبعاً لا أنكر على أحد حريته في اختيار ما يريد وما لا يريد التفكير فيه ومناقشته، ولكني أتمنى أن يجد هذا الموضوع مكاناً ولو في ذيل قائمة اهتماماتكم، فهو من قبيل "
إذا أردنا أن نعرف ما في البرازيل علينا أن نعرف ما في إيطاليا" فهذه الجملة قد تبدو للبعض تافهة خالية من أي معنى حيث يصعب تخيل العلاقة بين ما في البرازيل وما في إيطاليا، بينما يراها صاحبها مدخلاً لنظرية مهمة وأنه آت بما لم يستطعه الأوائل، وطالما أننا لم نسمع "
حسني البرزان" يكمل هذه الجملة أبداً دعونا نحسن به الظن ولا نستبعد احتمال أن يكون لهذه الجملة تتمة ذات معنى وربما حكمة مفيدة.
الموضوع عن العالم المثالي (utopia) أو الجنة كما يراها الدينيون. كيف تتخيلونها؟ أو كيف تريدونها؟
قد لا يكون مثل ذلك العالم ممكناً من الناحية العملية، وقد يكون مليئاً بالمبالغات غير المنطقية التي تناقض بعضها، ولكن ما المانع من السماح لخيالنا بالتحليق قليلاً خارج أرض الواقع؟ كل شيء صنعه الإنسان كان مجرد خيال في وقت سابق، فالمشاريع الإنشائية الضخمة مثلاً بدأت بأفكار وصور تخيلها المهندسون، ثم تحولت إلى رسومات، ثم إلى قواعد وأعمدة، ثم إلى جدران وأبواب وشبابيك. إذا كان من المستحيل أن يتحقق ما نتخيله بالكامل فعلى الأقل يمكن أن يتحقق جزئياً، وإذا لم يتحقق خلال قرن أو قرنين من الزمن يمكن أن يتحقق خلال 1000 أو 2000 سنة قادمة.
كيف يمكن أن يكون العالم المثالي؟
دعونا نتخيل أن جميع الدول ستذوب في دولة واحدة اسمها "جمهورية الأرض المتحدة".
ما شكل النظام السياسي المثالي لهذه الدولة؟ وكيف يمكن اختيار أصحاب القرار (الرؤساء والوزراء وأعضاء البرلمان)؟
كيف يمكن التعامل مع تضارب المصالح بين أقاليم هذه الدولة؟
كيف يمكن أن تتحقق العدالة الاجتماعية؟
هل يمكن القضاء على الفقر؟
هل يستمر النظام الرأسمالي بالهيمنة على اقتصاد العالم، أم سيظهر نظام اقتصادي آخر أكثر عدلاً؟
كيف يمكن أن يرتفع سقف الحريات دون الإضرار بمصالح الآخرين؟
هل يمكن أن تختفي جميع الأديان، أم أن الأديان الحالية ستتطور وتكون أكثر عقلانية وتتخلص من تطرفها ومعظم خرافاتها؟
ما شكل النظام الصحي المثالي؟ كيف يمكن أن تقدم الخدمات الصحية للجميع بنفس المستوى؟
كيف سيتطور النظام التعليمي؟ هل يمكن أن نستبدل طريقة التلقين الحالية بنقل المعلومات إلكترونياً إلى أدمغة الطلبة؟ في هذه الحالة سيقتصر دور المدرسين على تدريب الطلبة على طرق استخدام هذه المعلومات وتوظيفها لصالح الفرد والمجتمع بدل التركيز على حفظها.
ما أفضل طريقة لتنظيم العلاقات الأسرية؟ وما مصير الزواج كرابط رسمي طويل الأجل؟ وهل يمكن أن تختفي الأسرة التقليدية (أم وأب وأولاد) ليحل محلها سكن شخصي لكل فرد بالغ مع دور (جمع دار) لرعاية الأطفال؟
ما مصير كبار السن؟ هل يمكن أن يكون الموت حتمياً عند سن معينة (60 أو 70 مثلاً) أم أن عمر الإنسان سيمتد بلا حدود؟
كيف يمكن تطوير قوانين العقوبات؟ وهل ستختفي السجون؟
يصراحة، لا أجرؤ على الإجابة على هذه التساؤلات الصعبة وإن كنت أرحب بالمحاولين، إلا أن هناك تساؤلات أخرى أسهل سأدلي بدلوي فيها لاحقاً.