في هذه القصة يضعنا الكاتب في القص رأسا دون الدخول في تفاصيل جانبية بعيدة عن القص وهذه فضيلة أرجو لكل قاص التحلي بها ( فضيلة الاقتصاد ) أن يعمد الكاتب إلي هدفه دون الاهتمام بتفريعات , ودون التدخل منه لمحاولة الشرح والتفسير ولكن ترك الحرية كاملة للقارئ لكي يري العالم من خلال القصة وتلك فضيلة أخري تجعل العمل الفني لؤلؤة تشع الكثير من الألوان بقدر عدد القراء .
في هذه القصة ومن عنوانها الذي أرده الكاتب بلغة غير عربية ( فريش ) لكي يعطي دلالات متعددة ربما لا تسعفه به لغته العربية - وعلي القارئ أن يلقي نظرة للمدلولات المتعددة للكلمة في أي قاموس لكي يري الغني التي تحمله الكلمة – نجد أن كلمة عربية مثل جديد أو طازج أو لزج ( للدهان ) أو ... إلخ , لا تفي بالغرض لذلك جاءت الدلالات المتعددة للكلمة لكي تضعنا في حالة التباس جميلة , فالدلالات التي يحملها العنوان تتجلي في كل مفاصل القصة وتنساب فيها .
السمة الأسلوبية الغالبة علي السرد هو استعمال الجمل الفعلية وهي تتلاحق بحيث تشد القارئ دوما إلي النص بالإضافة لقصر القصة ووقوعها بين القصة القصيرة والأقصوصة من حيث الحيز , ومن حيث طريقة الاستعمال , عنصر المفارقة – الخصيصة الأساسية في الأقصوصة – يندمج في عنصر العقدة في القصة القصيرة بطريقة جيدة وهذا التداخل بين العنصرين جاء تثبيته عن طريق خلق حالة ( الفانتازيا ) المتمثلة في تلاشي الأشياء بما فيها جسم البطل ذاته , اختلاط البطل مع الراوي – نفس الشخص – يزيد من حالة الالتباس التي تضعنا فيها ( الفانتازيا ) وتظل المفارقة التي خلقتها ( الفانتازيا ) / العقدة بدون حل إلا من توليد الدلالة في ذهن القارئ .
عندما ننظر إلي الشخصيات في القصة نري حالة الالتباس قائمة فنحن لا نعرف علي وجه الدقة من المتصل بالبطل / الراوي . أهي شخصية أخري أم ذات البطل الذي يبحث عن الخروج من حالته القديمة إلي حالة جديدة فيها تتلاشي الذات الأولي ( المشخصة في القصة بالجسد ) لكي تولد مرة أخري في ما لا يثبته الكاتب صراحة ويترك للقارئ تصور ذلك التحول بتصوير عملية تلاشي أشياء عالمه وذاته لكي تتولد عملية خلق جديدة , إذ أن الاختفاء الكلي للجسد لا يعني الفناء لأن ذات الرواي مازالت موجودة تراقب تلاشي جسد البطل وتريده وسوف تولد بعد قليل فيما هو أصفر بالدلالة التي طرحها الكاتب في العمل .
تناسب المشهد المكاني الذي صنعه الكاتب ( طلاء الجدران بلون أصفر ) / ( التجديد ) وما أثبته الكاتب من دلالة للون الأصفر ( مبهج و يثير الدماء في عروقي ) مع عملية التلاشي جيد من حيث الصنعة الفنية وكذلك تسلسل الأحداث جاء منسابا دون أي افتعال.
دائما ما ألوم الكتاب علي عدم تضمين الهم الاجتماعي والسياسي والثقافي - عامة - أعمالهم ولكن هنا كان هذا الهم هو الشاغل رغم عدم تبلوره بشكل محدد في العمل إذ أن عملية تلاشي أشياء العالم وجسد البطل وذاته القديمة هي صرخة في وجه عفن / قديم / فاسد ما يتخلل حياتنا ودعوة من الكاتب للثورة علي ما نحن فيه .
اقتباس:شكرا على الإطراء الجميل.
القصة فيها الكثير وما كتبته لا يفيها حقها .
كوكو