فقه المؤامرة فى مسألة حسنى واليونسكو
بقلم د.سعدالدين إبراهيم ٢٦/ ٩/ ٢٠٠٩ ( المصري اليوم ).
قالت مصر الرسمية: «نجح التحالف الأوروبى الأمريكى مع اللوبى اليهودى فى هزيمة المُرشح المصرى لمنصب مدير عام اليونسكو، فاروق حسنى وزير الثقافة، وخسر حسنى أمام مُنافسته البلغارية إيرينا بوكوفا. ووصف محمد سلماوى رئيس اتحاد الكُتاب النتيجة بأنها تطور خطير فى تاريخ اليونسكو»، مُعتبراً ما حدث «تسييساً» للمنظمة التى من المُفترض أن تعلو فوق الخلافات السياسية، وتعمل على نشر الثقافة بين الحضارات.
وليس أسوأ من إخفاق المُرشح المصرى إلا مُحاولة تضليل الرأى العام، بالإيحاء له بأن ثمة مؤامرة عالمية أوروبية أمريكية إسرائيلية ضد مصر والعرب والمسلمين. والذين يُروجون لفقه المؤامرة، هم الأخطر على مصر فى الأجل الطويل.
هناك فشل مصرى؟ نعم، وتشهد عليه النتيجة.. وإذا كان هناك من عزاء، فهو «فشل مُشرّف»، حيث إن المُرشح المصرى حاز ٢٧ صوتاً، وخسر بفارق ٤ أصوات فقط، حيث فازت المُرشحة البلغارية بـ٣١ صوتاً. وتقول إنها خسارة مُشرّفة، مُقارنة بخسارتها نفس المنصب منذ عدة سنوات أمام المُرشح اليابانى بفارق عشرين صوتاً.
كذلك هى خسارة مُشرفة مُقارنة بخسارتنا فى مُسابقة استضافة مباريات كأس العالم فى كرة القدم (المونديال)، وحيث لم نحصل على أى صوت بالمرة، وهو ما عُرف وقتها بـ«صفر المونديال».
وفى أى مُنافسات محلية، أو قومية، أو دولية هناك دائماً «رابحون» و«خاسرون»، كما فى الرياضة حينما يفوز نادى الزمالك مثلاً على النادى الأهلى، فإن أنصار الأهلى بالقطع يحزنون. ومن حقهم حتى أن يكونوا غاضبين، ولكن لو أرجع الأهلاوية هزيمة ناديهم لمؤامرة داخلية أو خارجية، فإن العُقلاء سيتهكمون عليهم، ويصفونهم بالسفاهة أو البلاهة!
لذلك استغربت أن يسقط رئيس اتحاد الكُتاب، الصديق محمد سلماوى فى متاهة «فقه المؤامرة». إن هذا الفقه اللعين هو الشمّاعة الدائمة للفشل والفاشلين. فهو هروب من المسؤولية الذاتية للفرد الفاشل، وهروب من المسؤولية القومية لسياسة «الدولة الفاشلة».
فالعالم لا يستهدف مصر المجتمع، أو مصر الحضارة أو مصر الثقافة، وإلا ما أتى إليها سنوياً حوالى عشرة ملايين سائح أغلبيتهم العُظمى من أوروبا وأمريكا، أى من نفس الأطراف التى يتهمها محمد سلماوى (مُدير حملة الوزير فاروق حسنى) بالتآمر على المُرشح المصرى.
كذلك إذا كان العالم ضد العرب أو المسلمين، فكيف انتخب نفس هذا العالم أفريقياً سنغالياً مسلماً مُديراً عاماً لليونسكو، وهو أحمد مختار أمبو، قبل عشرين عاماً؟. وكيف انتخب المجتمع الدولى المصرى المسلم محمد البرادعى لقيادة المفوضية الدولية للطاقة النووية؟. هذا فضلاً عن انتخاب المصرى بطرس بطرس غالى أميناً عاماً لمنظمة الأمم المتحدة، وفضلاً عن منح مصريين أفذاذ جوائز عالمية مثل نوبل، التى حصل عليها نجيب محفوظ وأحمد زويل ومحمد البرادعى.
إذن مسألة استهداف مصر وفقه المؤامرة ينطبق عليها المثل الشعبى المصرى الطفولى «حجة البليد مسح السبورة».
ثم كم مصرياً سمعوا عن بلغاريا، التى نجحت مُرشحتها من قبل؟
ثم لماذا تتآمر إسرائيل على مصر، التى وقّعت حكومتها معها مُعاهدة سلام قبل ثلاثين سنة، ويتردد مسؤولوها على المقر الرئاسى فى شرم الشيخ طوال السنة؟
وبنفس المنطق نسأل: لماذا ستشارك أمريكا فى المؤامرة المزعومة على مصر، بينما زارها الرئيس أوباما منذ شهور، وألقى من منبر جامعتها فى القاهرة أهم خطاب وجهه إلى العالم الإسلامى كله؟ أولم يُشبعنا الإعلام الرسمى الحكومى طبلاً وزمراً، وقتها، حول إدراك أمريكا لأهمية مصر؟ ثم ألم يزر الرئيس المصرى، بدوره، العاصمة الأمريكية منذ ثلاثة شهور، ويُشيد «بالعلاقة الاستراتيجية» بين البلدين؟
ثم لماذا تستمر أمريكا فى مُساعدة مصر اقتصادياً، بمليارى دولار سنوياً، ثم تتآمر عليها ثقافياً فى انتخابات مدير عام اليونسكو؟ ثم كيف علم الأخ محمد سلماوى مَن مِن الدول صوّت للبلغارية إيرينا بوكوفا ضد المصرى فاروق حسنى، بينما كان التصويت سرياً؟
إن مواقف معظم الدول فى هذا الأمر تكون معروفة مُقدماً إما لأنها تعلن عنها فعلاً، أو بسبب المصالح والارتباطات الأدبية. فكما أن مُمثلى الدول العربية والأفريقية صوتوا لفاروق حسنى، لأنه مصرى، فكذلك فعل مُمثلو الدول الأوروبية، تضامناً مع المُرشحة البلغارية، التى تتمتع بلدها بلغاريا بعضوية الاتحاد الأوروبى (٢٥ دولة).
لقد برّر الإعلام الرسمى إخفاق المُرشح المصرى (إسماعيل سراج الدين) فى انتخابات اليونسكو السابقة، بأن بلد مُنافسه اليابانى وعد بمنح مُساعدات سخية لمن احتاج لأصوات بلدانهم فى تلك الانتخابات. أى أن هذا الإعلام يُمعن فى تضليل الرأى العام المصرى بنظرية المؤامرة حيناً والرشوة حيناً آخر، وكأننا نتحدث، كما قال أحد قُراء «المصرى اليوم»، عن انتخابات يخوضها الحزب الوطنى فى البحيرة!
ماذا فعل الوزير؟
ويقول قارئ آخر، بمستوى وعى يبدو أعلى من ذلك الذى عبّر عنه محمد سلماوى والسفيرة المصرية فى اليونسكو، شادية قناوى ماذا فعل الوزير فاروق حسنى عالمياً لكى ينتخبوه؟ وما هى أسباب اختيار السيدة الأخرى (إيرينا بوكوفا)؟ الحديث الدائم عن نظريات المؤامرة أصاب العرب جميعاً بالهوس... فالكل مُتآمر علينا من وجهة نظرنا، دائماً تفكيرنا أحادى الجانب، ونرفض الاستماع لوجهات النظر الأخرى حتى لو كانت صحيحة... فقد يكون السبب فى عدم اختيار سيادة الوزير هو تدنى مستوى الثقافة والتعليم والإنجاز العلمى فى مصر.
وهذا ما نشعر به نحن، وما يرونه هم عنا... إن الاعتراف بالحق فضيلة... ويجب احترام قرارات الآخرين، والكف عن حديث الطبخات والتزوير... والوقوف أمام هذا الموضوع وقفة حاسمة... فالكلام عن المؤامرات والتسييس هو كلام فارغ ولا يليق... فهؤلاء الناس ليسوا مُزورين، ويتمتعون بالعقلانية وحسن اتخاذ القرار، وإلا لما تقدموا هم، وتخلفنا نحن!
وقد وقفت أمام تعليق هذا القارئ طويلاً، وتساءلت معه: ماذا فعلت المُرشحة البلغارية لبلدها وماذا فعل المُشرح المصرى لبلده؟
ومما أوردته وسائل الإعلام العالمية أن السيدة إيرينا بوكوفا، كانت ضمن القيادات الشبابية التى انخرطت فى حركة مقاومة الحكم الشيوعى الشمولى فى بلغاريا، حتى سقط فى نهاية ثمانينيات القرن الماضى. وضمن ذلك تضامنها مع دُعاة الحُرية وسجناء الرأى والضمير.
فهل فعل فاروق حسنى أشياء، أو حتى شيئاً واحداً، من هذا القبيل، قبل أن يكون وزيراً للثقافة، أو حتى بعد أن أصبح وزيراً؟ هل وقف مثلاً مُتضامناً مع أى مُثقف مرموق تعرض للمطاردة أو الاضطهاد أو السجن؟ وأذكر على سبيل المثال لا الحصر قضايا د. نصر حامد أبوزيد، ود. أيمن نور، ود. نوال السعداوى.. وقد حدث لهم ما حدث أثناء شغله لكرسى الوزارة خلال العقدين الأخيرين.
أين هذا، مثلاً، من موقف د. أحمد لطفى السيد (باشا) رئيس جامعة القاهرة (فؤاد الأول سابقاً) حينما تعرض د. طه حسين للاضطهاد بسبب كتابه عن الشعر الجاهلى. فقد وضع أحمد لطفى السيد استقالته على مكتب رئيس الوزراء، إذا لم تتراجع الحكومة عن قرارها بمحاكمته بسبب آرائه واجتهاداته.. وبالفعل تراجعت الحكومة.. وبعدها بعشرين سنة، أصبح طه حسين نفسه وزيراً للمعارف (التربية والثقافة اليوم).
والله أعلم
.....................................
هذا المقال ينحو إلى نفس الرأي الذي سبق أن أبديته .