صرّ جون هايدن، الشاب الكندي وأحد منظمي ندوة «ربط النضال ضد الصهيونية والامبريالية» التي تقام ضمن «أسبوع الفصل العنصري الإسرائيلي»، في الجامعة الأميركية في بيروت، على تقديم الضيفين باللغة العربية، ولو خرجت من لسانه ركيكة.
ظل يقلب «ضاد» النضال، الكلمة التي رددها مراراً، إلى «دال» ترافقها ابتسامات الجمهور الحاضر في قاعة «الكولدج هول»، مثنية على إصرار الشاب الذي قال إن «فلسطين تحتل مركزاً أساسياً في حركة التحرر العالمي».
وكأن الشاب أحب تعريب كل شيء بما فيه اسمه، فعندما كان يعرّف عن نفسه أمام حضور الندوة باسم «جون»، كان يستتبع التعريف مباشرة بـ«أو حنّا، إذا كان أسهل في اللفظ بالنسبة إليك!».
والندوة كانت تضمّ في الأصل ثلاثة ضيوف: اللبنانية نهلة الشهال، العراقية هنا إبراهيم، والفلسطيني عامر جبران. غير أن إبراهيم، التي كان من المفترض أن تتكلم عن جدران الفصل في العراق، لم تتمكن من المشاركة بسبب عدم نيلها تأشيرة السفر اللبنانية في الوقت المناسب، على ما أكد المنظمون. فانحصرت الندوة ما بين الشهال، الناشطة والكاتبة، وبين جبران «الناشط الفلسطيني الذي فرضت عليه الولايات المتحدة مغادرة أراضيها بسبب نشاطه السياسي»، بحسب ما عرّف عنه هايدن.
عندما انتقل «الميكروفون» إلى الشهال، قالت للحاضرين: «أنتم تشهدون اليوم معنا لحظة تحول تاريخي هي نتاج العديد من الهزائم، وهي نتاج الصمود والانتصارات». ورأت أن «الوضع العربي منهار، ليس فقط على مستوى الأنظمة، بل وعلى مستوى المجتمعات أيضاً».. قبل أن تضيف: «اليوم، مجمل الهزائم والصمود والانتصارات أدّت إلى أننا نقف أمام إعلان شبه رسمي بأن العملية السلمية وأوسلو انتهيا»، مؤكدة أن كلام ليبرمان «يجب أن يؤخذ على محمل الجد لأنه وزير خارجية إسرائيل».
وشرحت: «العملية السلمية بوصفها افتراضاً عملية تسوية تؤدي إلى نتيجة يمكن تثبيتها انتهت».
وقالت: «عندما التقى عناد تأويل آخر للواقع، وأمكن الحفاظ على رواية أخرى للواقع، بدأ شعور إسرائيل وقوتها العسكرية بأنها مهددة في وجودها من مجموعة منظمات مدنية تقود حملة سحب الاستثمارات»، مؤكدة على «ضرورة مفصلة الأشياء وعدم القبول بتفكيكها»، ولافتة إلى «أننا اليوم في أوروبا بصدد تحمل مسؤولية عدة حملات من بينها مقاطعة، وسحب استثمارات، ومساءلة».
ورأت الشهال أن «كل الحملات مترابطة فيما بينها، ومع نضالات لا علاقة لها بفلسطين. نخاطب الخضر والاشتراكيين والشيوعيين وبعض الليبراليين، ونسألهم أية نوعية حياة تنحازون لها». وأضافت: «نريد أن ندرج الصراع من أجل فلسطين اليوم نحو صراع من أجل عالم آخر».
واعتبرت أنه «ليس من الصدفة أن تجري لحظة التحول التاريخي هذه على نطاق العالم كله وتصطدم بالأنظمة العربية». وضربت مثالاً عن هذه الأنظمة، النموذج المصري، فقالت: «النظام المصري لا يهتم بالصحة والتعليم والنقل»، وأن «هناك مليوناً و400 ألف رجل أمن مركزي في القاهرة وحدها». واستدركت: «هدف النظام أن يقول للدول الغربية أنا أحسن من يخدمكم، اعتمدوني كوكيل محلي»، معتبرة أنه «من المنطقي انحياز الفئات العربية الحاكمة إلى غير مصلحة النضال الفلسطيني».
وركزت الشهال على أهمية مناهضة التفكيك، وحتمية الأفكار والقيم في المعركة، وعالمية المعركة. ورحبت «بكل يهود العالم في منطقتنا على أن يرتضوا بأن يكونوا يهوداً شرقيين»، مؤكدة «أننا لسنا بصدد ارتكاب جريمة كبرى ضد الإنسانية من خلال رميهم في البحر»، وذكرت بأن هناك يهوداً داخل إسرائيل يناهضون الصهيونية.
وعلى سؤال عن المقاومة، أجابت: «المقاومة، بما فيها الإسلامية، هي مقاومة، أعجبتنا أم لم تعجبنا إيديولوجيتها. نحن لا نقف خلف المقاومة. نحن أشكال للمقاومة».
أما جبران، الذي قرأ كلمة مكتوبة، فقال: «لبنان البلد الصغير قادر على أن يكون لاعباً كبيراً في المنطقة، لا سيما من الناحية الفكرية». وسأل الطلاب والجمهور الحاضرين عن مفاتيح المنطقة السياسية والاقتصادية والأمنية، كما سأل: «من يملك مفاتيح الحرب والسلم؟»، فجاء رد أوحد: «الولايات المتحدة الأميركية».
ومن هذه النقطة، انطلق جبران في التحدث عن نشأة الولايات المتحدة، وتاريخها. وروى قصة «التوسع الأوروبي المتوحش». فقال: «اليوم، في قارة أميركا الشمالية، وبعد 600 عام من الاستيطان الأوروبي، بات هناك أقل من 3 ملايين شخص من السكان الأصليين».
وتحدّث عن «قانون ولاية كاليفورنيا للعام 1850» الذي جعل أراضي الهنود أملاكاً للدولة، «ما حوّلهم، هم الذين يعيشون هناك من عدة آلاف من السنين، إلى مقيمين غير شرعيين»، وعن «نظام سلخ فروة الرأس الذي هو ممارسة الرجل الأبيض المفضلة لبث الرعب في نفوس الأصليين».
وخلص: «الكيان الاستيطاني المعروف باسم الولايات المتحدة الأميركية ولد من رحم أوروبا المتوحشة، وعمّد بدم الهنود والزنوج، ومارس الكذب والتضليل وإقامة كيان القانون المصطنع. هناك مقاربة تاريخية بين نشأة هذا الكيان ونشأة الكيان الإسرائيلي». كما تحدث عن «عقيدة الاختيار الإلهي، والخلاص للعالم، وقدرية التوسع اللانهائي، وحق التضحية بالآخر».
وأشار إلى أنه في آخر مئة عام، تمّ إسقاط جمهوريات عارضت أميركا، معدداً الحروب التي شاركت فيها أميركا: «من الحرب الإسبانية، إلى الحربين العالميتين، وحروب هايتي، ويوغسلافيا، وفلسطين، وباكستان، والعراق، وإيران، والعراق مجدداً.. ولا يزال هناك من ينتظر دوره».
ولفت إلى أن أميركا تمتلك اليوم أكثر من 200 قاعدة عسكرية في أكثر من 120 دولة، «عدا عن الأساطيل التي تهدد في البحار، وقد تجلت النزعة الوحشية عندها باستخدام القنابل الذرية والنابالم واليورانيوم المنضب».
وختم: «رسمتُ هذه الصورة لأصل إلى أن أميركا أعظم إمبراطورية شر على جميع الأصعدة»، لافتاً إلى أن مشروعها تعطل على أيدي المقاومات اللبنانية، والفلسطينية، والعراقية، والأفغانية: «عسكرياً أفشلت المقاومة مشروع السيطرة على العراق وأفغانستان، إقتصادياً كانت كلفة الحرب على العراق وأفغانستان من أسباب أزمة أميركا المالية، أما استراتيجــياً فنجحت المقاومة بإفقاد أميركا موقعها كقطب أوحد إذ شجعت الصين وروسيا على التمرد ضدها».

منقول
http://www.assafir.com/Article.aspx?EditionId=1476&ChannelId=34259&ArticleId=425