جاري يا حمودة
كنت أقف على سطح منزلي عندما رأيت جاري "الختيار" يجلس على كرسيه في شرفة منزله (Balcony) واضعاً رجلاً على رجل ، غافياً تحت أشعة الشمس الهادئة ...
جاري لديه من العمر ما ينوف عن الـسبعين عاماً ، متوسط الطول ، أسمر البشرة ، أصلع الرأس ، بدين الجسم ...
غالباً ما أراه يعتمر القبعة (hat) كلما أراد الذهاب إلى السوق ليتمشى بين الناس ...
يعاني من تقلب المزاج ... يقترب من حالة اللا إستقرار النفسي .. فمرة تجده منزعجاً دون أذى ومرة تجده سعيداً دون ضجة ... وكل هذا دون معرفة سبب حقيقي لتقلب مزاجه بين ساعة وأخرى وبين يوم وآخر ...
ففي يوم قد يرد التحية بأفضل منها وفي غيره قد لا يرد التحية أبداً ويتجاهلك ...
وفي مرة يصفك بالبيك وفي غيرها قد لا يلتفت لهذا البيك "المفترض" من أصله ...
وكم من مرة استوقفني في وسط الشارع ليختبرني في الإعراب أو ليسألني ما هي الأسماء الخمسة أو رأيي في أمور لا يهم ما هو رأيي فيها أصلاً ...
يعيش حياة هادئة بين مزروعاته البسيطة في حديقة المنزل ...
وبين هذا وذاك كلما لمحته أرى كيف توقف الزمن عنده ... أرى تلك السكينة الغريبة التي يحياها رغم تقلب مزاجه .
ولكن في ذلك اليوم من على سطح منزلي ، رأيت كيف يقضي بقية أيامه في سكينة رهيبة أقرب إلى الصمت الرهيب ..
غريب ... كلما اقترب الإنسان من حافة عمره في الظروف العادية كلما ازدادت السكينة من حوله رغم صخب العالم ...
لقد كان ينشر السكينة من حوله في تلك الجلسة الهادئة على شرفة منزله وهو يغفو تحت أشعة الشمس الدافئة ...
لطالما ذكرتني تلك الصلعة السمراء اللامعة تحت أشعة الشمس بألواح الطاقة الشمسية ، التي توضع على أسطح المنازل منتظرة أشعتها في كل يوم جديد لتسخن الدماء في شرايين المخ ... أقصد الماء في أنابيب اللوح ..
وبينما هو يمضي بهدوء نحو نهاية العمر .. أمضي أنا بسرعة نحو نهايتي ...
وما أعظم الفرق بين النهايتين ...
توقفت قليلاً لأتأمله وأحسده على هذه السكينة وقلما أحسد أحداً على شيء ...
وحدها السكينة هي ما تستطيع أن تواجه بها الموت ولا شيء آخر ... لا المعرفة ولا العلم ولا العقيدة ولا شيء آخر ...
فكم من إنسان أقنع نفسه بعقائد معينة ليكتشف بحلول لحظة الموت أنه غير جاهز للمواجهة البتة ...
نعم لقد اكتشفت منذ زمن هذا الموضوع ، ولكن لم أستوعب بعد كيف أن المعرفة التي أعدها أهم شيء في حياة المتعضية التي تدعى (الإنسان) لا تنفع عند أهم حدث في حياته ألا وهو نهاية هذه الحياة ، وما ينفعه شيء آخر تماماً لا علاقة له بمعرفته أو علمه أو عقائده ..
.
.
.
وللحديث معكم بقية ...