أصعب الحلال الزواج .. بقلم الشاشي باشي
مقالات واراء
شارك
إن التقاليد البالية و الأعراف الاجتماعية السائدة لدينا حين يريد شاب الزواج لم يعد السكوت عنها ممكنا ، فمازال الشباب يعاني في مجتمعنا من رواسب قبلية تعود إلى زمن بعيد حين ينوي أحدهم الاقتران بمن يحب ...
و قد أدى حب الظهور و النفاق الاجتماعي إلى تضخيم المشكلة و وضع عقبات هائلة لا يستطيع تجاوزها إلا المحظوظون ممن توافرت لهم ظروف الرخاء المادي ، و مع انفتاح بلدنا على العالم و وفود أشكال الرفاهية إلى فئة أخذت تتنامى بسرعة أصبح رغد العيش مطلبا لا يستغنى عنه واجب على الشاب توفيره و إلا فلن يكون أهلا للزواج .
لا أحد ينكر أن القوة المالية هي أهم أشكال القوة التي تنشدها المرأة في الرجل إذا أحبت أن تكون عالة عليه ، أما في عصر تحرر المرأة و دخولها ميادين الحياة بكثرة و سحبها البساط من تحت أقدام الرجل في سوق العمل
فلا يحق لها أن تكون كذلك ، بل يجب أن يعملا سوية لإنجاح مشروع الزواج الذي بات في الحقيقة من أصعب المشاريع بناءاً.
فغلاء العقارات و ارتفاع أسعار الذهب و تكاليف الحياة الباهظة جعلت مجرد التفكير في إنشاء أسرة ضربا من الجنون ، و أما الأسر الثرية فهي تتوقع تزويج بناتها ممن يفوقهن ثراء بدعوى تكافؤ النسب ليحولوا موضوع الزواج إلى صفقة تجارية ضخمة فيها الخاسر و الرابح و لا مكان فيها للأغلبية الساحقة من شباب البلد ، فالأمر مادي بحت، والأخلاق لا قيمة لها في معادلة الزواج الجديدة.
فالأهل يعتقدون أن الأخلاق تأتي مع الزمن و أن الشاب إن كان ثريا فسوء خلقه إن وجد مرده طيش الشباب لا أكثر ،
ولا يمنع الآباء من تزويج بناتهم سوى انتظار الأكثر ثراء ، و ما تعلمه الأمهات لبناتهن اليوم هو ثقافة البيع و الشراء؛ بيع الجمال و النسب وربما (الأخلاق) لمن يدفع أكثر ، و الفتاوي الشرعية تزيد الأمر سوءا فهناك مصطلحات رنانة جديدة يرددها الآباء كثيرا (المسكن الشرعي) و (إشهار الزواج) و(تكافؤ النسب) الهدف منها شيء واحد وهو جعل الفتاة باهظة الثمن فلماذا لا نعود إلى بساطة ديننا الحنيف من دون زيادة أو نقصان ؟
لا أدري لماذا يتم تجاهل هذه المشكلة الكبيرة في بلدنا، ففي المناطق الفقيرة و النائية لا يواجه الناس أي عقبات تذكر فزيجاتهم بسيطة و معدلات الزواج الباكر مرتفعة و كذلك معدلات الإنجاب و إذا وضعنا في الحسبان مدى انتشار الجهل في تلك المناطق نجد أن
الزيادة السكانية الكبيرة التي تشهدها سورية هي في غالبيتها العظمى من تلك الشريحة.
بينما يعزف الجامعيون و المتعلمون عن الزواج في المدن الكبرى بسبب التعقيدات الموجودة و غلاء التكاليف ، و هؤلاء هم الأقدر على تربية أبنائهم تربية علمية صحيحة تجعل منهم منتجين في المجتمع قادرين على البناء و التطوير، و على المدى البعيد ستلقي الزيادة السكانية من هذا النوع حملا ثقيلا على كاهل الحكومة ، و الحل يكون بتشجيع الجامعيين على الزواج و تذليل العقبات في طريقهم و ليس أن نشجع تحديد النسل عند الفقراء و الأقل تعليما ..
ربما برع العرب مؤخرا في نقد المجتمع الغربي و أسلوب حياته و قيمه المادية
لكن نظرة موضوعية إلى الواقع تبين أننا نفوقهم مادية بدليل أننا حولنا رابطا مقدسا في الحياة إلى سلعة تباع و تشترى و تعقد عليها الصفقات ، في حين أن الزواج من أجنبية لا يكلف سوى مشاعر صادقة و بعض التضحيات من كلا الطرفين على حد سواء ، مما يفسر الإقبال الكبير على الزواج من أجنبيات لدى شبابنا الذين وجدوا في هذا النوع من الزيجات حلا لمشكلة استعصت على العلاج و آخذة في التفاقم.
و تلعب الانترنت اليوم دورا كبيرا في تصدير شبابنا إلى دول غربية تشجع على الزواج و تعطي حق الإقامة و الجنسية لتيسير أمور الأزواج الوافدين إلى أراضيها ، و لو كان هناك إحصائيات دقيقة للسوريين المهاجرين بقصد الزواج لوجدنا أرقاما ليست بالقليلة ، و
هناك الكثير من الشباب الذين يقضون جل وقتهم في تصفح المواقع الاجتماعية و في أنفسهم حلم الزواج من أجنبية و ما يعقبه من امتيازات و يسر في الإجراءات.
و من آخر ما رأيت خطبة زميل لي من فتاة أمريكية التقى بها عبر الانترنت لتنشأ بينهما علاقة حب افتراضية توجت بقدومها من أقاصي أمريكا إلى دمشق بعد شهرين فقط من تعارفهما ، والكثير منا لديهم قصصا مشابهة ، فالإغراء الذي يلوح أمام الشاب في حالة كهذه لا يمكن مقاومته خصوصا حين يغلق المجتمع أمامه كافة أبوابه و يتخلى عنه وطنه،
فيرى في زواج الأجنبية حضنا دافئا يقدم له ما حرمه إياه الأقربون و ينسيه العواقب المترتبة على التفاوت و الاختلاف و يشغله بأمل الحياة و الاستقرار.
إن ارتفاع نسبة العنوسة عند الفتيات و تأخر سن الزواج عند الشباب قد أدى لظهور مشاكل اجتماعية كثيرة من انتشار العلاقات خارج الزواج و جرائم الشرف المرافقة ، و ظهور حلول بديلة للزواج التقليدي مثل المساكنة و زواج الصداقة لا تزيد المشكلة إلا سوءا في ظل مجتمع يدعو أبناءه الجوعى إلى المائدة و يعلمهم آداب الطعام ثم لا يسمح لهم بالأكل .
http://www.syria-news.com/readnews.php?sy_seq=122752