خسارة كبيرة!
الكاتب: د.رمضان الصباغ
فؤاد زكريايعد المفكر الكبير د.فؤاد زكريا واحدا من المع العلمانين في مصر و العالم العربي و قد خاض مجالات عديدة كانت و مازالت افكاره و اراؤه بمثابة الكشاف الذي يضيء الطريق للكثير من قرائه و تلاميذه . لقد كان فيلسوفا رائدا اتسمت اعماله علي تنوعها و اتساع مجالتها بالدقة و الموضوعية و التملك البارع للمنهج العلمي و الرؤية المستقبلية كما خاض سجالا مع الاراء الرجعية و قوى الظلام متسلحا بالمنهج العلمي و الروح الوطنية التي تضع مصالح السواد الاعظم من الشعب فوق كل اعتبار.
وهو و ان لاقى الكثير من العنت و التجاهل و لم يقدر بما يجب ان يكون عليه التقدير لعالم قدير و مفكر علمي وطني موسوعي يمتلك حدة الذكاء و القدرة علي سبر اغوار الافكار و التنقيب في حفريات الكلمات و يمتلك الجرأة في البوح بنقده و تفنيد افكار من يحاوره او ينتقده من ذوي الحظوة (الكاذبه)لدي الجماهير و من ينافقون السلطة .
و فؤاد زكريا قدم للمكتبة العربية العديد من الاعمال الفلسفية و الفكريةالمؤلفة و المترجمة بالاضافة الي مقالات و دراسات في الصحف و المجلات تتصل بمشاكل فكرية و اجتماعية و نقد السائد في الفكر العربي و الواقع المصري .
و هو في دراساته و كتاباته الفلسفيه يقدم لغه فلسفية رصينة و قدرة فذة علي التحليل و النقد و فهم دقيق للمصطلح الفلسفي و تمللك للمنهج العلمي .
و عندما يخوض في كتاباته في الصحف او المجلات مجالا عاما ، او يتجه الي موضوع جماهيري فاننا نجده لا يتخلي عن منهجه العلمي الرصين مع وضوح في التعبير ، و سهولة في الصياغه تجعل القاريء العادي يفهم مقاصده دون عسر او مشقة .
و من مؤلفات فؤاد زكريا علي سبيل االمثال لا الحصر كتابه عن "اسبينوزا" الذي يعد اهم كتاب بالعربية عن هذا الفيلسوف ، و الذي يعد مرجعا اساسيا لكل دارسيه كذلك دراسته الرصينة عن نظرية المعرفة ، و عن الحضارة في المجتمع الصناعي ، بل و كتابه التفكير العلمي الذي درس فيه باقتدار سمات التفكير العلمي و العقبات التي تعوقه و الذي رأي فيه ان البشرية مازلت بعيدة عن اكتساب التفكير العلمي الذي لازال يقتصر علي مجتمعات معينة و ان كان يتعرض في هذه المجتمعات الي تشوهات عديدة. والعلاقة بين العلم و التكنولوجيا و المشكلات التي تواجه العلم المعاصر و غيرها.
و كذلك في كتابه اراء نقدية في مشكلات الفكر و الثقافة و الذي كان بمثابه مقالات نشرت في مجله (المجلة) و (الفكر المعاصر ) الذي رأس تحريرها و قدم من خلالها رؤية علمية رصينة. و هذه المقالات تشبثك مع الكثير من مشكلاتنا بدءا من مناقشه علاقتنا بثقافه الغرب و الرد علي القائلين بالتعارض بين التراث القومي و الحضارة الغربيه - مرورا بنقد القيم الاجتماعية، و علاقة الفلسفة بالمجتمع و انتهاء بالجدل مع العديد من المفكرين المعاصرين و الاتجاهات المعاصرة من " ياسبرز" الي " سوزان لانجر" و من الوجودية و الماركسية الي البيركامي.
واذا كان فؤاد زكريا قد كتب باقتدار في الفلسفة و خاض بعض مشكلات الفكر و الثقافة باستاذية ، فانه في نفس الوقت هو المجادل الذي لا يشق له غبار في كتابيه " الحقيقة و الوهم في الحركة الاسلامية المعاصرة " و"الصحوة الاسلاميه في ميزان العقل" فقد نحت مصطلح"البترو اسلام" و ناقش افكار الشيخ الشعراوي و مصطفي محمود ، و فند اراؤهما اللاعلمية ، و وضح انهما لا يمتلكان المعرفه بالاتجاهات التي ينقدانها . و كذللك تفنيده لاراء حسن حنفي التي كانت تري ان موجةالمستقبل في بلادنا هي ما يسميه بالاصولية الاسلامية موضحا تناقضات اراء " حنفي" و خطورةالانبهار بجماعة الجهاد التي اغتالت السادات . و فند ايضا تهافت بعض اراء المعارضين التي رأت في الجهاد حليفا نظرا لعداء الجهاد للسادات . لفد كان فؤاد زكريا قارئا جيدا للتاريخ ، و لم يكن مفكرايسكن فى برجه العاجي , بل يتضح من كتاباته انه كان الاقدر في ظل هذا الانبهار الجارف بالتيار الديني - و الذي ادي ببعض الكتاب الي مراجعه افكارهم والوقوع قى اسر الاصولية - علي الوصول الي الحقيقه التي قد تختفي وراء ضباب اللحظات الانفعالية ، و المواقف العاطفية .
و اذا كان فؤاد زكريا في مؤلفاته يمثل علامة فارقة في تاريخ الفكر العربي ، فانه في اختياريته للكتب المترجمة يعد بحق استاذ الاساتذة .فهو حين يترجم يختار امهات الكتب : ( الجمهورية لافلاطون ، و الفن و المجتمع عبر التاريخ ل" هاوزر" و النقد الفتي ل "جيروم ستولينتيز" و الفيلسوف و فن الموسيقي ل "بروتنوي" ) و هذه الاعمال و غيرها مما قام بترجمته تمثل علامات بارزة في تاريخ الترجمة في القرن العشرين .
و اخيرا فان فواد زكريا هو احد متذوقي الموسيقي الكلاسيكيةالعظام و قد كتب عنها بقلم الناقد و روح المتذوق فكان رائدا و معلما .
و بعد ....
لقد اشرت فحسب الي بعض اسهامات و مؤلفات فؤاد زكريا و لعله تتاح فرصة اخري لحصر اعماله و دراستها دراسه مستفيضة
تحية حب وتقدير لاستاذنا ومفكرنا الجليل.
د . رمضان الصباغ
http://alfawanis.com/alfawanis/index.php...&Itemid=28