أزمة دبي بعيون الصحافة البريطانية.. إلى أين؟
تناولت صحف بريطانية أزمة ديون دبي بالنقد والتعليق، وتساءل بعضها عن كيفية نشوء الأزمة وحجمها وتأثيراتها على البنوك والمستثمرين الأجانب والأسواق المالية والاقتصاد العالمي برمته، في حين ذهب بعضها إلى القول إن الحفل المقام على الرمال المتحركة في دبي قد انتهى منذ أشهر، وإن الدكتاتورية المفلسة أخلاقيا بنيت على استعباد الآخرين.
فقد تساءلت صحيفة ديلي تلغراف عن كيفية نشوء ما سمته الأزمة التي غرقت فيها دبي، وأجابت أن هذه الإمارة -وهي إحدى الإمارات العربية السبع المتحدة والخاضعة لعائلات حاكمة مختلفة وميزانيات منفصلة لكل منها- اعتمدت في اقتصادها على الشواطئ والتجارة والخدمات والاستثمارات المالية بشكل ناجح إلى حد كبير.
ومضت تقول إن دبي سرعان ما أصيبت بنوبة الإفراط في المرفقات السياحية وهوس بناء وتشييد العقارات والأبراج التي تكاثرت وتطاولت لتعانق السماء على مدار العقد الماضي.
وبينما أعلنت دبي أن قيمة ديونها لا تتعدى 80 مليار دولار، قال محللون إن الحجم الحقيقي لديون الإمارة ربما هو ضعف ذلك الرقم، في ظل كون الشركة العالمية التي تملكها حكومة دبي والتي أشعلت الأزمة الراهنة تئن -هي والشركات التابعة لها- تحت وطأة مسؤولية مالية قانونية تقرب من 60 مليار دولار، وجزء من تلك المسؤولية هو ديون على الشركة.
وشككت ديلي تلغراف في وجود خطة إنقاذ لأزمة الديون من جانب أبو ظبي -الإمارة الأغنى نفطيا في الدولة- في ظل اضطرار دبي للطلب من الدائنين إمهالها ستة أشهر قادمة لدفع المستحقات المترتبة عليها.
وقالت إنه بينما اشترت أبو ظبي عبر البنك المركزي الاتحادي سندات بقيمة عشرة مليارات دولار أصدرتها حكومة دبي بداية العام الجاري، واشترت من خلال بنوكها الخاصة الأخرى سندات بقيمة خمسة مليارات دولار الأسبوع الحالي أيضا، فإن انهيار أسواق العقارات في دبي إثر انخفاض أسعارها إلى النصف في غضون ستة أشهر شكل الضربة القاضية.
ومضت الصحيفة إلى أن سبب الذعر الذي أصاب المستثمرين والبنوك الأجنبية مرده إلى احتمال قيام دبي وأبو ظبي ببيع بعض الممتلكات والأصول الثابتة حول العالم، مما قد يتسبب في انهيار أسعار العقارات في شتى أنحاء المعمورة، بالإضافة إلى احتمال وجود أزمات مالية أخرى لم تزل مخفية عن الأنظار.
من جانبها أشارت صحيفة تايمز إلى ما سمته الخطر الكامن في دبي أو "شبح الأزمة المالية العالمية الثانية" في ظل المخاوف من أن تؤدي أزمة ديون دبي إلى وقوع أزمة مالية عالمية جديدة، مضيفة أنه بينما انخفضت المؤشرات المالية في آسيا والولايات المتحدة بشكل حاد، ارتفع سعر الدولار والين إثر تحويل المستثمرين أموالهم إلى أماكن آمنة.
وكشفت البنوك البريطانية أنها تشكل الدائن أو المقرض الأكبر لأبناء دولة الإمارات بمن فيهم أهالي دبي، وأن قروضها تزيد عن 50 مليار دولار، ويرجح أن يتأثر البنك الملكي الأسكتلندي سلبا جراء الأزمة أيضا بوصفه المقرض الأكبر للشركة العالمية في دبي.
وقالت تايمز في افتتاحيتها إن أزمة الديون وعدم توفر الشفافية في دبي أدتا إلى اهتزاز ثقة المستثمرين، داعية دول الخليح إلى الاستمرار في نهج الأسواق الحرة في البلاد.
وأضافت أن العواصم المالية الغربية ربما ستعيش الأسبوع الحالي ما سمته "نوعا من الشماتة" إزاء أزمة دبي، في ظل ما قالت إن الأمر كان سهلا على مالكي "البترودولار" الخليجيين للقيام بشراء الشركات والأصول الغربية والأميركية بثمن بخس إبان فترات الركود الاقتصادي المختلفة.
وعلقت صحيفة ذي غارديان بالقول إن الغموض الكبير وراء أزمة ديون دبي لا يكمن في كون "حلم الصحراء تحول إلى كابوس"، وإنما في كونه تأخر كثيرا حتى وقع وبان وانكشف.
وأوضحت ذي غارديان أن أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة التي نشأت قبل عامين ماضيين ضغطت على فقاعات الاستثمار في أنحاء متفرقة في العالم من ضمنها بريطانيا، وأنه سرعان ما فجرت تلك الفقاعات الاقتصادية، لكن أثرها في انهيار العقار بمناطق أخرى كان بطيئا واستغرق وقتا أطول حتى ظهر.
ومضت إلى أن من سمتهم المطورين الذين شيدوا ناطحات السحاب في دبي كانوا يعلمون أنه من الصعب استغلالها أو ملؤها بالمستأجرين، وأن الخطر الأكبر قد يتمثل في نظرة البنوك العالمية إلى "القلاع شبه الخالية على رمال دبي" بكونها لا تساوي أو تستحق تلك القروض الهائلة، ما ينذر بأن اقتصاد العالم أيضا بات في وضع سيئ، وليس البنوك الغربية وحدها.
من جانبها قالت صحيفة ذي إندبندنت إن ما سمته الحفل المقام بالصحراء قد انتهى منذ أشهر، مضيفة أن الأزمة انفجرت قبل أسبوع من الاحتفالات المزمعة في دولة الإمارات العربية المتحدة بعيد الاستقلال، وافتتاح أطول برج في العالم والبالغ ارتفاعه 818م والذي تم تأجيل افتتاحه إلى يناير/كانون الثاني القادم.
أما الكاتب البريطاني جوهان هاري فقال إن مقولة "دبي واحة الحرية" ما هي سوى كذبة كبيرة، وإن "الدكتاتورية المفلسة أخلاقيا والتي بنيت على استعباد الآخرين سرعان ما أفلست من الجانب المالي".
وأوضح الكاتب في مقال له في الصحيفة أن الباني الحقيقي لعمارات وأبراج دبي هم أولئك العمال الكادحون الذين يتدلون طيلة اليوم من أعلى الأبراج في العالم تحت أشعة شمس ساخنة ملتهبة ينصح الغربيون أن لا يتعرضوا لها لأكثر من عشر دقائق.
http://www.felesteen.ps/?action=showdetail&nid=63270