بدات رحلتي الى مع مجموعة من طلابي الى جنيف بسويسرا الواقعة على الحدود مع فرنسا بهدف زيارة مركز الابحاث النووية الاوروبي CERN حسب الاختصار عن الاسم الفرنسي, الذي بدا بالتخلي تدريجيا عن اسمه القديم الذي لازمه لاكثر من 55 عاما لياخذ اسما اكثر واقعية و قربا لطبيعة عمله كمركزتعجيل الجسيمات الاولية اي التحت نووية subnuclear.
حقيقة كان حلما لدي لزيارة هذه القلعة العلمية منذ بدات بدراسة مقرر "الجسيمات الاولية" في الجامعة, حيث كان استاذ المادة -طالبا سابقا- للبروفسور عبد السلام الحائز على جائزة نوبل للفيزياء 1979، الذي منحت له جائزة نوبل بالاشتراك مع غيره على نظريته التي أظهرت وجود تفاعلات معينة بين الجسميات الأولية. فمثلا.. ما يسمى بالقوى الضعيفة التي تدفع كل نيترون في النهاية إلى أن ينحل إلى بروتون وإلكترون، يمكن اعتبارها كجزء من القوى الإلكترومغنطسية المعروفة والتي تعمل بين كل الجسميات المشحونة. وقد فتحت النظرية بذلك الطريق إلى ثورة عظمى في فيزياء الكَم Quantum Physics , كان استاذي هذا يتحدث عن CERN حيث زار استاذه لاستكمال احد الابحاث كانه يتحدث عن حبيبة, الامر الذي وصلت عدوته الينا كطلاب, و لكن فقط كحلم من تلك الحلام التي تعيش في عالم المستحيل.
في لحظة من اجمل اللحظات تحقق الحلم القديم الجديد منذ ان جاءت الموافقة من CERN و تحديد موعد الزيارة في نهاية شهر سبتمبر ~ايلول 2009 .
توقف بنا الباص رقم 56 القادم من جنيف في محطته الاخيرة امام مبنى الاستقبال رقم 33 في CERN, و في لحظة تفصل الواقع عن الخيال تقدمت الى الموظفة معرفا عن المجموعة لياتي احد الباحثين في المركزلمرافقتنا في رحلتنا داخل اروقة مركز الابحاث, و ساعمل على استعراض ما تلقيناه من معلومات هامة و مفيدة بصورة مبسطة.
صورة غرفة التحكم و تتسع ل 500 باحثا
صورة للمعجل الاكبر في العالم
يبلغ عدد الباحثين في CERN حوالي 2000 باحثا للاسف 6 فقط منهم من دولة عربية واحدة فقط~ المغرب~ بينما هولندا مثلا رغم صغرها منها 136 باحثا,.
زادت شهرة CERN منذ العام الماضي بسبب بدء تشغيل ما يعرف بال LHC مصادم الهيدرونات الضخم, و تخوف البعض من هذه التجارب - من انتاج ثقوب سوداء قادرة على ابتلاع الارض- الغير مبن على قاعدة علمية, وزاد التخوف بعد فشل بدء التشغيل الذي كان مقررا في اكتوبر تشرين الاول من العام الماضي بعد انفجار اجزاء من المعجل عند العمل على تجريبها قبل وصلها داخل المنظومة, مما تتطلب وقتا لبحث السبب و تنظيف القطع من الهليوم - المستخدم للوصول الى درجات حرارة منخفضة جدا, وقد تم الان هذا العمل و اصبح المعجل جاهزا للعمل الشهر القادم نوفمبر تشرين الثاني .
يبلغ طول محيط المعجل الدائري 27 كيلومترا -وهو اطول معجل في العالم- و يقع على عمق تحت الارض بحوالي 100 مترا في منطقة الحدود الفرنسية السويسرية, وقد ني المعجل في عام 1980 للعمل لى تصادم الالكترون البوزيترون وسمي انذاك LEP و الان تصادم بروتونين-من اتجاهين متضادين- معا.
الحقيقة قولي هنا ان التصادم بين بروتونين مجازا حيث ان الواقع هو شعاع من البروتونات مكون من 3000 حزمة و كل حزمة مكونة من 100 مليار جسيم - بروتون- ولكن لا تحدث فرصة التصادم الا لحوالي 20 جسيما فقط في كل حزمة.
وتمر الجسيمات 30 مليون مرة حول المعجل في الثانية الواحدة, لذلك سوف يخلق في LHC حوالي 600 مليون تصادما في الثانية الواحدة.
الانجاز الاضخم لهذا المشروع هو الوصول لاول مرة الى 99.99997% من سرعة الوضوء-300000 km/s - و هو الامر الذي يحدث للمرة الاولى على سطح الكرة الارضية. وتبعا لمعادلة اينشتين لتحول المادة الى طاقة او العكس E=mc^2 فان طاقة هائلة متوقعة من هذا التصادم ستنتج جسيمات جديدة غير معروفة كتلك التي نتجت فورا بعد حدوث الانفجار الكوني, مما سيتيح للباحثين دراسة وضع الكون منذ بدء نشاته.
الانجاز الثاني المهم هو الوصول الى درجة حرارة منخفضة جدا K 1.9 اي سالب271 درجة مئوية لتصل قريبا من درجة الصفر المطلق 0 K , وذلك لبناء المغناطيسات الضخمة حول المعجل و التي وظيفتها التحكم في مسار حركة الجسيمات, وتحتاج هذه القوالب المعدنية الى تيار كهربائي شديد القوة لتعمل كمغناطيس قوي, لذلك تم بناء هذا النظام من مواد ذات موصلية فائقة superconducting materials تستطيع توصيل التيار دون مقاومة, ولنتصور اهمية هذه المادة يكفي ان نعرف انه لو كانت المغناطيسيات مصنوعة من مواد عادية لتوجب ان يكون طول المعجل 120 km بدلا من 27 km للحصول على نفس النتائج, و كذلك 40 ضعف استهلاك الكهرباء.
صورة لمغناطيس مستعمل في LHC
انواع الاسلاك الفائقة الموصلية
للموضوع بقية