حدثت التحذيرات التالية:
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(958) : eval()'d code 24 errorHandler->error_callback
/global.php 958 eval
/showthread.php 28 require_once
Warning [2] Undefined variable $unreadreports - Line: 25 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 25 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/showthread.php 28 require_once
Warning [2] Undefined variable $board_messages - Line: 28 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 28 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/showthread.php 28 require_once
Warning [2] Undefined property: MyLanguage::$bottomlinks_returncontent - Line: 6 - File: global.php(1070) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(1070) : eval()'d code 6 errorHandler->error_callback
/global.php 1070 eval
/showthread.php 28 require_once
Warning [2] Undefined variable $jumpsel - Line: 5 - File: inc/functions.php(3442) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/functions.php(3442) : eval()'d code 5 errorHandler->error_callback
/inc/functions.php 3442 eval
/showthread.php 673 build_forum_jump
Warning [2] Trying to access array offset on value of type null - Line: 5 - File: inc/functions.php(3442) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/functions.php(3442) : eval()'d code 5 errorHandler->error_callback
/inc/functions.php 3442 eval
/showthread.php 673 build_forum_jump
Warning [2] Undefined property: MyLanguage::$forumjump_select - Line: 5 - File: inc/functions.php(3442) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/functions.php(3442) : eval()'d code 5 errorHandler->error_callback
/inc/functions.php 3442 eval
/showthread.php 673 build_forum_jump
Warning [2] Undefined variable $avatar_width_height - Line: 2 - File: inc/functions_post.php(344) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/functions_post.php(344) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/inc/functions_post.php 344 eval
/showthread.php 1121 build_postbit
Warning [2] Undefined array key "tyl_unumrcvtyls" - Line: 601 - File: inc/plugins/thankyoulike.php PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/plugins/thankyoulike.php 601 errorHandler->error_callback
/inc/class_plugins.php 142 thankyoulike_postbit
/inc/functions_post.php 898 pluginSystem->run_hooks
/showthread.php 1121 build_postbit
Warning [2] Undefined array key "tyl_unumptyls" - Line: 601 - File: inc/plugins/thankyoulike.php PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/plugins/thankyoulike.php 601 errorHandler->error_callback
/inc/class_plugins.php 142 thankyoulike_postbit
/inc/functions_post.php 898 pluginSystem->run_hooks
/showthread.php 1121 build_postbit
Warning [2] Undefined array key "tyl_unumtyls" - Line: 602 - File: inc/plugins/thankyoulike.php PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/plugins/thankyoulike.php 602 errorHandler->error_callback
/inc/class_plugins.php 142 thankyoulike_postbit
/inc/functions_post.php 898 pluginSystem->run_hooks
/showthread.php 1121 build_postbit
Warning [2] Undefined array key "posttime" - Line: 33 - File: inc/functions_post.php(947) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/functions_post.php(947) : eval()'d code 33 errorHandler->error_callback
/inc/functions_post.php 947 eval
/showthread.php 1121 build_postbit
Warning [2] Undefined variable $lastposttime - Line: 9 - File: showthread.php(1224) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/showthread.php(1224) : eval()'d code 9 errorHandler->error_callback
/showthread.php 1224 eval
Warning [2] Undefined variable $lastposttime - Line: 9 - File: showthread.php(1224) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/showthread.php(1224) : eval()'d code 9 errorHandler->error_callback
/showthread.php 1224 eval
Warning [2] Undefined variable $lastposttime - Line: 9 - File: showthread.php(1224) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/showthread.php(1224) : eval()'d code 9 errorHandler->error_callback
/showthread.php 1224 eval
Warning [2] Undefined variable $lastposttime - Line: 9 - File: showthread.php(1224) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/showthread.php(1224) : eval()'d code 9 errorHandler->error_callback
/showthread.php 1224 eval
Warning [2] Undefined variable $lastposttime - Line: 9 - File: showthread.php(1224) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/showthread.php(1224) : eval()'d code 9 errorHandler->error_callback
/showthread.php 1224 eval





{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
مع المفكر الصادق النيهوم ( 6 )
أبو النور غير متصل
عضو مشارك
**

المشاركات: 36
الانضمام: Oct 2009
مشاركة: #1
مع المفكر الصادق النيهوم ( 6 )
السادة الكرام
تحية طيبة , و بعد
إليكم نص المقال السادس للمفكر الفقيد الصادق النيهوم , و يقول فيه :

وجه الشبه بين النحلة , و الأنسان , أن كليهما يعيش في مجتمع , يحتاج أن يخاطبه , لكن النحلة الحكيمة لا تتكلم , بل ترقص . و عن طريق هذا الرقص , و اختلاف إيقاعه , و مكانه من مسقط شعاع الشمس , تستطيع النحلة أن (( تقول )) لبقية النحل , أين وجدت الزهور , و مسافة الطريق إليها , و الأنواع المتوافرة منها , و كمياتها , و مقدار نموها . أكثر من ذلك , لا تستطيع النحلة أن تقول شيئا ؛ لأنها أصلا , لا تملك شيئا لآخر تقوله .

فلغة الرقص مقيدة بقاموس محدد جدا , لأن حاجات النحل نفسه محدودة من أساسها . و إذا خطر لنحلة ما , أن تخرج على هذا القاموس , و تورط نفسها في رقصة مؤداها - مثلا - أنها نحلة مثقفة , تطالب بحرية النحل , فإن جمهورها قد يستمتع بالرقصة كثيرا , لكنه لا يستطيع أن يفهمها لأنه جمهور محصن غريزيا , ضد فكرة الحرية بالذات . في لغة الكلام , تنفتح ثغرة طارئة في جدار هذا الحصن .

فالأنسان يقف عاري الصدر , أمام حراب لغته المتطورة , إنه يفهم كل ما يقال له , و تدخل دماغه أفكار لا علاقة لها بحاجاته الحقيقية . و يستطيع أن يتداول كلمات مميتة جدا , مثل
(( الصنم الأله , و الشعب المختار , و البابا المعصوم من الخطأ , و تفوق الجنس الجرماني )) دون أن يعرف أنها مميتة , إلا بعد فوات الأوان .

من هذه الثغرة المفتوحة , تتسلل إلى لغات الأمم , مصطلحات خيالية محض , لا تعني شيئا في أرض الواقع , لأنها بديل (( سحري )) عن الواقع نفسه . و كلمة الثقافة العربية المعاصرة كلمة سحرية من هذا النوع .

إنها تسمية سياسية , مثل تسمية الوطن العربي جاءت من العدم , للتعويض عن واقع معدوم . فلا الوطن العربي , حقيقة إدارية , و لا الثقافة المعاصرة لها علاقة بجميع العرب . إننا نملك التسمية , لكننا لا نملك ما تعنيه في أرض الواقع . و هي محنة عقلية قاسية , لها جذور في عالم الطفل , الذي يستعيض عن ركوب الحصان , بركوب كرسي اسمه (( الحصان )) . إن كلمة الثقافة العربية المعاصرة , مصطلح طفولي إلى هذا الحد :

مصطلح يفترض سلفا , أننا نملك تراثا عربيا مشتركا . و الواقع أننا نملك أيضا تراثا عربيا غير مشترك , يقسمنا شرعيا إلى طوائف دينية لا حصر لها , منها الشيعة و السنة و الأباضية و العلوية و عشرات الطوائف الأخرى , التي لا يجمعها تراثنا الأسلامي . بقدر ما تفرق بينها مذاهب الفقه .

مصطلح يفترض , أننا نملك تاريخا عربيا مشتركا . و الواقع أننا عرب مقسمون بين خمسة تواريخ على الأقل . الأول : تاريخ ديني يبدأ من آدم و حواء . و الثاني : تاريخ طبيعي , لا يعترف بهذه البداية . و الثالث : تاريخ سني , يعتبر معاوية خليفة شرعيا . و الرابع : تاريخ شيعي , يعتبر معاوية , مجرد دجال . و الخامس : تاريخ حديث , يقسمنا حاليا إلى اثنين و عشرين دولة , كل دولة منها , لها تاريخ منفصل عن الأخرى , ببوابات حديدية , تحت حراسة رجال الحدود .

مصطلح يفترض , أننا نتكلم لغة واحدة , و الواقع أن ما نقوله فعلا , يختلف من دولة إلى أخرى , بقدر ما تختلف لغة عن لغة . فالذي يدعو مثلا إلى السلام مع اسرائيل , لا يفهم الذي يدعو إلى مواصلة الحرب ضدها , حتى إذا كانا يتكلمان لغة مشتركة .

مصطلح يفترض أننا عرب , يجمعنا مصير واحد , و هي فكرة عاطفية , لها علاقة بحب المواساة , و ليس بحب الواقع . و قد أثبت ظهور النفط , إلى أي مدى , تستطيع مصائرنا أن تختلف , رغم (( مصيرنا )) الخرافي المشترك , حتى أن مواطنا عربيا مفلسا و جائعا , و حافي القدمين , يستطيع أن يعيش على بعد مرمى حجر , من مواطن عربي آخر , يبذر ثروات لا تحصى , في القمار و الدعارة و شراء الخدم , دون أن يردعه بموجب قانون عادل واحد , أو حتى أن يقذفه بحجر . و إذا كان هذا اسمه المصير المشترك , فذلك مرده إلى أننا مشتركون عمدا , في تزوير الأسماء . إن ثقافتنا العربية المعاصرة , لا تملك الحصان . و ليس لديها لغة مشتركة , و ليس لديها تاريخ مشترك , و لا تخاطب كل العرب , و لا تستطيع أن تغير واقعهم , لأنها ثقافة مترجمة في غياب العرب أنفسهم .

رأس المشكلة , أن الثقافة - دون شرع الجماعة - مجرد سلاح سياسي لضرب الجماعة نفسها . إنها ليست أفكارا ((ثقافية )) في الكتب , بل قوانين , و محاكم , و مدارس , و أعياد , و أناشيد , و خطب , و جرائد , و إذاعات , و أموال طائلة تنفق علنا , و كل عام . و إذا خرجت الأدارة من يد الناس , فإن الثقافة أيضا تخرج من يدهم , و تصبح سلاحا رهيبا في خدمة من يدفع الثمن . و منذ عصر الأهرام , كان المواطن المثقف , قد اكتشف مكانه تحت مظلة فرعون , و كان المثقفون المصريون , يشرحون للناس , كيف يشيدون اهرامات خالدة , لطاغية ميت , و كيف يلقون بناتهم سنويا في النيل .

و طوال الفترة الواقعة بين عصر سومر , و بين ظهور الأسلام , كانت الثقافة سلاحا مهمته تجهيل الناس , و ليس تثقيفهم , تستخدمه الدولة و الكنيسة علنا , في مؤامرة أدت إلى توطيد فواحش أخلاقية رهيبة في تاريخ الثقافات , منها تزوير الشرائع الأنسانية , الذي تكفل بتحويل الثقافة إلى عالم السحرة و المعجزات , و أخرج الدين من واقع الناس , و أفقده مهمته و معناه معا .

لهذا السبب سكتت جميع الثقافات القديمة عن قضايا الأنسان , و فشلت في اكتشاف حقوقه , و فشلت في تطوير مجتمعات حقيقية محررة من الرق و الربا و عبادة الأصنام الحية و الميتة .

إن شرع الجماعة في الأسلام , هو الذي صحح هذا المسار , لأنه حرر المثقف من حاجته إلى لغة السحرة , و حماه من سلطة الأقطاع , و كفل له حرية الفكر , و جعلها حقا دستوريا من حقوقه . و في ظل هذا الدستور الجديد , أصبحت الثقافة لأول مرة في تاريخها , سلاحا في يد الناس حقا , لا يدعوهم إلى بناء أهرامات خالدة , و لا يوصيهم بإلقاء بناتهم في النيل , و لا يفرقهم بين المؤسسات الدينية و العنصرية , بل يدعوهم إلى بناء عالم الأنسان السعيد الواحد , و تحرير أيديهم من قيود الأقطاع , و الجهاد دفاعا عن مصالح الأغلبية . و هي الثقافة الفعالة الوحيدة , التي تكلمت فعلا بلغة الناس , و استطاعت أن تخاطب عقولهم , و تعرفهم بأعدائهم الحقيقيين و تعلمهم أن يحرروا مجتمعهم من الرق و الربا والأرهاب و عبادة الأقوياء . و أعادت كل مواطن منهم على حدة إلى الحضيرة , محررا من الشك و الخوف , إلى حد أنه يذهب إلى الموت طائعا , دفاعا عن شرع الناس , فتستقبل أمه نبأ موته بالزغاريد .

دون الشرع الجماعي , يقع انحراف هائل في هذا المسار :

تغيب ضمانةالجماعة لحرية الفكر . و تغيب حرية الجدل . و تعود الثقافة حيث كانت ذات مرة في إدارة فرعون . و يكتشف المثقف مكانه المريح القديم , و يصبح - مرة أخرى - ساحرا في البلاط الملكي , لا يهمه ما يحدث للناس , بل يهمه أن ينطلي عليهم سحره . و هي حرفة تتطلب تلقائيا , أن يتكلم المثقف لغة لا علاقة لها بالواقع , و يرتكب الخطأ المميت , الذي لا يليق أن ترتكبه , حتى حشرة صغيرة مثل النحلة . إنه يورط نفسه , في موقف مستحيل , و حافل بالأحراج .

فالثقافة - دون حرية الفكر - لا تستطيع أن تكون ثقافة إنسانية حقا , و ليس بوسعها أن تلتزم بالدفاع عن عالم الناس . لكنها - من جهة أخرى - لا تعرف كيف تسد هذا العيب الظاهر , و ليس لديها خيار آخر سوى أن تدبر لنفسها قناعا إنسانيا مزورا , و تندس وراءه في محاولة طفولية لافتعال عاصفة داخل فنجان . إنها تقول كلاما كبيرا جدا , على لسان مثقف في حجم فأر .

مثقف لا يملك حق الكلام , في مجتمع لا يملك حق النشر , تحت سلطة لا تحبذ تبادل الأفكار .

مثقف وحيد , لا يضمن الناس حقه في إبداء الرأي , مهمته أن يضمن حقوق الناس , و أن يدافع عنهم بقلم رصاص , في وجه أنظمة بوليسية عاتية , تقاتل بالرصاص , و أن يقول لهم جهارا , ما لا يطيق أحدهم سماعه سرا .

و في ظروف خرافية من هذا الطراز , يصبح السحر ثقافة , و تقوم عاصفة داخل فنجان , و يولد للناس , و اقع ثقافي , لا علاقة له بواقعهم , و تصبح لغتهم بديلا باطلا من الحق نفسه , و هو ما حدث - حرفيا - في ثقافتنا العربية المعاصرة .

لقد ولدت هذه الثقافة في بيت نابليون , و تربت في مدارس الأوربيين الأغنياء ( 1 ) , و تعلمت نظمهم و شرائعهم الرأسمالية , كما يتعلم الخادم عادات سيده الثري , و عندما تراجع الأوربيون عن الوطن العربي , تركوا هذه الثقافة المغتربة في رعاية إدارة عربية مسخرة لخدمة رأس المال , مما فرض (( تعريب)) ثقافتنا المعاصرة لغويا , و أعطوها قناعا عربيا , تخفي وراءه تفسيراتها المستوردة , و غربتها الهائلة عن واقع العرب , و عجزها عن تغيير هذا الواقع , حتى بتقليد الأوربيين . إن ثقافتنا الجديدة المعربة تصبح كرسيا عربيا مريحا , لكنها لا تصبح هي الحصان .

في رعاية هذه الثقافة البراقة المعاصرة , تصاعدت المعركة الصليبية ضد العرب , من حرب بعيدة في شمال اسبانيا , إلى حرب تجري حاليا في شوارعهم , من بيت إلى بيت , و تورط العرب فجأة , في وصفة سحرية مميتة , تعالج جميع الأمراض , لكنها لا تشفي المرضى أنفسهم . فمثلا :

كلمة الديموقراطية في ثقافتنا الجديدة المعربة , تعني تطبيق نظام تعدد الأحزاب . و خارج هذا التعريف , لا تملك ثقافتنا , صيغة شرعية أخرى للديموقراطية .

رأس المشكلة بالطبع , أن نظام تعدد الأحزاب , دون رأس المال , لا يستطيع أن يحمي نفسه من العسكر و الفقهاء , و أن العرب المحبوسين , داخل البحر المتوسط , منذ عصر كولمبس , لم يجمعوا رأس المال أصلا , و ليس بوسعهم أن يتجمعوا في أحزاب , لا تملك ما يدعوها إلى التحزب .

إن النتيجة الأولى لهذا التفسير (( المعاصر )) , هو أن يفقد العرب كل أمل ممكن في تحقيق الديموقراطية , و النتيجة الثانية , أن تصبح الديموقراطية نفسها وصفة سحرية , تعيش في ثقافة العرب , دون أن تتحقق في واقعهم . و مثلا :

كلمة الأشتراكية في ثقافتنا الجديدة المعربة , تعني تأميم الملكية الخاصة لوسائل الأنتاج , و التحول إلى نظام القطاع العام . و هو تفسير صحيح فقط , في بلد يحكمه حزب لينيني منظم ( 2 ) , قادر على إدارة المرافق المؤممة . أما من دون الحزب اللينيني , فإن التأميم لا يلغي الملكية الخاصة , بل يجمعها في يد مالك كبير واحد يجلس وحيدا فوق القمة , و يسلم أملاكه لجيش من الموظفين الذين يتولون إدارتها , طبقا لروتين حكومي مفتعل , لا تهمه قوانين الأنتاج , بل قوانين الضبط و الربط .

و في ظروف إدارية من هذا النوع , يحدث ما حدث في وطننا العربي , و تولد اشتراكية دون حزب عمالي حاكم , كما تولد أرنب من قبعة ساحر , فيتم تأميم مرافق الأنتاج , و تقوم عاصفة داخل فنجان , و ينهار الأقتصاد تحت وطأة الروتين , و يتكلم الخبراء نيابة عن الناس انفسهم , و يذهب الموظف غير المناسب إلى المكان المناسب , و تشيع العمولة , و يعم الفساد , و يقف الناس في طوابير طويلة تحت الشمس , فيما تصدر الصحف يوميا , للأشادة بمنجزات الأشتراكية تحت شمس سحرية أخرى . و مثلا :

كلمة الليبرالية في ثقافتنا الجديدة المعربة , تعني استبعاد الدين من لغة الأدارة . و هو تشريع ناجح في الغرب , حيث كان رأس المال , قد تولى تحرير الأدارة من لغة الأقطاع . أما في الوطن العربي , فإن فصل الدين عن الأدارة , لا يحقق شيئا في الواقع , سوى أن يقطع الجسر الوحيد الذي يربط العرب بشرع جماعي قادر على تحريرهم من قبضة الأقطاع . إن موقف ثقافتنا العربية المعاصرة , تجاه واقع العرب القاسي موقف حرج من جميع الوجوه .

فهي - من جهة - لا تستطيع أن تتحدى الأدارة الأقطاعية , و لا تستطيع أن تتحدى المؤسسة الدينية , على غرار ما حدث في النموذج الراسمالي الذي تنقل عنه . و هي - من جهة أخرى - ثقافة أوربية متطورة , تعادي الأقطاع , و تعادي سلطة رجال الدين . و في ظروف حرجة إلى هذا الحد , لم يكن بوسع ثقافتنا الجديدة المعربة , إلا أن تمسك العصا من وسطها , و تجرب أن تعيش بين العرب , مثل سائح أوربي , لا علاقة له بما يحدث للعرب أنفسهم . إن المثقف العربي المعاصر يرفع قبعته احتراما أمام كل شيء في متحفنا القديم .

يساند رجال الأقطاع . يبرر أخطائهم المميتة . يشيد بمآثرهم في الصحف . يغني لهم . يرقص لهم . يرسم لهم . يخطط لهم . يلعن خصومهم , ذلك كله , و هو يعرف سرا , أن الأدارة الأقطاعية قد خسرت السباق منذ زمن بعيد , و خرجت من قاموس الثقافة إلى الأبد , و أن الحديث عنها بلغة عصرية , لا يجعلها عصرية حقا , بل يجعلها بديلا سحريا , عن اللحاق بثقافة العصر .

يساند رجال الدين , و يشيد بتاريخ الدولة (( الأسلامية )) , مرة من وجهة نظر الشيعة , و مرة من وجهة نظر السنة , و هو يعرف سرا - و دون أدنى شك - أن تطبيق الشريعة معناه أولا , تطبيق الأدارة الجماعية , و أن الأسلام - دون هذه الأدارة - قد خسر معركته قبل أن تبدأ , و خسر السباق على المحيط , و خسر السباق على الفضاء , و أن مذاهب الفقه بالذات , هي التي انتهت بالأسلام إلى هذا المصير . إن المثقف المعاصر , لا يملك أعداء , لأنه ( مثقف ) من دون قضية .

رجل ولد في غياب والديه , يمثل نظريات أوربية , ليس لها جذور في تراث العرب , و يتكلم لغة معربة عن عصر لم يدخله العرب , و يقلد نموذجا أوربيا مختلفا في أدق تفاصيله عن واقع العرب . و في رعاية هذا الساحر الجديد , شهد الوطن العربي أكثر من معجزة , و تم توحيده تحت لواء لغة واحدة و دين واحد و تاريخ واحد و مصير مشترك , و أنشئت جامعة الدول العربية , بمثابة دليل ( ملموس ) على حقيقة هذه الوحدة . و إذا كان ثمة من يريد أن ينكر أن الأرنب يخرج من قبعة الساحر , فعليه أن ينكر أولا وجود الشمس الساطعة على مبنى جامعة الدول العربية .

( 1 )..... ثقافتنا العربية المعاصرة , لا تعرف كارل ماركس , بل تعرف ما سمعته عنه من اعدائه الرأسماليين و حدهم ,و هم طرف منحاز في أصل القضية . كان ماركس يحرض على الثورة ضدهم , و كانوا اصحاب مصلحة ملحة في تشويه أقواله . و قد تولوا تقديمه إلى ثقافتنا العربية المعاصرة , موصوما بثلاث تهم , كل تهمة منها , مختلقة عمدا , لأدانته أمام العرب بالذات .
التهمة الأولى : أن ماركس ينادي بإلغاء المؤسسة الدينية , و يعتبر الدين مجرد أفيون , و هي تهمة تتجاهل , أن المؤسسات الدينية التي يعنيها ماركس , هي المؤسسات المسيحية و اليهودية , و أن هذه الفكرة , ليست ماركسية أصلا , بل إسلامية , سجلها القرأن منذ أربعة عشر قرنا , في آيات منها [ مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا ] و هي صورة أكثر وضوحا من قول ماركس أن الدين أفيون الشعوب .

التهمة الثانية : ان الأتحاد السوفييتي هو الدولة الماركسية التي اقيمت على نظرية الحزب الماركسي . و هي فكرة تتجاهل أن لينين , و ليس ماركس . هو صاحب هذا النظام الحزبي . أما ماركس شخصيا , فقد استعمل كلمة comune التي تعني الجماعة , لأنه يشترط مباديء لم يتبناها الأتحاد السوفييتي , ولم تعرفها إدارة أخرى في التاريخ , سوى نظام الشرع الجماعي في الأسلام , الذي كان ماركس ينقل عنه دون أن يدري .

التهمة الثالثة : أن كارل ماركس , ينادي بإلغاء دور الفرد , و يعتبره مجرد مسمار في آلة كبيرة . و هي فكرة مقلوبة رأسا على عقب . فالذي يعتبر المواطن مجرد مسمار في آلة كبيرة , هو رأس المال , صاحب الأحتكارات الموجهة لتكديس الربح . أما كارل ماركس , فقد كان ينادي , بتحرير الأدارة من سيطرة رأس المال , لأنه كان يهدف إلى تحرير المواطن من وظيفة المسمار بالذات . و قد عرض هذا المنهج في اعماله , قبل أن يكتب ( رأس المال ) بثلاثين سنة على الأقل . لكن خصومه الرأسماليين , لم يختاروا أن يعرضوا هذه الأعمال المبكرة للتداول , و لم يهتم أحد بترجمتها عن أصولها الألمانية , إلا منذ سنوات قليلة , عندما نقلت إلى اللغة الأنكليزية بمجهودات أفراد مثل الكاتب أريخ فروم , فيما تأخر الروس في ترجمة هذه الأعمال الأساسية حتى الآن .

إن كارل ماركس , لا يتكلم لغة رأس المال , بل يتكلم لغة أخرى ذات مصطلحات خاصة , تبث الرعب في قلب كل إدارة رأسمالية , مثل ( تأميم وسائل الأنتاج , و إلغاء الطبقية , و الثورة المسلحة , و حقوق العمال ) . و هي مصطلحات لا تعادي الله و الناس , إلا في تفسيرات الرأسماليين وحدهم . أما في أرض الواقع , فإنها مصطلحات مترجمة عن كتاب الله نفسه .

فالثورة العالمية المسلحة , هي فريضة الجهاد . و إلغاء نظام الدولة , هو قيام الشرع الجماعي . و تأميم وسائل الأنتاج , هو تحريم الربا . و تحريم المجتمع من الطبقية , هو المجتمع الذي يدعو له الأسلام في كل سنة في مكة , بجمع الناس على اختلاف طبقاتهم و ألوانهم أمام بيت عالمي واحد , تحت سماء واحدة . و لعل ماركس , لم يكن يعرف أنه ينقل عن الأسلام , لكن مجمل نظريته القائمة على حتمية سقوط الرأسمالية , مجرد ترجمة حرفية , لما سمعه المسلمون منذ القرن السابع [ و الذين يكنزون الذهب و الفضة و لا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ]

إن ثقافتنا العربية المعاصرة , لا تجهل منهج كارل ماركس فحسب , بل تعاديه أيضا , لأنها ثقافة مترجمة من وجهة نظر معلمها الرأسمالي المنحاز . و هو موقف , لا مكسب من ورائه , سوى أن يخسر الأسلام شاهدا جديدا أساسيا , على أن شرع الجماعة الذي دعا إليه القرآن في القرن السابع , ليس نظرية بل قانونا , يمكن اكتشافه بوسائل الأستقراء العالمي مثل قانون الجاذبية نفسه .

و الواقع أن لقب (( ماركسي )) في وطننا العربي , أصبح الآن ترجمة للقب (( عميل للأتحاد السوفييتي )) رغم أن علاقة الأتحاد السوفييتي بماركس , لا تختلف عن علاقة الولايات المتحدة بالبابا , في استعراض علني , لمدى جهل ما ندعوه باسم ثقافتنا العربية المعاصرة
و لو أتيحت لنا فرصة الخلاص من أخطاء المترجمين , لرأينا أن كارل ماركس , ليس مفكرا ((شيوعيا)) بل ((جماعيا )) . و أن كلمة communist لا تعني مواطنا لا شيء له بل تعني مواطنا لا سلطة عليه , لأنه يعيش في (( كمون )) أي تحت مظلة إدارة جماعية . و لعل ترجمة communistبكلمة ((شيوعي )) هي الخدمة المفضوحة التي تدسها ثقافتنا العربية المعاصرة في لغتنا يوميا .

فهذا مصطلح ترجمته الصحيحة كلمة ((جماعي)) و ليس ((شيوعيا )) أما الشيوعي فهو الفوضوي , في منهج الفوضوية anarchism الذي كان ماركس يعرفه تحت اسم الجماعية الفجة crude communism و قد قال عنه في (( دراسات اقتصادية و سياسية )) :

[ .. هذه الجماعية الفجة , تحمل بذور دمارها , لأن سيطرة الملكية المادية , من شأنها أن تعمل على إبادة كل شيء لا يملكه جميع الناس , مثل الموهبة ..]

و في مكان آخر : [ هذه الجماعية الفجة , تفسر الملكية تفسيرا حيوانيا . فالزواج , و هو نوع من الملكية الخاصة , يتم بالأتفاق مع كمون النساء , لتغيير و ظيفة المرأة من زوجة إلى عاهرة مشاعة , في محاولة فجة لجعل الثروة مشاعة بين جميع أفراد المجتمع . إن هذا النظام البدائي , يعادي عالم الأنسان في كل تفاصيله ]

أما منهج ماركس نفسه , فقد لخصه ذات مرة قائلا : [ .. ما دام الأنسان لا يرى الدنيا إلا من خلال عين الأنسان , فإن علاقته بالدنيا , علاقة إنسانية بالضرورة , فلا يولد الحب إلا بالحب , و لا يولد الأيمان إلا بالأيمان . و إن كنت تريد أن تستمتع بمباهج الفن , فإن عليك أن تكون قادرا على تذوق الفن . و إذا كنت تريد أن تعلم الناس , فإن عليك أن تكون قادرا على تحريك الناس . لأن كل علاقتك بالجماعة الأنسانية و الطبيعية , تعبير محدد , عن نياتك الحقيقية , في سلوكك اليومي نفسه . فإذا احببت , دون أن تصبح محبوبا , و فشلت في أن تترجم حبك للناس , إلى حب الناس لك , فإن جهدك ضائع و قبض الريح ]

و لعل كارل ماركس , يفتقر إلى سلاسة الأسلوب بعض الشيء , لكن من الواضح أنه يريد أن يقول [كل نفس بما كسبت رهينة ]

إن ترجمة كلمة COMMUNISTبكلمة (( شيوعي )) ليست مجرد خطأ في الترجمة , بل فعل إعلامي متعمد , أملته مصالح الرأسمالية , على ثقافتنا العربية , في مناورة سياسية ناجحة , لبث البوابات بين ثقافات الأمم , و منع لقائها على لغة واحدة . وهي خدعة لا تفضح سذاجة ثقافتنا العربية المعاصرة فحسب , بل تفضح أيضا مدى مهارة الأصابع الرأسمالية التي تحركها من وراء الستار , أما دون الستار فإن كلمة COMMUNISM تعني حرفيا ((حكم الجماعة )) و هي كلمة مستمدة من تراث الأسلام , و ليست دعوة إلحادية ضده , مصدرها اللغوي COMMUNICATE الذي لا يعني أشاع بل يعني أوصل . و قد ظهرت في فرنسا منذ سنة 1793بمعنى رابطة , و اصبحت اسما رسميا , لمقاطعات تديرها مجالس بلدية جماعية منفصلة عن أملاك الأقطاعيين , منها كمون باريس الذي أعلن استقلاله عن حكومة فرنسا سنة 1781 .

و الواقع , أن المواطن العربي الذي يدعو نفسه ((شيوعيا )) مثل المقاتل الفلسطيني الذي يدعو نفسه إرهابيا , كلاهما مجرد ضحية للغته المترجمة عن لغة عدوه بالذات . أما كارل ماركس شخصيا , فإنه مفكر على مذهب الجماعة , لأن مجتمع الأنسان لم يعرف أبدا مذهبا آخر في أي عصر من العصور , و لا يستطيع أن يكون مجتمعا إنسانيا أصلا , إلا في ظل الشرع الجماعي وحده , فقط لا غير . و سواء نجحت ثقافتنا المعاصرة , في اصلاح اخطائها , أو لم تنجح , فإن كارل ماركس , شاهد لصالح الأسلام , و ليس شاهدا ضده , لأن الكلمة الخالدة هي الفكرة الخالدة , و لأن الناس , حيثما ولوا و جوههم فليس ثمة سوى وجه الله



( 2 ) .... تقوم نظرية الحزب اللينيني , على افتراض مؤداه , أن ما دعاه ماركس باسم الصراع الطبقي هو صراع مسلح بين الأغنياء و الفقراء , لا يمكن حسمه , إلا باستيلاء العمال على السلطة , طبقا لمبدأ دكتاتورية البروليتاريا .

هذا المبدأ لم يعتمده ماركس شخصيا , و لم يعتمده مفسروا الماركسية الأوائل , من أمثال روزا لوكسمبرج , و لم تعتمده دولة ماركسية معاصرة مثل يوغسلافيا , و لا يعرف أحد , من أين أستمده لينين , و لم يفسره لينين نفسه , إلا بمقولة من مقولاته الشعرية KTO-KOVO? أي من يتنازل عن حقه لمن , في غياب البروليتاريا ؟ و هو سؤال يعكس ولع لينين بالسجع و الطباق , لكنه لا ينم عن معرفة جادة بتاريخ الثورة .

فصراع الطبقات الذي عناه ماركس , ليس صراعا بين الأغنياء و الفقراء , بل بين الأغنياء وحدهم . إنه معركة , لا يؤدي فيها الفقراء دور الخصم , بل دور الأداة المسخرة لكسب هذه المعركة , كل ما في الأمر , أن كلمة ( الأغنياء) عند ماركس , لاتعني اصحاب المؤسسات المالية فقط , كما اعتقد لينين , بل تشمل أيضا اصحاب المؤسسات العقائدية , مثل الحزب اللينيني بالذات , و إذا كان تاريخ الثورات هو مرجع الجدل حول هذه الحقيقة , فإن هذا التاريخ يقول حرفيا : [ إن الأغلبية , كانت دائما أداة في يد الثورة , لكن الثورة لم تكن أبدا أداة في يد الأغلبية ]

فثورة اليهود ضد روما - و هي أول نماذج الثورة الجماعية في التاريخ - انتهت بإخضاع اليهود لسلطة مؤسسة عقائدية . و ثورة البريطانيين في القرن السابع عشر , انتهت بتجنيدهم في خدمة مصالح رأس المال . و ثورة الفرنسيين في القرن الثامن عشر , انتهت بحشدهم في جيش نابليون . و ثورة الروس في القرن العشرين انتهت بإخضاع 265مليون مواطن روسي , لسلطة حزب واحد , لا يمثل سوى 2 في المئة من تعداد السكان . و إذا كان لينين , قد عرف نموذجا تاريخيا واحدا , عن ثورة انتهت بإقرار سلطة الأغلبية , فإنه قد مات دون أن يبوح بهذا السر .

و الواقع أن مبدأ ديكتاتورية البروليتاريا ليس مستمدا من التفسير الماركسي للتاريخ , بل مستمد من التفسير الشخصي , لظروف لينين الشخصية . فقد أدرك هذا الرجل الموهوب و المحدود المعرفة , أنه لا يستطيع أن يضمن لنفسه مكانا في القمة بين آلاف الأشتراكيين المثقفين , إلا بالمزايدة عليهم جميعا , في دعوة غوغائية لتصعيد الصراع الأجتماعي , من مشكلة إدارية يتولى حلها الخبراء , إلى مذبحة بين الطبقات يتولى قيادتها الخطباء . و هي فكرة اعلامية ناجحة , راقت لطبقة نشطة من الثوار المحترفين , الذين سخروا انفسهم لنسف الحزب الأشتراكي الديموقراطي من داخله , و تأسيس حزب لينيني يدين بوجوده - طبعا- لرجل مشهور اسمه لينين . و في ما عدا هذا الهدف الشخصي , فإن مبدأ ديكتاتورية البروليتاريا , لم يحقق شيئا لنظرية الثورة العالمية , سوى أنه جعلها بديلا سياسيا من الثورة العالمية نفسها .

إن الصراع الطبقي الذي عناه ماركس , صراع لا يمكن انهائه أصلا , بقوة السلاح , لأنه ليس حربا بين المؤسسات فقط , بل بين ( الأعمار ) أيضا . فالنظرية الماركسية تنطلق من واقع مؤداه , إن الأدارة الأقطاعية المتخلفة , أنشأت إنسانا متخلفا - و مشوها - في كل مرحلة من مراحل عمره , من الطفل إلى العجوز و إن إنهاء هذه الكارثة الأبدية , يتوقف على نقل الأدارة , من يد الأقطاع , إلى يد الجماعة القادرة على توفير حاجة كل فرد في الجماعة . و رغم أن ماركس , كان يستخدم مصطلح ثورة العمال , فإن ذلك بالنسبة إليه مجرد مرحلة أولى , لأقرار السلطة الجماعية , في مرحلة تالية , و ليس لحصر السلطة في أيدي قادة العمال إلى الأبد .

لقد شاء لينين أن يحتوي الثورة الجماعية , في نظام غير جماعي . و تسبب بذلك في إنهاء الثورة , لحساب الأيديولوجيا, و ضرب سلطة الجماعة , في المكان الصحيح المميت . للمرة الثانية منذ عصر معاوية . و رغم أن لينين قد دخل التاريخ المعاصر , باعتباره قائدا ( للثورة العلمية ضد الرأسمالية ) فإن كل ما حققه لينين في أرض الواقع , هو أنه أخرج نصف سكان العالم , من معركة ضد الرأسمالية , و حبسهم وراء ستار حديدي , يمتد من الصين إلى البانيا , و أخلى الطريق أمام رأس المال الأمريكي , لاحتلال بقية العالم , و أعاد الشرعية لسلطة الفرد , و مسخ صراع الأغلبية من معركة لأقرار العدل الجماعي , إلى مذبحة لأقرار نظرية الحزب الواحد . و إذا كانت هذه النتائج , هي حصيلة الثورة العالمية التي قادها لينين ضد الرأسمالية , فلا بد أن الرأسمالية , قد اختارت لنفسها ثورة مريحة على المقاس .

و الواقع , أنه لا يزال على التاريخ أن يقرر , ما إذا لم يكن لينين بالذات رجلا مدسوسا على الثورة , بعلمه , أو من دون علمه , فالنتائج النهائية لمسيرة الثورة في العصر الحديث , ربما لايمكن تفسيرها أبدا , خارج هذا الأطار .

فقد اصبحت الثورة على يد لينين , أداة لضرب سلطة الأغلبية , في كل مكان في العالم . و اصبحت و سيلة شرعية لتبرير حكم الفرد , و إسكات صوت الناس , باسم مصلحة الناس انفسهم . و قد تكفل لينين شخصيا , بوضع النموذج النهائي لهذه الثورة الوهمية , و هو نموذج هدفه أن يقدم بديلا نظريا , من سلطة الأغلبية بالذات .

فنظرية القائد المعلم التي اقيم الحزب اللينيني على اساسها , نظرية لا تقول في الواقع , سوى أن الأغلبية مجرد قطيع .

و اسم الحزب الطليعي الذي اختاره لينين , اسم مهمته أن يسكت صوت الأغلبية , و يضمن بقاء السلطة في أيدي قادة العمال , و ليس في أيدي العمال أنفسهم .

و مبدأ دكتاتورية البروليتاريا الذي اختلقه لينين , مبدأ مهمته أن يجعل الثورة أبدية , و ليست مرحلة مؤقتة . فديكتاتورية البلوريتاريا , لا يضمنها سوى إسكات صوت الأغلبية إلى الأبد , باسم الثورة المستمرة إلى ما لا نهاية .

هذا النموذج اللينيني , أصبح الآن كتاب الثورة المقدس في كل مكان . و هو سر تكشفه لغة الثورة المعاصرة نفسها . فكل المصطلحات الثورية التي عرفتها لغات الأمم منقولة حرفيا عن قاموس لينين من لقب ( القائد المعلم ) إلى ( حكم الشعب , و العنف الثوري , و الطليعة المناضلة , و سلطة الكادحين , و الثورة المضادة , و الطبقة الرجعية , و التصفية الجسدية , و الديكتاتور العادل , و الثورة المستمرة , و جهاز أمن الثورة )

أكثر من ذلك .. فإن لينين الذي كتب قاموس الثورة المعاصرة , كتب أيضا دستورها الأداري , فهو صاحب فكرة ملكية الدولة للمؤسسات التجارية التي أخرجت السوفييت من السوق العالمي , دون معركة واحدة . و هو صاحب فكرة جهاز أمن الثورة الذي تحول على يد ستالين , إلى دولة بوليسية مسخرة لتخريب الثورة من داخلها . و هاتان الفكرتان ,, هما اللتان تم نقلهما شرعا , بموجب شريعة الحزب اللينيني , إلى جميع الثورات التالية , و تسببتا بتحويل مسار كل ثورة على حدة , من معركة جماعية , إلى انقلاب عسكري على الحكم , مهمته اسكات صوت الجماعة بالذات . و إذا كان لينين قد فعل ذلك كله , لضرب الرأسمالية , فإن واقع الرأسمالية الآن , بعد سبعين سنة من توجيه الضربة , يروي قصة مختلفة جدا .

فمنذ عصر لينين تضاعف حجم الأستثمارات الأمريكية في أوربا , أكثر من ثلآث و أربعين مرة , فوصل من أربعة بلايين دولار سنة 1925 , إلى 175 بليون دولار سنة 1980 . و تمت تصفية المستعمرات الأوربية لحساب رأس المال الأمريكي , و تولت الثورات في المستعمرات , نقل الرأسمالية من مرحلة الأحتلال الأوربي المباشر , إلى مرحلة الأحتلال الأمريكي المقنع وراء الشركات متعددة الجنسية . و ارتفع دخل الفرد في البلدان الرأسمالية من 200 دولار سنة1917 , إلى ألف دولار سنة 1970 , فيما انخفض دحل الفرد في بقية بلدان العالم بمقدار النصف . و إذا كان لينين قد مات و هو يعتقدى أنه وجه سهما قاتلا للرأسمالية بفكرة الحزب الواحد . فإن هذا الرامى البعيد النظر , لا يحتاج الآن , سوى أن يطل ذات مرة من قبره , لكي يرى بنفسه , أن سهمه القاتل , كان موجها إلى الجهة الخاطئة .

فالرأسمالية التي يتحدث عنها ماركس , مرحلة متطورة جدا من مراحل الأقطاع , لها نظام إداري غير جماعي , لا يمكن إنهاؤه إلا بنظام قائم على سلطة الجماعة . و دون هذه السلطة , يصبح صوت المؤسسات الثورية بديلا من صوت الأغلبية , و تنحرف الأدارة عن مسارها الطبيعي , و يغلي المرجل مرة أخرى , و تنفجر الثورة ضد الثورة , و يظل التاريخ يعيد نفسه في الدائرة المفرغة , التي اشتقت كلمة ( الثورة ) من ( ثوران الماء في المرجل ) .

لهذا السبب , فإن الثورة التي اكتشفت نظام الأدارة الجماعية , لم تسم نفسها (( ثورة )) و لم تقبل أن تدور في دائرة مفرغة , بل أعلنت رسالتها الخالدة باعتبارها خاتمة الرسالات .

فالأسلام لم يستعمل كلمة ثورة , و لم يعتمد مبدأ الصراع بين الطبقات , و لم يستخدم مصطلحا واحدا من مصطلحات لينين , و ليس في قاموسه كلمات مثل ديكتاتورية الفقهاء أو العنف الديني , لأنه بنظامه الجماعي وحده , يكفل حل المشكلة سلميا , مرة واحدة , و إلى الأبد .

و مادام القرار في أيدي الأغلبية , فإن أحدا لا يستطيع أن يشعل حربا أهلية بين الطبقات , لأن الأدارة الجماعية كفيلة بحفظ التوازن سلميا , فالمؤسسات المالية , لا تصبح وسيلة للأستغلال في نظام جماعي , لأن القرار الأداري , لا يتقيد بنظرية في الكتب , بل بواقع الناس في حاضرهم اليومي , مما يكفل حرية الحوار , دون أن يفرط في سلطة الأغلبية .

إن كلمة الثورة التي دخلت لغتنا العربية منقولة عن لينين , لا تستطيع أن تعني ما تقوله حقا , إلا إذا استعادت نظام الأدارة الجماعية , لكن رأس المشكلة , أن هذا النظام في لغتنا العربية بالذات , ليس اسمه ثورة بل اسمه اسلام , و هو شرع لا يعترف بكلمة الثورة نفسها , و لا يعترف بالحزب أو قائده المعلم , و لا يبيح لقادة العمال أن ينوبوا عن العمال , و لا يقبل ديكتاتورية البروليتاريا , و العتف الثوري , و الحزب الطليعي , و التصفية الجسدية , و ملكية الدولة لمرافق الأنتاج . و إذا شاءت الثورة العربية , أن تعود من غربتها في عالم لينين , و تخاطب العرب بلغتهم , فإن عليها أن تطرح كلمة الثورة نفسها خارج قاموسها الأعلامي , و تستعيد اسمها الخالد في ذاكرة العرب , و تستعيد نظامهم الجماعي , الذي يستطيع وحده , أن يخرج الثورة من الدائرة المفرغة , و يجعلها رسالة خالدة , و يجعلها خاتمة الرسالات .
10-25-2009, 08:29 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  من واشنطن - لقاء مع المفكر الامريكي تشارلز كابشن...التحديات الجمة التي تواجه USA بسام الخوري 0 680 04-18-2012, 08:22 PM
آخر رد: بسام الخوري
  حوار مع المفكر صادق جلال العظم فضل 17 5,675 09-04-2011, 02:50 PM
آخر رد: بسام الخوري
  وفاة المفكر الكبير عبد الوهاب المسيري Serpico 16 3,748 12-02-2010, 08:43 PM
آخر رد: بسام الخوري
  وفاة المفكر الجزائري الفرنسي محمّد أركون بسام الخوري 2 1,186 10-28-2010, 05:09 PM
آخر رد: سامي بيك العلي
  مجموعة محاضرات صوتية ومرئية ولقاءات المفكر الإسلامي العملاق نصر حامد أبو زيد داعية السلام مع الله 0 1,996 12-27-2009, 08:25 AM
آخر رد: داعية السلام مع الله

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 4 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS