بوعائشة
عضو رائد
    
المشاركات: 2,825
الانضمام: Sep 2002
|
تعاسة العرب المعاصرين
حافظ الشيخ صالح
الوطن العربي الحديث والمعاصر هو وطن جريح تثعب دماؤه من جروحه المزمنة من غير توقّف، تثعب في الليل والنهار، خفية وجهرة، في فصول العام الأربعة وفي كل المواسم، ويتحامل الانسان العربي المعاصر كثيراً كثيراً على نفسه حتى تلفت نظره وتسترعي انتباهه بارقة أمل خفيفة طفيفة في غياهب الأفق المعتم القاتم.
يلتحف الانسان العربي المعاصر بالأثقال في كلّ ليلة على أمل أنْ يصحو على فجر صادق ينثال منه النور وضياء النهضة المحبوسين، ولكنْ ما أنْ تنقضي الليلة الطويلة الليلاء حتى يكون المتكرّر الآتي فجراً كاذباً جديداً ينفطر من مرآه القلب بالحسرات، ويبطش في قساوة نادرة برأس الانسان العربي المعاصر، ويذكّره فقط بالاغريقيّ سيزيف الذي كلما هو حمل على ظهره العاري الصخرة الى رأس الجبل عادت هي فتدحرجتْ وهوت الى الحضيض، هكذا هو قدَرُ سيزيف المربوط به من المهد الى اللحد، ليست الصخرة تستقر ألبتة على أعالي الجبل، وليس ينفكّ مصير سيزيف معَلّقاً بها سرمداً وأبداً الى قيامة الساعة.
في بؤبؤ عين العربي المعاصر تتوالى أجيال من المفكّرين ومن نشطاء الاتجاهات الأيديولوجية، المتجانس منها وغير المتجانس، أجيال كثيرة منذ نصف القرن التاسع عشر تعاقبت في عيون الانسان العربي، ولكنّ الوطن العربي اليوم وفي الاستطرادات ليس هو مسرور ببقايا العلمانية المتعصبة والباطشة، علمانية ما بعد حملة نابليون على مصر، ولا هو أيضا بالحركات والجماعات الاسلامية الحديثة التي كانت قد شقّت دربها على عجلات وسكّة خطاب النهضة، إلا انها غدرتْ بالنهضة وبخطابها وبفكرها، وأظهرتْ غير قليل من الوجوه الظلامية، وتفاكير التكفير والتفسيق والاقصاء والنفي، وأفعال العنف والبطش.
يتراجع فكر النهضة ويضمحلّ ويتضاءل وتحلّ محله الثورة الاثنية المروعة تنفخ في المجتمعات العربية روح الكراهية وروح الحروب الأهلية.
اخبار الخليج
|
|
10-17-2009, 09:07 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
بوعائشة
عضو رائد
    
المشاركات: 2,825
الانضمام: Sep 2002
|
RE: تعاسة العرب المعاصرين
سقوط القضية فسقوط المفردة وسقوط المفردة فسقوط القضية
حافظ الشيخ صالح
حصل في الوطن العربي ضلال عظيم وحيرة هائلة وغرقٌ في الوحل عميقٌ، وزاغت الأبصار وانطمست البصائر، منذ أنْ تراجعتْ في الخطاب العربي مفردة "النهضة" وقضيتها المصيرية ذات الإلحاح الشديد الذي ليس يمكن تأجيله أو إرجاؤه، ومن غير اليسير، من غير استقصاء بليغ الدقّة، وضع الاصبع تماماً على تاريخ هذا التراجُع الكارثي في قضية النهضة ومفرداتها، ولكنْ ما أنْ حلّت حقبة السبعينيات من القرن الميلادي الماضي حتى بدأت تحتدم وتستحكم ما يقال لها "الصحوة الإسلامية"، وأمست هذه تناطح الأيديولوجيات العلمانية السالفة، وحدث منذئذ صخب عظيم يشق الأسماع واندلع نزاع شمل في هذه المرة جميع الوطن العربي، وقد كان النزاع من قبلُ محصوراً تقريباً في مصر وسورية الكبرى، وبالدرجة التالية العراق.
وصارت ساحات الوطن العربي في كل نواحيه ميادين مبارزة بالسيوف التي تقطر دماً من كل صوب بين العلمانوية المتراجعة والإسلاموية المتقدمة، واختلط كلّ حابل بكلّ نابل، وفشت المراءاة الرخيصة: مراءاة الجمهور والتزلف إليه، ومراءاة الجماعة بالطقوس والهيئات والملابس والمظاهر، والجميع يبحث له عن صنم أيديولوجي يتعبّده ويتقرّب إليه بالقرابين والنذور وفي الوقت نفسه يرائي عُبّاد الصنم وينافق أتباعه.
وكما لم تكن العلمانوية المتشدّدة أحسن في استطرادات الشوط من الإسلاموية المتعصّبة فكذلك أثبتت البراهين الآن أنّ هذه ليست أحسن ولا أحكم ولا أرحم من تلك، فهذه كلها أغصان وفروع من الشجرة السقيمة جدا نفسها، وهذا غصن علمانوي وهذا فرع أصفر إسلاموي، كلاهما يأتي من الجذع الواحد ومن الجذر الواحد المدفون في التراب.
في هذه المعمعة العابثة، العظيمة العبث، ضاعت في الوحل الوبيء قضية النهضة وقاموسها، وملأت سوق الأيديولوجيات المتذابحة قواميس جديدة كثيرة، جميعها خال خلوا شنيعاً من "النهضة" وجذورها واشتقاقاتها، وجميعها صامت صمت القبور عن هذه القضية التي من دونها يسترسل ويتواصل التخلف العربي الكئيب والرهيب ولا يقوم العرب على قدم.
ربما من الأجدر العودة بالذهن والذاكرة إلى فكر المفكرين الرواد العرب ما بين سقوط الدولة العثمانية واندلاع الحرب العالمية الثانية، فيومئذ كانت قضية النهضة ليست تغيب عن بال.
اخبار الخليج
|
|
10-23-2009, 01:24 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
بوعائشة
عضو رائد
    
المشاركات: 2,825
الانضمام: Sep 2002
|
RE: تعاسة العرب المعاصرين
مسئوليات مصر القومية والتذرّع بحال مصر
حافظ الشيخ صالح
لا منازع ألبتة في أنّ مصر هي قائدة العرب في العصر الحديث، في الأقلّ منذ القرن الثامن عشر، وهي أعرقهم تاريخاً وأغزرهم سُكّاناً وأوفرهم في مقومات القيادة وأكثرهم من حيث حضور شروط القيادة والنهضة، ولقد حاولت منذ ستينيات القرن الميلادي الماضي غير دولة عربية أن تقتنص خلسة وجهاراً من مصر موقعها، ولكنّ المحاولات الصبيانية كانت عابثة وكانت عديمة الجدوى، حتى ومصر منكسرة تحت وطأة هزيمة صيف 1967، حتى ومصر واقعة بعد برهة تحت سطوة الإمبريالية الأمريكية والانقلاب الداخلي الرأسمالي وشبه الإقطاعي الجديد.
منذ الثورة الخمينية ومن فاتحة الثمانينيات جاء الدور على إيران لتنازع هي الأخرى مصر في ردائها القيادي في الوطن العربي، وعلى الرغم من افتتان بعض العرب بثورة الخميني، وبدولة الخميني، فإن حصيلة إيران من هذه المحاولات هي المضحكة، كانت ولاتزال في الغالب الأعم علقماً وحصرماً وقبض الريح، وما تزعزع ألبتة دور مصر وإنْ كان هو شاغراً حتى الآن قد غابت عنه مصر وأهملته.
لا إحصاء ممكناً لمسئوليات مصر القومية، التي هي معطّلة الآن وفي الوقت الراهن، ومن البديهي أنه من غير قيامة مصر فلا تقوم للأمة العربية قائمة، لولا أنّ هذه البديهية المسلّم بها يتخذها الآن عرب كثيرون في غير مصر ذريعة للكسل والنكوص عن العمل والاستنكاف عن فعل النهضة في اقطارهم، فهُم هاجعون مستلقون، كل في قُطره وبلده، ينتظرون فقط قيامة مصر، وتحرر مصر، وعودة مصر إلى دورها القيادي، حتى إذا حصل هذا في يوم من أيام الغيب بادروا آنذاك، وفقط آنذاك، للصحو من رقدتهم والقيام من هجعتهم واحتمال مسئولياتهم، على الأقل في حدود أقطارهم وديارهم المفرَدة.
إنها ذريعة انتظار قيامة مصر ثم يكون الكل لها تبعاً، في يوم مجهول من أيام الغيوب المحجوبة، هكذا حذوك النعل بالنعل.
لا أحد يملك جرأة الجزم بأنّ مصر سوف تنهض من جديد غداً أو بعد عشرين سنة أو بعد خمسة عقود، فالحال معقدة شديدة التعقيد، خاصة في مصر وما يخصّ مصر، ولكنّ هذه الحال ليست ذريعة ألبتة لانحطاط الأقطار العربية الأخرى ورداءتها وتردّيها وانهياراتها.
اخبار الخليج
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 10-27-2009, 04:32 PM بواسطة بوعائشة.)
|
|
10-27-2009, 04:31 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
بوعائشة
عضو رائد
    
المشاركات: 2,825
الانضمام: Sep 2002
|
RE: تعاسة العرب المعاصرين
لبنان: قوّتان قبليّتان عربيتان وقوّة كهنوتية أعجميّة
حافظ الشيخ صالح
في غياب مصر الكبرى والقائدة عن ساحة لبنان منذ وفاة جمال عبدالناصر، أو ربما بالتدريج منذ نكبة 1967، غدا لبنان الآن تتنازعه قوتان عربيتان ذواتا جذور قبليّة رجعية، وذواتا مكيّفات في الجوهر قبليّة، وذواتا غربة مُوحشة عن الـمُدُن وأهل الـمُدُن وروح الـمُدُن، تستلهمان سلوكهما من ضمير رديء جعلهما ذات يوم تناصران بالمال والعدة والعتاد أفواج "كتائب"، بيير الجْميّل وابنيه، تلكم "الكتائب" المتحالفة بدورها على نحو حميم آنذاك مع العدو الصهيوني، فكلتا القوتين هاتين نشاز في بيروت، مدينة الإلهام والاستلهام، وإيقاع بليغ الكآبة على أهل القُطْر اللبناني المتباهي بوفرته الفكرية وتنوّعه وحرياته.
كلما أتى عقد الثمانينيات، وفي ملفع تحرير الجنوب من الاحتلال الصهيوني، كانت من بعيد، ثم من قريب، قوّة كهنوتية أعجمية، ظافرة لتوّها وظاهرة، تجرب خطواتها الأولى على أرض لبنان، بحثاً عن المكانة وعن النفوذ، فكأنما لبنان الجريح باستمرار لا تكفيه عدوانات الدولة الصهيونية، وليست تكفيه صراعات القوتين العربيتين القبليتَين على أرضه، وبدماء أبنائه وعلى أشلائهم الطاهرة، حتى تُقحم القوة الأعجمية الكهنوتية نفسها أيضاً في شأن لبنان الداخلي ممعنة في تجاوزاتها وفي جرمها المتكرّر المشهود.
بعد برهة، أيضاً في العقد الثمانيني، سوف تجدُ إحدى القوّتين العربيتين القبليتين حليفاً لها جاهزاً جدا في القوة الكهنوتية الأعجمية الجديدة البازغة، وسيقوم بينهما الحلف متيناً مكيناً، في ذريعة مواجهة الكيان الصهيوني، ولكن أيضاً وعمليا من أجل منازلة القوة العربية القبلية الأخرى.
أزمات لبنان سوف تطول وتسترسل الى أن ينحسر عنه ذات يوم من أيام الغيب النفوذ الصهيوني، والاقتحامات القبلية العربية الرجعية، والاقتحام الكهنوتي الأعجمي، ويومئذ يستعيد اللبنانيون استقلالهم وسيادتهم على أرضهم ومشيئتهم الوطنية ومستقبل أجيالهم الطالعة، هذه العناصر المحروم منها اللبنانيون مرحلة بعد مرحلة، وحُقبة من بعد حُقبة، من لدُن الامبراطورية التركية.
اخبار الخليج
|
|
10-29-2009, 04:15 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
بوعائشة
عضو رائد
    
المشاركات: 2,825
الانضمام: Sep 2002
|
RE: تعاسة العرب المعاصرين
السهل الآن المستحيل أبداً
حافظ الشيخ صالح
مطوّقة جدا بالامبريالية الإقليمية الصهيونية، وبالامبريالية الأمريكية، مخنوقة جدا في قبضة هاتين اليدين، وفي الوقت نفسه مستمرئة في اللحظة الراهنة استكانة الشعوب العربية، فإنّ أنظمة الأمر الراهن في البلاد العربية تستسهل كشربة ماء هنيء تجريع الشعب العربي، قطرة قطرة، التطبيع مع الكيان الصهيوني والتعامل والتعاون معه، تحت السطوح وعلى السطح، مؤمّلة أنْ يصبح هذا الوضع عاديا في العيون، لحركة الشمس في النهار وتقلبات القمر في الليل، من هلالٍ إلى عرجون قديم، وأن يغدو هذا الوضع المأمول مقبولاً في القلوب وفي الضمائر والوجدان، ليس تنطلق ضده المظاهرات ولا تحصل مع البوليس المصادمات ولا تُكتب ضده العرائض ولا يعزف عنه ويزهد فيه الجمهور، وإنما فقط السكون والسكوت.
مع الوضع العربي الراهن، المنهزم والمنحطم، يجوز لهذه الأنظمة الهزيلة إيجاد شيء من التفاؤل لأنفسها في إنجاز هذا الغرض وتحقيق هذه الغاية والحصول على هذا المأرب، فالشعب العربي يرسف في أغلال فقره، ومأسور في الديون، وعصا القمع فوق رأسه، يطاردونه في الليل والنهار، وهو لذلك في الوهلة الأولى مستعد لنسيان فلسطين وغضّ الطرف عن عدوانات الامبريالية الصهيونية، وهو مهيأ نفسيا ومزاجيا وروحيا لأيّ شيء توحيه إليه الأنظمة وتُنزله عليه من سماواتها العُلى، وعلى ذلك كشربة ماء هنيئة مريئة يرتشف فكرة أو مشروع التعايش أو العيش المشترك مع الكيان الصهيوني.
هذا في المدى المباشر وفي المدى القريب، فلهذه الأنظمة البائسة المؤيدة من الصهاينة والأمريكان أن تستغرق جدا في كأس تفاؤلها وتعبّ منه إلى ما بعد الثمالة والترنح، فهي قد غلبت الشعوب قسراً وقهراً و"بالتي هي أحسن"، إلا انه على المدى المتوسط، أو البعيد، لن تلامس قطرة من حبّ الدولة الصهيونية شغاف قلب إنسان عربي، ولن يضع شفتيه على حافة هذه الكأس المسمومة، وهو قد يقبل في كراهية أيّ شيء باستثناء أنْ يعيش عيشاً مشتركاً مع الدولة الصهيونية، فهذه خارجة على التاريخ، ومن التاريخ، ومصيرها التصفية النهائية الجازمة على أيدي أجيال جميلة، بالغة الجمال، لاتزال تندفع من الغيب، ولكنْ لا تحتمل أن تتخيلها المخيّلات البائسة الفقيرة لهذه الأنظمة البائسة المفلسة.
اخبار الخليج
|
|
10-30-2009, 09:24 AM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}