{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 3 صوت - 2.33 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
لقاءات مهمة مع مثقفين مهمين ....وجها لوجه ...
بسام الخوري غير متصل
Super Moderator
******

المشاركات: 22,090
الانضمام: Feb 2004
مشاركة: #1
لقاءات مهمة مع مثقفين مهمين ....وجها لوجه ...
أمين معلوف لـ «الشرق الأوسط»: الحضارة الغربية في انغلاق كبير وعليها أن تتغير

بعد صدور كتابه الجديد «خلل العالم»


أمين معلوف
وليد شميط

لمرة جديدة يضع أمين معلوف الرواية جانبا، ويكتب عن همومه كمواطن في هذا العالم. يقف صاحب «صخرة طانيوس» ما بين شرق منهك وغرب بلغ غاياته وما عاد يستطيع مزيدا، مشرّحا عاهات هنا ومعايب هناك، باحثا عن مخارج ممكنة.

«خلل العالم» صرخة غضب كبيرة وحادة يريد منها أمين معلوف أن يحذر الجميع، بأن «الباخرة على وشك الغرق. ثمة بصيص أمل، ما يزال موجودا، فتداركوا الأمر قبل فوات الأوان!». هنا مقابلة أجرتها «الشرق الأوسط» مع أمين معلوف في باريس، يتحدث خلالها عن الكتاب، وعن قلقه المتزايد حول ما يجري في العالم العربي.


* في جديده «خلل العالم» LE DEREGLEMENT DU MONDE الصادر عن «دار غراسيه» يتوقف أمين معلوف مطولا عند أسباب الانهيارات المالية والحضارية، وكذلك الثقافية، الأيديولوجية، الجيوسياسية، البيئية المناخية، التي نعيشها. هذا القلق ليس جديدا على معلوف. وإنقاذ العالم شغله الشاغل في معظم كتبه التي ترجمت إلى 37 لغة وكانت موضوعا لأكثر من 17 أطروحة جامعية. خاصة، في «حدائق الضوء» (1991) Les Jardins de Lumière، و«القرن الأول بعد بياتريس» (1992) Le 1er siècle après Béatrice، و«الهويات القاتلة» (1998) Les identités meurtrières. وفي حين يتناول هذا الأخير مسألة الهويات التي كثيرا ما تتصارع وتتقاتل، ولا بد لها من أن تتعايش، فإنه في الكتابين الأولين يعبّر عن تشاؤمه من خلال ناسكين يلقيان نظرة حادة على عالم الأمس. وهي نظرة نجدها أيضا في «خلل العالم». وفي الكتاب يتوسع أمين معلوف في الحديث عن الأزمة المالية ومسبباتها، وعن ما يسميه «النظرة المتطرفة» التي سادت منذ ثمانينات القرن الماضي التي تقول إنه يجب التخلص من كل ما يحد من حرية السوق، وتجاهلت الجانب الاجتماعي في الاقتصاد الذي خضع لما عرف بـ«الليبرالية الوحشية». يتطرق معلوف إلى الطائفية ويرى أنها تشكل نفيا لفكرة المواطنية، وأنه: «لا يمكن بناء نظام سياسي حضاري يقوم على هذا الأساس. فإقامة نظام حصص، يجعل من الأمة قبائل متناحرة. وهذا ما يجري في لبنان». ويتوقف طويلا عند مسألة الأقليات. وهذه المسألة عنده، مع قضية المرأة، تشكل أحد أبرز مؤشرات التقدم الأخلاقي أو العودة إلى الوراء.

يضيق المجال هنا للإحاطة بكافة المواضيع التي تناولها معلوف في كتابه، والتي تتكامل مع مشروعه الكبير الذي يرافقه منذ كتابه الأول « les croisades vues par les Arabes (1983)، مرورا بـ«ليون الأفريقي» (1986) LEON L’AFRICAIN، و«سمرقند» (1988) SAMARCANDE، في بناء جسور التواصل بين الثقافات والحضارات، ولا يتخلى عن معركته الأساسية ضد كل أنواع التمييز: اللون، العرق، الدين، الطائفة، الطبقة. وهنا يتساءل القارئ: هل نحن أمام «مصلح كوني»؟ لا، إنما نحن مع كاتب يكتب كما لو أن الكتابة تغيّر العالم: «أعرف أن هذا مجرد وهم، ولكنه وهم صحي، من دونه لا معنى لا لكتابتي ولا لحياتي».

أسأل أمين معلوف:

* تقول إن الهيمنة الاقتصادية الغربية تآكلت بفعل بروز عمالقة جدد مثل الصين والهند والبرازيل. وهذا، في تقديرك، سيؤدي إلى نشوب صراعات جديدة بين من يملك الثروة ومن يطمح إلى امتلاكها..

ـ ثمة أمور غريبة تحدث في العالم. بالأمس قال الأميركيون للصينيين إنهم يبالغون في الإنفاق على التسلح. كل الناس تعرف أن الولايات المتحدة تنفق على التسلح أكثر بكثير من الصين وأوروبا وبقية الدول مجتمعة! إلى متى ستبقى الولايات المتحدة قادرة على أن تقول لدولة أخرى إنها تنفق أكثر مما يجب على التسلح؟ وبأي حق؟

ثمة أشياء سوف تتغير. فقد شهدت السنوات الماضية تدخلات عسكرية أميركية كثيرة في العالم. هذا أمر غير طبيعي. أنا لست من الذين يخوضون معركة ضد الأميركيين. أحيانا أجد أنهم يقومون بأعمال إيجابية، وأحيانا أخرى بأعمال سلبية. عندما يقومون بعمل إيجابي أصفق لهم، وعندما تجري انتخابات كتلك التي جرت العام الماضي أصفق وأحترم وأقدر. وفي الوقت نفسه ألاحظ أن الولايات المتحدة تقوم أحيانا بتصرفات غير معقولة، مثل التعذيب الذي لا يليق بدولة مثل الولايات المتحدة. ثم إنه غير طبيعي أن دولة مثل أميركا، تملك قواعد عسكرية في عشرات الدول، وترسل جنودها إلى دول كثيرة أخرى ثم تأتي وتقول لغيرها بأن عليهم أن يخفضوا من ميزانيات التسلح! هذا شأن الأسرة الدولية مجتمعة، ولكي تتمكن الأسرة الدولية من القيام بمثل هذه المهمة، لا بد من آلية معينة تجعل من التدخل العسكري، إذا لزم الأمر، مسألة تتم باسمنا جميعا وليست باسم دولة من الدول.

* حاول الأميركيون أن يفعلوا ذلك في العراق ولكنهم فشلوا..

ـ فشلوا، أولا لأنهم يتصرفون في العراق كدولة محتلة وليس كدولة محررة، ثم إن حساباتهم هم ليست حسابات العالم.

* ينقلنا هذا إلى مسألة أخرى تتطرق إليها في كتابك، وهي أن من مخاطر الأزمة المالية أن تفقد الولايات المتحدة تفوقها الاقتصادي، فتركز على تفوقها العسكري للدفاع عن مصالحها ضد كل من يحاول المس بهذه المصالح.

- هذا أمر مقلق. أنا أشعر، وربما أكون مخطئا، بأن الأميركيين، ومنذ سنوات، يستعملون قدراتهم العسكرية للتعويض عن خسارة مكانتهم الاقتصادية والسياسية والمعنوية. هذا أمر خطير. وفي الوقت نفسه ليس ثمة حلول واضحة. الحل الوحيد الممكن، هو أن تكون هناك قوة دولية قادرة على القيام بمهمات عسكرية عند الضرورة. لا يمكن إلغاء التدخل العسكري تماما، ولكن لا يجوز أيضا لدولة من الدول أن تنفرد بمثل هذا التدخل.

* ألا ترى أن عالم القطب الواحد الذي لا يزال قائما منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، مقبل على تغيرات كبيرة من شأنها أن تحوّله إلى عالم متعدد الأقطاب؟

ـ هذا أمر ضروري، ولكنه في منتهى الصعوبة. أقدّر كثيرا الرئيس باراك أوباما، لأني أعتقد بأنه رجل قيم ومبادئ يتمتع بقدرات فكرية كبيرة. ولكن في الوقت نفسه ليس سهلا على المرء أن يتخلى تلقائيا عن موقعه. يصعب على رئيس دولة أن يأتي ويقول إنه على استعداد للتخلي عن قسم من قوته الدولية لمصلحة دولة أو دول أخرى. فالرئيس، أي رئيس، مسؤول أمام ناخبيه وأمام بلده وشعبه، ومن الصعب أن يتصرف بما لهذا البلد من موقع ومكانة في العالم. لذلك أقول، بضرورة إيجاد آلية تحكم العلاقات الدولية، وأعترف، بصعوبة إيجاد مثل هذه الآلية.

* تتوسع في «خلل العالم» بالحديث عن مسألة الحضارة، وتتوقف، خاصة، عند ما يسمى بالمواجهة الحضارية بين الحضارتين العربية ـ الإسلامية والحضارة الغربية. وتقول إنك تنتمي إلى الحضارتين وإنك تبتعد عنهما معا، وتدعو إلى ما تسميه «تجاوز الحضارات»، وبناء حضارة مشتركة. هل تعتقد أن أحوال العالم، تسمح بمثل هذا الطموح؟

ـ أحوال العالم تجعل هذا الطموح أكثر صعوبة، ولكن، أكثر إلحاحا. أعتقد أن كل حضاراتنا قد وصلت إلى حدود معينة، ولذلك بات من الضروري تجاوزها بمعنى من المعاني، وليس بمعنى الإلغاء أو الإخفاء. ما تقدمه هذه الحضارات وتاريخها، تراثها، لغاتها، إنجازاتها إلخ.. من الضروري أن يبقى وأن نحافظ عليه ونحميه. الفكرة ليست إلغاء الحضارات وإيجاد شيء آخر ملتبس نضيع فيه. المقصود هو أن نحافظ على عطاء كل مقومات الإنسانية، غير أن ما وصلت إليه الحضارة الغربية من انغلاق أكثر بكثير مما هو موجود في غيرها من الحضارات. أول شيء أقوله للغربيين هو أنكم إذا كنتم تعتقدون أن بإمكانكم حل مشاكل العالم فأنتم على خطأ، لأنكم لا تعرفون كيفية حل هذه المشاكل، وبالتالي ليس بإمكانكم أن تحكموا العالم، والدليل أنكم فشلتم في حكم العراق وحل مشاكله. بالنسبة إلى أوروبا فإننا نقر بأنها حققت بعض الإنجازات، إلا أنها عجزت عن تخطي مضيق جبل طارق. فالتطور الأوروبي بقي في حدود أوروبا وعجز عن التمدد إلى خارج هذه الحدود ولو لمسافة خطوة واحدة. وإذا ما قالوا لنا إن السبب يعود إلى أن الدول التي تقع على حدود جبل طارق هي دول عربية إسلامية، فأسألهم: هل الغرب نجح في المكسيك وبلدان أميركا اللاتينية بكاملها، وهذه ليست عربية ولا إسلامية؟!

المشكلة تكمن في أن قدرة الغرب على نشر حضارته وصلت إلى حدودها. العالم يستمد كثيرا من حضارة الغرب، ولكن يجب على حضارة الغرب أن تتخطى جانبها الغربي الضيق لكي تصبح دولية وقادرة على استيعاب ما يأتي من بقية أنحاء العالم.

* أنت تقسو في كتابك على العرب، وتقسو أكثر على الغرب. فالغرب متغطرس، وقح، قاس، يعاني من نزعة الهيمنة. وإذا كانت مأساة العرب هي في أنهم أضاعوا مكانتهم بين الأمم، ويشعرون بعجزهم عن استعادتها، فإن مأساة الغرب في أنه توصل إلى لعب دور عالمي لا حدود له، ولم يعد بإمكانه اليوم القيام بمثل هذا الدور، كما أنه لم يعد بإمكانه التخلص منه..

ـ لعب الغرب في تاريخ العالم طيلة خمسة قرون دورا هائلا. لم يعد بإمكانه اليوم أن يلعب مثل هذا الدور. ولكي يلعب الغربيون مثل هذا الدور عليهم أن يتغيروا، أن يغيّروا ما في أنفسهم. أنا لا أقول للغربيين إن عليهم أن يتخلوا عن قيمهم. بالعكس، أقول لهم عليهم أن يحترموا قيمهم في تعاملهم مع الآخرين. إنجلترا في الهند غير إنجلترا في إنجلترا. يتمتع الإنجليز في بلادهم بالديمقراطية وبالحريات. وعندما ذهبوا إلى الهند اختفت في الهند الديمقراطية والحريات. فرنسا في الجزائر غير فرنسا في فرنسا. فرنسا في فرنسا حرية وعلمانية وقيم كثيرة أخرى، في الجزائر تصرفوا على نحو آخر. ولكي لا يبقى الكلام عن الماضي فلنتحدث عن اليوم. انظر كيف تتصرف أميركا في أميركا وكيف تصرفت في العراق! ولعل أبلغ رمز لهذا الواقع هو سجن غوانتانامو. فعبر إقامة غوانتانامو في جزيرة كوبا، يقول الأميركيون إن ثمة تصرفات غير مقبولة في الولايات المتحدة، وإنما هم يسمحون لأنفسهم القيام بها خارج الولايات المتحدة. هذا اعتراف واضح بأن ثمة خطأ في مكان ما. فإذا كان الغرب يحترم قيمه، عليه أن يحترمها في كل مكان، وإلا فإن ثمة مشكلة لا بد من إيجاد حل لها..

* وهذا ما يجعلك تركز على ما تسميه الشرعية الأخلاقية. وتحذر من أن الإنسانية ستبقى في حالة حصار إذا لم تقنع الولايات المتحدة العالم، وهي باتت سلطة عالمية، بشرعيتها الأخلاقية؟

ـ تماما. الأميركيون يلعبون دورا هائلا في العالم. ولتبرير هذا الدور لا بد من توفر أمرين: الأول، أن نقوم جميعا، أميركيين وغير أميركيين، بانتخاب الرئيس الأميركي. وهذا لن يحصل. خمسة في المائة فقط من سكان الأرض ينتخبون هذا الرئيس. بقية سكان الأرض، يقبلون هذا الخيار، على مضض أحيانا وبتفاؤل أحيانا أخرى. لذلك فإن الطريقة الوحيدة التي تمكّن أميركا من اكتساب شرعيتها الأخلاقية في العالم هي أن تحظى سياساتها وخياراتها برضا العالم وقبوله. من ذلك، مثلا، سياسة أميركا في مسألة المناخ التي قد تتفق مع سياسة أميركا بتوفير الرخاء للأميركيين، ولكنها لا تتفق على الإطلاق مع تطلعات العالم ومصالحه البيئية. والأمر نفسه ينطبق على عقوبة الإعدام. الأميركيون يصرون على هذه العقوبة في حين أنها ألغيت في بلدان كثيرة في العالم. وهناك اتجاه قوي لإلغائها في بلدان أخرى. القوانين الدولية تمنع التعذيب، والأميركيون يلجأون إلى ممارسة التعذيب عندما يرون في ذلك مصلحة لهم.. في مثل هذه الحالات، وفي حالات كثيرة أخرى غيرها، أين هي القيادة المعنوية المستمدة من الشرعية الأخلاقية؟ القوة العسكرية وحدها لا تضفي شرعية. رأينا ذلك بوضوح تام في العراق. أين تكمن عظمة أميركا؟ إنها في جامعاتها وفي قيمها. إما أن تتعامل أميركا مع العالم انطلاقا من قيمها، وفي هذه الحالة تحتل مكانة كبيرة، أو تتعامل بالعصا. وقد رأينا حدود استعمال القوة في العراق وفي غيره.

* تتوسع في الحديث عن العالم العربي في كتابك، وتنظر إليه نظرة متشائمة جدا، وتقول إن العالم العربي يغرق أكثر فأكثر في بئر تاريخي، حيث يبدو أنه يعجز عن الصعود إلى السطح. إنه يعيش أسوأ أوضاعه وحالاته.. ويحقد على العالم بأسره، وعلى نفسه.. إنه في مأزق تاريخي.. ألا ترى بصيص أمل؟

ـ ما كتبته في هذا الكتاب عن العالم العربي يمكن أن يفاجئ الغربيين، ولكن لا يفاجئ أحدا في العالم العربي. فما أقوله في الكتاب نقوله في كل جلساتنا. في كل لقاءاتنا، ما أن نبدأ في الكلام عن أوضاع العالم العربي، حتى نأخذ في البكاء.

* إنها ثقافة اليأس..

ـ إنها ثقافة يأس صحيح. نحن نتعرض للضربة تلو الضربة. صار لي خمس سنوات وأنا أنظر إلى ما آلت إليه الأمور في العراق وأبكي. بالنسبة لي العراق هو حضارة قديمة وحضارة حديثة. عراق الكتّاب، عراق الموسيقى، عراق الفن، عراق الفكر، عراق القراء. ثلاثة أرباع دور النشر العربية تنشر لقراء العراق! أنظر إلى ما يجري في السودان. السودان كان ينعم بحياة ديمقراطية، والإعلام يتمتع بحرية كبيرة. كانت هناك حياة سياسية وأحزاب. وأنظر إلى لبنان. هل أوضاع لبنان اليوم على ما يرام وعلى ما نتمنى أن تكون عليه؟ كان يجب أن يكون مدخول الفرد في لبنان عشر مرات أكثر مما هو عليه الآن!

* ثمة أسئلة كبيرة وملحة تقول إنه يجب على العالم العربي أن يطرحها على نفسه: ما المعركة التي يخوضها العالم العربي؟ ما القيم التي يدافع عنها؟ أي معنى يعطيه لمعتقداته؟ ماذا نقدم لغيرنا ولأنفسنا؟ بماذا نفيد الآخرين؟ وهل ثمة ما يقود خطانا غير اليأس الانتحاري، وهو أسوأ أنواع الكفر؟

ـ تحدثنا عن العراق. أنتقد كثيرا، ولا أزال أنتقد تصرفات الأميركيين التي أدت إلى تدمير البلد، والتي كشفت عدم احترامهم حتى للقيم التي ينادون بها. ولكن، في الوقت نفسه، ما الذي يبرر أن يقدم شخص على تفجير نفسه وسيارته في سوق يعج بالناس، لأن هناك أشخاص من طائفة يتسوقون ويشترون أغراضا لعائلاتهم. لا يمكن للأميركيين إجبارك على القيام بمثل هذا العمل. هناك خلل فينا يجعلنا نتقاتل ونذبح بعضنا بعضا. أموال كثيرة تدفقت على العالم العربي. ماذا فعلنا؟ هل بنينا مختبرات وجامعات؟ هل أمنا مستقبل الجيل الجديد الضائع في بلدان العالم بحثا عن مستقبل ما وراء البحار؟ من منعنا من القيام بذلك؟ ننتقد الآخرين، ننتقد الغرب، ننتقد الاستعمار، ننتقد إسرائيل، ولكن هذا لا يلغي مسؤوليتنا. من منعنا من بناء أنظمة ديمقراطية؟ لماذا ليست هناك انتخابات حرة وديمقراطية فعلا في كل العالم العربي، باستثناء بلد أو بلدين، إذا كان لا بد من الإشارة إلى هذا الاستثناء؟ لماذا؟ ما الذي يبرر عدم توفر الحريات؟ ما الذي يبرر عدم استعمال الأموال المتوفرة بفضل النفط أو غيره في بناء جامعات، في بناء إنسان، في بناء صناعات، في بناء مستقبل؟ منذ خمسة عقود كان المدخول الفردي في السودان وفي كوريا هو نفسه. ما الذي يفسر الفرق الكبير في المدخول الفردي اليوم في البلدين. ما الذي يفسر هذا التراجع بمستوى التعايش بين الناس؟

* في كتابه «الجغرافيا السياسية للانفعال» (La Géopolitique de l’Emotion)، يتحدث المفكر الأوروبي دومينيك موازي Dominique Moisi بتوسع عن ما يسميه بـ «ثقافة الذل» المنتشرة في العالم العربي، ولكنه يرى أملا في ما يجري في بعض دول الخليج العربي التي تحاول الدخول إلى العصر ونشر «ثقافة الأمل»، على حد تعبيره. هل تشاركه في هذا الرأي؟

ـ لم أرَ ما يضيء عندي الأمل بالفعل. سأواصل البحث، وسآمل أن يأتي الزمن الذي يمكن فيه للمرء أن يعيش في العالم العربي، وأن يحكي، ويعلو صوته، ويتصرف كمواطن، من دون خوف أو وجل، وأن يكبر أولاده ويقول إنه يريد منهم أن يعيشوا في بلادهم لأن بلادهم تؤمّن لهم مستقبلهم ولا داعي للسفر إلى أوروبا وأميركا بحثا عن الجامعات والعلم، وإن بإمكاننا أن نفخر بإنجازاتنا في هذه الصناعة أو تلك. نملك كل المقومات لكي نتقدم، ولا عذر لنا، وإذا ما أدى هذا الكلام الذي أقوله إلى تحريك نسبة واحد على ألف مما يجب أن يتحرك، أعتبر نفسي أنني أنجزت شيئا ما.

* في كتابك «الهويات القاتلة» (1998) تطرقت إلى مسألة تعتبرها مركزية، وهي مسألة الهوية، معتبرا أن الإنسان في النهاية هو محصلة مجموعة هويات. وفي «خلل العالم» تعود إلى الهوية وتقول إن البلدان العربية ـ الإسلامية تعاني أكثر من غيرها مما تسميه التحول من الأيديولوجيا إلى الهوية كعامل تفريق بين الناس.

ـ لغاية انهيار جدار برلين، كان النقاش في العالم في شكل عام يدور حول الشيوعية: إما مع الشيوعية أو ضدها، إما مع الماركسية أو ضدها. كان هذا هو الجو الفكري في العالم. بعد انهيار النظام السوفييتي، فقدَ هذا النقاش أهميته، ولم يحل محله نقاش آخر. وعمليا اعتبر كثيرون ممن كانوا يشاركون في هذا النقاش أن كل هذا الجدل لا مبرر له. المهم، عمليا، هو الانتماء. وهذا صحيح في كل مكان في العالم. اليوم ثمة تراجع في مستوى النقاش الفكري. كان محور نقاشات العالم يدور حول النظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.. أحيانا كان هذا النقاش يتخذ طابعا عنيفا، وأحيانا أخرى سلميا. ولكنه كان مطروحا منذ أواخر القرن التاسع عشر وطيلة القرن العشرين تقريبا، وكان يدور حول الاشتراكية والرأسمالية. هذا النقاش اختفى. ما الذي حل محله؟ لم يحل محله نقاش بين أيديولوجيات. انهارت الأيديولوجيا فصار الاهتمام ينصب على الانتماء. والمسألة لا تقتصر على الأفراد، بل هي تشمل الدول. كان الاتحاد السوفييتي يدعو إلى الاشتراكية، اليوم تعتبر روسيا نفسها أنها دولة أرثوذوكسية. الانتماء الديني الذي ازداد أهمية في مختلف أنحاء العالم، لا يتحمل نقاشا. لا يمكنك، مثلا، أن تطلب من شخص بروتستانتي وآخر أرثوذكسي أن يناقشا مسألة أي مجتمع يريدان. النقاش، في مثل هذه الحالة، غير ممكن. والتأكيد على الانتماءات الدينية يزداد أكثر فأكثر في كافة المجتمعات. وصار الناس يعيشون هذه الانتماءات بتوتر وبشكل مرضي. وبالتالي، ازداد التعايش بين الناس صعوبة. وهذا ما يجعلنا نقول إن نهاية صراع الأيديولوجيات أدى عمليا إلى تصاعد الانتماءات.

* مع مثل هذا الدور للهوية، ألا ترى أن الهوية تتحول، هي الأخرى، وبشكل من الأشكال، إلى أيديولوجيا؟

ـ هي أيديولوجيا بشكل ما، ولكن الفرق الأساسي بين الانتماء الديني والأيديولوجيا هو أنك تختار هذه الأيديولوجيا أو تلك، في حين أن هويتك الدينية أو المذهبية تولد معك. أنت لا تختار هذه الهوية. تختار طريقتك في ممارستها وفي التعامل معها.

* يقودنا هذا الكلام إلى التطرق لموضوع آخر هو الطائفية السياسية. تقول إن «الطائفية هي نفي فكرة المواطنية، وإنه لا يمكن بناء نظام سياسي حضاري يقوم على مثل هذا الأساس، وإن إقامة نظام حصص يجعل من الأمة قبائل متناحرة». هذا ما يجري في لبنان اليوم.

ـ هذا ما يجري في لبنان منذ زمن طويل، ومن المفارقات أن هذا امتد إلى مناطق أخرى، كنا نعتقد أنها بمنأى عن الطائفية. رأينا، بعد لبنان، ما حصل في العراق ويوغوسلافيا، وأماكن أخرى. أعتقد أن الطائفية تبدو حلا في حين أنها هي المشكلة. وقد تكونت عندي، بعد سنوات طويلة من العيش في مجتمع تعددي، فكرة أنه لا بد من مراعاة حساسيات المجموعات المختلفة ضمنيا وليس علنا. عندما يتألف مجتمع من حساسيات مختلفة، وأنا هنا لا أتحدث عن لبنان وإنما بصفة عامة، الحل الأفضل هو أن يتنبه المجتمع للفروقات، ويفهم معانيها وحساسياتها ويأخذ قراراته على هذا الأساس. مثلا: عندما يتم تشكيل حكومة في بلد تعددي، لا داعي للإعلان عن طوائف ومذاهب أعضاء الحكومة، وإنما أن يتم في اختيار الوزراء مراعاة الكفاءة طبعا والحساسيات الدينية التي يتألف منها المجتمع. ما الفرق؟ الفرق ليس شكليا فحسب. عندما تكون مسألة المراعاة ضمنية وليست توزيع حصص، يشعر الجميع بالارتياح. كل الحساسيات تشعر بأنها ممثلة في الحكومة، في الإدارة، في قطاعات المجتمع.. إلخ، ويجعل هذا المواطن يشعر بأن له مكانته في مجتمعه. أما الدخول في مسألة توزيع الحصص فهو الدخول إلى جهنم، إذ يقوم كل فريق بالمزايدة على غيره، وبالمطالبة بحصة أكبر.

al masdar
05-09-2009, 12:34 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
بسام الخوري غير متصل
Super Moderator
******

المشاركات: 22,090
الانضمام: Feb 2004
مشاركة: #2
لقاءات مهمة مع مثقفين مهمين ....وجها لوجه ...
المرشح العربي لليونسكو فاروق حسني: «تصالح الأديان والثقافات هو قضيتي الأولى»

الفنان فاروق حسنى وزير الثقافة المصرى هو المرشح العربى لتولى موقع أمين عام منظمة اليونسكو للدورة التى تبدأ هذا العام (2009). وعلى مدى ستين عاماً لم يتح للثقافة العربية عبر أحد ممثليها أن تشغل هذه المواقع بالرغم من الإسهام العربى فى تأسيس هذه المنظمة. وفى الدورة السابقة تقدم لشغل الموقع بالمنظمة شخصيتان عربيتان، الأول: الدكتور غازى القصيبى الشاعر والكاتب الروائى والدبلوماسى السعودى والثانى: الدكتور إسماعيل سراج الدين المفكر والعالم المصرى، ويبدو أن المنافسة بينهما كانت من بين أسباب خروج العالم العربى من الساحة أمام المرشح اليابانى.

هذه المرة أجمع العالم العربى كلمته واستقر الأمر على فاروق حسنى، كان هناك المرشح العمانى وكانت هناك الدكتورة عزيز البنانى الوزيرة المغربية السابقة والسفيرة باليونسكو حاليًا وقد انسحب كل منهما كى يتركز الجهد العربى فى مرشح واحد.

فاروق حسنى هو ابن مدينة الإسكندرية تخرج في كلية الفنون الجميلة وعمل مديراً لقصر ثقافة الأنفوشى بالإسكندرية سنوات الستينيات من القرن العشرين التى عرفت ازدهار قصور الثقافة، ثم غادر مصر ليعمل ملحقاً ثقافياً ثم مستشاراً ثقافياً بباريس ومنها إلى روما مديراً للأكاديمية المصرية بها ثم وزيراً للثقافة وفى عهده تم تطوير العديد من المؤسسات الثقافية المصرية مثل دار الكتب والوثائق القومية، والمجلس الأعلى للثقافة، وتأسس المشروع القومى للترجمة الذى صار اليوم المركز القومي للترجمة، وازدهرت في عهده حركة ترميم الآثار، فرعونية وقبطية وإسلامية، والعمارة الأوربية في مصر، ونشأت على يديه المكتبات العامة في المدن والقرى المصرية والمتاحف الآثارية والثقافية، وتحوّلت أغلب بيوت الشعراء والأدباء والفنانين إلى متاحف تحفظ آثارهم وتاريخهم، وأخيراً دارت عجلة إنشاء أكبر متحف للحضارة الفرعونية، وغير ذلك كثير من البنية التحتية للثقافة العربية في مصر.

حول معركة اليونسكو وبرنامجه لها وحول الثقافة العربية وقضاياها كان اللقاء مع فاروق حسنى، وقد اجرى هذا الحوار الصحفي المصري حلمي النمنم رئيس تحرير مجلة «المحيط الثقافي».

أمامنا فرصة نادرة

الآن أنت مرشح العالم العربى لتولى قيادة منظمة اليونسكو ما دلالة هذا الإجماع العربى لديك؟
- هذا يعنى أن هناك وعياً كبيراً فى العالم العربى، وعياً بأهمية البعد الثقافى ووجوده يبشر بخير كبير فى كل المسائل والقضايا المطروحة وهو مكسب كبير للثقافة العربية مما يحقق وحده العرب.

عبر ستين عاماً من عمر اليونسكو لم يكن للعالم العربى كمنطقة جغرافية ولا للثقافة العربية حظ أن يتولى أحد ممثليها مسئولية اليونسكو بالرغم من الدور الذى لعبته بعض العقول العربية فى تاريخ هذه المنطقة.. والآن أمامنا فرصة كيف يمكن أن نفوز باليونسكو هذه المرة؟
- أنا معك أن هناك فرصة للعرب فى اليونسكو هذه الدورة، ومن حق الثقافة العربية وحضارة العرب أن تتمثل في قيادة هذه المنظمة العالمية، فمن سبقنا ليس وراءهم ثقافة أفضل ولا أعرق من ثقافتنا، وهناك استشعار فى العديد من دول العالم أنه آن الأوان، ومن حق العالم العربى أن يتولى عربى المنظمة وأتصور إنه إذا لم نحصل على الفرصة هذه المرة فقد ينتظر العالم العربى ستة عقود أخرى، نحن الآن بإزاء لحظة تاريخية تسمح بأن يتولى العالم العربى مسئولية اليونسكو وأتصور أنها يجب أن تكون فترة فارقة فى تاريخ المنظمة ولن ننال هذه الفرصة إلا من خلال أمرين مهمين:-

الأول: برنامج فى منتهى القوة والاعتدال والعمق.
والثانى: الدعم المادى والمعنوي من الدول العربية.

فى فترات سابقة سيطرت على المنظمة الدولية القضية المالية وأثر ذلك في التوجهات السياسية والثقافية وقد آن الأوان أن تتوجه المنظمة نحو التعريف بالثقافة العربية والتصالح العام فى العالم، تصالح الثقافات والأديان والحضارات؛ وبالتأكيد لو حدث ذلك التصالح فسوف ينعكس على كل الجوانب الأخرى وتكون له تداعيات عديدة فى مجال التنمية.

هل يمكن أن تحدثنا عن ملامح برنامجك لليونسكو؟

- أحد الأعمدة الرئيسية فى هذا البرنامج منطقة الشرق الأوسط وضرورة تقريب وجهات النظر بين هذه المنطقة والعالم من خلال الفعل الثقافى والحوار الجاد.

لا للاتهام بالإرهاب

أنت عربى القومية، مسلم الديانة، وبهذا المعنى فأنت متهم ـ ضمنياً ـ فى نظر الغرب بالإرهاب، ولعل الترشيح لليونسكو يكون الفرصة لدفع الاتهام عن الإسلام والمسلمين عموماً والعرب وثقافتهم خصوصاً بالعداء للحضارة الغربية والميل نحو الإرهاب، كيف نوظف هذه الفرصة لتقديم الوجه الحضارى والإنسانى للعرب ولثقافتهم ودينهم الإسلامى؟
- ما تقوله صحيح، الاتهام قائم بالفعل، ولكن يجب أن يحدد الاتهام فى المتهمين فقط وليس فى الكل، وكل مجتمع لديه متهمون ولكن لا نتهم المجتمع كله، فليس كل العرب إرهابيين ولا كل المسلمين، هناك فقط حفنة أفراد، ولذا يجب ألا يتهم العرب جميعاً ولا المسلمون، ذلك أن الثقافة العربية والإسلامية قدمت للحضارة الإنسانية الكثير من النماذج الرفيعة والكثير من المثل والقيم النبيلة.

من أجل التصالح

فى مرحلة سابقة تبنت اليونسكو «التنوع الخلاق» شعارًا لها، ما هو الشعار الذى يمكن أن تطرحه أنت فى المرحلة المقبلة؟
- كلمة واحدة هى: «التصالح»، تصالح الأديان والثقافات والحضارات وكذلك تصالح الإنسان مع المناخ، هذا المناخ الذى صار مصدر قلق للإنسان فى كل مكان، وإن لم نتصالح مع المناخ فلا مستقبل للأرض ولا للإنسان.

التصالح يشمل كذلك تصالح الغنى والفقر، ففى عالمنا اليوم هناك غنى فاحش وفقر مدقع ويجب أن نعمل لتحقيق تصالح الأغنياء مع الفقراء وتوفير قدر من العدالة، ويجب أيضاً أن يكون هناك تصالح بين الماء والصحراء، فالتصحر يزداد ويتسع وعلينا أن نسعى للحد من التصحر والحفاظ على المياه، أقصد أن يكون هناك تصالح بين البشر جميعًا ومع الأشياء.

تمر الرأسمالية العالمية بأزمة شديدة وقبلها مرت التجربة الاشتراكية بأزمة عاصفة؛ هل يمكن أن يكون ذلك مؤشراً لتراجع الأفكار الحادة والأيديولوجيا الجامدة فى العالم ومن ثم فى منطقتنا أيضاً؟
- عمر الدول يختلف عن عمر الإنسان الفرد، عندما يمر الإنسان فى حياته بأزمة ما، هو فى النهاية يكتسب خبرة تجعله يراجع الحياة من خلال الأزمات أما الأمم فحينما تمر بأزمات فهى تأخذ فترة حتى تتجاوزها وتستوعبها، والمهم أن يدرس قادة العالم لماذا تقع الأزمة وطرق الخروج منها، والتماس الحلول التى تضمن عدم تكرارها. وأظن أنه بعد الأزمة الاقتصادية الحادثة لابد أن يفكر العالم فى حل وسط، لقد أخذ العالم زمنًا فى التجربة الرأسمالية كما أخذ قبلها زمناً فى التجربة الاشتراكية ولابد من البحث عن حلول تضمن حرية الإنسان وقيام المجتمع الحر، وتضمن كذلك معه الحياة لكل فئات المجتمع، وهذه قضية ثقافية وفكرية فى المقام الأول.

التفكير والحوار

ما قصدته بالأيديولوجيا القاطعة هو قضية التفكير الأصولى، الذى يسيطر على العالم من المحافظين الجدد فى الولايات المتحدة، ويمثلون الأصولية المسيحية، إلى تنظيم القاعدة على مستوى الدين الإسلامى، فضلاً عن التطرف اليهودى فى أكثر من مكان، هل ترى إمكانية لتراجع هذه الحالة؟
- الأديان السماوية كلها، وخاصة الإسلام تدعو إلى التأمل والتفكير ولا ننسى كتاب العقاد الذى ذهب فيه إلى أن «التفكير فريضة إسلامية» المشكلة تكمن فى الرجعية التى تصيب البعض فى التفكير، وهذه الحالة تنم عن منطق جامد، وهى موجودة فى كل الديانات، وعلينا أن نواجه تلك الحالة بقدر أكبر من التفكير، والحوار، الذى يؤدى إلى المزيد من الرحابة والتسامح والاستماع إلى من هم جادون فى الحوار.

وكيف يمكن لمنظمة مثل اليونسكو أن تلعب دورًا فى هذا الجانب؟
- لابد من وضع خطة إستراتيجية للحوار والتسامح وكذلك لحماية الأديان من المتشددين، ومن أولئك الذين يسخرون من الأديان، وأن تكون هذه الخطة من خلال فريق من المفكرين؛ فالموضوع مهم وجاد، وعلينا أن نكون واثقين أن المستقبل للأفكار التقدمية وليس الرجعية، وفى تاريخ الإسلام مثلاً كان المستقبل دائمًا لأصحاب الأفكار التقدمية، والحوار هو الذى يحقق هذا الفرز والاختيار، قد يأخذ الأمر وقتًا طويلاً بعض الشىء، لكن علينا أن ندفع باتجاه يحقق التصالح والتسامح والاستماع للآخر.

الملاحظ أن هناك تركيزاً منك على الدول الأوربية ومساندتها فى اليونسكو، وهناك تجاهل لبقية الدول والثقافات؟!
- اتصالاتنا بالعالم كله، لقد التقيت فى المغرب بوزراء الثقافة الأفارقة وعلاقتنا ممتدة بإفريقيا، وهناك صلات عربية قوية معها، كما توجد علاقات وطيدة بين العالم العربى وأمريكا اللاتينية وعلاقاتنا الآسيوية ممتدة مع الهند والصين، هذه الدول والبلدان ذات حضارات وثقافات قديمة وعميقة، وإذا كنا نتحدث عن حوار الحضارات والتصالح بينها فلابد من أن يكون الحوار بين الثقافات كلها، ثقافات الشرق وثقافات الغرب، فنحن نرى أن الثقل الحضارى موجود فى مناطق عديدة من العالم، وإذا كان العمل الثقافى يقوم على أنه يجب ألا يترك كل شىء للسياسيين وأن للإبداع دوره فهذا يفرض علينا أن نتجه إلى الشعوب لتلعب دورًا فى التقارب العالمى، الهدف فى النهاية هو الشعوب والتقارب بينها.

العرب والصروح الثقافية

من خلال موقعك كوزير للثقافة فى مصر كيف ترى حالة الثقافة العربية؟
- لم أشعر فى يوم من الأيام أن مسئوليتى الثقافية لمصر فقط، فهناك (22) بلداً عربياً لكن هناك ثقافة عربية واحدة، وأنا سعيد بوجود نشاط ثقافى ضخم فى الكويت شعرنا به جميعًا كمثقفين وفنانين عرب، وقد شعر النظام السياسى فى كل دولة عربية بأهمية المؤسسات الثقافية، وهناك صروح ثقافية ضخمة أقيمت وتقام فى كل دولة عربية؛ فى العراق وفى سورية ولبنان والمغرب والجزائر وتونس، هذه الدول لديها أنظمة ومؤسسات ثقافية قديمة وهناك مؤسسات فى اليمن وعمان والأردن وكل دول الخليج. وقد سعدت بازدهار النشاط المسرحى فى ليبيا أخيرًا، ولا ننسى شعراء السودان، وكُتَّابه،.. فى كل البلاد العربية الآن مؤسسات ثقافية ضخمة.

هناك من يرى أن هذه المؤسسات تقيمها الدول العربية للوجاهة السياسية فقط وليس لخدمة الثقافة الرفيعة والجادة؟
- هذا الادعاء غير صحيح ويصدر عن عدم إدراك للواقع، المؤسسات الثقافية تقوم على كوادر المثقفين والمبدعين وتعمل لخدمتهم، تأمل دار الكتب فى مصر والمؤسسات المناظرة لها فى العالم العربى، من يمكن أن يقوم على دراسة وتحقيق المخطوطات غير المتخصصين؟!

تراث متنوع

لدى العالم العربى تراث ضخم من المخطوطات ومن الوثائق ولكن لا يوجد اهتمام كاف بها ولا يوجد اتصال كاف بين المؤسسات العربية فى هذا الصدد ليكون الباحث على علم بالمخطوطات أو الوثائق فى كل دولة وعليه الاستعانة بها فى أبحاثه، ألم تفكروا فى تحقيق مشروع علمى بهذا المعنى؟
- فى العالم العربى تنوع كبير جداً فى التراث، الإرث التاريخى والثقافى نفخر به، ودور المؤسسات والكُتَّاب هو حماية هذا الإرث، والحمد لله لدينا أعظم معامل لترميم المخطوطات والوثائق، والتكنولوجيا الحديثة تساعد فى التعامل مع هذه الوثائق وعرضها، ومن ثم إتاحة الإطلاع عليها، وأنا معك في أنه يمكن حيازة نسخ من هذه المخطوطات والوثائق وتوفيرها فى مختلف البلدان العربية، أعرف أن الباحث كان يمكن أن يذهب إلى مكتبات المغرب وتونس والقاهرة ودمشق وبغداد وصنعاء للإطلاع على مخطوط هنا أو نسخة هناك، ولو أمكن رقمنة هذه المخطوطات فسوف يسهل ذلك كثيرًا على الباحثين من مختلف البلدان العربية وسوف يؤمنها لأن الباحث لن يكون بحاجة إلى الاطلاع على أصل المخطوط أو الوثيقة فلا تتعرض للتلف.

إلى جوار الثقافة العربية هناك ثقافات فرعية فى معظم البلدان العربية كالأمازيغية فى بلاد المغرب والنوبية فى مصر، والكردية في العراق وغيرها، كيف ترى العلاقة بين الثقافة الكبرى وهذه الثقافات؟
- يجب ألا يكون هناك صراع ثقافى بين أى من هذه الثقافات الفرعية والثقافة العربية، لأن هذه الثقافات مهمة ويجب الإبقاء عليها ودعمها، فهى جزء مكمل للثقافة العربية وجزء من هوية الوطن، وهى إضافة للثقافة العربية ومصدر تعدد وتنوع خصب خلاق، وبعيدًا عن هذا فلكل إقليم لهجته المحلية وسماته وعاداته الخاصة، وهذا التنوع الرائع يعطى الأمة ملامحها الكاملة ومن ثم يجب عدم قمع هذه الثقافات بل الاحتفاء بها، لأنها فى النهاية مكسب وإضافة للثقافة العربية وليست خصماً منها.

سيادة الوزير، كنت تعد نفسك لتغادر موقعك وتتفرغ للوحاتك وفنك لكن جاء الترشيح لليونسكو مما يعنى الدخول فى مرحلة جديدة تمامًا ما الذى حدث؟
- هناك تفاصيل كثيرة ولا أظن أنها تشغل قارئ «العربى»، فقط أقول لكم هو القدر يحمل الإنسان مسئولية كبيرة جداً أحياناً، أنا وزير الثقافة فى مصر الآن أشعر أن المسئولية سوف تكون مضروبة فى اثنين وعشرين مرة، الترشيح لليونسكو وضع على عنقى مسئولية كبرى تجاه الثقافة العربية وتجاه العالم العربى كله، وحينما تضع الأقدار علينا مسئولية فيجب أن نتحملها ونقوم بها على أكمل وجه قدر المستطاع، ذلك أن بلادنا تستحق الكثير.

بعيدًا عن مواقع المسئولية، ما هو طموح فاروق حسنى الشخصى؟
- عندى حياتى الخاصة كفنان، طموحى الفنى هو الأول وهو تاريخى وهو عندى الشعور بالتفوق والتميز.

فى تقديرك ما هى نسبة الفوز فى معركة اليونسكو؟
- أمام العالم العربى فرصة جيدة هذه المرة وعلينا أن نعظمها.

فى الدورة السابقة لليونسكو خاض التجربة كل من المصرى الدكتور إسماعيل سراج الدين والسعودى الدكتور غازى القصيبى، ألم تجلس مع كل منهما لتستمع إلى تجربته وخبرته؟
- أعرف الكثير عن تجربتهما وسوف ألتقى بهما فى الفترة المقبلة.

أنت ابن مدينة الإسكندرية، ماذا تعنى لك هذه المدينة وماذا يتبقى فيك منها؟
- الإسكندرية هى الانطلاقة الأولى، وهى مدينة خاصة جداً، مدينة كوزموبوليتانية بالمعنى الكامل ولها طابعها الخاص والمميز بالرغم من تعدد الأعراق والثقافات بها، وأظن أنها مدينة تصنع التسامح والتعايش لمن يقطنها وينهل من تنوّعها الثقافي الفريد. وتبقى هى مسقط رأسى ومرتع صباى، ومنهل ثقافتى، وقيمى الحضارية.

--------------------------------------

إن تسلْ فى الشعرِ عني
.. هكذا كنتُ أغني
لا أبالى أشجى سمْعَكِ
أم لم يشجِ لحني
هو من روحي لروحي
صلواتٌ, وتغنِّي
هو من قلبى ينابيعٌ
بهــا يهدرُ فني
للآسى. فيها تعاليلٌ,
ولليأس تمنــي

محمود حسن إسماعيل


أجرى الحوار: حلمي النمنم

http://www.alarabimag.net/arabi/Data/200..._87062.XML

majalat al arabi meen al kuwait
05-10-2009, 06:41 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
بسام الخوري غير متصل
Super Moderator
******

المشاركات: 22,090
الانضمام: Feb 2004
مشاركة: #3
لقاءات مهمة مع مثقفين مهمين ....وجها لوجه ...
غادة السمان.. قلب تسكنه دمشق

غادرت غادة السمان دمشق مبكرًا، ولكنها لم تغادر قلبها. ظلت دمشق هي حبها الأول ومأوى روحها، وعندما بدأت تستعيد سيرتها الذاتية، وتكتب روايتها المستحيلة تفجرت كل العطور القديمة من عاصمة الياسمين، وتلونت سطور غادة السمان بنوع من الأسلوبية الغنائية الفريدة.

إن «العربي» في هذا الملف تحاول أن تستعيد دمشق من خلال غادة السمان، ذاكرة وأدبًا، وهي ترسل التحية إلى تلك المدينة العربية العتيدة التي تشهد هذا العام 2008 احتفالاتها كعاصمة للثقافة العربية.

ولم أَخُنْ
ياسمين جدتي
لا تسأليني يا شام

النص الذي سأخطه الآن عن دمشق لن يكون موضوعيًا. وعلى من يبحث عن معلومات محايدة وموثقة بالأرقام عن تلك المدينة السحرية ألا يتابع القراءة.

فأنا أتحدث عن مسقط قلبي ورأسي، امبراطورية الياسمين، مدينة غبارها النجوم وأنشودتها نغمة التحدي للفاتحين على مر الدهور.. مدينة تكسرت محاولات الزمن لإذلال شعبها الرقيق كحد سيوفها، الشرس كأحصنة العرب البرية التي تستعصي على ترويض يد غريبة. دمشق مدينة أحزاني البضة، مدينة القبلة الأولى، دمشق التي يتعذر على عشاقها مثلي سجنها داخل صناديق الذاكرة الموصدة، وستظل إلى أبدي تهيم في قاع روحي، وعبثًا أحاول أن أنسى بإتقان ما كان، أو أتذكر بدقة كل ما كان، أو أختم بالشمع الأحمر ذاكرتي معها.

جدتي تحت الشجرة.. والعقرب

ثمة لحظة شامية لم أنسها يومًا، وأستعيدها كلما أحاقت بي المتاعب والأحزان (كما يحدث للبشر جميعًا) كانت جدتي تصلي، وأخي سلمان وأنا نتقافز كقردين حولها ونلعب (كأي طفلين تقوم بتربيتهما بعد وفاة أمهما) حين تسمرت وسليمان ونحن نرى عقربًا مرعبًا يتجه صوبها، وشاهدته جدتي لكنها تابعت صلاتها بهدوء بينما هو يقترب منها ثم يمر من بين قدميها، وركعت دون أن تلفت إليه وسجدت ولم يرف لها جفن.

ومضى العقرب إلى حديقة المصيف عبر الباب المفتوح والرعب حجّرنا، شقيقي وأنا.

جدتي الشامية العتيقة المنحدرة كجدي لأبي من أسر متجذرة في (الشام) منذ مئات السنين علمتني يومئذ درسًا لم أنسه يومًا، ولولاه لما استطعت أن أستمر طويلًا هكذا. بالمقابل، علمتني اللاذقية البحرية مدينة أمي والشاطئ السوري (مهد الأبجدية الأولى) عشق الرحيل والتعامل مع الحرف باحترام خاص يكاد يلامس حدود التقديس. وحين أخط نصًا (كما أفعل الآن) تظل حشرة التفكير السوداء تعذبني فيما بعد تهمس كالوسواس: بدّلي هذه الكلمة - اشطبي هذا السطر - أعيدي كتابة هذا النص كله..

أسرار «حكاية غرامي» مع «الشام»

حسنًا. لأمعن اعترافًا لم أغادر دمشق وأرحل لمجرد أنني ولدت وفي فمي بطاقة سفر، أو لمجرد رغبتي في متابعة دراسة (الماجستير) في الجامعة الأمريكية ببيروت. قبلها تشاجرت مع دمشق شجارًا كبيرًا كما هي الحال في شجار العشاق.. حيث الحب مرادف للقتل وكانت المحصلة الحكم عليّ بالسجن لثلاثة أشهر بقانون رجعي المفعول ولذنب أفخر به وهو عشق الرحيل، وباللغة الرسمية: لأنني من حملة الشهادات العالية وغادرت بلدي دونما إذن مسبق). لم أعد وقتها طبعًا لأن فكرة السجن لم ترق لي!!

ويوم أصدر رئيس البلاد عفوًا عامًا شملني عام 1970 كنت قد تزوجت قبلها بأشهر وحاملًا أيضًا.. وببطني الكبير ورأسي الصغير استقررت في لبنان.. وكنت دائمًا أعرف أن الاستقرار في بيروت يشبه توازن بيضة على دبوس فوق طاولة في قطار! وعبرت عن ذلك القلق في نبوءة عرافة روايتي «بيروت 75» بالحرب الأهلية والرواية صدرت عام 1974.. شجار العشاق بيني وبين دمشق لم يطل، وحين قصفت إسرائيل دمشق عام 1973 أعلن الحب العتيق وفاءه وكتبت: «دمشق، أيتها العتيقة كسنديانة الأساطير. طيورك المهاجرة تقطنك أينما كانت، تحترق أجنحتها إذا مرت بصمودك صاعقة. دمشق، يا لؤلؤة الزمن! ليست مصادفة أن تضربك إسرائيل فأنت أقدم مدينة مأهولة في التاريخ وفي مجرد (وجودك) تحدٍ لكل من يفتقد إلى العراقة والأصالة والعظمة الإنسانية، وكنت دومًا مقبرة للغزاة..

إنه الحب الكبير، يستمر على الرغم من تماريني السويدية اليومية على النسيان.

جائزتي الأولى كانت من لبنان الحبيب

أكرر: منذ ألف عام كنت أروح جيئة وذهابًا على شرفة بيتي في «ساحة النجمة» الدمشقية واليوم، بعدما هدموا المبنى، مازال شبحي يروح ويجيء على شرفة معلقة في الفضاء.. وسأظل دائمًا شجًا عاشقًا في دمشق لا تفلح قيمة في التخلص منه.. والشعراء والصعاليك والعشاق سيرون شبحي على شرفة بيتي العتيق اللامنسي آخر الليل الشامي. بالمقابل، أعترف بلا حرج أن مدينتين تسبحان في دورتي الدموية هما دمشق وبيروت.. ولن أنسى يومًا كيف احتضنني لبنان بكل كرم الحنان والعطاء في الشدة. ودلل حرفي وأطلقه إلى القارئ العربي.. ولن أنسى أنني بعد عشرة أعوام من وصولي إلى لبنان كطالبة في الجامعة الأمريكية، غمرني كرم ذلك البلد بمنحي أرفع جائزة أدبية، وهي جائزة الإبداع من رئيس الجمهورية اللبنانية التي كانت تقدمها «جمعية أصدقاء الكتاب» وذلك على مجموعتي القصصية «رحيل المرافئ القديمة» والأجمل من ذلك كله ان أحدا لم يغضب لأنني لم أذهب لتسلم الجائزة يومئذ بل نابت عني (حماتي) السيدة سارة داعوق غندور رئيسة جمعية «العناية بالطفل والأم» وحاملة وسام الاستحقاق لأعمالها الخيرية فقد كنت يومها أعمل على روايتي الأولى «بيروت 75» ومع الكتابة شعاري: وداعًا لكل شيء. لكنني فخورة بتلك الجائزة أكثر من فخري بجوائز أخرى غريبة حازتها ترجمات كتبي كـ «القمر المربع» و«بيروت 75» وسواهما. فقد كانت جائزتي من لبنان الجميل هي الأولى.. هذه هي بيروت: تحتضن الجميع دونما استثناء، وهذا هو لبنان وطن السخاء حتى الغناء إكراما للآخر!!

لبنان علمتني دمشق حبه عبر درس الوفاء الشامي، واحتضنتني بيروت حيث تشاجرت مع مدينتي الأم ولن أنسى ذلك يومًا. ولكن شوقي إلى دمشق لا ينطفئ وفي العيد التذكاري للفراق أستند على شجرة الياسمين العتيقة كعكاز وأمشي منتصبة في شوارع التشرد المزروعة بفخاخ الغربة، والعيون المفروشة بالألغام.. وفي الليل ألتحف بالذاكرة وأنام في حضن دمشق، وسادتي عباءة جدي في دكانة خلف الجامع الأموي وفي بيته في «زقاق الياسمين» محصنة بتعاويذ جدتي، ولن أخونها. وانا سعيدة لأن المخرج السوري المبدع سمير ذكري يقوم الآن بتحويل روايتي عن زقاق الياسمين «فسيفساء دمشقية» إلى فيلم عنوانه «حراس الصمت» والمحرض الإبداعي هوالأستاذ محمد الأحمد (حفيد الشاعر السوري الكبير بدوي الجبل) بصفته الرئيس لـ «المؤسسة العامة للسينما السورية».

التسكع في دمشق القديمة مع بطل روايتي

أتحدث الآن عن دمشق في أدبي. في روايتي «الرواية المستحيلة/ فسيفساء دمشقية» يتسكع أحد أبطال الرواية (1945) «أمجد الخيال» وهو يمشي وحيدًا تحت المطر بعدما غادر جامعة دمشق حيث يعمل أستاذًا، ويدوس بقدسية «الدهبيات» الاسم الشامي لأوراق الخريف الذهبية اللون، ويمشي مارًا بمآذن «التكية السليمانية» حيث كل مئذنة مثل ذراع عملاقة تتضرع إلى السماء في رشاقة حجرية، وبردى يتحول إلى مرآة ضوئية وعسل الغيوم يسيل بعذوبة فوق القبات المذهبة بالغسق.. وذلك التسكع كله نحو «سوق الحميدية» حيث تفوح عطور صرر الاوزي (طعام دمشقي) والمطارق الخشبية تهوي فوق البوظة (القيمق والدندرمة» ومزاريب سقف السوق تقطر منها مياه المطر.. شوارع الخانات والميازيب والقباقبية وسط القباقيب «الشبراوية» والأغباني والبروكار والشراويل العجمية والمصدّفات. بطل روايتي تسكع على غير هدى بين قبر «صلاح الدين» و«مئذنة الشحم» وأزقة المسك والعطوس والعنبر والقرفة والدكك المتآكلة وبهارات الهند والكسبراء الجافة والكمون والزنجبيل وجوزة الطيب والآنية البلورية بموادها الحية السحرية المجففة، والهواء بصدئه الحنط والخيش المغبر.. ثم «زقاق الياسمين» حيث بيت جد أمجد الخيال بطل الرواية.

يا «زقاق الياسمين» هل تفتقدني؟

هل كان البيت الشامي العتيق خلف الجامع الأموي في «زقاق الياسمين» يبكي واحدة من بطلات الرواية (هند) أم كان يبكي غيابي عن دمشق كما كنت اشتهي أن تبكيني الأماكن التي عشقتها بنرجسية مخزية؟ هل كانت الضرورة الفنية الأدبية تستدعي هذا النص في روايتي.. الرواية المستحيلة - فسيفساء دمشقية؟ أم كان النص دخيلا على الرواية فنيا؟ لن أدري ولن يستطيع أي ناقد الجزم بذلك.. ولكن البيت العتيق الشبيه ببيت جدي انتحب لمناسبة ما وجمالياته تطغى على المشاعر البشرية العابرة.. وها هي صورة البيت الشامي العتيق بكل بهائه ورمزيته الأكثر سحرًا من الشعر والنثر الروائي.. ها هو الباب الخشبي الكبير للبيت، المحفور بنقوش إسلامية تتكاثف عند طرفه الأعلى المقوس المطروق بالنحاس والذي ينفتح في أسفله باب آخر صغير يكفي لمرور شخص على الرأس (احتراما للبيت الحي). لازلت أرى النباتات المزروعة في صدر الدار وأسمع خرير ماء «البحرة» الرخامية التي تتوسطه كصدى لأنشودة المطر والبركة.. رائحة الياسمين والريحان والورد البلدي الأبيض والزنبق والفل والشاب الظريف والأضاليا والطرخون «الخائن» الذي تزرعه جدتي في حوض ما لكنه ينبت في حوض آخر!

وأزهار «المجنونة» الليلكية تراقص الياسمين (العراتيلي) الذي يتسلق الجدران حتى غرف النوم.. متلصصًا.

بطل رواية «فسيفساء دمشقية أم أنا؟»

ها نحن في «الإيوان المحاط بثلاثة جدران في «الديار» حيث يجلس أحد أبطال روايتي المستحيلة التي يحولها سمير ذكري الى فيلم كما ذكرت لكم، يجلس في الإيوان محاطًا بسيمفونية الازهار والعطور أمامه الحديقة الداخلية. الإيوان تغطيه قبة تكسوها النقوش الاسلامية والمقرنصات.. يسترخي على مساند «البروكار» المدعومة بالجدار (الرخامي) خلفها.. ها هي الفسقية المرتفعة المطعمة بالفسيفساء تبكي هند (إحدى بطلات الرواية) الماء الذي يتفجر منها ويسيل على جدار (السلسبيل) المطعم يبكي ليل نهار وكذلك الابواب الخشبية المنحوتة بزخارف إسلامية مطعمة بالنحاس المطروح التي تنفتح على «القاعة الكبرى» الخاصة بالضيافة بسقفها المرتفع كالإيوان.. والآيات القرآنية والحكم منقوشة عليها مثل «رأس الحكمة مخافة الله» التي تتكرر على خشب العديد من الأبواب.. أقواس الإيوان الثلاثة تبكي هند.. العمودان اللذان ينحدران برشاقة غزلانية من (الدانتيل) الحجري كما في قصر الحمراء يبكيان بصمات الأجداد على كل شيء وأجداد أجدادهم تبكي.. ولا عزاء (لزوج الراحلة) إلا في قراءة الحكمة على الباب الملاصق لجلسته: «ولا غالب إلا الله».. اللوح المرمري المنقوش على الجدار يبكي الزخارف. المشقف. والابلق، العجمي، المجزع (والزخرفات) الشامية الأخرى كلها من جصية وخشبية ورخامية وحجرية) تبكي.. تجهش بالنحيب ومن جناحيها تهب رائحة اليانسون والقرفة والمشمش والتفاح والعنب والتوت والليمون والنارنج والهرجاية والمانوليا وسواها.

أخط أبجدية البيت الشامي العتيق بحنين ولكن حذار من التوهم بانني أنتمي إلى حزب المنتحبين على الغابر والذين يجففون الأزهار العتيقة بين دفات الكتب مصغرة الأوراق ويرتدون سرًا فساتين المخمل التابوتية التي تفوح منها روائح النفتالين وترقص في (دانتيلها) حشرات العتة. أنتمي إلى الحاضر وإلى مستقبل لايقطع صلته بالماضي كي لا يموت بردًا وفقرًا إنسانيًا.. وإذا نسيت دمشق فسأموت بردًا كما أكرر دائمًا. ولم اقتلع من قلبي يوما ياسمينة جدتي لأزرع في موضعها برج إيفل أو تمثال الحرية النيويوركي.

صحيح أنني أسمع رنة بيتي الشامي العتيق وهي تتنفس بصوت يكاد يكون بشريًا، منتحبة بنشيج دهري في أصدائه صوت بكاء نساء خافت ممتزج بالمواويل و(الولاويل) على طول عصفور من القهر السري و(انكسار الخاطر) لكنه بيت صامد لا يزعزعه أحد.. وصحيح أنني ككل شامية عتيقة أعرف أن البيت الشامي يتطور ويصحح ذاته من الداخل، لكنني أيضًا أعرف أن حضور الأشباح في دمشق العتيقة أمر عادي حيث يخلّف كل جَدّ وبقية أرواح الأسلاف شيئًا منهم في البيت. لكنني أيضا ككل الشوام (أي أهل الشام) أعرف أن «قيمة كل امرئ ما يحسنه» كما يقول النقش في الخشب على باب غرفة نوم جدي وان الإنسان ليس بأصله وفصله بل وأولاً بما يقدمه للناس من عمل.

إنها الأعتق ولكن الأكثر شبابًا

دمشق هي المدينة الأقدم المأهولة في كوكبنا، والمستمرة، ولكنها أيضًا الأكثر شبابًا وحيوية وهنا المفارقة الجميلة.

ولأنني «شامية عتيقة» أحب أسلافي وقد أتشاجر مع جدي ولكنني لا أجرؤ على تمزيق عباءته ولا تلويثها.. بالمقابل لا أريد أن أرتدي جبة جدي أو أختبئ داخل أكمامه وأنام في جيوبه بشخير تاريخي. أريد أن أرتدي حياتي كما أشاء وأفصّل ثوب زمني على مقاسي.. والتراث ليس بالضرورة (إعاقة) الإبداع، بل إنه المحفز على الاستمرارية والإبداع وتجاوز الأزمنة إذا عرفنا كيف نسافره. أكرر: دمشق مدينة تقطنك حين تغادرها؛ أزقتها، أبوابها التاريخية، دمشق؟ تزوج الحنان من الحجر فولدت بيوت تنحني على أهلها كرحم. في أزقة متلاصقة الشفاه، كهمس العشاق، قرب «باب توما» الشاغور. الميدان «باب الصالحية» ساحة المرجة، القطاع، سوق ساروجة، والذهب الضوئي يسيل من قباب «الجامع الأموي» و«ستي زينب» ومن جرس كنيسة القديس بولس وآثار أقدامه حتى روما.

قبل أن أرحل بعيدًا قرأت دفتر الياسمين في دمشق. قرأت طلاسمها، أحجياتها، تعاويذها، دم ثوارها، قرأت ميسلون.. ثم بدأت طيراني وفي دمي ذلك كله.

ولكن دمشق هي أيضا (الاسم الحركي) لسورية عندي، ولكل مدينة عرفتها هناك وأحببتها بدءا بغابات كسبة وصلنفة ومرورا بتدمر والقامشلي وحلب والدريكيش وحمص وحماة والسويداء وسواها كثير في دمي ولا يحصى.

جيل ولد يوم غادرتها

في الليلة الماضية، قالت لي ذاكرتي: ارسمي لي خروفاً. فرسمت لها مدينة اسمها دمشق لم أرسمها طالعة من مرايا الماضي وحدها.. بل رسمت شهوة المستقبل. رسمت شرفتي العتيقة في «ساحة النجمة» الدمشقية ووقفت عليها، لم تمر مواكب الماضي وحدها أمام عيني، بل شاهدت تحت شرفتي، الجيل النضر الذي ولد خلال غيبتي عنها.. والجيل الذي سيولد بعد أن أموت!.


غادة السمان
05-10-2009, 06:49 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
بسام الخوري غير متصل
Super Moderator
******

المشاركات: 22,090
الانضمام: Feb 2004
مشاركة: #4
لقاءات مهمة مع مثقفين مهمين ....وجها لوجه ...
وجهًا لوجه مع : منح الصلح

البلاد العربية تعيش أزمة وعي بالهوية
قل لي كيف تفهم لبنان أقل لك مَن أنت أيها العربي
لم تكن الشهابية مخلصة تمامًا للعروبة، كانت عروبتها مداراة لمصر وليس تفاعلاً مع الناصرية
عباس وحده لا يستطيع ان يحصّل حقوق الفلسطينيين
يجب أن يكون الفلسطينيون كلهم موحدين حتى يبقى شيء من فلسطين
الدول العربية لم تعط القضية الفلسطينية وقضية المواجهة مع الصهيونية الاهتمام والحزم اللازمين.
أجرى الحوار: الكاتب اللبناني عدنان الساحلي

رهن المفكر منح الصلح نفسه إلى قلمه، ووهب هذا القلم إلى العروبة، بما هي فكرة ومشروع وطموحات. بدأ الكتابة وهو في السادسة عشرة من عمره، كتب في كبريات الصحف والمجلات التي صدرت في بيروت طوال أكثر من خمسة عقود، حمل هم أمته والتزم آمالها ومضى يبشر ويدعو إلى عصر عربي طال ليله ولم يبزغ نوره بعد. لا تثقل عليه سنوات عمره الثمانون بقدر ما تثقل عليه حالة التراجع التي يشهدها حلمه العربي، والأمور التي آلت اليها حال العرب.

هذا الحلم الذي أكلت منه العصبيات والنظرات الضيقة والإقليميات والمذهبيات، على حد قوله.

وبالرغم من سنوات عمره الثمانين، لايزال منح الصلح يكتب، حتى لو قلّت كتاباته عن السابق.

واستطاع، على مدى تلك السنوات أن يؤكد قدرته الكبيرة التي جمع بها بين عمق الفكرة وقوة التحليل والقدرة على نحت مفرداته، بينما كانت أفكاره امتدادًا لإرث أسرة الصلح الفكري والعروبي والقومي.

نشأ المفكر اللبناني والعربي منح الصلح في محلة «البسطة الفوقا» في العاصمة اللبنانية بيروت. وولد عام 1927 في بيت كان يضم جدته ووالده وأعمامه عادل وكاظم وتقي الدين وعماد. دخل في بداياته إلى مدرسة حوض الولاية في البسطة التحتا، وهي مدرسة للبنات والأطفال، أنشاتها جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية، وكانت من أوائل المدارس التي أنشئت لمنافسة مدارس الإرساليات. ومنها انتقل لاحقًا إلى مدرسة أمين الخوري المقدسي الابتدائية في رأس بيروت. ثم دخل القسم الثانوي الفرنسي في الجامعة الأمريكية، لكن سرعان ما طرد منها لأسباب سياسية، فعاد إلى المقاصد (ثانوية المقاصد الحرش)، وكان نقيب الصحافة الراحل رياض طه من زملاء صفه.

يقول: كل مدرسة أعطتني ذكرى مختلفة، في المقاصد فوجئت بتعليم العلوم باللغة العربية، ولفتتني قدرات الأساتذة المصريين الذين كانوا يعلمون هذه المادة، ومستواهم العالي.

في ذلك الوقت مثلت الجامعة الأمريكية للصلح ما يعتبر الحي الجامعي والثقافي في رأس بيروت وفي لبنان. وهي بمنزلة الحي اللاتيني في باريس، من حيث التعدد والانفتاح.

انتمى الصلح إلى الجمعيات الطلابية في الجامعة الأمريكية: العروة الوثقى، النادي الأدبي في الثانوية الفرنسية في الجامعة الأمريكية. وقصد فرنسا لدراسة الدكتوراه. عاش هناك سنة ونصف السنة في باريس، ثم أرسل له أهله بأن يعود إلى لبنان لأن محمود أبو الفتح (صاحب جريدة المصري) قرر نقل جريدته إلى لبنان (أول أيام الثورة المصرية). اتصل به والده وأعمامه، وقالوا له إن أبو الفتح عقله منفتح، وإنها فرصة كي يكتب في جريدته، عاد الصلح لكن أبو الفتح لم يأت إلى لبنان. وكان ذلك سببًا في عدم تقديم الصلح أطروحة الدكتوراه في الآداب العربية في أحد فروع جامعة السوربون.

كتب الصلح في كل الجرائد اللبنانية، لكن أغلب مقالاته لم يوقعها. أغلب المقالات التي وقعها نشرت في «النهار» و«السفير». وكتب في الحوادث أيام سليم اللوزي، من دون توقيع، بلا حساب سياسي أو حدود أو سقف سياسي. وكتب من دون مقابل في كل الجرائد ما عدا جريدة النداء، وحدها أخذ منها راتبا. وله عدة إصدارات كتب أبرزها: «الانعزالية الجديدة في لبنان»، «المارونية السياسية»، «الاسلام وحركة التحرر العربي»، «مصر والعروبة» و«الثورة والكيان في العمل الفلسطيني».

من ذلك الميثاق، وبحثًا عن طبيعة الموقف الراهن في جرأة الماضي ودروسه المستفادة، ليس في لبنان وحده، وإنما في المنطقة العربية كلها، بدأ بيننا هذا الحوار:

هل جاء الميثاق الوطني اللبناني في السياق ذاته؟ ولماذا قالت حكومة رياض الصلح في بيانها الوزاري إن لبنان ذو وجه عربي ولم تقل إنه عربي؟
- من دون شك، أن لبنان في عام 1943 أكد أن عليه أن يكون لبنانيًا كاملاً وعربيًا كاملاً. وقالت الحكومة في ذلك الوقت، إن لبنان ذو وجه عربي كما قالت إنه عربي في البيان نفسه، هنا يجب أن ندرك أن كلمة وجه يقصد بها معنيان: الحقيقة والدور. يعني أنه ذو حقيقة ودور، وليس انتقاصًا من العروبة، بل تأكيد على حقيقتها ودورها.

هل كنت في ذلك الوقت مع هذا الطرح، أي مع الفكرة الصلحية، أم كان لك رأي آخر؟
- كنت أراقب. كنت واثقًا مائة في المائة أن هذا خط عربي كامل، وأن كمال العروبة في كمال إدراك واقع الأوطان. وكنت جزءًا من الفكرة الصلحية لانني كنت واثقًا من أن القول بالوجه يعني الحقيقة والدور.

لكن البعض يعتبر أن فكرة الميثاق الوطني ليست فكرة عبقرية جاءت في تلك المرحلة، بل كانت صفقة سياسية -سلطوية؟
- أنا أعتقد أنها نجحت في أحد أصعب الأقطار في الحكم وهو لبنان، بتعدده وقوة النفوذ الغربي فيه وتعدد ثقافاته، بالرغم من كل ذلك لعب لبنان، بسبب سلامة خطه هذا، وسلامة هذا الطريق المفتوح أمامه، دورًا مهمًا في الحياة العربية. ولبنان لعب باستمرار دور الموفق بين الدول العربية والموحد، وأيد كل وحدة نشأت من كل قلبه. لكنه كان يتصور أن الأقطار يجب أن تجد نفسها في هذه الكيانات الواحدة.

كنت تقول إنك تؤمن بالعروبة والوحدة العربية، كنت عروبيًا عامًا، وقد تطور فكرك نحو الاقتناع بحقيقة الأقطار، هل مررت بمرحلة من التطور الفكري لتصبح عروبيًا، أم بدأت عروبيًا؟
- كنت مؤمنا بالعروبة والوحدة العربية ولاأزال. لست مؤمنًا بها فقط، بل أنا داعية كرّست حياتي لوحدة العرب، وأنادي بما يجمع العرب. وأنا عربي وعروبي من قبل أن أولد. أنا عربي «سكر زيادة». لكن أنا أقول لو كانت مصر أثناء الوحدة، عرفت كيف تحترم خصوصية سورية لما سقطت الوحدة بينهما، والوحدة ضرورية للعرب، ومن أجل الوحدة يجب أن يؤخذ التنوع بالاعتبار. وقد لاحظت من التجارب أن انتكاسة الوحدة والعروبة كانت ناتجة في معظم الحالات عن عدم الالتفات إلى التنوع داخلها. أنا وطني، وأشعر بأن وطنيتي هي عروبتي، وهي التي تخدم عروبتي. وأنا عربي وأعرف أن مردود عروبتي هو تماسك هذا الوطن الذي أنتمي إليه. وهذه الأفكار ليست جديدة، كل الأحزاب العربية القومية القائمة، قائمة على الاعتراف بحقيقة القطر، حقيقة الوطن وحقيقة الجوامع.


هموم عربية

هل ترى لنفسك دورًا «صلحيًا» ممتًدا في إيجاد حل لأزمة لبنان؟
- أنا منشغل، ليس فقط بالأزمة اللبنانية، أنا منشغل بهموم البلاد العربية في الساحة العربية كلها. وأحس أن هذه البلاد العربية هي ايضًا في أزمة كبيرة، هي أزمة الوعي بالهوية. هناك نقص في الوعي بالهوية الوطنية، خذ مثلا العراق، تشعر وأنت تتابع أموره الراهنة أن طحالب كثيرة نمت على هذه الهوية الوطنية وشوّهتها.

مشكلة العراق إنه كان عربيًا أكثر من اللازم، حتى أصبحت عروبته مضرة ومسببة لمشاكل مع البعض. هذه الهوية أعطت الحاكم العراقي السابق طيشًا. ودفعته إلى مغامرات. الآن انتقل العراق من بلد عيبه في زهوه بهويته الوطنية، إلى وطن، إذا التفتّ اليه من البعيد، يبدو كأنه «مشتل» للطائفيات والمذهبيات والعصبيات، فالهوية العراقية هي رمز يجب أن يرى فيه الفرد ما يمكن أن يصاب البلد به من نزعات التفتيت ونزعات التمزيق والتفرقة. ومن كان يرى العراق سكرانا بالحلم العربي وحلم الوحدة العربية، أصبح الآن يراه موضع تجاذب بين النزعات الموجودة فيه.

هل ما آل اليه العراق، هو فشل للأمة كلها، أم فشل للحزب الذي قاده في تلك المرحلة؟
- لا شك أن العنصرين تعاونا في إضعاف العراق وإعطائه هذا الوجه. ولاشك أن أخطاء كثيرة حصلت في العراق السابق.

هل الفشل كان لصدام أم لتجربة البعث بالكامل؟
- لم يكن حكم صدام ناجحًا، لكن لفت نظري أن مقتدى الصدر، الذي هو أحد قادة الشيعة في العراق، قال: «أنا عراقي.. أنا عراقي». وحتى يضطر شخص بهذه المكانة وهذا الموقع، إلى القول أنا عراقي، كأنه أدرك أن الهوية الوطنية العراقية الآن مهددة.

ما هو سبب الخوف على الهوية العربية والهويات الوطنية، ولماذا كان العرب يعيشون نزوعًا نحو التوحد، والآن يعيشون أزمة هوية؟
- الهوية الواحدة حقيقة، وكل حكم لم يعترف بهذه الهوية الواحدة أخطأ. لكن لا يجوز استعمال الهوية، كما كان، ضد مطالب أخرى للشعوب أو حاجات أخرى للمجتمعات، لكن هذه الناحية، الهوية، كان تأكيدهم عليها سليمًا، وإن كان مخلوطًا بسكرة السلطة. هذا الشيء حقيقي، كان يجب أن يراعى ولا يزال. ولا يجوز الانتقال من أخطاء حاكم أو مبالغاته، إلى إنكار موضوع الهوية الواحدة.

لماذا فشل العرب في تحقيق وحدتهم القومية، فيما الشعوب الأخرى أنجزت هذا الأمر، علمًا أن عمر المشروع العربي حوالي قرن، وعلى العكس، لقد تراجعنا إلى ما قبل ذلك العصر؟
- أنا لا أعتقد أن المواطن العربي العادي، لايرى المخاطر من إهمال وحدة الهوية العربية. انتقلنا من التأكيد على الهوية إلى درجة احتكارها واستغلالها، إلى شرّ آخر هو التفتيتية والمذهبية.

لماذا برأيك؟
- المبالغات أو الأخطاء التي لحقت بطريقة عمل صدام حسين وغيره بوحدة الهوية، فتحت المجال للآخرين ليذهبوا إلى الخطأ المعاكس، ويسيروا نحو التفتيت والمذهبية والتشدد.

هل ينسحب ذلك على الناصرية، وماذا بقي من مصر الناصرية ومن تجربة عبد الناصر؟
- أيضًا عبد الناصر، وليس البعث وحده، استفاد من هذه الحاجة التي يشعر بها كل عربي حاليا، وهي التأكيد على الهوية الوطنية والقومية، كان نصف الحقيقة عنده، والنصف الثاني عند آخرين، عند الذين كانوا يشيرون إلى نقائص معينة في حكمه. كان هو والبعث معًا يغرفان من شوق العربي إلى الهوية الواحدة.

أي عروبة تصلح لهذه الأيام؟
- العروبة التي توفق بين الوطنية والقومية، والاثنتان ضروريتان. الاستقلال الوطني في إطار العروبة الجامعة.

كيف تتصور صيغة الوحدة العربية في هذه الحالة؟
- أقطار مرتبطة برباط وحدوي وقومي، على أساس أن الأقطار حقائق، وأيضًا العروبة الجامعة حقيقة، والاثنتان يجب أن تتم مراعاتهما، كي لا نصل إلى ما وصلا إليه العراق اليوم وغيره من استفاقة المذهبيات ونزعات التفتيت.

ماذا تقصد بالأقطار الحقائق؟
- العرب أمة، والعرب أوطان أيضًا، والاثنان يجب أن يكون لهما حساب بحيث يتكاملان ولا يلغي بعضهما بعضًا.

هل ترى أن الفكر القومي العربي بغاياته المعروفة، لا يزال صالحًا للحاضر والمستقبل، أم يحتاج إلى تطوير وتجديد؟
- لا شك أنه ملهم لشيء أساسي هو التماسك والتمسك بالعروبة الجامعة، الوطنية حقيقة والعروبة حقيقة والاثنتان يجب أن تكون لهما طرقهما الرسمية الجامعة.

نعود إلى لبنان، ما رأيك بالحركة اللبنانية الحديثة التي انطلقت في الخمسينيات والستينيات، ولماذا انتكست؟
- لأنها لم تكن عربية، فكما أن العروبة الكاملة هي التي تدرك التنوع وألا تكون عروبة ناقصة، لأن العروبة ليست عمى، بل هي نظر وتحليل ورأي يتنبه للخصوصيات، والعروبة حنو على كل ضعف، التجربة اللبنانية الحديثة انتكست لضعف في عروبتها. لكن يجب الوفاء والإدراك الكاملان لحقيقة الأقطار وحقيقة الأمة، أمة واحدة وأقطار عدة، وطن واحد بأوطان عدة.

المرحلة الشهابية

تعتبر أحد الشهود المقربين على «التجربة الشهابية» في لبنان، فلم تكن مجرد مراقب لهذه التجربة، وإنما شاهد من الداخل حيث عملت مديرًا عامًا في القصر الجمهوري في الفترة الشهابية، فكيف كانت طبيعة تلك المرحلة وما ملابسات تعيينك في القصر الجمهوري آنذاك؟
- عندما جاء فؤاد شهاب إلى الحكم جرى تعييني مديرًا عامًا في القصر الجمهوري، ضمن صفقة مع عمي تقي الدين، الذي كان صديقا لفؤاد شهاب. كان عمي تقي الدين أقرب السياسيين اللبنانيين إلى شهاب، وكان من مُنظّري الشهابية. بقيت في القصر أقل من ثلاث سنوات، وشاركت أكثر مما هو معروف وأكثر مما هو ظاهر في النصوص التي صدرت عن فؤاد شهاب، كنّا عمي وأنا نكتب خطابات فؤاد شهاب.

أعتقد أن التجربة الشهابية ناجحة بشكل عام ولو كانت لها عيوب كثيرة. لكن نجاحها جاء من وعيها لضرورة البقاء تحت مظلة العروبة والتمسك بها والعمل وفق الاستقلال والعروبة. لذلك نجحت قياسًا لغيرها.

وكتاباتي كلها وتفكيري كله متركز على هذه النقطة. مثلا أنا كتبت كتابًا اسمه «مصر والعروبة» قلت فيه: إن هناك وضعية خاصة لمصر، وإنها القطر الأساسي العربي الكبير، وأن مصر ليست قطرًا مثل لبنان أو الأردن أو سورية، ولا مثل الكويت، مصر «قطر ممتاز» يحمل كل مواصفات الأمة، لكنه قطر من نوع خاص، أكثر من قطر وأقل من أمة.

لكنك اتهمت الشهابية بأنها انعزالية مقنعة؟
- في ذلك الوقت، لأن الشهابيين لم يكونوا مخلصين تمامًا للعروبة، كانوا يعتبرون العروبة مجرد سياسة خارجية، والعروبة ليست كذلك. الشهابيون بنظرتهم إلى مصر وسورية كانوا يدارون مصر ويجاملونها أكثر مما كانوا يتفاعلون مع الجو الجديد الذي أوجدته حركة عبد الناصر.

كيف ترى تجربتك الشخصية مع الشهابية بمنظار اليوم؟
- الشهابية حركة كانت متقدمة على بقية التجارب التي جرت في لبنان من بعض النواحي. ولعبت شخصية رئيسها (فؤاد شهاب) دورًا إيجابيًا. كانت متقدمة على غيرها، لكنها لم تكن النظام المطلوب والملائم، خصوصًا أن المخابرات لعبت دورًا مبالغًا فيه. وغلبت الجانب العسكري على الجانب السياسي، وهذه عيوب.

تميز منح الصلح بعلاقته بالشخصيتين الصلحيتين البارزتين: رياض الصلح وعمه تقي الدين الصلح، وكلاهما كان رئيسًا للحكومة في لبنان. هل كانت هذه العلاقة مجرد رباط عائلي أم رباطًا فكريًا جمعك بهما، وهل كان لك دور في ما قدمته العائلة الصلحية، وهل كانت لك علاقة بحزب «النداء القومي»؟
- لم اكن عضوًا في حزب «النداء القومي». كنت أشارك في تحرير جريدة «النداء» ولم أجد نفسي في ذلك الحزب. عمي تقي الدين كان مفكرًا وسياسيًا وشخصًا واسع النظرة بكل معنى الكلمة. وكنت أحبه. كما أنني أعتبر رياض الصلح رجل الاستقلال اللبناني الأول، وهو رجل تحرير لبنان من الأجنبي، ورجل تقديم لبنان على أنه أحد الأقطار العربية الأساسية، أي باعتباره قاطرة وليس مقطورة، قاطرة في العمل العربي، أنا متأثر كثيرًا ومعجب برياض الصلح وفكره.

الأزمة اللبنانية

كيف تنظر إلى الوضع اللبناني الحالي والمأزق الذي يعانيه، وما هي أسبابه؟
- لبنان استقلالي بالنسبة للحكم السوري، لبنان عربي مستقل، من دون وصاية على فكره. هو شريك في القرار، هكذا كان. وسورية شقيقة للبنان، ويجب ألا تنفصل عنه ولا ينفصل عنها.

لنتحدث عن الدور والتجربة اللبنانية في المنطقة العربية.
- قل لي كيف تفهم لبنان، أقل لك من أنت أيها العربي، أيها الرئيس العربي، أيها الحاكم العربي، لأنني أعتقد أن فهم القضية اللبنانية هو رتبة في العروبة. هو شهادة رقي عربي. لبنان الحريات، لبنان المعاصرة، تحمل الفكر الآخر، تعدد الديانات، تعدد الثقافات، لبنان بلد صغير، لكنه عندما أحب كلمة إشعاع كان ذلك نتيجة شعوره، وهو البلد الصغير، بقدرته على أن يضيف إلى المجموعة العربية، بل أن يضيف حتى إلى الأقطار العربية المهمة والضخمة، التي لا يوازيها من ناحية الإمكانات ومن ناحية الدور العام.

هل بإمكان لبنان أن يؤدي دور في المنطقة العربية في هذه المرحلة، وهل ما زال لديه دور يؤديه؟
- لبنان تضرر من أن العرب لم يدرسوا قدراته. يعني القضية الفلسطينية حمل لبنان ثلاثة أرباع عبئها، ولبنان أصغر بلد عربي. أخطأ العرب مع لبنان، وهو أخطأ بدوره. وتصحيح الخطأ يكون بالانفتاح والتكامل، والخطوة الأولى عادة تأتي من الجهة القوية. ويجب أن تأتي منها. عبد الناصر كان من العرب الذين فهموا أنك حتى تعرف قيمة بلد لا يكفي أن تقيس حجمه. لبنان مع مصر كانا وجه النهضة العربية، منذ أيام الملكية وقبل قيام الجمهورية. لبنان يجب ألا يموت ولا يعتل ولا يضعف، فهذا إضعاف للعرب كلهم، لأنه حر واستقلالي وفيه ديموقراطية وفيه تعايش أديان، وهذا ينعكس على العرب كلهم. ودور لبنان أن يقنع العرب أن سيادته الكاملة واستقلاله الكامل ضروري لهم. وأن يقنعهم أن عروبته من النوع الأصيل والمعطاء الذي يفيدهم. وأنه منارة شاهقة في الحياة العربية.

ما رأيك بالانقسام اللبناني السائد طائفيًا ومذهبيًا؟
- أعتقد أن الأصل هو عدم إمكان الاتفاق على لبنان بأنه بلد مستقل وعربي. وهو إذا عومل على هذا الأساس، يكون من الأقطار الفاعلة جدًا في الكيان العربي العام. أما الانقسام المذهبي والطائفي فهو خطر على لبنان وعلى كل عناصره، ويجب ألا تتناقض شيعية الشيعي مع هوية البلد الوطنية والعربية، وكذلك سنية السني ومسيحية المسيحي، لا يجوز أن تتناقض مع هذه الهوية، على قادة المذاهب، السياسيين وغير السياسيين بصورة خاصة، أن يكونوا واسعي النظرة في ما يتعلق بلبنان المتعدد. لبنان ليس مسألة أرقام بين مكوناته، هي قصة قرار بصناعة وحدة من التنوع. أما تحكيم العصبيات والقوة المسلحة وتحكيم الحسابات الضيقة، فهذا يؤذي النمو اللبناني ويضر بقيام الوطن.

- ما هي «الوصفة» التي تقترحها ليخرج لبنان من أزمته؟
- الوصفة الفكرية الوطنية من خلال العودة إلى الأسس- الهويات: أنا بلد وطني مستقل وأنا عربي. هاتان حقيقتان. وكوني مسيحيًا ومسلمًا، هذه حقيقة ثانية، يجب أن تنضوي تحت راية هاتين الكلمتين الكبيرتين: عربي ولبناني.

ألا يرى الصلح أن للصراع العربي - الاسرائيلي دورًا في محاربة وإضعاف الفكرة القومية وفي إثارة النزعات التفتيتية؟
- أولا اللبناني... لاسيما المسيحي، فوجيء بالتصرف مع لبنان من قبل بعض الدول العربية، ومن قبل بعض اللبنانيين، بأنه مقصر في القضايا العربية، سواء في فلسطين أو غيرها. فوجيء اللبناني العادي المسيحي قبل المسلم بالتعامل مع لبنان على أنه مقصر وغير مشارك في هذا الصراع. التطرف الموجود وتقديم لبنان على أنه يجب أن يحرر فلسطين، أوحى إلى بعض اللبنانيين أن هذا تعامل مع لبنان كما لو كان في الماضي مقصرًا.

الصراع العربي- الإسرائيلي خلق غلوًا في تحميل لبنان فوق طاقته، وأنا أعتقد أن الدول العربية لم تعط القضية الفلسطينية وقضية المواجهة مع الصهيونية الاهتمام اللازم والحزم اللازم.

أين أصبحت قضية فلسطين؟
- الذي يرسم قضية فلسطين إلى حد بعيد هم العرب. كل عربي، لاسيما العروبي، يفترض في ألف باء تفكيره إدراك أولوية القضية الفلسطينية. والسؤال هو: هل سيبقى شيء من فلسطين؟ والسؤال الثاني هو: هل ستنجح نظرية التفاهم الإسلامي - المسيحي في لبنان، هذان هما السؤالان الأساسيان، أجبني عن هذين السؤالين أقل لك أي عربي أنت؟ وأي عمق في نظرتك العربية؟ والجواب عن السؤالين يحدد المصير العربي.

ما نظرتك لمسار الصراع العربي - الاسرائيلي، والصراع الفلسطيني - الاسرائيلي؟
- أنا أعتقد أن العمل الفلسطيني والنشاط والنضال الفلسطيني يجب أن ينظر إليهما على أنهما مسائل طليعية في الحياة العربية وفي مصير القضية العربية. ولا يجوز أن تفعل إسرائيل ما تشاء على أرض فلسطين. وقد استبشر العرب كثيرًا من مؤتمر مكة الذي عقده الملك عبدالله، بهدف توحيد صف الفلسطينيين في وجه إسرائيل، هناك «وعد مكة المكرمة» للشعب الفلسطيني ولا يجوز أن يزول هذا الوعد.

.. وماذا أعطاهم «هذا الوعد»؟
- وعدهم بوحدتهم، لكن هم لم يتوحدوا، ولم يستطيعوا حماية وحدتهم. ومادام أحد الطرفين غلب الطرف الآخر، وبالمختصر، عباس وحده لا يستطيع أن يحصّل حقوق الفلسطينيين، يجب أن يكون الفلسطينيون كلهم موحدين حتى يبقى شيء اسمه فلسطين أو شيء من فلسطين.

أين العرب من هذا الصراع مع إسرائيل؟
- العرب يملكون التقدير الحقيقي للخطر الإسرائيلي عليهم، مع الأسف يتصورون أن المشكلة بين الفلسطينيين وبين إسرائيل. والواقع أن المشكلة ليست هكذا فقط، بل هي في وجود هجمة مستمرة ودائمة على المنطقة، تكبر شيئًا فشيئًا.

ألا تلمس أن هناك إغفالا لدور أمريكا والغرب في هذا الصراع وفي دعمهما لإسرائيل؟
- العرب يرون دعم أمريكا لإسرائيل، لكن الأساس هو النجاح الميداني في المنطقة، إذا استطاع العرب توحيد الفلسطينيين، وإذا اتخذوا موقفًا واضحًا من قضية فلسطين ومن إسرائيل، من الممكن في ذلك الوقت أن يكون للغرب حساب آخر.

أما الآن فلا يوجد سبب في الأوضاع القائمة يدفع الغرب وأمريكا إلى الخوف على مصالحهم أو على مستقبل علاقاتهم مع العرب.

إسرائيل تبدو ناجحة في إقناع الغرب بأن لا خلاف بين مصالحها ومصالحه. وكل الدلائل تدل على أنها ناجحة في إقناع الغرب بأنها تأخذ مغانم ومكاسب، وتحرز تقدمًا في البلاد العربية، وإن ذلك يشكّل مصلحة لأمريكا. والسؤال: هل يستطيع العرب عكس هذه الأطروحة بالنجاح داخل فلسطين وفي بلادهم، وإقناع أمريكا والغرب بأن الضرر الأكبر عليهم هو بتوحيد سياساتهم مع إسرائيل؟.

إرث سياسي

يناديه أصحابه ومعارفه بلقب «البك»، فهو من عائلة الصلح المعروفة في لبنان. ابن عادل الصلح شقيق الرئيس الراحل تقي الدين الصلح، وقريب رجل الاستقلال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رياض الصلح. لكن ما لا يعرفه كثيرون أن منح الصلح هو حفيد باشا تركي لجهة الأم، هو رشدي فهيم بك، الذي هو بدوره حفيد والي دمشق درويش باشا.

يعلل سبب بقائه عازبًا وهو الذي بلغ الثمانين من العمر بالقول: «كل عازب فيلسوف، ولو أن كل فيلسوف ليس بالضرورة عازبا».

يروي أن سليم اللوزي قصده مرة ومعه أحد الأثرياء العرب، وقالا له: رصدنا اثني عشر مليون ليرة لإصدار مجلة الحوادث بشكل جديد ومطور، على أن يكون أصحابها ثلاثة: ثلث للوزي، وثلث للثري العربي وهو سوري الجنسية موجود الآن في الولايات المتحدة، وأنت الثالث (أي الصلح). قالا: إن المشروع يكلف اثني عشر مليون ليرة، الاثنان يدفعان كامل المبلغ وإن له حصة الثلث مقابل الكتابة. ويقول: لم يخطر ببالي أبدًا ولم أتصور نفسي أكتب مقابل المال. قالا: نحن ندفع كل رأسمال المجلة ونعطيك ثلث ملكيتها بلا مقابل، مقابل التعاون والكتابة، فرفضت.

يصف الصلح نفسه بأنه راهب: حتى الآن أنا راهب لا أسعى وراء المال. ويضيف: أنا من عائلة ميسورة كثيرًا من ناحية الأم، أمي ابنة رشدي بك ابن فهيم باشا ابن درويش باشا الذي كان يملك عدة بلدات في البقاع مثل: الأسطبل (الروضة)، حوش الحريمة، الدكوة، عنجر والخيارة. وكانت تسمى «الجفتلك» ويمر فيها «نهر الغزيل». كما كانت لهم أراضٍ في غزة (البقاع).

يضيف: «الجفتلك» درويش باشا كان واليًا على الشام، لعله اشترى تلك المنطقة أو وهبت إليه من قبل السلطات العثمانية. وتتحدر العائلة من «قوجاطنا» نسبة إلى نهر الطونا في رومانيا، بعد أن فرض عليهم أتاتورك التسمي باسم عائلات. يضيف: زوج خالتي صبحي بركات وهو من عرب أنطاكيا، تولى رئاسة مجلس النواب في سورية، وكان قبل دخول فرنسا إلى سورية من مناوئيها، قاومها وكان من كبار الثوار، ثم تعاون معها وترأس مجلس النواب السوري، وأصبح ممثل أنطاكيا والإسكندرونة في مجلس النواب السوري قبل إلحاقهما بتركيا.

يتابع: لي أخ واحد في إنجلترا هو هشام الصلح، وأخت متزوجة من شامي والآن هي تعيش في أمريكا. وعندما ضمت مقاطعة إسكندرونة إلى تركيا، تعرض الأرمن لهجرة ثانية منها، هاجروا إلى لبنان خلال وجود فرنسا وصادروا أملاك جدي باعتباره تركيا. أخذ الأرمن عنجر وباع جدي بقية الأملاك. كان جدي يعيش وعائلته في تركيا عند انهيار السلطنة، تذكر أن له املاكًا في البقاع، فجاء إلى الروضة وسكن هناك.

يحلو للصلح تذكر تلك الأيام في مزارع جده: كان لكل صنعة ناس وبلدة، الزحالنة (من مدينة زحلة) كانوا يضمنون الأرض، وكان الشركس متخصصين بأمر الخيل ورعايتها والاهتمام بها وركوبها في السباقات التي كانت تجري. كما كانت لهم إدارة «النوطرة». وكان النواطير من عائلات عنجر والقرى المجاورة، والأرمن تخصصوا في الأعمال الحرفية كالحدادة والنجارة. في حين كان المكلفون بأعمال المحاسبة (الشئون المالية) من المصريين والزحالنة. أما الفلاحون فكانوا من أهالي تلك القرى أي العرب. وقد انتقل معظم الشراكسة فيما بعد إلى الكويت بسبب وجود الأرمن في عنجر، وسعيًا وراء نعم البترول هناك.

يتذكر الصلح إحدى أهم المناسبات الاجتماعية التقليدية التي كان يتم إحياؤها خلال طفولته، إنها «خميس الدعسة» التي كانت تقام في أكثر من منطقة بقاعية مثل بعلبك وعنجر. في عنجر كان «خميس الدعسة» يقام على تلة يقال لها «تلة الجماز»، حيث توجد مقبرة قديمة تضم رفات والدة منح الصلح ورفات والدتها وأقارب لها.

وكان خيالة من آل الرفاعي من بعلبك يقرأون في أذن الخيول ثم يعتلونها ويسيرون بها فوق صفوف من الناس متمددة على الأرض، من دون أن يتضرر المتمددون.

يرى الصلح أن أزمة لبنان الراهنة سببها عدم الاستفادة من دروس التاريخ، وخصوصًا ميثاق عام 1943 الذي جسّد مقاربة فكرية سياسية نجحت في المواءمة بين استقلالية الوطن وبين العروبة كفكرة جامعة.
http://www.alarabimag.net/arabi/Data/200..._85255.XML
05-10-2009, 06:50 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
بسام الخوري غير متصل
Super Moderator
******

المشاركات: 22,090
الانضمام: Feb 2004
مشاركة: #5
لقاءات مهمة مع مثقفين مهمين ....وجها لوجه ...
الفائز بجائزة العويس لهذا العام
يوسف الشارونى: الأدب يجب أن يكون حيًا.. ومحتجًا ومعارضًا
طه حسين رفض أن يكتب مقدمة لمجموعتي القصصية، بل رفض أيضا نشر قصصي في مجلة «الكاتب المصري»
حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل أعطى دفعة كبيرة جدا لأدبنا العربي المعاصر ليترجم للكثير من اللغات الأجنبية
يوسف الشارونى مواليد 14 أكتوبر 1924 بقرية شارونة بمحافظة المنيا في صعيد مصر، وهو قامة أدبية كبيرة ورمز من رموز حياتنا الثقافية، ورئيس نادى القصة بالقاهرة بعد نجيب محفوظ، أخلص للقصة القصيرة طوال أكثر من خمسين عاما، أصدر ثماني مجموعات قصصية أولها (العشاق الخمسة 1954) وآخرها (أجداد وأحفاد 2005) وأخيرا أصدر روايته الأولى (الغرق2007)، فاز بجائزة الدولة التشجيعية في القصة 1961، وبجائزة الدولة التشجيعية في النقد الأدبي 1969، وجائزة الدولة التقديرية في الأدب 2005. أما عن المناصب الرسمية التى تولاها، فقد تدرج في مواقع مختلفة بالمجلس الأعلى للثقافة، حتى أصبح وكيلاً لوزارة الثقافة. ويحاوره القاص والصحافي المصري خليل الجيزاوي حول رحلته مع الكتابة وبمناسبة صدور روايته الأولى سألناه:

بعد خمسين عاما مع القصة القصيرة كيف جاءت روايتك الأولى (الغرق) على شكل تحقيق روائي؟
ـ عندما أكتب لا أحدد لنفسي القالب الذي سأكتب عليه، ولكن عندما بدأت كتابة رواية (الغرق)لم أكن أعرف أنها ستكون رواية، ولكنني فوجئت بأنها خرجت عن شكل القصة القصيرة التي تعودت أن أكتبه، ومع ذلك فقد كتبت قصة قصيرة عن نفس الموضوع بعنوان: «قصة الحية الميتة» التي تروى بطريقة تعدد الأصوات، أي تروى بأكثر من ضمير أو شخصية، وكانت مصادر هذه الرواية هي الصحافة ، وقد أثبت مصادري في نهاية الرواية، وكنت أحس أنها أشبه بلعبة المربعات التي إذا جمعتها بجوار بعضها كونت لك صورة مع إضافة ما يمكن تسميته بالرتوش أو الحذف، تلك الإضافات التي تحيل الواقع إلى عمل فني، وهكذا لم أقصد وأنا أكتب أن أقدم قالبا مختلفا، ولكن جاءت هذه الطريقة في الكتابة بطريقة عفوية، وهذا أجمل ما في العمل الأدبي أو الفني، أي أنه يأتي عفويا ودون تخطيط.

هل جاء ذلك استجابة منك لفوران الرواية عربيا وعالميا وأننا نعيش زمن الرواية؟
ـ ربما كان ذلك أحد التفسيرات، ولكن ليس هناك قصد ووعي، ربما يكون هو تفسيري النقدي لإبداع مثل هذا العمل من كاتب ظل يكتب القصة القصيرة طوال خمسين عاما، وربما يأتي جوابي مخالفا، حيث إننا على أبواب عصر جديد يستخدم وسيطا هو الإنترنت، بعد أن مررنا بمراحل الأدب الشفاهى ثم أدب المطبعة، ثم وسائل الاتصال الجماهيرية، وهو البث التلفزيوني، مثل المسلسلات المأخوذة عن روايات أو السهرات الدرامية المأخوذة عن قصص قصيرة، وكان الأدب الشفاهي يعتمد في توصيله على الأذن، وأدب المطبعة يعتمد على الأذن والعين، وها نحن بدأنا الدخول في مرحلة رابعة، وهي بث الأدب عن طريق النشر الإلكتروني، عصر الإنترنت، حيث يكون هناك شكل جديد للإبداع الأدبي الذي لم يتحدد بعد.

طه حسين رفض نشر قصصي

صادف ظهور مجموعتك القصصية الأولى (العشاق الخمسة) ظهور مجموعة د. يوسف إدريس (أرخص ليالي) عام 1954م، فلماذا ذهبت الكاميرا إلى د. يوسف إدريس وحصد شهرة فائقة؟
ـ كان ذلك لأسباب عدة أولها: أن يوسف إدريس كان يكتب بأسلوب أقل تمردا على الأساليب التقليدية، حتى أن د. طه حسين في ذلك الوقت وافق على كتابة مقدمة لمجموعة يوسف إدريس، ورفض أن يكتب مقدمة لمجموعتي القصصية، بل رفض أيضا نشر قصص من هذه المجموعة في المجلة التي كان يشرف عليها وهي مجلة «الكاتب المصري» بالرغم من أن قصص هذه المجموعة تعد كما يؤكد ذلك د. صبري حافظ من كلاسيكيات القصة العربية، وهي المعطف التي خرجت منه القصة القصيرة العربية الحديثة، ثانيا: أن قصصي كانت مكتوبة بأسلوب بعيد تماما عن الأساليب المعروفة، وهذه ميزتها، بالرغم من أنها كانت مخالفة للذائقة الأدبية في ذلك الوقت، ومثال ذلك أنني أكتب ما يسمى بالقصة الكونية؛ لأني كنت أحس أن أزمتنا الحقيقية، قضية تخلف حضاري بالدرجة الأولى، فقد كانت في خلفيتي أزمة ونكبة 1948، وكنت دائم التوجس من تكرراها، فكتبت قصة مثل نشرة الأخبار، كانت تدور حول عمارة تنهار في القاهرة القديمة، بينما راديو الأخبار في (المقلة) في نفس الحارة يذيع نبأ وصول الإنسان إلى سطح القمر.

جمهور القصة القصيرة

بعد هذه الرحلة الطويلة كيف ترى واقع القصة القصيرة؟
ـ لا أزال أرى أن القصة القصيرة لها جمهورها العريض من القراء، كذلك لا تزال القصص القصيرة تحتل صدارة الدوريات الأدبية والثقافية، وبالنسبة لي فقد كانت آخر مجموعة صدرت لي عن الهيئة العامة لقصور الثقافة عام 2005 بعنوان: (أجداد وأحفاد)، قد نفدت ثلاثة آلاف نسخة منها خلال أشهر بسيطة، وهذا يدل على أن جمهور القصة القصيرة لا يزال بخير، كذلك أصدرت مجلة العربي (كتاب العربي) وهو مختارات قصصية لخمسين قصة قصيرة لخمسين كاتبا عربيا نفدت على الفور من الأسواق، وكذلك عندما أعلن المجلس الأعلى للثقافة، عن مسابقة يوسف إدريس للقصة القصيرة في مصر والعالم العربي، تقدم إليها أربعون قاصا، وكانت هناك أكثر من مجموعة قصصية متميزة، وفي النهاية ذهبت الجائزة إلى القاص سليمان المعمري من سلطنة عمان، وهى مجموعة قصصية متميزة كتبت بأسلوب مختلف غير تقليدي.

كيف وازنت بين عفوية كاتب القصة ونظرة الناقد الثاقبة داخلك؟
ـ ليس شرطا أن يتخصص الكاتب في القصة أو النقد، فهناك كتاب كثيرون جمعوا بين الشكلين، ومن أشهرهم الشاعر الإنجليزي ت إس إليوت، فقد كتب الشعر وله دراساته النقدية المتميزة والمشهورة، وكذلك عميد الأدب العربي د. طه حسين فقد كتب الرواية إلى جانب الدراسة الأدبية، وهناك نماذج أخرى كثيرة، بالنسبة لي حصلت على جائزة الدولة التشجيعية في القصة القصيرة عن مجموعتي القصصية: «الزحام» عام 1961م، ثم حصلت على جائزة الدولة التشجيعية عن النقد عام 1968م عن كتابي النقدي: «نماذج من الرواية المصرية»، لكن أتفق معك أن نظرة الناقد المتفحصة تعطل عفوية كاتب القصة، ولكن من جهة أخرى قد تثري العمل الأدبي وتجعله أكثر عمقا، فالقاص الذي يشتغل بالنقد أمامه ناحية سلبية وناحية أخرى إيجابية للنقد؛ لأنها تبصره أكثر بأعماق فكرة النص.

أدوات الكتابة الجيدة

وماذا عن أدوات الكتابة الجيدة التي تهديها للأجيال الشابة بعد هذه الرحلة مع كتابة القصة؟
ـ يمكنني أن أوجزها في خمس أدوات:

الأولى: ملاحظة الحدث الذي يوحي لي بالدلالة التي يمكن استخلاصها منه.

الثانية: القراءة العامة والخاصة للقصص والروايات الجديدة وكذلك الدراسات النقدية المكتوبة عنها. الثالثة: التجربة والمعاناة، فالفن عندي إما أن يكون حيا وتوافقا أو احتجاجا ومعترضا. الرابعة: الموقف الخاص بالكاتب وأساسه الإخلاص باللحظة الراهنة.

الخامسة: الشعور الشديد بالمسئولية نحو الرغبة الملحة في كتابة القصة.

الجوائز سلاح ذو حدين

هل تضيف الجوائز الأدبية لمشروع الكاتب؟
ـ نعم تضيف للكاتب حيث تؤكد موهبته وتلفت نظر الحركة النقدية إلى منجزه الأدبي، لكن كما تضيف الجوائز الأدبية لعدد قليل من المبدعين، فإنها قد تحبط عددا أكثر يستحق الحصول على مثل هذه الجوائز، لولا أن هذه الجائزة تمنح لعدد قليل بينما الذين يستحقونها عدد أكبر، حتى أن الأديب الكبير نجيب محفوظ عندما حصل على جائزة نوبل قال: لقد كان الأساتذة الكبار يستحقونها قبلي مثل: توفيق الحكيم ويحيى حقي ويوسف إدريس. أما من ناحية الاختيار، فالاختيار صعب جدا؛ لأن المستحقين لهذه الجائزة أكثر من واحد، ومن هنا تتدخل أسس أخرى تضاف إلى التميز، قد يكون منها التوزيع الجغرافي للجائزة، وهذا خارج التصنيف الإبداعي، وهذا التوزيع معمول به أيضا في رئاسة المنظمات الدولية مثل: منصب الأمين العام للأمم المتحدة، وكذلك منظمة اليونسكو. أما عن وفرة الجوائز الأدبية، فهي تعني اهتمام الأجهزة الحكومية والمؤسسات الثقافية وكبار رجال الأعمال بالإبداع الأدبي، وهو تطور لم يكن موجودا بهذه الكثافة في القرن الماضي، وهذه الجوائز يمكن أن تكون سلاحا ذا حدين، ففي حالة نزاهتها تكون دفعا للإبداع الجيد والمتميز، لكن عندما تكون مسيسة تصبح مهمتها عكسية.

جائزة الدولة «المحجوبة» في القصة!

لماذا تم حجب جائزة الدولة التشجيعية في القصة القصيرة عن العام 2007 بالرغم من وجود أسماء متميزة تقدمت لها؟
ـ بالنسبة لحجب هذه الجائزة لم يكن هناك إجماع وإنما تم التصويت بالأغلبية على فوز أحد الأعمال الإبداعية المقدمة إلى لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة، وقد سجلت اعتراضي مكتوبا على حجب الجائزة، هذه اللجنة أنا عضو فيها فقط ولها رئيس وهو د. حمدي السكوت ولها أعضاء منهم: أبو المعاطى أبو النجا، ود . محمد بريري، ود. محمد بدوي، ويوسف الشاروني، وكنت أري أن من بين الأعمال المقدمة ما يستحق الفوز بالجائزة، إلا أن اللجنة أخذت رأي الأغلبية وحجبت الجائزة، ثم تقدمت باقتراح للجنة أن تستعمل حقها باستخدام القانون ويتم ترشيح أحد الأعمال القصصية من خارج هذه القائمة التي لم يتقدم بها صاحبها، طبعا بعد أخذ موافقته، ولكن اللجنة رفضت اقتراحي أيضا بدعوى ضيق الوقت؛ لقراءة مجموعات قصصية جديدة والنظر فيها.

كيف تسهم الترجمة في شهرة الكاتب خارج لغته؟

ـ في الحقيقة أن الأدب العربي كان مظلوما قبل حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل، فحصول محفوظ على هذه الجائزة أعطى دفعة لأدبنا العربي المعاصر؛ ليترجم للكثير من اللغات الأجنبية، حتى تتاح قراءته بهذه اللغات، وأعتقد أن الجامعة الأمريكية بالقاهرة قامت بالمجهود الأكبر والمؤثر في هذه الحركة، فعن طريقها ترجمت أعمال نجيب محفوظ إلى اللغات الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والهولندية والألمانية والسويدية واليونانية والروسية والصينية والدنمركية وغيرها من اللغات الأخرى.

ومن الأشياء الطريفة التي قابلتني أثناء رحلتي إلى الصين، كنت في شنغهاي وزارني طالبان من طلبة الدكتوراه الذين يدرسان الأدب العربي، وبعد قضاء السهرة معهما في الفندق الذي كنت أقيم فيه، قمت لأودعهما حتى باب المصعد، وأحدهما قد حصل على درجة الماجستير بدراسته عن طه حسين، وفوجئت به يردد على مسامعي قصة من قصصي، كان يحفظها عن ظهر قلب، بل أكد لي أنه يحفظ الكثير من قصصي، وأنه على استعداد الآن أن يتلو على مسامعي إحدى هذه القصص حالا.

الأجيال الجديدة والأفكار الطازجة

كيف تقرأ كتابات الأجيال الجديدة بصفتك محكما في المسابقات الأدبية ورئيسا لنادي القصة؟
ـ صلتي بالأجيال الأدبية الجديدة متواصلة عن أكثر من طريق، من أهمها المسابقات الأدبية التي يتقدم فيها مئات من المبدعين الشباب من الأجيال الجديدة، وهذا يتيح لي أيضا الاتصال بهم وتشجيعهم والكتابة عن إبداعاتهم، وأستطيع أن أقول بكل ثقة: إن هناك كتابا مبدعين يكتبون القصة القصيرة والرواية من الشباب بطريقة طازجة ومعايشة أكثر إذا قورنت بكتابات الأجيال الأكبر سنا منهم؛ لأن بعض الكبار يكررون أنفسهم في معظم كتاباتهم، وتشعر بأن الواحد منهم يمتح من بئر شحيحة قد جف ماؤها.

إن شباب المبدعين يقدمون في قصصهم ورواياتهم أفكارا طازجة ومسرح أحداث إبداعهم أرض بكر لم يتطرق إليها المبدعون السابقون، ويتميز أسلوب هؤلاء الشباب بالبساطة والسلاسة والابتعادعن تعقيدات الحداثة، أذكر على سبيل المثال لا الحصر، من الكاتبات المتميزات الجدد: نجلاء محرم ، ود. عزة رشاد من مصر، وبدرية الشحي من سلطنة عمان، صاحبة رواية جيدة بعنوان: «بين الجبل والمدينة» تروي ثورة فتاة عمانية، أرادوا أن يزوجوها لمن هو أصغر منها بعشر سنوات، فهربت إلى ساحل إفريقيا الشرقي، حيث جوبهت بثورة ضد العمانيين، والرواية مكتوبة بلغة متفوقة وذات سرد ممتع وشائق، وكذلك د.يوسف زيدان من مصر في روايته المتميزة: «ظل الأفعى»، وهناك العشرات من الكتاب الذين قدمتهم على صفحات الكثير من الدوريات الثقافية.

أخيرا بعد هذه الرحلة الطويلة بين الأوراق.... هل أنت راض بما تحقق من مشروعك الإبداعي؟
ـ أنا راض تماما عن هذه الرحلة الممتعة بين الأوراق والكتب؛ لسبب بسيط جدا، هو أنني في بداية حياتي، قررت بدلا من الجلوس في المقهى لشرب الشاي ولعب الطاولة، أن أجلس في بيتي وعلى مكتبي لقراءة الكتب والاتصال بالهيئات الثقافية وبالمثقفين والمبدعين؛ لأكتب دون التزام بشكل معين، مرة أكتب قصة، ومرة أكتب نقدا لكتاب قرأته وأعجبني أو ترجمة، وهكذا تعددت كتاباتي، حتى بلغت حتى الآن 54 كتابا، وهناك الكثير من الكتب لا تزال تنتظر دورها في النشر، وأنا لا أكتب معظم هذه الكتب في فترة واحدة، بل إنها كما أقول تؤلف نفسها بمعنى أنني أكتب فصولها على مدار سنوات عدة، ثم أقوم بترتيب هذه المجموعات وتجميعها في كتاب واحد، وأعده للنشر، مثال ذلك كتاب (رحلة عمر مع نجيب محفوظ) الذي كتبت أول فصوله قصة قصيرة عام 1969، وكانت بعنوان (مصرع عباس الحلو)، وآخرها قصة بعنوان: (حرافيش محفوظ). وقدمت فيه أيضا عرضا للكتب التي تناولت مسيرة هذا الروائي العظيم، مثل كتاب جمال الغيطانى «المجالس المحفوظية» ، ورجاء النقاش في كتابه «في حب نجيب محفوظ»، وكتاب محمد سلماوى «المحطة الأخيرة».

.... عشـتُ أهــواكِ لحـنـاً فـإذا أنـتِ فتـنـةٌ للـرائـي
نهلتْ من جمالكِ العينُ مـا كـا نَتْ به الأُذْنُ - قبلَها - في ارتواءِ
كنتُ أجري مع الخيـالِ، إلـى أنْ لُحْتِ ، فانتهيـتُ مـن خُيَلائـي
روعةُ الحسنِ فـي تأمّلـه الخـا لبِ أضعـافُ روعـةِ الإصْغـاء
أومضَ الحبُّ في سماءِ وجـودي فـإذا الكـونُ ضاحـكُ الأرجـاء



إبراهيم العريض
05-10-2009, 07:01 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
بسام الخوري غير متصل
Super Moderator
******

المشاركات: 22,090
الانضمام: Feb 2004
مشاركة: #6
لقاءات مهمة مع مثقفين مهمين ....وجها لوجه ...
19 دار نشر عالمية توزع روايتيه الآن
علاء الأسوانى: النجاح مرعب!
الذهن في عصور الانحطاط يعتقد أن المُعقّد أكثر عمقًا وأن البسيط سطحى وتافه..
الأدب ينحاز إلى القضايا الإنسانية دائما لأنه ضد القبح والفساد والتزييف والدجل والصغائر
الهجوم عليّ محاولات انتقاص من شأني لا علاقة لها بأي شيء حقيقي وأي نجاح تكون له ردود فعل مضادة
ربما لم يحظ أديب عربي بما حازه صاحب «عمارة يعقوبيان» من شهرة وانتشار!

فمنذ طبعتها الأولى، حققت الرواية صيتا واسعا، وأثارت جدلا نقديا استمر سنوات، لايزال بعضه عالقا في الأفق.

ووصلت طبعاتها المتلاحقة وتوزيعها إلى أرقام غير مسبوقة في الأدب العربي، وتُرجمت للغات عديدة، وتهافتت عليها دور النشر الأوربية، وتحولت إلى فيلم سينمائي ناجح، ومسلسل تلفزيوني، مما أثار غبارا كثيفا حول شخص «علاء الأسواني»، فرآه بعضهم فريدا، وآخرون اعتبروه رجل علاقات عامة ذكيًا، يسوّق نفسه عبر شبكة معارف جيدة.

كُتّاب ونُقاد كبار هللوا له، وغيرهم مزقوه، وقالوا إن «يعقوبيان» هي «بيضة الديك»، فبدا المديح كالزغاريد المجانية، والهجاء كسبق الإصرار والترصد، أما الأصوات الموضوعية فبددها الضجيج من دون أن يسمعها أحد. وأحدثت روايته الثانية «شيكاغو» النجاح نفسه، وربما أكثر، فعادت الزوابع، واشتدت التجاذبات، فبالغ المتحيزون في إطرائه، وأصرّ الرافضون على أنه محض «محظوظ»، وسمعت أحد الذين استبدت بهم اليقينية يقول مطمئنا: «علاء الأسواني لا علاقة له بالأدب». وقد حمل إليه هذه الاتهامات الزميل أسامة الرحيمي المحرر بمجلة «العربي»، ليقف على ردوده بلا وسيط ولا عنعنة.

نجاح كبير حالف روايتيك «عمارة يعقوبيان» و«شيكاغو» مما أدى إلى انتشارهما، وإعادة طبعهما كثيرا، وتوزيعهما بنسب غير مسبوقة، وترجمتهما إلى لغات أوربية كثيرة، وتحويل «يعقوبيان إلى «فيلم» و«مسلسل»، وتعاقدك علي تحويل«شيكاغو» إلى فيلم أيضا، ألم يدفعك هذا إلى المبالغة في تقدير نفسك، وتضخم إحساسك بذاتك، أم كان مدعاة لإحساس أكبر بالمسئولية؟
- التعامل مع النجاح بالذات يجب أن يكون بحرص كبير لأنه مرعب، وهذه مسألة أنا حسمتها من «عمارة يعقوبيان»، بمعنى أنني لم أترك فرصة لأن تلقي تداعيات النجاح ظلالها على أعمالي اللاحقة، وانسانيا لا يجوز للنجاح إطلاقا أن يكون سلبيا، ونجاح المبدع المخلص يكسبه ثقة لكن بحدود محسوبة، ويحمله مسئولية أكبر، خاصة إذا كان النجاح ليس فقط في مصر، ولا العالم العربى، فمثلا الآن أعمالي توزعها 19 دار نشر أوربية، وترجمت إلى 19 لغة، وهذا يعني الالتزام أمام دور عالمية تنتظر ما أكتبه، ويضاعف إحساسي بالمسئولية لحد الخوف وليس الغرور كما يظن البعض، وعلينا ان ننتبه طوال الوقت لصعوبة النجاح ولا ندعه يفسد الأمور.

ألم تحدثك نفسك بأنك عبقري، وأن أي شيء تكتبه سيكون مميزا بشكل ما؟
- لا..لا..أبدا... لا عبقرية ولا غيرها.. هذا الشعور فخ لمن يضعف أمامه، والحقيقة أنني أبذل جهدا كبيرا في الكتابة بشكل عام،حتى في مقالات جريدة العربي الناصرية، وأخجل أن أقول إنني أكتب المقالة في يوم كامل تقريبا، وأتفرغ لكتابة ألف كلمة فقط، لأن الكتابة مسئولية تحتاج إلى يقظة في متابعة الأحداث، والصياغة تحتاج إلى جهد شاق، مرة كتبت 300 كلمة للأهرام ضمن قضية كانت مثارة وظللت أعيد فيها وأصحح وأحذف احتراما للقارئ، والتعرض لجمهور واسع ومتنوع خاصة في الخارج شيء مربك، فهناك من يحتفون بك وبكتاباتك، لكن هناك أيضا من يستكثرون النجاح علي كاتب عربي، ورأيت استغراب بعضهم من الاهتمام الكبير بأعمالي، ولا أقول ان ما أكتبه مميز بالضرورة، لكن ضميرى مستريح تماما لأني أبذل أقصي ما عندي، وأضعه بمنتهى الاحترام أمام القارئ والحكم له في النهاية.

ألا تخشي تراجع مستواك بعد الشهرة التي حظيت بها في السنوات الأخيرة خاصة أنك أصبحت تحت الأنظار، هذا التخوف ألا يشوش ذهنك وقت الكتابة؟
- الشهرة ليست للأدباء ولا الكُتّاب، فهي تعني أنني إذا مشيت فى الشارع يعرفني الناس، وهذا النوع من الشهرة لا يعنى لي شيئا، وما يعنيني هو التقدير، فإذا خُيِّرت بين مليون واحد يعرفونني ويجهلون ماذا كتبت، وألف فقط قرأوا أعمالي ويعرفونني من خلالها، حتى لو تحفظ أغلبهم عنها نقديا، فالألف أفضل عندي، ويحدث أحيانا أن أكون في مكان عام ويقبل عليّ بعض الناس للسلام ولم يقرأوا شيئا لي، وأستقبلهم بودّ طبيعي، مثل غيري لأن الشهرة بذلك الشكل تصلح للفنانين، ويؤثر فيّ بعمق أن أقابل أحدهم على طائرة ويناقشني في رواية «شيكاغو» مثلا.. هذا يسعدني، ودعني أحكي لك حكاية لتعرف ما يعنيني، وأنا في فرنسا فوجئت بفتاة تعمل بائعة كتب في مدينة صغيرة وطلبت بحياء أن تحدثني على انفراد، ثم قالت إنها أحبت عمارة يعقوبيان جدا، ثم ناولتني علبة بيانولا صغيرة تصدر موسيقى أغنية «الحياة بلون الورد» لـ «إديث بياف» أشهر مغنية فرنسية، وقالت إنها هدية تلقتها من أبيها وهي صغيرة ولم تكن تتصور يوما أن تفرط فيها، ولم تجد شيئا أعز منها لتهديه إلي، هذه المفاجأة البسيطة عقدت لساني دقائق، ومنحتني شعورا رائعا ربما يفوق جوائز مهمة، وفي مدينة تولوز أيضا في أثناء حفل التوقيع فوجئت بفرقة مسرحية تقدم عرضا مأخوذا عن عمارة يعقوبيان، الممثلون الفرنسيون أصبحوا الحاج عزام، وطه الشاذلي، وغيرهما وهذا ما يعنيني فقط.

يرى البعض أن هذا النجاح أضخم كثيرا جدا من حجم أعمالك، وأغلبه حظ لاأكثر؟
- لا أفكر في الأمر بهذا الشكل، لكن أستطيع أن أقول إنني بذلت أقصى ما وسعني فى الكتابة، ومنذ البدايات عملت بنصيحة والدى رحمه الله حيث قال لي: «إما أن تكون الكتابة أهم شى فى حياتك أو أنصحك بالإقلاع عنها»، فالكتابة ليست مجرد هواية، فأنا أعطيها أقصى ما عندي، وكان ممكنا أن تكون حياتي أسهل لو اخترت شيئا آخر، فكان يمكنني البقاء في أمريكا، أو اسبانيا أو فرنسا وأنا أتحدث الإسبانية والفرنسية، وجاءتني فرص عمل عديدة فى الخليج بمبالغ طائلة باعتباري خريج جامعة أمريكية مهمة في الطب وكتبت عنها في «شيكاغو» وقُدمت لي عروض ضخمة لأكتب للسينما بعد نجاح «عمارة يعقوبيان»، واختلطت بالوسط الفني لعدة شهور ووجدت حياتهم باهرة، نجوم وممثلات، وفلوس كثيرة جدا، لكني رفضت كل الإغراءات، وفضّلت الأدب.

تٌقارِب السياسة بشكل واضح في أعمالك، وهي حافة خطرة فنيا علي الإبداع والمبدع، فكيف تتفادى فخ المحاذير والمباشرة؟
- الموضوع بسيط جدا، فهناك تعريفات عديدة للرواية، وأحبها إليّ هو : «الرواية حياة على الورق تشبه حياتنا اليومية ولكنها أكثرعمقا ودلالة وجمالا»، فلو نظرت إلى حياتنا اليومية ستجد أن أكثر تفاصيلها يخلو من الدلالة، لكن الأدب يجعل الأشياء أكثر عمقا وذات دلالة وبالتالي تصبح أكثر جمالا، المقياس فى هذا التعريف هو الحياة، والناشر «جان جوكمو فنترينللي» صاحب الدار التي تنشر أعمالي فى إيطاليا قال: «هناك نوعان فقط من الرواية.. روايات حية وروايات ميتة، وأنا أنشر فقط الروايات الحية» وهذا الكلام يبدو بسيطا لكنه عميق، لأن خبرة الرجل فى الأدب عالية، وأنا أطبق التعريف بصنع حياة للشخصيات، حياة فيها كل شيء، الجنس والسياسة والارتباك والتشوش، والتصرفات المستقيمة والمنحرفة، مثل حياتنا، والسياسة حاضرة بالضرورة، واعتقادى أن الانظمة العربية روّجت لمصطلح السياسة هذا لنتجنبه، لكنه في الحقيقة ليس سياسة بل عمل عام أو اهتمام بالعمل العام، فلايستطيع روائي أن يصنع شخصياته في الفراغ، واحد يحب واحدة الآن، غير من أحب في الثلاثينات، غير الحب أيام عبد الناصر، حياتنا متأثرة بالوضع العام والطريقة التي نحكم بها، والروائي لو امتلك هذا المفهوم سيتفادى الخطر الذي تقصده، لأن الرواية لا تكتب من أجل فكرة ولا من أجل مبدأ ولا من أجل شرح قضية، فلو عندي فكرة واضحة أو قضية أكتب مقالا، أما الرواية فتكتبها لأن هناك عالما روائيا وشخصيات تريد أن تعبر عنها.

ألا يتعارض موقف الأديب السياسي الصريح بدرجة ما مع طبيعة الأدب، وهو يبدو واضحا في روايتيك «يعقوبيان» و«شيكاغو»؟
- هذا ليس موقفي بل موقف الأدب، موقفي السياسى أوضحه في المقالات كما أسلفت، أما الأدب فهو بالنسبة لي فني وإنساني، وما تقصده ينطبق على الأدب عامة لأنه ينحاز إلى القضايا الإنسانية دائما، فهو ضد القبح والفساد والتزييف والدجل والصغائر ويفضح ما نتواطأ عليه اجتماعيا، الأدب يدافع عن القيم النبيلة والشجاعة والخير وهذه نقطة مهمة، والجمال الأدبى مرتبط بمعان إنسانية يتبناها ويدافع عنها.

يرى البعض أن أسلوبك عادي وبسيط وليس فيه ما يستحق التوقف أمامه، ويصفه آخرون بالسطحية، وأن أي قارئ فاهم أو كاتب متواضع يمكنه أن يكتب مثلك؟
- هذه مشكلة تظهر عادة فى عصور الانحطاط، اقتران المعقد بالعميق، والبسيط بالتافه..

بمعني؟
- الذهن في عصور الانحطاط في الأدب وغيره يعتقد أن المعقد أكثر عمقا، والبسيط سطحى وتافه، وكم من معقد في حقيقته تافه وتعقيده يخفي ركاكة، وكم من بسيط مُعجز، ولا يفعله إلا الموهوبون، مثل الراحل العظيم «يحيى حقى» الذي خاض معركة كبرى في موضوع اللغة هذا، ضد الزخارف، لأنه كان يريد لغة دقيقة، بسيطة وعميقة في آن، وعنده نظرية كاملة منذ عشرينيات القرن الماضي، وكذلك لغة «صلاح جاهين» البسيطة الرائعة، وغيرهما من الكبار، وهذا هو مفهومي أيضا، وأزعم أن لغتي تطورت، فمن يقرأ «نيران صديقة» قد يظن أن لغتي فيها أفضل بالرغم من أنها مكتوبة قبل «يعقوبيان»، لكنها كانت لغة أخرى غير التي توصلت إليها وأكتب بها الآن، فسابقا كنت أشعر بأنني معوق، ولم أكن حرا، فقد كانت تشغلني فكرة جماليات اللغة، لكن تشغلنى الآن اللغة الرائقة، نموذج «يحيى حقي» العظيم، لغة تشبه سطح البحيرة، هادئ وشفاف ولايخفي الأعماق.

قال البعض إنك استعنت بتكنيك الرواية البوليسية، في القطع، وتغيير السياق، للحفاظ علي التشويق، واللعب على لهفة القارئ، ألم تكن هذه مجازفة بإحياء أسلوب مهجور؟
- هل وصلنا إلى درجة أن ندافع عن أنفسنا لأن الرواية أصبحت ممتعة ومشوقة.. الحقيقة أنني لم أكن أجازف، لأن مفهومي أن الفن يجب أن يكون ممتعا، والرواية فن، وأنا أكتب مثلما أريد، والرواية يجب ألا تكون غامضة ومركبة لدرجة تستعصي على التذوق والفهم.

طبعات وترجمات وجوائز، وسفريات عديدة وندوات وحفلات توقيع، هل كل هذه التفاصيل تساوي روايتين فقط..تساءل البعض.. أليست هناك مبالغة ما في الأمر؟
- ممكن تساوى رواية واحدة فقط..أعتقد أيضا أنه من المشكلات أيضا القياس بالكم، فكره البسيط التافة نفسها، والمعقد العميق، يقول البعض أصدر 3 روايات ومجموعتي قصة قصيرة، وأنا أصدرت 12 رواية، باستثناء نجيب محفوظ، ليس هناك روائى كبير فى العالم تجاوز 10 روايات، أنظر إلى جارسيا ماركيز، وإيزابيل الليندي، ودستويفسكي، الموضوع لايقاس بالكم إلا إذا كان المفهوم خاطئا، وعندك فلوبير، ومارسيل بروست، اكتسبا شهرتهما برواية واحدة لكل منهما، أنا ممكن أصدر رواية كل 6 شهور، لكني أكتبها في ثلاث سنوات.

ما علاقة الأدب والرواية في تقديرك بمعاناة الكاتب، مثل دستويفسكي وتولستوي، وجوركي، وتشيكوف، وكونديرا، وإسماعيل كادريه، ومعاناة أغلب كتاب أمريكا اللاتينية.. كيف ترى الأمر وأنت لم تعان مثل تلك الضغوط التي رأوها مع تباين الحالات؟
- أعتقد أن هناك حدا للمعاناة، لو زاد يكون مدمرا، وهي ممكن أن تكون معاناة داخلية وليست خارجية، ممكن سيكون إحساسك بالناس عاليا جدا ولو كنت من أسرة ميسورة أو مستورة، لابد أن تحسّ بالناس، وهذا يمثل بديلا للمعاناة لأنه هو الأهم، قد أكون فقيرا جدا لكن لا أشعر بالناس لأني أريد التخلص من كل متعلقات الفقر بأي طريقة، وهذا عادة يصنع شخصية رديئة، وممكن أن تكون من وسط ميسور لكن عندك إحساسا بالناس، ومتعاطفا معهم، ودستويفسكي وهو من النبلاء لما ذهب إلى سيبيريا وكتب عن تجربته هناك كتابه العظيم » ذكريات من بيت الموتى»، عرف المساجين أنه من النبلاء من يديه الناعمتين، فالفقر ليس شرطا للإحساس بمعاناة الآخرين، والإحساس أهم من المعاناة بشكل مباشر، والعلاقة بين الطب والأدب قوية لأن موضوعهما واحد وهو الإنسان، وأتاح لي ذلك رؤية المرضى والتكلم معهم، والتعرف على أحوال الناس من قرب، والطبيب بحكم مهنته يقترب من النفس الإنسانية بما لا يتوافر ربما لمهن أخرى.

إلى أي مدى يمكن للأديب الاستفادة من تجاربه وحياته، مثل التشابه بينك وبين شخصية «ناجى عبد الصمد» في رواية «شيكاغو»؟
- لا.. ناجي عبد الصمد ليس أنا، الرواية مكتوبة بصوتين، صوت الراوي العليم، والصوت الثاني، مذكرات «ناجي عبد الصمد» داخل الرواية، شخصية ناجي عبد الصمد وليس أنا، لكن لأنه شاعر ويساري، ومُنع من التعيين فى الجامعة نتيجة لموقفه السياسي، وهو عضو حركة كفاية، وآراءه السياسية تشبه آرائي، لهذا أعتقد الناس أنني كتبت نفسي، وكل من قرأوا الرواية قالوا الكلام نفسه، لأن آرائي السياسية معروفة من مقالاتي، والحقيقة الرواية فيها كثير من تجربتي في شيكاغو، فأنا عشت فيها وأعرفها جيدا.

براعة الكتابة ترجع لخيال الروائي أم وفرة المادة الخام من تجارب الحياة؟
- وفرة المادة الخام مهمة جدا، لهذا أقرأ كل شيء، وأذكر أن أحد قراء الأهرام كتب أنه رأى الأديب الكبير «يحيى حقي» يركب المترو واستنكر ذلك، فكيف لا يوفروا له سيارة، ورد عليه المرحوم عبد الوهاب مطاوع أن الأديب الكبير يريد أن يرى الناس، ولا يعني هذا أنه لايملك سيارة أو أموالًا للتاكسي، فإذا أردت أن تكتب عن مجتمع يجب أن تظل على تواصل مع الناس.

بسبب النجاح الكبير لـ «يعقوبيان» و«شيكاغو»، أحاطتك تفسيرات، عديدة أهمها أنك مجرد محظوظ، وبارع في الدعاية واتباعك موضة الهجوم على الفساد في الداخل، والرد على هجوم الغرب علينا في شيكاغو، فكيف ترى كل هذا؟
- الهجوم عليّ محاولات انتقاص من شأني لاعلاقة لها بأى شيء حقيقي مع الأسف، وأي نجاح كبير لابد أن تكون له ردود فعل مضادة في الاتجاه، ويثير بعض المشاعر السلبية، قالوا يعقوبيان ستكون «بيضة الديك»، فصدرت «شيكاغو» ونجحت أيضا، وقالوا يعقوبيان نجحت في مصر لأنها تشير إلى شخصيات سياسية معينة، فلماذا نجحت في فرنسا، قالوا علاقات عامة، أي أنني المفروض أكون أمين عام الأمم المتحدة لأني نجحت في تدبير نجاح أعمالي في 19 دولة، الحقيقة الموضوع فيه جزء من الغيرة، وهذا مفهوم، وهنا أريد أن أخلط الشخصي بالعام لأنه مهم جدا، نحن في مجتمع محبط، وأي شخص عنده اقتناع بأنه يستحق أكثر مما نال، هذه المعادلة تحدث إحباطا مزمنا تعيش به ومعه دائما، وأي روائى أو شاعر لم يحقق شهرته تكون مشكلته في الآخرين، والبلد مدمرة بطبيعة الحال، فيرى هو أن الناس ذوقها فاسد، وكل شيء منته، ويتكئ على هذه الحالة، ولو كان هناك شخص فى ظروفه نفسها وبلده، وبينهما 100 متر، أو محطتا مترو يحقق نجاحا كبيرا جدا، تكون مشكلة، بعض الناس يكرهون أن يحقق أي شخص نجاحا ما حتى لو كانوا لا يعرفونه شخصيا، لأن نجاحه «يلخبط» لهم عادة الإحباط المزمنة، تخيل أن أحمد زويل هوجم في مصر، هذه حالة اجتماعية، فالمجتمعات تمرض كما يمرض الإنسان، أحد مرضاي وهو محاسب قال لى مرة، هل يجوز أن يعطوا نجيب محفوظ جائزة نوبل لأنه شتم الدين، فسألته أين شتمه؟ قال فى «أولاد حارتنا» فقلت له جائزة نوبل لا تعطى لعمل محدد، بل لمجمل أعمال الأديب ولابد أن تكون غيرت في الأدب وفى النظرة الإنسانية عامة، وسألته هل قرأت «أولاد حارتنا» فقال لا، سألته هل قرأت أي عمل لنجيب محفوظ، فقال الحقيقة أنا قرأت طه حسين..تخيل، وأنا واثق أنه لم يقرأ طه حسين، قد يكون درس كتاب «الأيام» الشهير ضمن مقررات وزارة التربية والتعليم، لكن ما الذي جعله ميالا للتجني بهذه الطريقة، وهو نموذج لكثيرين في مجتمعاتنا.

يرى البعض أنك يجب أن تدين بالفضل لأمريكا لأنك تعلمت هناك، ومع ذلك تتخذ موقفا معاديا ضدها، فالشخصيات الفاسدة في يعقوبيان هم نتيجة حتمية للسياسة الأمريكية في مصر والعالم الثالث، وفي «شيكاغو» رصدت تفسخها الاجتماعي.. وبعضهم يحسبها ازدواجية غير مفهومة؟
- أولا أنا لي أصدقاء في أمريكا أعتز بهم، وكان أستاذي هناك مثل المعلم القديم فى تراثنا العربى وكان يحبني ويحنو عليّ ويتوتر كلما ارتبكت، وهذا مع اللأسف عكس الموجود في الجامعات المصرية، يوجد بها مدرسون وليسوا أساتذة، ثم إن أمريكا ليست بيت عمى أكلت فيه «عيش وملح» ثم شتمته، أمريكا قارة ونظامها رأس مالي شرس وقبيح جدا، ومن يقرأ شيكاغو سيرى بعض ضحايا ذلك النظام من الأمريكان مثل ضحاياه فى بلادنا، والأدب الأمريكى المحترم قام على هذه النظرة، ولو تمعنته ستجد لدى الأدباء الكبار مثل هيمنجواي، وآرثر ميلر، وتينيسي وليامز سمة واحدة فقط، هي ضآلة الإنسان وانعدام أمنه وإحساسه بالفزع أمام الآلة الرأسمالية الجبارة، وإحساسه بالوحدة وتفاهته، وتفاهة مصيره، معظمهم كانوا ضد الولايات المتحدة، ضد النظام، وهيمنجواي لم يكن يطيق البقاء في أمريكا، كان مقيما في كوبا وإسبانيا، وستجد أيضا في واشنطن مظاهرات مليونية ضد احتلال العراق، عندهم جيل محترم جدا معروف باسم «جيل فيتنام» وهو ضد العولمة ويدافع عن حقوقنا نحن، لهذا أقول إن أمريكا ليست شيئا واحدا.

هذا الكلام له علاقة مباشرة بموقفك من المجتمع الأمريكي في رواية» شيكاغو»؟
- حين ذهبت إلى شيكاغو لدراسة طب الأسنان وفي أول يوم لي هناك فتحت الشباك شاهدت أناسا تأكل من الزبالة، وتعرفت لاحقا على تفاصيل المجتمع الأمريكي العجيب، وكتبت جانبا منها، لهذا أثارت حساسية لدى بعض الأمريكيين الذين قرأوا رواية «شيكاغو» لم ترحهم، وحدثت مشادة مع أحدهم، لأنه لم يطق أن أرى وأكتب هذه العيوب، خاصة أننا عرب، لكني طالبته بأن يصحح أي شيء قلته عن المجتمع الأمريكي إذا كنت مخطئا، والسفير الامريكى صادفنى مرة فى معرض الكتاب وقال إنه ينتظر النسخة الإنجلزية رغم أنه يقرأ العربية، وقال إن الرواية تخلو من الإطراء، والحقيقة أنني كتبت خبرتى الإنسانية التى عشتها، لكن أحب تأكيد أن الرواية ليست ضد أمريكا، بل ضد النظام الأمريكي.

رفضهم هذا لما جاء في الرواية عن حقيقة الأوضاع لديهم ألا يتعارض مع مقولاتهم الرئيسية عن الديمقراطية وحرية الإنسان وغير ذلك؟
- طبعا، هناك مشكلة أود التوقف أمامها وهي كيفية تقديم الأدب العربى فى الغرب، والمشكلة أن معظم المستشرقين الذين يقدمونه أتوا من حقل السياسة والاجتماع والعلوم الإسلامية والدراسات، ونظرة أغلبهم فيها كل عيوب الاستشراق والاستعلاء، ويختارون أعمالا أدبية تؤكد أو تنفي وجهة نظرهم، ومن حسن حظي أنني تفاديت هذا الحاجز، فلم يقدمني مستشرق، لأن أي مستشرق يترجم العمل الأدبي، ويكتب عنه دراسة، ويطبع منه 300 نسخة يضعها فى أقسام أكاديمية بعيدة عن سوق النشر الرئيسي في معظم البلاد الغربية، لكني دخلت سوق النشر الرئيسي مباشرة، وأتعامل مع أكبر دور النشر.

الأديبة النيجيرية الشابة «شيماماندا نجوزي» حائزة جائزة «أورانج » قالت ما يتسق مع كلامك عن نظرة الغرب الاستعلائية، فهي تقول إن الغرب يرى الإفريقيين كمرضى بالإيدز، وفقراء يعانون الهزال يقفون في طوابير المعونات، وهذه ليست إفريقيا الحقيقية، فلدينا طبقة متوسطة تضم الطبيب والمدرس والمهندس والمحامي والمحاسب وغيرهم ممن يصنعون الحياة ويعيشونها مثلهم؟
- هي أديبة موهوبة جدا، وقرأت روايتها «نصف شمس صفراء»، وتنشر في الدار نفسها التي نشرت لي «يعقوبيان»،وهي لم يقدمها مستشرق، بل قدمها أديب نيجيري كبير اسمه «أتشيلي» وهو صاحب الرواية العظيمة «الأشياء تتداعى»، وكتب لها مقدمة حين قرأوها لها بكت، لأنه قال: «نحن نأخذ الحكمة دائما من الكبار، لكن هناك استثناءات، منهم هذه الكاتبة التي ورثت تقاليد الحكائين العظام» كانت كلمة مؤثرة جدا، بكت حين سمعتها، ونحن كعرب في تقديري فشلنا في كل شيء، وأضعنا فرصة النهوض في القرن العشرين، لا أخذنا بالتكنولوجيا، ولا الديمقراطية، ولا أنجزنا التنمية، حتى الاستقلال كان شكليا، وعادوا لاحتلالنا كما نرى في العراق، وأظن أن الإنجاز الحقيقى الوحيد الذى نستطيع أن نقدمه للغرب هو الأدب، وعندنا أدب لا يقل عن الأدب العالمى، وكتاب كبار جدا، نجيب محفوظ أخد نوبل عن استحقاق لكن من حظه أنه عربي لأنه لو كان فنلنديا أو دنمركيا كان من الممكن أن يكتب الثلاثية فقط ومن دخلها يسكن قصرا ويكف عن الكتابة، أعطوه نوبل حين شعروا بأن تجاهل شخص بهذا الحجم سيكون وقاحة، وعندنا 20 او30 واحدا غير محفوظ يستحقون نوبل بمقاييس نوبل، مع فارق مهم هو أن الروائي في العالم العربي يحارب على جبهتين، يحارب ليحمي إبداعه من القبح والفساد، ومن الاعتداءات النفسية عليه والأمنية لو كان مشتغلا بالسياسة.

ما تفاصيل نجاحك في الغرب بالأرقام؟
- فى فرنسا عمارة يعقوبيان طبعت 160 ألف نسخة فى 2006 فقط، وشيكاغو أول ترجمة فرنسية صدرت أول اكتوبر الماضي، ومجلة «لير» أهم مجلة أدبية فرنسية، اختارت أهم 20 كتابا فى 2006، يعقوبيان أخذت المركز السادس، وضمن أهم 20 كتابا وليس رواية، أو رواية مترجمة، ولو كانت المفاضلة بين الروايات، أو الروايات المترجمة ربما كان الترتيب أفضل بكثير، وما كتب يعتبر كثيرًا جدا، والنجاح في إنجلترا كان كبيرًا جدا أيضا.

هل يمكنك العيش الآن من دخل أعمالك؟
- حتى الآن لا أستطيع أن أعيش من دخل أعمالي الأدبية، لكن أنا أكسب الآن فعلا من الكتابة لأن أعمالي ترجمت ونجحت في الخارج ودخلت سوق نشر حقيقية، وحقوق الكاتب محفوظة تماما، وعندي وكيل أدبي هو إدارة النشر في الجامعة الأمريكية، ودوره مهم جدا لأنه يتفاوض باسم الأديب، ويفعلون لي ما كانوا يفعلونه لأستاذنا الكبير نجيب محفوظ، ويتفاوضون مع الدور ويحصلون على 25% من المبالغ التي يتفقون عليها.

هذا يعني أنه يمكنك الاستغناء عن مزاولة طب الأسنان يوما ما؟
- لا.. لن أترك طب الاسنان لأنه لم يعقني أبدا، وله الفضل بعد الله سبحانه وتعالى في نجاحي، وساعدني على الكتابة من دون الاحتياج إلى أحد، ثانيا وهو الأهم أنه كان سبيلًا لعلاقتى اليومية بالناس وهي مهنة مفيدة جدا، فإلى جانب مشاغل العيادة أكتب 4 ساعات طوال ستة أيام في الأسبوع منذ 10 سنوات، ومشكلتي الآن هي كثرة السفر، وانا مضطر لذلك لاتساع التعاملات مع دور النشر، وحضور حفلات التوقيع، والندوات وما إلى ذلك، ومن الأشياء اللطيفة التي حدثت لي في فرنسا اجتماع مع 170 بائع كتب فرنسيا ممن يعملون في مكتبات المدن الصغيرة، وكان هذا شيئا مهما لأن هذه مهنتهم ويدرسونها، وهم يعدون الخلايا العصبية لسوق الكتاب، وهم غالبا يحبون القراءة، ويكون الكاتب محظوظا إذا أحبوا أعماله لأنهم يرشحونها للقراء، وعندما يقابلون الكاتب يزداد حماسهم له ولكتبه، وأتمنى أن أرى هذا النظام في الدول العربية.

في تقديرك ما سر نجاح يعقوبيان فى أوربا؟
- لا أستطيع تفسير نجاحي لأن هذا يقودني لكلام غير لائق، إنما أرى أن هذا هو نجاح أدبي، كل الاتهامات التي قلتها أنت أعرفها وسمعت أشياء أصعب منها، أنت كنت لطيفا في أسئلتك، لو حللت كل الاتهامات التي وجهت إلي، ستجدها تُرجع النجاح لأى سبب إلا الكفاءة، لأن الكفاءة هي سبب النجاح، أليست هناك روايات تناولت الفساد أكتر من يعقوبيان، الكل يتحدث عن الفساد، وتيمات عمارة يعقوبيان سبقتها روايات أخرى، وأكتر منها، كل هذا الكلام لأني لا أستحق هذا النجاح من وجهة نظرهم.

من هم قراؤك الذين تهتم بمعرفة رأيهم في رواياتك قبل نشرها؟
- أولهم طبعا أستاذي الأديب الكبير«علاء الديب»، وزوجتي إيمان، وابني سيف.

الجوائز الأدبية التي حازها علاء الأسواني

جائزة باشرحبيل للرواية العربية - 2005
جائزة كفافي للنبوغ الأدبي من الحكومة اليونانية - 2005
الجائزة الكبرى للرواية.. مهرجان تولوز فرنسا - 2006
جائزة الثقافة من مؤسسة البحر المتوسط في نابولي - 2007
جائزة جرينزاني كافور للرواية ( أكبر جائزة ايطالية للأدب المترجم )..تورينو إيطاليا - 2007
جائزة برونو كرايسكي في النمسا - 2007
واختارته قناة العربية أبرز شخصية أدبية في العالم العربي لعام 2007
05-10-2009, 07:03 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
بسام الخوري غير متصل
Super Moderator
******

المشاركات: 22,090
الانضمام: Feb 2004
مشاركة: #7
لقاءات مهمة مع مثقفين مهمين ....وجها لوجه ...
د. جابر عصفور

ود. محمد بدوي


قرأت «الأيام» فقررت أن أكون كطه حسين

لا تناقض في موقف الناقد الذي يهتم بالبعد الجمالي والبعد الاجتماعي معا
التاريخ لا يعود إلى الوراء بل يحمل في نهايته وعدًا ما
يعرف القرّاء جابر عصفور ناقدًا للشعر والنثر، وأستاذًا أكاديميًا متخصصًا في النظرية الأدبية في الموروث النقدي والبلاغي. وقد قاده العمل الطويل في المفاهيم والأفكار والمقولات إلى منطقة «الخطاب» الفكري المحتفل بقضايا من قبيل «التقدم» و«الحداثة»، و«معوقات التقدم» فضلاً عن قضايا «الأيديولوجيا» و«التأويل».

درس جابر عصفور الأدب العربي ودرّسه في كثير من الجامعات، جامعة القاهرة وجامعة وسكنسون وجامعة هارفارد في أمريكا، وجامعة الكويت في الكويت، وجامعة أوباسالا في السويد. وقدم عصفور للمكتبة العربية كتبًا ودراسات عن «الصورة الفنية» و«مفهوم الشعر» في التراث البلاغي والنقدي، كما انشغل طويلاً بقضايا قراءة التراث وتأويله وشروط القراءة ومعوقاتها.

أما دوره النقدي في ما يخص الإنتاج الثقافي العربي الحديث فتعبر عنه عشرات الدراسات ومئات المقالات التي كتبها في المجلات المتخصصة والعامة على السواء. وتكشف هذه الدراسات عن تبنٍ لموقف يحاول تطوير نفسه دائمًا في ما يخص قضايا الحداثة والتغيير وعلاقة الأدب بما يجري في الحياة العربية. وهكذا كتب عن الحداثة، وعبدالصبور، وأدونيس، وسعدي يوسف.. إلخ. كما كتب عن الرواية وتأسيسها، ثم تابع منجزات أعلامها، وفي ما يكتبه اليوم في أكثر من صحيفة ما ينبئ عن متابعة دقيقة لما يجري في مجالي الشعر والرواية.

أجرى الحوار محمد بدوي وهو ناقد وأكاديمي وكاتب درس في جامعة القاهرة، ويعمل فيها. كما درّس الأدب العربي في أكثر من جامعة، مثل: جامعة صنعاء، والجامعة الأمريكية بالقاهرة، وجامعة البحرين. وهو مهتم بقضايا الكتابة العربية المعاصرة، وقد كتب عن الرواية العربية المعاصرة والشعر الحديث. كما أنه يهتم بتحليل الخطاب عمومًا، وخصوصًا «الخطابات الثقافية». من أهم كتبه: «الرواية الحديثة في مصر»، و«بلاغة الكذب»، و«لعب الكتابة، لعب السياسة». وله كتاب تحت الطبع عن نجيب محفوظ يحمل اسم «مملكة الله».

وقد حرص المحاور أن يجعل حواره «وقفة تأملية» يسترجع فيها جابر عصفور أهم المحطات في رحلته الصعبة من مدينة المحلة إلى موقع الأستاذ الأكاديمي، والناقد الذي لم يفقد يومًا إيمانه بالكلمة، ودور المثقف، وضرورة تبني العقلانية. حضر جلسة الحوار المطولة، وشارك فيها الزميل الناقد د. حسين حمودة من جامعة القاهرة.

نبدأ بالحديث عن المرحلة التي كنت تعد نفسك فيها في النقد الأدبي. كيف كنت تحلم بدور النقد، وكيف كنت تراه؟
- لا. دعني أعود إلى البداية، حين قرأت كتاب «الأيام» فتنني إلى أقصى حد، حتى أنه حدد لي مسار حياتي. «قرأت الأيام» فقررت أن أكون كطه حسين. وحين وجدت أنه يكتب الروايات بالإضافة إلى الدراسات، قلدته. كنت أكتب الشعر، وأحاول أن أكتب دراسات أيضًا. كان أولها عن شوقي، ولم يكن بحثًا بالمعنى الحقيقي، بل مجرد تلخيص لكتاب قرأته. ثم قرأت رواية فتحي غانم «الرجل الذي فقد ظله» وبدأت أكتب ملاحظاتي وأنا أتابع القراءة.

لكنني وجدت نفسي مندفعًا لكتابة الشعر، شأن أي شاب في سني. كنت مبهورًا بصلاح عبدالصبور، وكان معظم ما أكتبه تقليدًا له.

لكن لم يلفتك أحد غير عبدالصبور؟
- لأنه كان نجم الشعر المصري بلا منافس.

هل هذا تفسير كافٍ، أم أن هناك عناصر أخرى. مثلاً مفهوم الشاعر المفكر الذي دعا إليه عبدالصبور؟
- جائز، لكنه ليس السبب الأول. كان عبدالصبور نموذج الشاعر، والوحيد الذي تذاع قصائده في الإذاعة. أذكر في احتفال في دنشواي أذاعت آمال فهمي في البرنامج العام قصيدة «شنق زهران» هذا أولاً. ثم إن عبدالصبور يكتب شعرًا فيه قدر من التأملات الفكرية التي أميل إليها. لهذا لم أكن أكتب شعرًا عاطفيًا.

ترى لماذا يكتب الشباب المصريون في هذه السن الشعر؟
- أولاً: الشعر هو النمط الثقافي الأكثر سيادة والأكثر جذبًا لاهتمام الشباب في ذلك الوقت، ثانيًا: صورة الشاعر لدى الشبان مازالت صورة محاطة بالغموض والسحر. الشعر فن العربية الأول، ويتم نشره في مؤسسات التعليم منذ البداية. لا تنس أننا كنا في هذه المرحلة في حالة حرب. كان الشعراء يلقون قصائدهم في الإذاعة وأحيانًا تتحول إلى أغانٍ مثل أغنية «دع سمائي فسمائي محرقة» التي غنتها فايدة كامل. كان الشعر أحد أسلحة المعركة التي كانت مصر تخوضها.

في فترة المرحلة الثانوية قرأت روايات كثيرة. ولحسن حظي كان لدينا في المحلة الكبرى رجل اسمه «عم كامل». كان يملك عربة صغيرة، يبيع عليها الكتب المستعملة ويؤجرها مقابل ثمن زهيد. كنت أقرأ كل ما ينشر آنذاك، الكتاب الفضي، والكتاب الذهبي، ومطبوعات لجنة النشر للجامعيين. وهكذا قرأت يوسف السباعي الذي استهوتني كتابته. وكنت أشعر بالتعاطف مع الأبطال الفقراء الذين يكملون تعليمهم ويغيرون حياتهم. أحببت عبدالحليم عبدالله والسباعي. ولا تنس أن بطل «رُدَّ قلبي» ابن أسرة فقيرة يصل من خلال التعليم. هذه القراءات دفعتني إلى كتابة أولية، محاولات يمكن أن تسميها لوحات قصصية.. أذكر كان لدينا دكان يقع في شارع سوق خضار، وكنت أكتب عن الناس فيه، أبناء السوق من الباعة والحمالين.

كنت قرأت لوحات يحيى حقي؟
- لا، يحيى حقي جاء في مرحلة متأخرة. كنت لم ألتقِ بعد بواحد اسمه «نجيب محفوظ». وحين قرأت «زقاق المدق» و«خان الخليلي»، ثم «الثلاثية». كان محفوظ يمسك بعصا موسى التي أكلت ما قبلها. وبعد قراءته تغير كل شيء في وعيي، حصل تراتب للوعي الجمالي لديّ. هبط عبدالحليم عبدالله والسحار والسباعي، وتربع على القمة نجيب محفوظ، الذي جعلني بعد ذلك أستمتع بما يكتبه يوسف إدريس. لا أنسى حتى لحظتنا هذه المشهد الأساسي في قصة «أرخص ليالي»، الرجل الريفي الذي شرب شايًا، ولا يعرف كيف ينام، وفي النهاية لا يجد أمامه سوى زوجته. الغريب أنني اكتشفت هذا المعنى في أحد مونولوجات «مأساة الحلاج»:

أنا رجل من غمار الموالي
ولدت كآلاف من يولدون
بأيام آلاف هذا الوجود
لأن فقيرًا بذات مساء سعى نحو حضن فقيره
وأطفأ فيه مرارة أيامه القاسية

لكن ألا يمكن ردّ المشهد برمته إلى الواقع الاجتماعي خاصة أن كليهما من ريف الشرقية؟
- طبعًا. كلا الأمرين محتمل، لكنني لاحظت تشابهًا في بعض قصائد صلاح عبدالصبور وقصص إدريس. «السيدة فيينا» مثلاً هي قصيدة «أغنية من فيينا» لعبدالصبور.

الجمعة المغلقة

إذن ماذا عن «الجمعة المغلقة» فضاء المحلة و«أصدقاء المحلة»؟
- إلى أن دخلت الجامعة لم أكن عرفت أيّ واحد ممن صاروا أصدقائي بعد ذلك.

كنت أعرف بعض زملاء الثانوي ممن يحبون القراءة ولم يكملوا، لكن كان هناك أمين المكتبة الذي عرفني بجماعة أدبية في قصر الثقافة، تقيم ندوة في الأدب كل أسبوع. كان أعضاؤها نصر حامد أبو زيد الذي كان يكتب شعرًا بالعامية، وسعيد الكفراوي القاص، وشابا اسمه أحمد عسر رحمه الله، ورمضان جميل الذي كان يكتب قصصًا تشيكوفية، ومحمد صالح الشاعر، وأحمد الحوتي، وفريد أبو سعدة، بعد ذلك جاء شبان أصغر: المنسي قنديل، وجار النبي الحلو. كانت ميول نصر وسعيد إخوانية. وكنا نلتقي في شقة صغيرة خارج البلد، بالقرب من شركة للغزل والنسيج، وكان يؤجر الشقة زكريا التوابتي الذي كان يكتب القصة، وفاز بجائزة نادي القصة مرتين، لكنه كان إخوانيًا. ولذلك كنت مثل جبهة المعارضة. وفوجئنا باعتقاله، وقيل إن الشقة مقر سري للإخوان، ومخزن للأسلحة. ظل الأمن يراقبنا، وبسبب ذلك تأخر تعييني في الجامعة، حتى تأكد الأمن أنني لست إخوانيًا.

ولكن لماذا راقبني الأمن كل هذه المدة؟ عرفت الإجابة بعد ذلك بزمن طويل، حينما التقيت بالتوابتي بعد خمسة عشر عامًا في صنعاء. كان قد أصبح صاحب منصب مهم في المعاهد الدينية في صنعاء. بمساعدة الإخوان طبعًا. قال لي إنهم حين عذبوه قال لهم أي أسماء تخطر على باله. وكان أول اسم خطر له هو اسمي «قلت لنفسي جابر يساري كافر والخلاص منه نعمة».

حين جئت من المحلة كيف كان فضاء القاهرة؟
- كان زميلي في الدفعة الشاعر حسن توفيق. وفي السنة الثالثة اختلفت مع شوقي ضيف على قراءة كلمة في إحدى سيفيات المتنبي. وكان ذلك في ما يرى شوقي ضيف وقاحة مني، إلى أن أصبح بيننا يوسف خليف واعتذرت له وقبل اعتذاري. وفي امتحان الشفوي قال لعبدالعزيز الأهواني: «إن جابر أحسن طالب في الدفعة».

كان الأهواني يقدر علم ضيف، لكنه يختلف معه. وكان يحاول أن يوسع آفاقنا بقدر ما يحتمل سننًا. وهو الذي أرسلني إلى «الجمعية الأدبية» التي كان من أعضائها: عبدالصبور، وعبدالرحمن فهمي، وعز الدين إسماعيل، وشكري عياد، وكان أنشط الأعضاء فاروق خورشيد، وكان مقر الجمعية في شارع قولة في حي عابدين.

كانوا تلاميذ أمين الخولي الذي فصل من الجامعة عام 1954 وتوفي 1965. ومن خلالهم عرفت قيمة الشيخ أمين الخولي باعتباره أستاذًا عظيمًا. وقرأت في هذه الفترة كتبه. أصبحت أحضر ندوات الجمعية. وكنت أميل إلى الفكر القومي ولذلك كانت تتوسط بين اليمين واليسار وأنا بطبعي ميّال إلى التوسط. في ندوات الجمعية حضرت وشاركت في ندوات كثيرة، أذكر منها ندوة عن كتاب محمد النويهي «قضية الشعر الجديد» وندوة عن كتاب «أسيبيوزا» لفؤاد زكريا، وسمعت فيها القسم الأول من «مأساة الحلاج» التي كان يخرجها للإذاعة بهاء طاهر. كما عرفت فيها أمل دنقل وعلقت على قصائد له، كنت أراقب كيف يتحدث النقاد الكبار وعلام يركزون في النصوص، وكيف يدخلون إليها. لكنني انقطعت فترة، حين اشتغلت بالماجستير ثم الدكتوراه.

أما في الجامعة فقد كانت السنة الرابعة فارقة في تكويني. انتقلنا من دراسة التراث إلى دراسة الأدب الحديث. ودرّس لي عبدالمحسن بدر وسهير القلماوي وشكري عياد. وكان عبدالمنعم تليمة مدرسًا شابًا تبنّى نظرية الانعكاس. وفي هذه السنة قرأت كتاب «الرؤية المسلحة» لستانلي هايمن الذي ترجمه إحسان عباس ومحمد يوسف نجم بعنوان: «النقد الأدبي ومدارسه الحديثة»، وكتاب ديفيد ديتشس «مناهج النقد الأدبي»، لنفس المترجمين. وبدأت أطلع على النقد الحديث.

سجلت للماجستير موضوعًا عن الإيقاع في الشعر الحديث، ثم تبين صعوبة تحقيق نتائج علمية موثوق بها، بسبب ضرورة دراسة الموسيقى، وعلم الأصوات، وضرورة وجود معامل صوتية مجهزة بأجهزة حديثة، فاخترت مع الدكتورة سهير القلماوي موضوع الصورة الفنية في شعر الإحياء، واكتشفت أنني في حاجة إلى تأصيل الموضوع فجعلته رسالتي للدكتوراه. لم تكن هناك بالعربية دراسات تشبع نهمي، سوى كتاب «الصورة الأدبية» لمصطفى ناصف. وبالرغم من أهميته شعرت بأنه لا يحقق لي حرية اختيار منهج دون غيره، فبدأت أتعلم الإنجليزية. كان عبدالمحسن بدر يقضي معي الساعات يشرح لي التراكيب الصعبة. بعد ذلك بقليل حصلت على منحة من الجامعة الأمريكية لتعلم الإنجليزية، التي أصبحت أقرأ بها ما أحتاج إليه من مراجع.

حتى هذه اللحظة لم تكن قد تبلورت أي ملامح لمفهوم النقد والناقد؟
- كانت هذه الملامح قد بدأت. مثلاً أصبحت معاديًا للتعميمات. أصبحت مهتمًا بالتوفيق بين جماليات النص ومرجعه الاجتماعي. أركز على العلاقات الداخلية للنص وعلى دلالته الناتجة عن هذه العلاقات. وبدأت أركز على النقد التطبيقي. كتبت مقالاً عن الإيقاع في شعر صلاح عبدالصبور، ونشر في مجلة «المجلة» التي كان يحررها يحيى حقي. وقد حقق المقال نجاحًا، وبدأت أدعى للمشاركة في ندوات «البرنامج الثاني».

من الشعر إلى النقد

بدأت بكتابة الشعر، ثم تحولت للتخصص الأكاديمي فيه؟
- كان الشعر صاعدًا مع صعود المشروع القومي. يمكن أن تقول إن الشاعر كان صورة أخرى من صور الزعيم. أحمد عبدالمعطي حجازي يهتف «أنا آخر فرسان الكلمة» بل إن مفرداته هي مفردات خطاب الزعيم. حتى عبدالصبور تقمص شخصية الحكيم في عنوان الديوان «أقول لكم». الأمر نفسه ستجده في شعر أدونيس الذي يبشر بالمخلص كما في قناع «مهيار الدمشقي». الشعر خطاب ينطوي على نوع من الحدية، بعيدًا عن المنطقة الرمادية، لذا كان صوت لحظة حدية هو لحظة المشروع القومي. وظلت هذه اللحظة سائدة حتى بعد هزيمة 1967، فظهر محمود درويش، وأمل دنقل. بعد ذلك فقد الشعر هذه اللحظة الحدية، وتخلى الشعراء المتأخرون عن مفهوم الشاعر الحكيم. أصبح الشاعر رجلاً صغيرًا، يسميه حسن طلب «الخازباز». ولم يعد للشعر تأثيره السابق.

إذن تكوَّن مفهوم ما للنقد، أهم عناصره: الميل إلى الدراسة النصية، والخوف من التعميم، والحركة بين مفهوم أقرب إلى النقد الجديد مع العناية بالبعد الاجتماعي. أليس كذلك؟
- يمكن أن تقول إنها محاولة للتوفيق بين نقيضين لمحاولة الوصول إلى تركيب ثالث. كنت أقرأ في الاتجاهين، وفي الممارسة يحدث التوفيق على نحو عملي: لوكاش وإليوت معًا. وكنت أشعر أن هذا معه نصف الحق، وذلك معه النصف الآخر. وظلت المحاولة، محاولة التوفيق تلك مستمرة طويلا. أذكر أنني حين زرت أمريكا لأول مرة، كنت مازلت مشغولاً بالأمر. أدرس البنيويين الشكليين ولوسيان جولدمان في وقت واحد، وأحاول دمجهما معًا. وقد ضيّق هذا الانشغال من نظرتي للأمور حتى حُلت المشكلة.

بعد هزيمة 1967، ارتخت قبضة السلطة قليلاً، فسمحت بقدر من الحرية، مكَّن أدباء الستينيات من إنتاج كتابة نقدية شملت المجتمع والسلطة. وفي هذه الفترة ترجمت الكتب الماركسية الأكثر انفتاحًا مثل «ضرورة الفن» لإرنست فيشر و«ماركسية القرن العشرين». و«واقعية بلا ضفاف» لروجيه جارودي. وقد ساعد هذا كله على أن يغير النقاد الماركسيون رؤاهم ويطوروها. ثمة فارق كبير بين كتاب «في الثقافة المصرية» لمحمود أمين العالم، وكتابه عن نجيب محفوظ. في الأول دوجماطيقي وفي الثاني منفتح يحاول الاقتراب من البعد الجمالي. ظلت محاولة التوفيق بين الجمالي والاجتماعي قائمة حتى سافرت إلى جامعة وسكنسون عام 1977 وقرأت إدوارد سعيد. قرأت كتاب «الناقد والنص والعالم» ولم يكن «الاستشراق» صدر بعد. احتوى الكتاب في إحدى دراساته على موازنة بين فوكو ودريدا، مما أغراني بقراءة فوكو، وجعلني غير متحمس لدريدا، لذا أستطيع القول إن دريدا لم يمارس تأثيرًا كبيرًا عليّ، باستثناء عنصر واحد هو إطلاق سراح الدوال،لكنه ظل ضعيف التأثير عليّ فلسفيًا، فوكو حل المشكلة بالتركيز على خطاب القوة وآليات السلطة. وكان هذا يعني الكشف عن أبعاد أوسع للظاهرة في جوانبها المختلفة، إلى أن وصلت إلى ما يسمى بالنقد الثقافي الذي أرى أنه تجاوز هذه الثنائية، وأنه لا تناقض حين تهتم بالبعدين الجمالي والاجتماعي في آن، شريطة أن ترى ما تدرسه في سياق أكبر هو السياق الثقافي.


التراث والواقع المعاصر

إذن، أنت مقتنع بالحل الذي صاغه ومارسه فوكو ثم إدوارد سعيد تقريبًا: إلغاء ثنائية الواقع/ النص والتعامل مع الواقع باعتباره نصًا. وسعيد يقول إن النص دنيوي، هل ترى أن نصوص التراث دنيوية، صنعت في العالم، وهل يمكن أن تفسرها في سياقها الدنيوي؟
- الآن طبعًا. لكن حين كنت أدرسها في الدكتوراه مثلاً لم يكن ذلك ممكنًا. لم أكن أملك الأدوات التي تفيد في هذا التحليل، لكنني كنت أعي أن هذه النصوص موجودة في عالم وهي استجابة له ورد فعل عليه، وغالبًا كنت ألغي القديم لمصلحة الجديد. بعد ذلك تغيّرت نظرتي، ورأيت أن قراءة التراث تفاعل بين دائرتي الزمن التراثي، والزمن المعاصر، وأن المنطقة التي تختلط فيها الدائرتان هي منطقة القراءة، ولذلك اقترحت مصطلح «الانقراء».

هل يؤثر التراث في الواقع المعاصر، وكيف؟
- طبعًا. يؤثر بقوة، لأن الأفكار التراثية مؤثرة، ويزداد تأثيرها الآن بفعل الأدوات الأيديولوجية المعاصرة، سـواء كانت أدوات الدولة الأيديولوجية أو غيرها، مثل «الإخوان المسلمين» حيث يعاد بث هذه الأفكار لتصوغ الحاضر وتبرره.

من ناحية أخرى، يمكنك القول إن التراث ساحة لصراع التأويلات، وهنا ليس ثمة خطأ أو صواب، هناك إمكان للتأويل، لأن الانقراء هو أفق التوقعات. ولذلك لا يمكن أن نحصر احتمالات الفهم أو نقيدها. ما المعيار هنا؟ المعيار ليس الصحة والخطأ، بل الإمكان، وقد طوّعت فكرة لوسيان جولدمان القائلة بالإمكان الذي يجب ألا يقل عن 70% من الأدلة والقرائن النصية، ومن ثم يمكنه الصمود للاختبارات.

مع وجود النص كجسم ينطوي على احتمالات دلالية، ألا يمكن تفجير تناقضاته وصدوعه بالمعنى الذي طوره دريدا؟
- طبعًا. لا أرفض دريدا بشكل كامل، وهذا يجعلني أؤكد مبدأ محددًا هو أنك عندما تعادي نظرية لا تكون رافضًا لها. بل ينطوي الرفض على قبول لعناصر منها. حين نواجه نصًا تراثيًا فنحن مع تفاعل بين زمنين تاريخيين. النص في تاريخيته الأولى مملوء بالثغرات، يقول ويصمت، بدءًا من لاوعي النص وانتهاء بصراعاته الذاتية بوصفه لغة تقوم على الاختلافات، كما يعلمنا دي سوسيير. ليس في النص نفسه اتساق. كما أنني أقرأ النص من موقع في الحاضر، ولذلك أحاول أن أنفي عن هذا التراث ما هو أيديولوجي أو وعي زائف تم نشره وبثه، حتى إن الناس يظنون أنه بديهي وواضح، لأن القراءة تؤثر في الواقع، وتصوغه. وأنا حين أقرأ من موقع مختلف مستندًا إلى عملية تراتب أتبنى العقلانية، ومن ثم أسهم كمثقف في الصراع الدائر بشأن التراث، وأنتصر للتعددية كمبدأ قرائي واجتماعي.

لأن الاقتصار على قراءة واحدة للتراث ينطوي على نفي للقراءات الأخرى التي تبدو تعبيرًا عن اختلافات في الماضي والحاضر. ومن هنا أدافع عن التعددية حرصًا على قيمة كامنة في كل قراءة مختلفة، أي أسقط تعددية الحاضر على الماضي، بحيث تقوي تعددية الحاضر، فيمكن بالتالي تغييره.

بمناسبة تغيير الحاضر. هناك عبارة تتكرر في خطابك النقدي، وهي «الانتقال من الضرورة إلى الحرية», وهي كما نعلم عبارة واضحة المغزى، هل ترى أن التاريخ متجانس، مستقيم، وفي النهاية ينطوي على وعد ما؟
- طبعًا. قد لا يكون التاريخ خطًا صاعدًا متجانسًا لكن في آخر هذا الخط، تقوم تراكمات الماضي وخبراته، بدفعه إلى عدم تكرار نفسه، ومن ثم فالتاريخ لا يعود إلى الوراء، بل يحمل وعدًا ما.

هذا الوعد، ما هو؟ أهو الاشتراكي، المجتمع المدني؟ أم ماذا؟
- بالنسبة لي، هذا الوعد يتمثل في نوع من الاشتراكية الديموقراطية، حيث ثمة قدر كبير من الحرية والديموقراطية، قدر كبير من الإنصاف، أي دولة رعاية، فيها نظام ضرائب صارم ومتصاعد يمكّنها من تقديم خدمات ورعاية اجتماعية للفقراء. لكن هذه الرعاية ليس ثمنها سلب الناس حرياتهم، بحيث تكون الديموقراطية والمواطنة، وانفصال السلطات، في أهمية العدالة الاجتماعية.


05-10-2009, 07:06 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
بسام الخوري غير متصل
Super Moderator
******

المشاركات: 22,090
الانضمام: Feb 2004
مشاركة: #8
RE: لقاءات مهمة مع مثقفين مهمين ....وجها لوجه ...
عبد العزيز محيي الدين خوجة وجهاد فاضل


تنويه: تنشر «العربي» هذا الحوار مع الوزير عبدالعزيز محيي الدين خوجة، وزير الإعلام والثقافة في المملكة العربية السعودية والذي أعد قبل عدة أسابيع من توزير معاليه، و«العربي» إذ تقدم التهنئة لمعالي الوزير على ثقة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بإسناد حقيبة الثقافة والإعلام في الشقيقة المملكة العربية السعودية إليه، تتمنى ألا ينشغل شاعرنا عن قرائه وعشاق شعره بأعباء العمل الوزاري المضني.

حياتي رحلة حب، بدأت من الأنا، إلى السوى، إلى المحبوبة، إلى الأقرباء، إلى الوطن، إلى الكون.
الشاعر لا يعرف نفسه، كما يعرفها الناقد أنا أستقي من كتاب الله وكل يوم أقرأ ما تيسّر لي منه.
اختيار الشاعر عبدالعزيز محيي الدين خوجة وزيراً للإعلام والثقافة بالمملكة العربية السعودية دليل على الاحتفاء بالذات المبدعة وتسليمها مقاليد أمور تطوير الثقافة والفكر في ركن مهم وغال من أركان وطننا العربي.

فهو ليس مسئولاً فقط ولكنه أيضاً شاعر مبدع، وهو لا ينتمي للسعودية وحدها، ولكنه بل ينتمي إلى العرب جميعاً، إلى تراثهم الشعري والروحي المضيء والمستنير قبل كل شيء، وإلى الإنسانية أيضاً، كما انتمى الحلاج وابن عربي قديماً وكما انتمى لوركا وأراغون ونيرودا حديثاً. في شعره تحية للجانب الروحي في الإسلام، ولتراث بني عذرة في الحب أحياناً كثيرة. وهو من حيث ولادته ونشأته في مكة، قريب من مضاربهم في وادي القرى، ومتأثر بموروثاتهم وقيمهم في الحب. ولكنه كثيراً ما يحيّر قارئه في محبوبه الذي يتغزل به: هل هذا المحبوب من لحم ودم كباقي المحبوبين،أم هو ذلك المحبوب الأعلى، جلّ جلاله، الذي يتوق إليه المحبون الواصلون؟

عبد العزيز محيي الدين خوجة صاحب تجربة فريدة في الشعر العربي المعاصر. يُخّيل لقارئه أحياناً، إذا قرأ قصائده المكتوبة بحسب طرائق شعراء الحداثة المعاصرين، كالسياب ورفقائه، أنه من هؤلاء الشعراء، وبخاصة لأن هذه القصائد تتصف بالجدة والنضارة، من حيث الروح. ولكن يُخيّل لهذا القارىء أحياناً أخرى أنه شاعر كلاسيكي لأنه كثيراً ما يتوسل أوزان الخليل بن أحمد، ولأن قصائده بهذه الأوزان قصائد متينة. فهو إذن شاعر يملك ناصية الحديث كما يملك ناصية القديم. لكنه ليس شاعراً تقليدياً أو حداثياً فقط، وإنما هو شاعر مطبوع على الشعر أولاً وليس له موقف "أيديولوجي" مسبق لا من البحر الشعري ولا من التفعيلة. فما يعنيه هو أن تأتي القصيدة على مقتضى الحال الشعري وفي أحسن تكوين.

لعل أكثر ما يميز شعر عبد العزيز خوجة ليس توزعه على بحور الشعر العربي وطرائقه، وإنما توزعه على أقاليم الوجد والعشق والشجن والجوى حتى لكأن قصيدته مصنوعة من كيمياء خاصة فيها مكانة مميزة للسرّ الشعري المضنون به على غير أهله. والطريف أن هذا الشاعر، دكتور في الكيمياء من جامعة لندن، وأستاذ لهذه المادة سنوات عديدة في جامعات بلاده قبل أن يصبح سفيراً لبلاده في العديد من العواصم ثم توليه بعد ذلك لمنصب وزير الإعلام والثقافة. وفي هذا الحوار الذي يتحدث فيه الشاعر عن جوانب من تجربته الشعرية إشارة إلى صديقه الشاعر عمر أبو ريشة الذي كان مثله متخصصاً في الكيمياء.

لقد دار هذا الحوار مع الشاعر أولا، وليس المسئول لأن الشعر هو سر تفرده ومكمن إبداعه، وسوف نرجئ الحديث حول مسئولياته إلى مناسبة أخرى.

ويحاوره الكاتب اللبناني جهاد فاضل..

لتجربة الحب في شعركم ملامح خاصة مختلفة عن أية تجربة عاطفية وشعرية أخرى. في هذه التجربة ألوان حسّية صارخة حيناً، وألوان عذرية تنضح بالعفة حيناً آخر، وفيها يمتزج العشق الإنساني بالعشق الصوفي حتى ليحار القارىء في معرفة ماهية الذات المعشوقة، أية ذات هي: هل هي ذات المحبوبة، أم ذات المحبوب، جلّ جلاله.. كيف تفسرون ذلك؟
- من الأسئلة ما يكون أجمل من الأجوبة، وبخاصة إذا اختصر السؤال رحلة حياة بكاملها، وحاول أن يعطي فيها ملامح شخصية كاملة.

من البداية إلى النهاية، ربما هي رحلة حب بدأت من الأنا، من الذات إلى السِوى: إلى المحبوبة، إلى الأقرباء، إلى الوطن، إلى الكون. وهي بعد ذلك رحلة المثابرة للوصول إلى حب غير مرئي، حينما يصل المرء في كل مرة إلى حبٍ ما، ثم يتأكد أن هناك شيئاً ينقصه، وأن هناك شيئاً أقوى وأقوى. ربما أنا في هذه الرحلة، في رحلة شوق مستمرة وطويلة، بحيث لا أعرف أولها من آخرها، ولا أعرف مبتدأها لكي أعرف منتهاها.

إنني لا أدّعي أنني شاعر له مدرسة خاصة، وأنني أنتمي إلى فريق دون آخر، أو أن شعري صوفي أو حسّي، علوي أو دنيوي. إنني الانسان في وقت ما، وفي حالة ما، وفي مكان ما. وأنا هذا الكائن في هذا الوجود، المتفاعل مع كل هذه المتغيرات في داخلي ومن حولي. والاكتسابات التي اكتسبتها في هذه الرحلة الإنسانية طالت أم قصرت- لا أعرف متى تنتهي. وإنما أنا سائر فيها تتلبسني أحياناً، ولا أستطيع أن أتنكر لها حتى أجد ربما المحطة النهائية التي أعرف أن فيها الخلاص. وربما أستطيع أن أبدأ إذا استطعت أن أعرف نهاية الرحلة، أو السراة في هذا الطريق. إنها رحلة شوق طويلة متجددة لا ينتهي أبداً سراه.

حين يكتب الشاعر يكتب في لحظة الكتابة التي تُملى عليه.

العذرية والصوفية

هناك تياران بارزان في شعركم: التيار العذري والتيار الصوفي، بالإضافة طبعاً إلى جوانب من الغزل الحسّي المألوف في القصيدة العربية. أحب أن أعرف مصدر التيارين الأولين: تيار العذرية وتيار الصوفية.
- ربما هي شخصيتي. ربما هو ارتياح لنمط معين من التراث، ربما هو الصراع في داخلي بين المادة والروح. هذا هو الإنسان المركب الذي أتحدث عنه في قصيدة لي:

قلبي المركبُ من شياطين وطينْ
وعجينة ممزوجة بالنور واللّهبِ المذابْ
كيف التوازن في معادلة الحساب؟
إني رضعت براءتي من ثدي أمي، في نقاوة برعمي
وخطيئتي من ثدي دنياي
ومن شفة كأحلام العسل
وانصبّ في مجرى عروقي في دمي
هذا المزيج من الشراب
حتى تكوّن ما تكوّن من "أنا"
لكن إلى أجل الأجل

هذه ربما الإجابة الحقيقية لسؤالك. أنا هو هذا الكائن المصنوع من تناقضات.

وماذا عن عملية تخلّق القصيدة في الذات: هل تضع للقصيدة مخططاً مسبقاً؟ وما الذي يولد أولاً: النغم أم الكلام أم سواهما؟ وهل تأثرت يوماً بالنقد الحديث الذي ساد في الساحة الأدبية العربية في ربع القرن الماضي؟
- القصيدة هي عناصر أو عوامل مختلفة.لا أعرف على وجه القطع ما الذي يولد في البداية. حين يغمر الإلهام الشاعر، ربما يأتي النغم أولاً، وهو يأتي حسب حالة الشجن التي تعتريه في ذلك الوقت: سواء البحر الشعري، أو شكل القصيدة، عمودية أو تفعيلة. هي لحظة ما من الغموض يتفاعل فيها الشاعر مع ذاته ومع الكون من حوله، ومع الحالة التي سيطرت عليه في تلك اللحظة، ليتم الانسجام مع كل شيء: مع النغم، مع الموسيقى الداخلية، مع البحر. هو لا يعرف مثلا لماذا اختار البحر الكامل أو البحر البسيط أو سواهما، أو لماذا خرجت القصيدة على هذه الصورة النهائية أو تلك.

هذا يعتمد أيضا على ثقافة الشاعر وتجربته، وغناه الداخلي بالأشياء المخزونة فيه لغوياً، أو تجربة، أو معاني. هذه الأشياء كلها توجد في اللاشعور، في الباطن. ثمة لحظات فريدة تجتاح النفس، خلالها يستقبل الشاعر من الكون أفكاراً وخواطر تسنح وتعبر بالآلاف. تسري الفكرة في داخله كما تسري الكهرباء، فتشعل الحريق لتتدفق القصيدة على هيئة شلال، أو لهيب. على هيئة نغم، وبصور مختلفة حسب الحالة التي يمر بها الشاعر، وحسب الصور التي تفاعلت في داخله، وحسب ما يحمل من لغة وثقافة ومكنوز داخلي. كل ذلك يتفاعل ويتدفق في صورة فنية على هيئة قصيدة عمودية أو تفعيلة، أو أية صورة من الصور الشعرية الأخرى. هنا يأتي النغم، وتأتي الصورة، وكل ذلك مع بعضه البعض. ويجب أن يكون مع بعضه البعض ليتم ذلك التدفق المتجانس الغريب.

الإلهام.. أفكار سابحة

هل أفهم من هذا أنكم تؤمنون بالإلهام الشعري؟
- أنا أؤمن بالإلهام الشعري. أنا أعتقد أن في الكون سحابات كبيرة جداً من الأيونات الفكرية تسير أو تدور. إذا أردنا أن نتكلم عن الشعر، قلنا إن لدى الشاعر نصف هذه الأيونات الإيجابية في داخله. وهو يلتقطها حينما تمرّ به. يلتقطها ويشعر بها في تلك اللحظة. وحينما يتفاعل أيون مع أيون آخر ويدخل في اللاشعور، يشعل الحريق، أي يشعل هذا التفاعل الكيميائي السحري الغريب بين اللامنظور الخارجي والمنظور الداخلي. اللامنظور هو ما نسميه بالإلهام.

هذه الفكرة الأيونية السابحة في الجو حينما يلتقطها الشاعر المبدع يلتقطها حسب طريقته وحسب مخزونه الثقافي وقابلياته وإمكاناته. لذلك يقولون لك: وقع الحافر على الحافر.

الإمام الغزالي يقول إن لربكم أوقاتاً مباركة ألا فتعرضوا لها..
- هذا سواء في العبادة والدين أو في الفكر، وفي كل شيء، يجب على الفنان أن يكون مستعداً لإبداع ما. إن لم يكن للشاعر مثل هذا المخزون الغني، فإنه لا يستطيع أن يتفاعل أو يتجاوب مع هذا الإلهام السابح. إن اكتشاف الكون بكل زواياه المختلفة، وسبر غور الإنسان، ومعرفة كنه الجمال في امرأة جميلة، أمور تتداخل فيها عوامل كثيرة. قد يرى الشاعر في امرأة ما جمالاً لم يلتفت إليه آخرون. لفتة منها تؤلف بسمة والطبيعة وردة، أو نسمة تسري، أو رائحة تأتي إليه عطرة جميلة. يتذكر الشاعر هذه الرائحة التي عرفها قبل عشرين أو ثلاثين سنة.

الأفكار سابحة في الكون، المهم توافر من يلتقطها ويتفاعل معها.

الشعر وضرورة الوزن

تكتب الشعر الحديث، أو شعر التفعيلة، كما تكتب الشعر العمودي. متى تتوسل هذا أو ذاك؟ وهل تشعر أن الوزن قيد وصناعة أم شرط للعملية الشعرية؟
- أنا لا أؤمن بالشعر من دون وزن. هذه الأوزان لم يضعها الناس مسبقاً لكي يقولوا للشاعر: اتبع هذا واتبع ذاك.. الخليل وسواه، وجدوا هذه الأوزان في الشعر وفي الشاعر. الشاعر هو الذي خلق هذه العمارة حسب ظروف بيئته. أية عمارة تناسب هذا الشيء. قد تكون العمارة من الوزن الطويل، قد تكون من الوزن البسيط، قد تكون من الكامل. ثم هذا من دون أن يضع أحد، قبل الشاعر هذه القواعد، التقصي جاء لاحقاً، وأُخذ من الشعر نفسه. الذي درس العروض بدأ بالشعر نفسه. ثمة قوانين غير منظورة، موجودة في الكون، وفي اللغة، موجودة في ظروف البيئة. إذا استطاع الشاعر أن يجد لنفسه حسب الظروف الحالية، بالنسبة للبيئة، للحضارة، للتطور، للسرعة، بحراً جديداً، فلا مانع، لكن يجب أن يكون هناك أساس، كما الموسيقى، كما الرسم، الخلق نفسه الذي خلقه الله سبحانه وتعالى، وصوّره و أبدعه، مبني على قوانين وحسابات دقيقة جداً. هذا صنع الله الذي أبدع كل شيء. لم يخلق الله سبحانه وتعالى هذا الكون عبثاً، أي بصورة عشوائية، إنما خلقه بصورة دقيقة متناهية في الدقة. وكل ما يتبع هذا الخلق هو نتيجة هذا الإبداع الإلهي العظيم..

إن كل ما يتبع هذا الخلق، وكل ما يتبناه الإنسان من إبداع فني أو عقلي، أو علمي، هو نتيجة لهذا الإبداع. فأنا لا أؤمن بأن يأتي أحد ويخرّب هذا الإبداع الجميل الذي أوجده الله سبحانه وتعالى. ونحن نكتشف هذه الصور الإبداعية الموجودة في الكون. حينما يبدع الشاعر أو الفنان أو الموسيقي او الرسام، إنما يكشف حقيقةً إبداعاً موجوداً من قبل. الله سبحانه وتعالى هو الذي كشف لهذا المبدع ومضاً من الحقيقة، ومضاً من هذا الإبداع الموجود، ثم تفاعل معه الشاعر أو الفنان. وكلما زاد الشاعر ثقافة وعلماً، وامتلاء باللغة والتاريخ، استطاع أن يتفاعل مع هذا الإبداع حينما يومض، أو تومض الفكرة في نفسه، في مكان ما في داخله. هناك التلاقي بين الخارج والداخل، أي في التأثر الذي يمرّ به الإنسان إزاء حدث، أو عشق، أو أية حالة أخرى.

لكن الصورة النهائية هي هذه الحالات. ربما نكتشف بحراً جديداَ حسب ظروف العصر وحسب صورته. قد تكون هناك رتابة معينة، ثم تتطور هذه الرتابة إلى أكثر وأكثر، إلى سيارة الآن، إلى صاروخ، إلى نفاثة. حركة الحياة نفسها تتغير، تصبح أكثر سرعة.

الإنسان صار أكثر قلقاً، وصار غريباً أكثر، وصارت رحلة حياته مليئة بالمتناقضات، باللهاث، وباللحاق بمن سبق.

يحتاج الشاعر، كما يحتاج الإنسان، إلى شيء من الجنون ربما، إلى النزق، إلى وقت يرتمي فيه على صدر حنون.

في هذا العصر المختلف الذي يزداد تسارعاً، يجب أن تكون الصورة التي يخرج فيها هذا المبدع، متناسقة مع الكون ومع ما ينتجه هذا الكون.

الشاعر.. والنظرية

خلال السنوات الخمسين الماضية، وفي بيروت وعدة عواصم عربية أخرى، كثر التنظير للشعر، وقلما وُجد شاعر بقي خارجه، مع أن الأصل هو أن يكتب الشاعر وأن ينظّر المنظّر وان ينقد الناقد.. هل تأثرت بهذا التنظير، أم أنك كتبت الشعر بصورة عفوية واستجابة لدواعي الشعر في ذاتك؟
- الشاعر إذا كان ناقداً في الوقت نفسه وحاول أن يغوص في المدارس والنظريات النقدية لا يستطيع أن يكون شاعراً. المدارس النقدية ظهرت استناداً إلى ما هو موجود من قبل. الشاعر الجاهلي لم يفكر في مسائل نقدية. لقد عبّر عن زمنه وعن حاله، عن طبيعته، عن تركيبته. وهذا ما فعله الشاعر الإسلامي والشاعر الأموي والعباسي. حتى وصلنا إلى الشعر الحديث وتكونت مدارس شعرية ونقدية في القرن الماضي، مثل أبولو والديوان والمهجر. النقّاد هم الذين قسّموا هذه المدارس وأصّلوها. جاء النقد فيما بعد. لم يضع الناقد الخطة للشاعر، وإنما الشاعر هو الذي وضع الخطة والمنهج والرؤية للناقد بحيث استطاع هذا الناقد أن يفصّل وأن يقسّم، وأن يقول إن هذا الشعر جاهلي او أموي أو عباسي، أو أنه من الموشح، أو شعر حديث... إلى آخره.

لكن يجب على الشاعر، لكي يكون شاعراً، أن يكون على إطلاع كامل على كل ما يدور في الساحة الشعرية. بعدها يترك نفسه على سجيتها، ليدع الشاعر فيه يختار حسب الظرف وليدع للناقد عمله.

سلامة موسى كان يقول: على الكاتب أن يكتب وعلى الناقد أن ينقد...
- هذا صحيح. على الشاعر أن يكتب الشعر وعلى الناقد أن يمارس وظيفته في النقد. ولعل أخطر شيء هو أن يكتب الشاعر قصيدته حسب معايير مسبقة تناهت إليه من النقّاد والمنظّرين، أو لكي يُرضي هؤلاء النقّاد والمنظّرين.

هل هناك جمال واحد تستلهمه، وأي جمال تأثرت به أكثر من سواه؟
- في كل مرحلة أجد جمالاً ما، فأقول: هو هذا.. وحين أقترب منه أقول إنه ليس هو، فأبحث عن سواه... وأقول بعد ذلك: هذا أجمل! وعندما يذهب، وأقارب جمالاً جديداً أكتشف أن النفس تهفو إلى جمال مختلف. لربما أنا أبحث عن جمال ما، أو عن سرّ الجمال. وفي رحلة البحث الطويلة هذه، الله أعلم متى ألتقي بما أبحث عنه.

هل هناك مفردات معينة تتعشّقها، وتفتح لك أثناء كتابة القصيدة تياراً من المعاني لم تكن تتوقعه؟
- لا أعلم. لكن ربما لكل شاعر، قديم كان أو حديث، مفرداته التي اكتشفها فيه الناس. الشاعر ربما لايعرف نفسه كما يعرفها الناقد. ربما كان الناقد أحياناً أقدر على معرفة جوانب في الشاعر لا يعرفها الشاعر نفسه. للنقد دور كبير في اكتشاف غياهب ومجاهل الشاعر والفنان بصورة عامة.

لكل شاعر مصادره الشعرية الثقافية وغير الثقافية. فما هي المصادر التي وجدتم أنفسكم خاضعين لها أكثر من سواها؟
- الموروث العربي بدايةً. أنا أستقي من كتاب الله سبحانه و تعالى. كل يوم أقرأ ما تيسر لي منه. وأنا أقرأ كثيراً في تراث العرب الشعري، قديمه وحديثه. وأقرأ طبعاً الشعر الحديث، العربي والأجنبي. الثقافة مهمة للشاعر، لكن الشاعر يعكس قبل كل شيء آخر تجربته ونفسه وقيمه.

شعراء سفراء

هناك شعراء عملوا سفراء وألهمتهم الأسفار. مثلا بابلو نيرودا التشيلي، سان جون برس الفرنسي وسواهما.. في قصائدكم صور لأمكنة مررتم بها وكان لها أثر في شعركم .. كيف يتم هذا التفاعل مع المكان؟
- المكان مهم جداً. المدن كالمرأة، هناك مدن تستطيع أن تتفاعل معها وأن تكتب فيها وعنها، وتؤثر فيك وتؤثر فيها وتعيش فيها أجمل الأيام واللحظات. ولكن كما تشعر بالألفة معها حيناً، تشعر بالنفور منها حيناً آخر من حسن حظي أنني تنقلت بحكم طبيعة عملي بين كثير من المدن والبلدان. فضاء كل مدينة له تأثيره. هناك الفضاء الإنساني والفضاء الثقافي والفضاء الشعري. مدينة لها تاريخها الكبير كبغداد مثلاً فيها شعراء وفلاسفة ومفكرون ذوو شأن. الفضاء الإبداعي في روسيا، في المغرب، في كل مكان عملت فيه، شعرت بهذا الفضاء الإنساني المتراكم.

بلا شك مثل هذا الفضاء يساعد الشاعر بصورة أو أخرى. حين أذهب إلى روسيا أقرأ لبوشكين، ولشعراء روسيا وروائييها العظام، أسمع الموسيقى الروسية الرائعة. هذه كلها فضاءات تساعد وتمد جسوراً روحية غير مرئية. وفي لحظة ما، تجد نفسك تتفاعل مع التاريخ والمعالم والصور التي تشاهدها. وهناك تحدث للروح حرائق وإلهامات جديدة. كل هذا يؤلف إثراء للشاعر.

كان عمر أبو ريشة يقول إن دراسته للكيمياء في لندن أثّرت في قصيدته. انتفع بالكيمياء ومعادلاتها ومنطقها، وكان في قصيدته علم وتقنية ومنطق كما كان يقول لي، هل استفدت بدورك من الكيمياء وأنت متخصص فيها، بل حامل دكتوراه؟
- استفدت كثيراً. لذلك أستطيع أن اقول إن هذا العلم، ومعه بقية العلوم، تفيد في معرفة هذا الكون، وفي ارتباطه مع بعضه البعض.

لا أستطيع أن أفرّق بين علم وآخر، او بين علمي وأدبي وفني وثقافي. في لحظة من اللحظات أشعر أن كل العلوم والفنون والآداب والثقافات تؤلف هذه الهارموني الموسيقية، أي هذا الكون الكبير المتناسق.

طبعاً هناك من يستطيع أن يعزف على الأكورديون ومن يستطيع أن يعزف على البيانو أو على العود. ولكل إبداعه في عمله. تجد أن كل الأمور مرتبطة مع بعضها. درست الكيمياء وتخصصت فيها, ووجدت نفسي في نهاية المطاف أتعامل معها كما أتعامل مع الشعر، فكأن معادلاتها تشبه الأوزان أو البحور الشعرية.

بطبيعتي أنفر من التفلت والفوضى، سواء في الشعر أو في بقية الفنون. أيقنت على الدوام أن الله سبحانه وتعالى، خلق هذا الكون في أحسن تكون وأدقّ صورة.

حينما يدرس المرء الكيمياء، ويلمس ما فيها من دقة ونظام، وكيف أن من الممكن عندما يتفاعل أو يتحد مركّب أو عنصر مع آخر، أن ينتج عن ذلك آلاف النتائج، يجد نفسه يتعامل مع نوتة موسيقية، أو مع أوزان شعرية.

لقد تسنى لي أن أتعرف إلى المغفور له الشاعر الكبير عمر أبو ريشة، وقد نشأت بيننا صداقة عميقة. تناقشنا مراراً في العلاقة بين الكيمياء والشعر. وقد سرّ كثيراً عندما عرف بأنني متخصص في الكيمياء، وبأنني وجدت ما وجده هو من الصلات الوثقى بين العلمين: بين علم الشعر وعلم الكيمياء.

ثمة اسرار كثير في هذا الكون، وعلى المرء الاّ يحبس نفسه في غرفة مقفلة حتى ولوكان عالماً كبيراً. عليه أن يرى الكون على حقيقته وأن يغرف الكثير من فنونه وأسراره.

------------------------------------

ولي وطـنٌ آليـتُ ألا أبيـعَهُ
وألا أرى غيري له الدهرَ مالكا
عمرتُ به شرخَ الشبابِ منعماً
بصحبةِ قومٍ أصبحوا في ظلالكا
وحبَّبَ أوطانَ الرجـالِ إليهمُ
مآربُ قضـاها الشـبابُ هنالكا

ابن الرومي
05-27-2009, 02:51 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
بسام الخوري غير متصل
Super Moderator
******

المشاركات: 22,090
الانضمام: Feb 2004
مشاركة: #9
RE: لقاءات مهمة مع مثقفين مهمين ....وجها لوجه ...
حمدى قنديل:النظام يطاردنى فى الفضائيات العربية وجمال مبارك لا يصلح رئيسا لمصر



السيد الدمرداش

المثقفون مـن أبناء جيلـى كانوا سببًا فيما حدث من انهيار

انفض السامر وكشفت أوراق العرب وحانت ساعة الفصل.. رفعت الأقلام وطويت الصحف ها هى الأمة تُهان.. تُذل.. وتُحقر.. النظام العربى يركع.. يا للخزى والعار.. يعلقون أنهم يتوعدون وهم يتوسلون.. وفلسطين لا تحتاج إلى دعم.. فلسطين تحتاج إلى مال.. فلسطين لا تحتاج إلى اجتماعات.. فلسطين لا تحتاج إلى بيانات لا تطلب سوى السلاح.. اعطوها السلاح أو فلتكفوا عنها أيديكم تبت أيديكم.. تبت أيديكم.. تبت أيديكم.
بمثل هذه الكلمات الغاضبة على ما وصل إليه العرب، وحكام العرب، كان يتحدث حمدى قنديل فى برنامجه الأشهر «قلم رصاص». ولهذا السبب بالذات طارده النظام المصرى من فضائية عربية إلى أخري.. من دبى الى لندن، ولكنه لم يكسر قلمه الرصاص، ولا وضعه فى جراب الصمت، كأنه سيزيف فى الأسطورة القديمة، كلما صعد الى قمة الجبل، قدر له أن يهبط الى سفوحه ليصعد من جديد. فى المرة الأخيرة أدى خروجه من الفضائية الليبية الى تأميم المحطة، وتناثرت تكهنات حول انتقاله الى محطات أخرى تسابقت فى دعوته للعمل بها، ولكنه يفكر الآن بطريقة مختلفة، أو يحاول صعود جبل الاعلام العربى بطريقة جديدة، أن ينشئ محطة فضائية باكتتاب شعبي، والرهان هنا على شعبيته الكبيرة، والتى لا يضاهيه فيها أى إعلامى عربى آخر.
فى البداية سألناه عما إذا كان قد أغلق نهائياً ملف الفضائية الليبية.. ؟
وكانت إجابته: نعم .. انتهى هذا الملف، فبسبب برنامج «قلم رصاص» صدر قرار من اللجنة الشعبية العامة (مجلس الوزراء الليبي) بتأميم الفضائية الليبية لتؤول إليه كل ممتلكات شركة الغد للخدمات الإعلامية.. التى كانت تمتلك المحطة قبل التأميم، وأصحابها ـ حسب علمى ـ كتاب وأدباء وصحفيون..
ومن البداية لم تكن لدى ثقة كبيرة فى مناخ الحرية بها، أو أن بوسعها أن تحافظ عليه، وقلت ذلك فى أول حلقة من برنامج «قلم رصاص» على هذه المحطة، ولكن كانت لدى رغبة فى أن أخوض التجربة، رغم تشككى فى مصداقية الوعود التى حصلت عليها. وعندما بدأت العمل فى تقديم برنامجى وجدت قدرًا من الشجاعة والجرأة من إدارة القناة والقائمين عليها، ولهم تدخلات مع جهات كثيرة، فى تحمل الضغوطات، حتى عندما طلبت القيادة الليبية من شركة الغد للخدمات الإعلامية إيقاف إذاعة البرنامج، وكان ذلك بضغط من القيادة السياسية المصرية لم تستجب الشركة لهذا الطلب، وكانت جرأة غير محسوبة منهم ما دفع القيادة الليبية إلى تأميمها ومصادرة ممتلكاتها ونقل تبعيتها إلى «الهيئة العامة لإذاعات ليبيا».
{ ولكن ماذا عن اعتذارك عن العمل بفضائية «المنار» لسان حال حزب الله اللبناني؟
}} اعتذارى لقناة «المنار» له أسبابه، فبالرغم من بعض الملاحظات على سياسات «حزب الله» فى السنوات الأخيرة، فإن له مكانة خاصة فى نفسي، وأعتبره قائد حركة المقاومة العربية الآن، كما أن لأمينه العام حسن نصر الله مكانة عندى لن تهتز، بالرغم من بعض المحاولات التى تمس شخصية أو مبادئ حزبه،كما أعلم أن لى تقديرا عندهم.. وأنا ممتن للعروض التى تلقيتها من هذه المحطة، والتى كانت تأتينى دائمًا بعد خروجى من محطة إلى أخري، ولا أظن أن أعتذارى كان يفاجئهم فى كل مرة، فهم يعلمون موقفى سلفًا، فأنا لا أرغب فى أن أنضم إلى محطة حزبية، ولم أنضم يومًا لحزب على الإطلاق.. ورغم حبى الشديد لـ «جمال عبدالناصر»،الذى أراه رمزاً للكرامة والعزة، وأنا ناصرى بالهوى والانتماء، فلم أكن عضوًا فى الاتحاد الاشتراكي، وهناك سبب آخر للاعتذار هو عدم شعورى بالأمان فى الإقامة بـ «بيروت» أنا وعائلتي، لأنها ساحة مفتوحة لعملاء إسرائيل.
{ سمعنا عن مفاوضات بينك وقناة «الجزيرة».. فما صحة هذه الأنباء؟
}} قناة «الجزيرة» لم تعرض على أى عروض وأنا لست راغبًا فى العمل بـ «الجزيرة» حتى إن لم يكن لدى عمل فى أى مكان آخر، رغم أنه تربطنى علاقات صداقة ببعض القائمين على إدارتها.. وهى قناة تعمل على أسس مهنية.
{ إذن ما المأخذ عليها مادام أن لديها أسسا مهنية تعمل على أساسها؟
}} هو إقحام للإسرائيليين فى غرف نومنا، والجزيرة كانت من أول المحطات الفضائية التى فتحت شاشاتها لظهور إسرائيليين عليها.. كما أننى لى تحفظات أخرى على سياسات ومواقف قطر وحكامها خاصة رئيس الوزراء ووزير الخارجية حمد بن جاسم آل جبر، الذى قام بافتتاح مكتب تجارى لـ «إسرائيل» فى الدوحة، وهذه التحفظات والانتقادات اعلنتها مرارا وتكراراً، ولا أعتقد أن بينى وبينه، هو ومن معه، أى عمار.
{ إذن على ما يبدو أنه لا توجد لديك خطط ما فى الفترة المقبلة؟
}}لا.. بالطبع توجد خطط، فهناك مشروع نعمل على تنفيذه فى مصر، وبالفعل تم الانتهاء من دراسته عبر مجموعة من الخبراء، ونحن فى مرحلة البدء فى إجراءاته وهو مشروع لإنشاء قناة فضائية بنظام الاكتتاب العام الشعبي، حيث سيتم طرح الأسهم على الجمهور للاكتتاب عليها، وهذا المشروع قد يواجه صعوبات فى تنفيذه، لكننا نعمل على ذلك، وما يشغلنى الآن مصادر تمويله.
{ مع اتساع برامج «الصحافة» فى الفضائيات.. هناك من يعتقد أن عددًا كبيرًا منها يستنسخ حمدى قنديل.. فما انطباعك عن ذلك؟!
}} كل محطات العالم تقدم مثل هذه البرامج.. وبالنسبة لى لا أود أن أقسو على هؤلاء الشباب، ولا أرغب فى أن أبالغ فى قدر نفسي، فقد قمت بتقديم برامج لقراءات الصحف منذ زمن بعيد، وربما كان لى تأثير عند هؤلاء الشباب.. وهذا أمر طبيعي.
والبرامج الجديدة «التوك شو» بدأت فى تقديمها فى يونيو عام 1996 فى الـ a.r.t قبل أن تظهر قناة «الجزيرة» بأربعة أشهر.. ومن البديهى أن تكون هذه البرامج موجودة وأيضًا من الطبيعى أن يتأثر البعض بمن سبقوهم، وهذا شيء مهم وإيجابى ويساعد فى زيادة هامش الحرية وفى كشف خفايا ما يحدث أمام الرأى العام، ولم يكن من المتوقع السماح بكشفها، ولكن هناك مشكلة حقيقية فى التقليد، فالتأثر بمن سبق شيء أيجابى وهو يختلف عن التقليد، فالأخير ينزع عن البرنامح روح الابداع فيه، كما أن التقليد لا يمكن أن يكون كالأصل.
الاختلاف فى الشكل والمضمون والأسلوب من شخص لآخر مسألة ضرورية فى العمل التليفزيوني، فلابد أن تكون هناك شخصية مميزة وأن تتوافر فيها المصداقية لأنها عنصر مهم للقبول عند المشاهدين.. وقبل أيام شاهدت بالمصادفة مذيعاً شاباً على فضائية الساعة يقدم برنامجاً يومياً عن الصحافة وجدت فيه «مذيعاً فلته» عنده حضور وخفة ظل وعنده خلفية سياسية تتبدى فى تعليقاته، عرفت أن اسمه «يوسف الحسيني»، أريد أن أقول أن جيلاً جديداً يولد الآن، ويحتاج الى دفء المشاعر وأن نساعده بقدر ما نستطيع أن يحمل الراية الى المستقبل.
{ يقال إن عام 2010 سيشهد مزيدًا من التراجع السياسى بالنسبة لـ «مصر» خاصة فى ظل التداعيات الداخلية والخارجية.. فما تقييمك للوضع؟
}} عام 2009 هو الأصعب كون أن الجبهة العربية ـ إذا كان هناك ما يسمى بذلك ـ حيث سلمنا المفتاح لـ «أوباما» واستطاع الرئيس الأمريكى خداع الشعوب والحكومات العربية من خلال خطابه فى جامعة القاهرة، والآن بعد أن أمضى نحو 200 يوم من عمر رئاسته لم يقدم لنا شيئًا سوى الأوهام.
وكل المشروعات التى تأتى إلينا من أمريكا فيما يخص السلام والقضية الفلسطينية كلها مشروعات وهمية.
وفى مصر الوضع لن يتغير كثيرًا، فالانتخابات البرلمانية القادمة فى عام 2010، لن تغير شيئًا سوى بعض التغييرات لصالح الحزب الوطني، فيما يخدم مشروع التوريث.. ولعل إبعاد القضاة عن الإشراف على الانتخابات البرلمانية والتى تقرر مصير شعب وجعله يشرف على انتخابات الأندية تمثل مفارقة غريبة.
{ هل يعنى هذا أن التوريث أصبح أمرًا مفروغًا منه أم أن اللعبة لم تحسم بعد.. وهل يصلح جمال مبارك أن يكون رئيسًا لـ «مصر»؟
}} أعتقد أن القضية تم حسمها فى الدوائر العليا.. وبعد حسنى مبارك لابد أن يكون جمال مبارك موجودا.. ولا ادعى أن عندى معلومات، لكننى أتصور أن الموضوع فيما بينهم انتهي، وبالمقارنة بما حدث فى سوريا ـ رغم أننى من المؤيدين لـ «بشار الأسد» ـ فإن الظروف مختلفة.. بشار الأسد يختلف رغم نشأته فى قصر السلطة عن نجل الرئيس مبارك، فهو لم ينشأ فى المحافل الاقتصادية للحكم ولم يتحالف مع رجال الأعمال ولم يترب فى البنوك، وتربى تربية عقائدية.. بينما تربى جمال مبارك فى بنك وأحيط بشلة من رجال الأعمال المستفيدين، أما بشار الأسد فتعايش بين الناس واستطاع أن يعرف جيدًا شعبه.. بعكس جمال الذى لم يعرف الشعب المصرى ولا طبيعته.. وكل استقبالاته وتحركاته رسمية.. ولا أدرى ما صفة نجل الرئيس لكى يستقبله الوزراء ويتحرك معهم وبينهم.. وللأسف فهو يفتقد إلى «الهبة الربانية»، حيث لا يملك قبولاً لدى الناس وكل ارتباطاته مع أوساط المال والأعمال، ولا تشع منه فكرة عن قصد أو غير مقصد.
وأغلب الظن أن التوريث فى مصر سيحدث فى حياة الرئيس أو بعده.. وهناك اعتقاد آخر أن الرئيس مبارك لا يرغب فى أن يشهد عملية التوريث.
{ زيارة الرئيس مبارك إلى واشنطن كيف تقرأ مشهدها وما يقال عن مشروع تسوية جديدة يضع التطبيع أولاً كشرط أمريكى لما يسمى بالسلام فى المنطقة؟
}} المؤسف أن مصر تضغط على الدول العربية الأخرى لصالح الولايات المتحدة، ومن المؤسف أن تعتبر عدوها الأول هو إيران وليست إسرائيل.. ومن المشين أن تقوم مصر بدور المحلل للسياسة الأمريكية والضغط على أطراف عربية أخرى لصالح المخطط الأمريكى الذى يتبناه أوباما، ومن المؤسف أن تبارك خدعة أخرى من خدع أمريكا للعالم العربي.
وأى تطبيع ممكن أن نتحدث عنه بعد ما يحدث من أشكال التطبيع المتمثلة فى الزيارات المتكررة لرئيس الوزراء الإسرائيل لـ «مصر» وعمليات بيع الغاز لإسرائيل بأبخس الأسعار، وعن عمليات واتفاقيات أخرى تجارية تتم مع إسرائيل ومشروعات مشتركة.. وهناك صفقة أخرى قادمة لتشغيل محطات كهرباء فى جنوب إسرائيل.. فـ «مصر» اتخذت هذا القرار على المستوى الرسمي، لكن المستوى الشعبى يرفض ذلك كله ويدينه.
{ .. والإخوان المسلمون هل ترى لهم دور أو تأثير فى الشارع المصري؟
}} جماعة الإخوان بدأت نشاطها السياسى منذ 90 عامًا وخاضت الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وحصلت على مكاسب لم تحصل عليها من قبل، ورغم ذلك لم تقدم للشارع المصرى برنامجًا سياسيا واضحًا، ما يجعلنا نتساءل ماذا يخفى الإخوان المسلمون عن الشارع المصري، وما علاقة الإخوان بالسلطة رغم عمليات القمع والاعتقالات والمحاكمات لهم.. وهناك أسئلة كثيرة، وأحيانًا يعلن بعضهم أن جماعة الإخوان لا تسعى إلى الحكم وهذا كلام غريب جدًا.
وأرى أن الإخوان المسلمين لا ترغب فى «زعل النظام أكثر مما هو زعلان»، وفى بعض الأحيان إجابات الإخوان المسلمين ملتبسة تجاه قضايا معينة حتى أصبحنا نرى أنهم لغز ومطلوب فك طلاسمه.
وبهذا الوضع لن يكون لهم دور حقيقى فى الشارع المصرى يعتمد عليه، ولن تكون هناك حالة من القبول النهائى لهم، وأنا شخصيا لا أرى مشكلة جذرية فى أن يحكم الإخوان، ولكن يجب أن يساعدونا فى كشف طلاسمهم وفيما يدور بينهم من أمور غير معلن عنها.. وبالطبع السلطة فى مصر تعمل على تحييدهم بعض الشيء تجاه قضايا معينة.. ويتم فيما بينهم اتفاقيات على مستويات متدنية.
{ ماذا عن قراءاتك للصحف القومية وكيف تنظر إلى حالة الصحافة المصرية الآن.. خاصة الصحف الخاصة المملوكة لرجال الأعمال؟
}} لا أقرأ من الصحف الحكومية سوى «الأهرام» وأقرأ الوفيات والكلمات المتقاطعة أحيانًا، وقد فقدت «الأهرام» كمؤسسة عريقة الكثير من دورها وأصبحت أكثر تواضعًا فيما كانت عليه فى الماضى باستثناء بعض الكتاب.
أما ظاهرة الصحف الخاصة فهى إيجابية وبالطبع هناك سلبيات، وهى توجد فى الصحف الحزبية أيضًا.
ولا يزعجنى سوى تدخل رأس المال والتمويل الخفى فى عرض بعض القضايا المطروحة فى هذه الصحف، وللأسف الشديد أصابع رأس المال امتدت إلى كل ركن فى البلد، والرأى العام أصبح متهمًا بالتلاعب به بشكل شديد.. لكن مجمل التجربة إيجابي.. وتبقى قدرة المواطن فى شراء أكثر من جريدة لكى يستطيع أن يخرج بأكثر من رأي.
{ إذا انتقلنا إلى الملف السورى هل تتوقع حدوث حل ما؟
}} لا أتوقع انفراجة كاملة وأعتقد أن السوريين عندهم استعداد لمفاوضات مباشرة مع إسرائيل من أجل استرداد الجولان.. ولكن لا أعتقد أيضًا أن هذا سيحدث ومن الصعب على الإسرائيليين التفريط فى الجولان وربما تلعب الإدارة الأمريكية دورًا فى مناورة سياسية مع دمشق، ولكن السوريين أذكياء ويتصورون أن حالة «العند» فى الموقف السورى فى السنوات الأخيرة جعلت الأمريكان يصرون على الحوار معهم، ويتصور ـ بالمقابل ـ الأمريكان أنهم الأذكي.. وكل طرف يحاول أن يخدم مصالحه ويحقق مكاسب، ولكن تبقى الأجندة الأمريكية فى خدمة المصالح الإسرائيلية فى المنطقة.
{ فيما يخص الساحة اللبنانية.. كيف تنظر إلى تقلبات الزعيم الدرزى وليد جنبلاط؟
}} وليد جنبلاط سياسى محنك وإن كان أهوج فى ظل الوضع الطائفى فى لبنان يحرص وهو زعيم طائفة على كيان طائفته ومصالحها، وكلما شعر بخطر يتحرك لحماية طائفته، رغم أن عقيدته اشتراكية لكنه متقلب، والسياسى المتقلب لا يؤمن جانبه!
{ هل ترى أن نتائج مؤتمر «فتح» وما أسفر عنه من نجاح دحلان والبرغوثى يمثل رسائل متضاربة؟
}} مروان البرغوثى شبه أسطورة فى فلسطين وبالنسبة إلى الشعب الفلسطيني.. فى فتح يتحدثون عن جيل جديد من الشباب، لكن لا أعتقد أن هناك شبابًا، فالقيادات فى فتح «شاخت» وأصبحت فتح حزب السلطة.. ودائمًا حزب السلطة لا ينجح جماهيريا.
فتح «شاخت» وفسدت وتضم وجوهًا كثيرة فاسدة، ونجاح دحلان شيء مؤسف.
{ .. فى كل هذه التقلبات والانقلابات العربية، والاتجاه العربى الرسمى الآن للتطبيع الواسع مع إسرائيل.. هل تعتقد أن المنافذ الإعلامية العربية أصبحت تخدم المصالح الغربية بما يضيق من هامش الحرية؟
}} بالطبع المنافذ تضيق.. والحكومات العربية ترغب فى هذا الاتجاه.. والاچندات التى تتبناها تخدم إسرائيل والمخطط الأمريكى الذى هو السياسة الراهنة لـ «أوباما».. وهناك اتجاه لتصالح عربى فى المرحلة المقبلة وحالة تهادن وتهدئة مطلوبة.. المناخ السياسى الراهن يخدم السياسة الأمريكية ومصالح إسرائيل فى المنطقة، وبالتالى المنافذ تضيق ومطلوب إسكاتنا.. لأصحاب الفضائيات ورجال الأعمال سقف وهامش من الحرية فى ظل هذا المناخ السياسي.. والنظام المصرى ظل يطاردنى فى كل الفضائيات التى عملت بها.. أصبحت هناك خريطة جديدة وعلى الجميع أن ينفذها.. سياسة أمريكية تخدم مصالح إسرائيل.
{ كيف تنظر الآن إلى جيلك من إعلاميين وأدباء..؟
}} للأسف المثقفون فى مصر كانوا سببًا فيما حدث من انهيار، وأننا لم نقف بشجاعة ولم ننهض لإعلان رأينا كما يجب.. وكانت للسلطة إغراءات أثرت فى هذا الجيل.. وأنا معجب بالسفير إبراهيم يسرى ويحيى حسين وبعض المثقفين الذين يساندون القضايا الوطنية، ويصرون على رأيهم من أجل مصلحة الوطن، وهذه العناصر قليلة وأنا غير راض عن جيلي.
09-27-2009, 12:36 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
بسام الخوري غير متصل
Super Moderator
******

المشاركات: 22,090
الانضمام: Feb 2004
مشاركة: #10
RE: لقاءات مهمة مع مثقفين مهمين ....وجها لوجه ...
يوسف القعيد:


كل ما كافحنا من أجله أَلحقَ بنا الهزيمة
الثلاثاء, 10 أغسطس 2010
يوسف القعيد.jpg
القاهرة – سلوى عبدالحليم
Related Nodes:
يوسف القعيد.jpg

لا يرى الأديب المصري يوسف القعيد (1944) عيباً في وصفه بكاتب الهم الاجتماعي ... «النص الذي يستبطن ذات الكاتب من داخله لا يهمني كثيراً»، يقول. ويعتبر صاحب «الحرب في بر مصر» أن نتاجه الأدبي لم يقرأ في شكل جيد حتى الآن، ويرفض فكرة المجايلة في الأدب ويصفها بأنها شديدة الغموض. وفي إشارة إلى البدايات يقول: «عندما بدأت الكتابة كان الهدف تغيير العالم إلى الأحسن، أما الآن فأنا أكتب ليشعر قارئي ولو بمقدار ضئيل من المتعة». ويؤكد القعيد أن على رغم الكسل العقلي الذي أصاب الواقع الأدبي فإن الكتابة الروائية العربية في سنواتها الأخيرة تشهد ازدهاراً. وهنا حوار معه:

> دعنا في البداية نستعدْ ذكرياتك عن فترة التكوين؟

- بعد القرآن الكريم كان الجزء الأول من «ألف ليلة وليلة»، طبعة «دار الهلال»، هو أول كتاب أقرأه وقد وقع في يدي بالصدفة في مكتبة أقرباء كنت في زيارة لهم بصحبة والدي. بمجرد أن قرأت عبارة «بلغني أيها الملك السعيد ذو الرأي الرشيد»، حتى وقعت في دائرة سحر ما زالت تلفني حتى هذه اللحظة، وكأنها كلمة السر التي أفهمتني ماذا نعني بالحكي. بعد هذه القراءة عدت إلى القرآن الكريم لأتأمل ما فيه من سرد خصوصاً في سور مثل «مريم» و «يوسف».

> القرية التي تكتب عنها والتي تعد ملمحاً أساساً في مسيرتك الإبداعية، لم يعد لها وجود، فهل هذا نوع من الحنين إلى الماضي؟

- نعم، عندي حنين دائم إلى الماضي. أحن إلى القرية التي نشأت فيها ودائماً ما أعبر عنه بالكتابة. عشت في القاهرة ما يزيد على 30 سنةً ومنذ أن وطأتها قدماي وحتى هذه اللحظة وأنا أحلم باليوم الذي أعود فيه مرة أخرى إلى القرية كي أعيش فيها.

> وصفت من قبل بعض النقاد بـ «كاتب الهم الاجتماعي»، كما يؤخذ على كتاباتك أنها شديدة المباشرة والواقعية؟

- الواقعية ليست تهمة والنص الذي يهرب من الهم الاجتماعي لا يعجبني، والنص الذي يستبطن ذات الكاتب من داخله لا يهمني كثيراً. أما قضية المباشرة فالسؤال هنا هل هذه المباشرة على لسان المؤلف أم على لسان الأبطال؟ للأسف الشديد واقعنا الأدبي أصبح محاطاً بكثير من الأحكام العامة الأقرب إلى الشائعات التي يأخذها الذين لا يقرأون أو الذين أصيبوا بكسل عقلي على محمل الجد. لا يوجد في كل رواياتي كلمة واحدة على لسان السارد، وأنا لا أستنطق أبطالي كلاماً لا يمكنهم قوله.

> المتتبع رواياتك يلحظ حرصك على التحديد الزماني والمكاني في شكل صارم؟

- لأنني ضد الكتابة التجريدية. ضد الكتابة التي تسبح في الفراغ. فالكتابة لا بد من أن تنطوي على نوع من المواجهة بشرط أن تعتمد على جماليات.

> هل ترى أن للأدب وظيفة ما؟

- أستاذنا نجيب محفوظ كانت له مقولة اعتبرها دستوراً التزم به على رغم اننى كنت ارفضها بشدة عندما كان يرددها: «إذا لم تجد ما تريد، فاطلب ما يكون». في الماضي كنت أقول إنني أكتب كي أغير العالم إلى الأحسن وكي يشعر القارئ أن ثمة خطراً ما يحيط بهذا العالم وبالتالي فإنه وبمجرد أن ينتهي من القراءة سيتحرك لتغيير هذا العالم. هذا كان الهدف من الكتابة في ستينات القرن المنصرم. لكن واقع الحال يقول إن كل ما كافحنا من أجله هزمنا فيه وإن كل ما راهنا عليه هزمنا فيه أيضاً وفي شكل مطلق. أنا الآن أكتب ليشعر قارئي ولو بقدر ضئيل من المتعة وليتعاطف مع أبطالي ومع ما يطرحونه من قضايا إن كان هذا ممكناً.

> احتلت الحرب مكانة بارزة في مسيرتك الإبداعية فكيف تراها إنسانياً وروائياً؟

- هناك تجربتان لا يمكن أن يكتب عنهما الكاتب من الخيال، بل لا بد من المعايشة، وهما تجربتا السجن والحرب، فتفاصيل كل منهما تختلف تماماً عن تفاصيل الحياة العادية. أنا استغرقتني الحرب طويلاً بحكم أنني كنت مجنداً في وحدة الخدمات الطبية في الجيش المصري لتسع سنوات، وهي وحدة غير مقاتلة، ولذلك يندرج كل ما كتبته انطلاقاً من هذه التجربة تحت تأثير الحرب على الواقع الاجتماعي المصري. مثلاً «الحرب في بر مصر» كانت تدور حول تجربة استلام جثة شهيد مصري وتوصيلها إلى قريته.

> لكنك عدت إلى تجربة الحرب مرة أخرى في روايتك «أطلال النهار»؟

- هذه الرواية كتبتها لأخرج تجربة الحرب من داخلي نهائياً، وعلى رغم هذا فإن الموضوع ما زال يناوشني فأنا أعتقد أن يوم الاثنين 5 حزيران (يونيو) 1967 ما زال حياً بداخلنا اكثر بكثير من يوم السبت 6 تشرين الأول (أكتوبر) 1973.

> بعضهم يرى أن كل ما كتب عن حرب 1973 ليس على مستوى الحدث؟

- بعد مرور عام واحد على تلك الحرب رصدت دار نشر لبنانية مئة نص أدبي عربي كتبت عنها. لكن كل من كتبوا هذه النصوص كانوا يجرون وراء عناوين براقة ويرددون أشياء غير حقيقية. المشكلة تتمثل في أننا نخلط بين الأدب والإعلام. هم يريدون إعلاماً يمجد ما جرى. أنا شخصياً أرى أن هذه الحرب صنعها فقراء المصريين وحوّلها الأغنياء إلى مشاريع استثمارية ولهذا استهليت رواية «أطلال النهار» بعبارة تقول : «يا خوفي من يوم النصر ترجع سينا وتضيع مصر». ما جرى لن يُكتب في شكل صادق وحقيقي إلا بعد أن يختفي من على المسرح كل من شاركوا فيه.

> لديك شغف خاص باستدعاء الكثير من المقولات والأمثال الشعبية، فضلاً عن المفردات والتراكيب اللغوية الخاصة، كيف ترى العلاقة بين لغة الكتابة ولغة الحياة اليومية؟

- أبطالي أميون، بالتالي لا أستطيع أن أجعلهم ينطقون بالفصحى. أنا ابن الحلم القومي العربي، وهذا قد يعني لدى البعض أن أعادي العامية لأنها ضد وحدة الوجدان العربي. اللغة يجب أن تكون قريبة من الشخص الذي ينطقها، وأنا ضد أن أذهب إلى التراث كي استحضر مفردات لأستخدمها في الكتابة.

> دائماً ما تصرح بأن جيل الستينات الذي تنتمي إليه هو جيل مظلوم؟

- كانت الساحة الأدبية في مصر الستينات تزخر بأسماء كبيرة، ولكن جيلنا هو الذي تصدى لمهمة التعبير الأدبي وتمثيل الثقافة المصرية، ومع ذلك ظل الخطاب النقدي يصفنا حتى وقت قريب بـ «الأدباء الشبان»، مع العلم أن بعضنا تخطى سبعين سنة من عمره.

> في أوقات كثيرة تقتل ممارسة الصحافة الإبداع أو على الأقل تعطله كيف تعاملت مع هذه الإشكالية؟

- غير صحيح تماماً. مهنة الصحافة من أفضل المهن للأديب عموماً والروائي تحديداً. هناك مقولة جميلة كان ماركيز يرددها نقلاً عن هامنغواي : «تناسب الصحافة الروائي تماماً بشرط أن يعرف الوقت الذي يعتزلها فيه». وعلى المستوى الشخصي عملي بالصحافة أفادني كثيراً كأديب، ويكفي انه رفع القداسة عن الأدب.

> كيف تتعاطى مع فكرة المجايلة في الأدب؟

- أنا ضد هذه الفكرة تماماً واعتبرها من أكثر الأفكار غموضاً.

> لماذا؟

- لأنها تقع في منتصف المسافة بين علم اجتماع الأدب والنقد الأدبي. من الصعب تحديد أين يبدأ الجيل وأين ينتهي. نجيب محفوظ نشر عمله الروائي الأول عام 1934 فهل يعتبر من جيل الثلاثينات؟ طبعاً لا، لأن نضجه الحقيقى كان أواخر الأربعينات، وإنتاجه الذهبي من وجهة نظره هو شخصياً ينحصر في الفترة من 1959 حتى 1969 وهذا يعني أنه من جيل الستينات. الجيل عصر بأكمله وفكرة الأجيال تحتاج إلى تنظير حقيقي يقوم به علماء فى الاجتماع والسياسة والنقد الأدبي.

> هل ترى انك ظلمت نقدياً؟

- معظم النقاد يكتفون بقراءة الصفحات الأولى من النص الذي يتصدون للكتابة عنه. المعاصرة لعنة. المبدع عندما يعاصر نقاده فإما أن يكون في القمة وإما أن يكون منبوذاً. أنا أعتقد أن إنتاجي الأدبي لم يقرأ في شكل جيد حتى الآن.

> بعضهم يأخذ على كتاباتك أنها مسكونة بالمقولات الكبرى؟

- المقولات الكبرى يمكنني كتابتها في مقالاتي الصحافية. أما الكتابة الروائية فأحرص على أن تحمل قدراً من المغامرة الفنية وان تتجاوز ما كتب قبلها. الكُتّاب في العالم نوعان. نوع يكتب للنخبة وآخر يكتب للعامة، وأنا أزعم انني من الصنف الأخير. لست من هؤلاء الذين يكتبون وعينهم على النخبة حتى تقرأ وتمتدح ولست من النوع الذي يرسم لنفسه صورة ويسعى عبر كتاباته أن يصدرها للناس وأن يختفي خلفها.

> على ذكر النخبة، هل تتفق مع الرأي القائل بأن إبداع الكاتب وحده لا يكفي وأنه يحتاج إلى قوى اجتماعية ترفعه؟

- نعم، إن كان المقصود بالقوى الاجتماعية النخبة، فالكتابة لم تعد هي الجوهر في أن يصل النص إلى الناس أو لا يصل، في أن يؤثر أو لا يؤثر. هناك أشياء كثيرة قلبت الموازين كافة. لقد ظللت طوال مسيرتي مع الكتابة أراهن على القراء. أما الآن وبعد أن تسرب هؤلاء القراء، على من أراهن؟ وما هي الجهة التي أتوجه إليها بكتاباتي.

> بعض النصوص الذي قدمته تحول إلى أعمال سينمائية وتلفزيونية، ما الذي يمكن أن يضيفه هذا الأمر للأديب؟

- بالنسبة لي الإضافة أساسية، فتحويل النص الأدبي إلى عمل سينمائي أو تلفزيوني يساهم في إيصال أعمالي إلى من لا يستطيعون القراءة.

> تستمد رواية السيرة الذاتية أهميتها من فعل البوح، هل فكرت في كتابة سيرتك؟

- أنا ضد نصف الكتابة، نصف البوح، نصف الحقيقة. وإذا أنني قررت كتابة سيرتي الذاتية فسأسميها «كتابات الدرج المغلق»، وسأتركها لتنشر بعد رحيلي.

> كيف ترى واقع الكتابة الأدبية في مصر؟

- كثير من الكتابات الآن لا يعنيها الشكل الفني كما لا تعنيها فكرة البقاء أو الخلود ولا حتى فكرة التأثير. كل هذا لا أريد أن احكم عليه، لكني أستطيع القول إن الكتابة في مصر الآن تمر بمرحلة مخاض قد يخرج منه شيء جديد وقد لا يخرج. الثوابت القديمة في الكتابة لم تعد صالحة للاستمرار والجديد لم يعبر عن نفسه في شكل جيد. المسرح الآن يتنازعه طرفان، أجيال قديمة لا تريد أن تغادر وتصر على البقاء وعدم الانصراف وأجيال جديدة ليست لديها الشجاعة كي تخرج لتعبر عن نفسها. هناك حالة سيولة في الواقع الثقافي المصري. إنها حالة فوضى غير خلاقة.

> وما هو تقويمك للمشهد الروائي العربي؟

- الرواية هي اكثر فنون الكتابة العربية نشراً. هذه حقيقة لا يجادل فيها أحد. علماء اجتماع الأدب يقولون إن الرواية تزدهر عند مراحل الاستقرار الاجتماعي وانه في مراحل التغييرات الاجتماعية يحدث العكس. لكن ما حدث انه ومنذ منتصف السبعينات وعلى رغم حالة الفوران الاجتماعي غير المسبوق فقد ازدهرت الرواية.

> وماذا عن آخر مشاريعك الأدبية؟

- كتاب يحمل عنوان «متحف البراءة»، أقدم فيه آخر صورة تذكارية للقرية المصرية في السنوات الأخيرة. القرية التي كتبت وصيتها ورحلت عنا من دون أن ننتبه لتحل محلها قرية أخرى تحمل قدراً كبيراً من البشاعة. هذا إلى جانب رواية سأنشرها قريباً عنوانها «المجهول».
08-10-2010, 08:29 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS