جمال عبد الناصر...
زعيم مصر الأوحد...
وقائد ثورة يوليو 1952م
إذا كان عبد الناصر علمًا من أعلام مصر..,
وبطلاً سجل التاريخ بطولاته وأمجاده...
فظل بتاريخه المشرف قدوة لأبناء كل جيل...
ونحن في هذه الصفحات نتناول الحديث عن جانب من جوانب البطولة الناصرية...
إن سيرة حياة بعض الزعماء في العالم..تظل على
مدى السنين،لا تتقادم..ولا يغطيها النسيان.. بل تنبض دائمًا بالحرارة والأمل.
ورغم كل ما كتب وما سيكتب عن جمال عبد الناصر..ستظل قصة حبه لمصر.. أروع القصص..
اننا هنا لا نصنع شيئاً جديدًا إنما نطرز بعض السطور التي تحكى مواقف الحب.. لنقدم شريطًا متواضعًا من ألبوم الذكريات الحافل.
في حياة بعض الرجال نوع من الحب الصوفي يعيش به..ويغنى فيه حتى يمتزج الاثنان في واحد.
وكانت مصر هي هذا الحب الذي يصعب- بل يستحيل- الحديث عنه دون أن نتحدث عن جمال عبد الناصر.
هذا الحب لم يأت فجأة.. بل كان في أعماقه..عمق جذور أشجار النخيل في التربة.
.....لم يكن طفلاً ككل الأطفال.. كان جادًا لم يكن يميل إلى اللعب مع الأطفال الآخرين...هكذا وصفه والده وهو في طفولته.
كان طفلاً عندما رأى الحياة حوله صراعًا دائمًا مع الفقر.
قريته الصغيرة..طرقاتها ضيقة..ترابها يغطى كل شيء.. بيتهم ككل البيوت في بنى مر..جدران سوداء تقف في استكانة بين أحضان الحطب الجاف.
لم تكن قريته فريدة في فقرها..لكنها قرية ككل قرى مصر.. لا فرق بين بنى مر وبين الخطاطبة حيث نقل والده ليعمل هناك موظفًا بالبريد..لكن..في القرية هذه المرة شيء غريب.
بين أحضان الفقر الشديد تقف ضيعة "مبارك بك الجيار" في تحد..أول "بك" يراه في حياته..وكان من الطبيعي أن يكون السؤال لماذا؟ شغله الشاغل.
لماذا نأكل اللحم..والفلاحون يرعون الماشية ولا يأكلونها؟
ومن الطبيعي أن يعجز الأب عن الإجابة على السؤال..فقدكانت حياته نفسها تتعرض لصعوبات كثيرة كأي موظف يخرج من قريته ليعيش بمرتبه فقط..رغم ذلك..كان الطفل جمال يرى في قريته اللون الأخضر..العود الأخضر..رغم هذا اللون الأسود.
قال المدرس لتلميذه: اسمع يا ابني إنني أخشى عليك من هذه الوطنية ونصيحتي إليك أن تخفى شعورك الوطني ما استطعت لأنك أمام حكومات لا تقيم وزنًا لمستقبل أي طالب.
التلميذ ابن السادسة عشرة يجيب:
" كل نصح أرحب به ..إلا الكف عن مثل هذا"..
تحيا مصر...
ظل جمال عبد الناصر رئيسًا للجنة التنفيذية لطلبة المدارس الثانوية حتى ألقوا القبض عليه .. وضعوه في قسم الموسكى .. ولم يكن هذا كافيًا ليقضوا على "صوت مصر" في داخله. فقد خرج من قسم الموسكى.. لينظم المظاهرة الثانية .
ذهب بصفته ممثلا للجنة طلبة المدارس الثانوية لحضور مؤتمر للجامعيين وطلاب المدارس وذلك لوضع خطوط الحركة الوطنية التي تطالب بعودة الدستور.. ووقف مندوب اللجنة التنفيذية لطلبة الجامعة يخطب. لكنه لم يجد مكانًا عاليًا.. فدفعه الطالب جمال عبد الناصر إلى عمود النور. ورفعه ليتسلقه.. وما كاد يبدأ الخطبة ملأت قوات البوليس الميدان وانقضوا على الطلبة بعصيهم و بنادقهم حتى أصابوا منهم الكثير.. ووقع منظار الخطيب على الأرض.. لكن جمال ظل ثابتًا يبحث له عن المنظار حتى عثر عليه وقدمه له وأخذ يحثه على الاستمرار في الخطابة.. ويحث زملاءه على الثبات في أماكنهم وهو يردد.. تحيا مصر. تحيا مصر.. وسرعان ما التأم الشمل من جديد.. وأخذت رجال البوليس روعة الموقف فراحوا يهتفون معهم.. تحيا مصر.. تحيا مصر..
أمام هذا الإصرار.. لم يكن أمام البوليس السياسي إلا أن يصدر أمره لناظر المدرسة – مدرسة النهضة – بفصل الطالب جمال لأنه يحرض الطلبة على الثورة .لكن.. ما كاد هذا الخبر يشاع حتى هاج الطلبة و لم يهدأ لهم بال حتى عاد إليهم " الزعيم"
في فترة من حياتي كانت الحماسة هي العمل الإيجابي و قدت مظاهرات مدرسة النهضة .. و صرخت من أعماقي بطلب الاستقلال و صرخ ورائي كثيرون لكن صراخنا ضاع هباء و بددته الرياح "
عاد حامل العلم يبحث عن عمل أكثر إيجابية .. حتى ينقذ حبيبته مصر .
الكلية الحربية .. لكن .. في لجنة كشف الهيئة دار هذا الحوار .
* فيه حد اتكلم علشانك ؟ * لا ....
* انت اشتركت في مظاهرات 1935 ؟ * ايوه
* كده .. طيب اتفضل ..
و .. خرج بعد هذا الحوار لتعلن النتيجة .
ساقط في كشف الهيئة .
" إن الموقف اليوم دقيق .. ومصر في موقف أدق ونحن نكاد نودع الحياة ونصافح الموت .. فإن بناء اليأس عظيم الأركان فأين من يهدم هذا البناء ؟ "
على باب وزير الحربية سلم الطالب جمال عبد الناصر بطاقته للخادم .. ودخل ينتظر مقابلة وكيل الوزارة في الصالون .. وعندما أقبل وكيل الوزارة سأله ما يريد .. كان الحوار..
جمال: أفلا تقبل الكلية الحربية إلا من كان عندهم واسطة . أم أن هناك قواعد عامة تسرى على الجميع ؟
قال اللواء بدهشة : هل قدمت طلبا ورفض ؟
جمال : نعم .. ونجحت في الكشف الطبي .. لكن كشف الهيئة يحتاج إلى واسطة. وليس لي واسطة .. ومعنى ذلك أن أعود إلى كلية الحقوق .
قال اللواء وقد أثارته شجاعة الشاب : تقدم مرة أخرى .
و .. في كشف الهيئة كان اللواء رئيس اللجنة هو نفس وكيل الوزارة صاحب الحوار .. وهكذا أصبح
- حامل العلم – طالبًا في الكلية الحربية .
تأتى صيحة من أرض فلسطين .. على شكل خطاب ." أين هؤلاء الذين وهبوا حياتهم من أجل تحرير البلاد .. أين الكرامة .. أين الشباب المحتدم .. إن الأمة قد أصابها غفلة شديدة كغفلة أهل الكهف ...
من يستطيع أن ينهض هؤلاء المساكين الذين استغرقوا في النوم وفقدوا وعيهم .. إن المصريين في أشد الحاجة إلى زعيم .
في كل مكان تترد الصيحة .. انهض .. انهض أيها الوطن .
لكن الوطن جريح لا يستطيع . جرحته دبابات الاحتلال حول قصر عابدين في 4 فبراير الشهير .
لكن .. صوتا من أعماق الوطن يأتي .
" إني حي .. إني حي "لقد ولدت الهيئة التأسيسية لتنظيم الضباط الأحرار
من هناك .. من أرض الفالوجا تأتينا ملامح الأمل .. تترجم لنا صيحته . كنت أجلس في خندق في الفالوجا تحت سيل من قنابل العدو .. وقلت لنفسي .. إننا هنا محاصرون بواسطة الأعداء ونحارب معركة لم نستعد لها الاستعداد الكافي .. ونضع أرواحنا تحت رحمة الطمع والتآمر والجشع
وفى هذه اللحظة انتقلت أفكاري إلى مصر .. وقلت لنفسي :
هناك في بلادنا توجد فالوجا أخرى .. لكن على نطاق واسع .. إن ما يحدث هنا ليس إلا صورة مصغرة لما يحدث في مصر .
ويسجل الصاغ جمال عبد الناصر بقية أفكاره " بعد حرب فلسطين كنت أبكى .. لقد هزمنا أنفسنا بأيدينا .. فكنا نحارب هناك وأحلامنا في مصر .. وكانت رصاصتنا تتجه نحو العدو وقلوبنا مع الوطن الذي تركناه تحت رحمة الذئاب .
الأفكار تتحول إلى منشورات..وجاء أول منشور لتنظيم الضباط الأحرار يعلن ..
" كنا نعتقد أن المحنة التي أصابت البلاد في فلسطين قد أعطت درسًا قاسيًا للمسئولين لينهضوا بالجيش ويعملوا على تدريبه وتسليحه ويبعدوا به عن تلك المظاهر الخادعة.ثم يتحدث المنشور عن الجوع :
" لابد أن تتغير الأوضاع السياسية بالقضاء على الاستعمار والسراي .. والأغنياء .. ورجال السياسة وتتغير الأوضاع الاجتماعية بالقضاء على الجوع والعرى والحرمان "
صوت من أعماق الوطن يردد.. إني حي..إني حي
" الثورة .. الثورة "
ويتنازل الملك عن العرش .
وبعد ذلك يكشف " الأمل " عن نفسه .. أنا جمال عبد الناصر .. ابن بنى مر ..أفخر بأنني واحد من عائلة فقيرة .. وأنا أقول هذا لأسجل وأعاهدكم أن جمال عبد الناصر سيستمر حتى يموت فقيرًا في هذا الوطن "
و .. سار ناصر مصر على هذا العهد ..
في يوم من أيام 1956 قدموا له اقتراحًا يقول أن تتحول قرية بنى مر إلى قرية نموذجية تضم
150 فيلا .. تتوسطها فيلا أنيقة تخصص كاستراحة لرئيس الجمهورية .. لكن .. ابن الأرض الطيبة رفض قائلا ..
" لو لم أكن رئيسًا للجمهورية ما كان ليحدث لذلك أنا أرفض .. ولا أقبل أي شئ يرتبط بمنصبي كرئيس للجمهورية .
كان مدرس الجغرافيا يلقى درسًا عن تأثير المناخ على الإنسان والبيئة ..
فقال .. إن سكان المناطق المعتدلة يمتازون بالحيوية والنزعة الاستقلالية مما يمكنهم من السيطرة على غيرهم من الشعوب .. وأكبر مثل على ذلك هو انجلترا ..
ركز الطالب جمال نظره على الأستاذ وكأنه يريد إثارته ثم اكتفى بأن يقول .. إنني لا أوافقك فيما ذهبت إليه يا أستاذي إن ما تسميه نزعة استقلالية وقدرة على السيطرة وما تعتبره ميزة .. ليس في رأيي سوى تكالب خسيس .
كبر الطالب .. ونضج حبه معه .. وامتزج الاثنان في واحد .. حتى يخيل لمن يتحدث عن أحدهما .. أنه يذكر الأخر .. وأصبح من الصعب أن تتحدث عن مصر دون أن تتحدث عن ناصر ..
فعندما وصفوا شخصية مصر .. قالوا أن أهم ما يميزها هو .."التسامح"
وعندما تحدثوا عنه .. قالوا أنه "رجل اللاعنف" كنهر النيل .. يستطيع بفضل " صفائه الساكن" أن يجعلك تقول ما في ذهنك فهو يشجعك أن تطرح من الأسئلة ما تظن انها ستربكه.
وكقطعة من قلب مصر .. كان يملك إصرارًا عظيما على الحرية والكرامة .
وعندما تنبه الاحتلال إلى سر قوته .. أرادوا القضاء عليها .. وفى عام 1956 .. وبعد تأميم القناة .. أعلن إيدن ..
" إن معركتنا ليست مع مصر .. ولا مع العالم العربي بل هي مع ناصر "
وابتسم ناصر الذي كان يجلس في مكتبه يستمع إلى الراديو وحوله بعض مساعديه .. لكن .. عندما تكلم إيدن عن استعمال القوة كإجراء أخير .. استدار ناصر إليهم وقال :" إنني أحذركم بأن هذا هو ما يحتمل عمله بالضبط "أقفل ناصر الراديو .. واستدار إلى مكتبه أكثر من العادة وازداد ضم شفتيه وفى تلك الليلة أصدر أوامره
كما أمر .. " بتكوين جيش التحرير القومي من الرجال والنساء "
وفى مؤتمر صحفي عقد ثاني يوم .. أعلن ناصر .. مصر لن تحضر مؤتمر لندن .
بعد ذلك جاءت لجنة منزيس الشهيرة وبدأت الاجتماعات في ود كاف في أحد القصور التي تحولت إلى متحف .. وقاد الرئيس بنفسه رئيس وزراء استراليا وزملاءه عبر الحجرات في المبنى الفسيح وخلال أغرب حدائق استوائية في الشرق الأوسط بدا المضيف وضيوفه مرتاحين .لكن الروح تغيرت في أيام قليلة.عندما حاول منزيس أن يقنع ناصر بأن مصر يجب أن تتصرف على أنها مالكة للقناة فقط على أن تتولى إدارتها جمعية المنتفعين الدولية .
وهنا أجاب ناصر .. بأنه لا يريد أي أجنبي يدير أي شئ في مصر حتى ولو أطلق عليه اسم المستأجر0
وبينما هما مجتمعان انتقد الغرب بشدة علي الأعمال العدوانية وشرح ناصر ذلك فيما بعد قائلا:
" إنني أرفض التسامح مع هذا .. لذا أنهيت المؤتمر واشتد بي الغضب لدرجة جعلتني ألغى حفلة عشاء كان المفروض أن أقيمها في تلك الليلة "
وعندما أعلنت شركة القناة أن موظفيها غير المصريين يتركون أعمالهم في استقالات جماعية .. أصدر أمرًا يقول :
" أعطوا كل من يريد الرحيل تأشيرة خروج مباشرة وقولوا لشركات الطيران أن تعطيهم الأولوية في الحجز "
وحملق أحد مساعديه قائلا : وهل هذا كل ما سنفعله ؟
أجاب مبتسما .. كلا .. هناك شئ آخر سنبين للعالم أننا نقدر على إدارة القناة.
أما هو فقد كان يتحدث عنها – مصر – دائمًا .. بلسان الشاعر وقلب المحب .
إن مصر في حالتي الضعف والقوة .. أمة حرة يجتمع عليها أعداؤها من كل جانب . ومع ذلك لا تخفض رأسها أبدًا .
إن مصر جديرة بحبنا لها .. واستشهادنا في سبيلها إن مصر يجب أن تحيا في هذه الأيام كريمة عزيزة.
بهذا النوع من الحب كان ارتباطه بالأرض .. والوطن .
والمجتمع عنده ليس مجتمع قلب القاهرة والنوادي .. ولكنه مجتمع القرى والفلاحين . وما يريده هو كان ما يريده أبسط الناس .
" أنا قعدت مع الناس مرة وسألتهم : أنا عايز إيه ؟ اسألوني إنت عايز إيه ؟
أنا عايز أشغل الأولاد وأجوز البنات زى أي عائلة
وبهذا النوع من الحب .. كان انتماؤه للأرض.
وعندما كان يتحدث إلى الفلاحين كان يناديهم : يا أهلي ..
" أعاهدكم على أن أعمل من أجل عزة هذا الوطن فردًا فردًا .. وجماعة جماعة وقرية قرية .. وأقول أن جمال عبد الناصر ابن بنى مر سيظل ابن بنى مر وأنه لن يغير ما بنفسه وما بقلبه .. ليس لدى ما أعطيه لهذه الأمة .. سوى عمري ."
و .. ذاب عمر ناصر في عمر مصر .. امتزج الاثنان في واحد حتى أصبح عمره جزءًا منها وعشنا نتحدث عنها أي عنه ..
ولن ينتهي الحديث .. ما بقيت مصر ..
http://www.abidos.org/montada/viewtopic.php?f=88&p=8058
لفت نظرى الجمل التالية :
بالقضاء على الاستعمار والسراي .. والأغنياء .. ورجال السياسة
( خلى إيه بقى ؟ )
لا يريد أي أجنبي يدير أي شئ في مصر
( إذا ماكنتش عندك كوادر ولاصناعات ولاعلوم .. طيب مين هيطور البلد ؟ ) واضح إنه كلام تعصب زى ماجعلوا الجزيرة تقتصر فقط على المسلمين وطردوا منها اليهود والنصارى فى بداية الإسلام