(03-10-2010, 03:14 AM)بهجت كتب: يا صديقي .
تعلم بالقطبع أني من جيل أسبق ، و ليس هناك كثيرون من جيلي أعضاء في النادي ربما باستثناءات قليلة معظمهم قليل أو نادر المشاركة ، أو حتى متوقف كلية .. الأساتذة و الأحباء .. جمال الصباغ و محمد القداح ونبيل حاجي نائف و قليلون آخرون .
عشت الجزء الأهم من حياتي بين عرب ، سواء في الجامعة أو في أوروبا أو الجزائر أو دبي ، و بالتالي خبرتي العملية تكاد تكون مقصورة على الجيل السابق ، باستثناء مرحلة نادي الفكر ، و هي بالطبع معايشة افتراضية ، فنحن نتخاطب مع معرفات و كلمات لا ترى من أرسلها و لا تتبين ملامحه ، و بالتالي فلا أعتقد أنها تعبر عن واقع فعلي تماما ،و لكن هذا الواقع الإفتراضي لا يسعدني ،ولا يسعدني أيضا ما أقراه و أشاهده في الإعلام . لن أطيل عليك ،و لكن يمكن أن تعتبرني إفرازا ناصريا مهما تباعد فكري الان عن ( الناصريين ) ، جمال عبد الناصر بالنسبة لجيلي مثل نهر النيل قبل ان يتفرع في الدلتا ، منه أتينا بعضنا اتجه يمينا و البعض يسارا ،و حتى الكثيرون الذين ضاعوا في الصحراء المتأسلمة و فقدوا مسارهم ، كلهم أتوا من ذات النهر . العروبة شيء مقدس و عزيز حتى لو تخلينا عن المشروعات السياسية للقومية العربية ، فنحن أسرة واحدة ،و لكن ليس من الضرورة أن نقيم شركة عائلية واحدة ،و يؤلمني أن تختفي هذه الروح مهما كانت الأسباب .
يا صديقي إلى اليوم عندما أسمع النشيد الوطني الجزائري لا أغالب دموعي ، " و عقدنا العزم أن تحيا الجزائر " كلنا عقدنا هذا العزم أن تحيا الجزائر ، فهل يخون الإنسان حلمه و يلعنه من أجل مباراة كرة أو خلاف سياسي مهما كان ، دولة الجزائر كانت حلما للمصريين كلهم ، فهل يسعدني أن يتبادل المصريون و الجزائريون الشتائم و المطاردات في شوارع الخرطوم ؟. لا تصدق أن العروبة كانت مجرد شعارات ، هذه دعايات الأصوليين و الصهاينة و الأمريكيين ، العروبة كانت واقعا يوميا معشا ، و كنا نشعر بالعار أن نكون إقليميين ، كنا نعتقد – وما زلت – أن السياسة لا تعبر عن حقيقة الروح العروبية التي تربطنا جميعا برباط حقيقي ، لقد ارتبطنا بالثورة الفلسطينية و ياسر عرفات ، حتى أن أولادي ظلوا لسنوات طويلة يعتقدون أنه فرد من عائلتنا ، ويوم رحيل عرفات عصرنا نفس الحزن يوم ودعنا عبد الناصر .
أنا حزين لأن هناك جيل جديد فاقد للوعي ، جيل هو ضحية لمؤامرة شريرة كي يفقد هويته و ذاته ، أرادوه جيلآ انعزاليا كافرا بتاريخه ،و النتيجة أن يحصدوا جيلآ متعصبا إرهابيا كافرا بكل التاريخ الإنساني ، جيلا أصوليا وهابيا مشوها ، جيلا هو نتاج علاقة آثمة بين الوهابية السعودية و الإمبريالية الأمريكية و الصهيونية .
يا صديقي أول ما يفعله أصدقاؤنا هنا - و في كل مكان على الشبكة تقريبا -هو توجيه الشتائم للشعوب العربية الأخرى ، و من يفعل ذلك يتجاهل أنه يوجه السباب لعائلته و عزوته و أصوله ، لن أضرب أمثلة ،و يكفي أن يكون العنصريون و صغار النفوس هم أنشط الجميع !.لقد حاولت كثيرا أن أكفر بالعروبة و فشلت ، و يسرني أني فشلت ، حتى لو كانت العروبة فكرة خيالية ، فكل الحقائق الصلبة كانت خيالآ يوما . إني حتى ربما كنت مصريا وطنيا متحمسا ،و لكن لمصر العربية .
إنني لست ناصريا بالمعنى السياسي الدارج ، ليرحل عقلي كما يشاء الفضاء الرحب الواسع الإنساني الجميل ، لأني أعلم أني لن أفقد الطريق طالما بقيت روحي ناصرية عربية .
عزيزي بهجت :
توقفت طويلاً أمام مداخلتك ، وكل مرة كنت أهم فيها بالكتابة يخونني "قلمي" ...
كيف لا والقضية التي طرحتها قضية جيل بأكمله ... فبضع سطور لا تفي حق جيل كافح وناضل بنى وقاتل أصاب وأخطأ نجح وفشل ...
جيل قدم ما يستطيع ولم يتوانى عن التضحية عندما استلزم الأمر ذلك ...
وبعد كل ذلك يأتي الصبية كي يحاكموه ...صبية لم يقاتلوا ....لم يعملوا ...لم يناضلوا .... لم يضحوا من أجل مبدأ واحد في حياتهم ...
لم أعمل عُشر ما عمل والدي في حياته ، وحتى الآن عندما أناقشه أعتقد نفسي أني مصيب ولكن يا للخيبة الثقيلة عندما يحقق الزمن نبوءات والدي ويرفض أن يتجاوب مع نظرياتي ...
من أسهل الأمور محاكمة التاريخ والشخوص والأحداث بأثر رجعي وهواء المكيف الحديث يعدل "أمزجتنا" ...
بينما عندما تدعو الحاجة إلى أن نقدم مثلما قدموا فأول فكرة تخطر على بالنا ( من أجل ماذا ومن أجل من ؟) ..
حرية ديمقراطية قيم إنسانية علمانية حقوق مساواة وإخاء ... إلخ
ألفاظ كثيرة تقرأها عشرات بل ومئات المرات يومياً ، وأول ما يخطر في بالك من هو الكاتب ، ماذا قدم وماذا فعل ليحوز شرف التشدق بهذه الكلمات ..؟
كم من مرة ذكرت وكتبت هذه الكلمات وأنا أقطر خجلاً أمام محدثيني ومن يقرأون كلماتي ... أقول في نفسي هل سيفطن من يسمعني أو يقرأني أن يسأل "وماذا فعلت أنت لكي تحقق القيم التي تعتنقها ..؟" ...
لعمري تلك الكارثة ، سأبدو أمامه ليس أكثر من منظّر وبائع كلام ...؟
ويأتيك بعد كل هذا صبية الحواري (1) لكي ينظّروا عليك وعلى الشعوب بالأخلاق والفكر والعلمانية والوطنية . في الشوارع في الإعلام والفضائيات على صفحات الجرائد وفي الانترنت ... وباعث التنظّير مبارة كرة قدم "فاشلة" ...!!
إلى أبي وآباءكم ومن عاصرهم وأنت منهم أيها العزيز بهجت ... أقول لكم للأسف :
أنتم قاتلتم ونحن لم نقاتل ...
أنتم ناضلتم ونحن لم نناضل ...
أنتم كافحتم ونحن لم نكافح ...
أنتم بنيتم ونحن لم نبني ...
أنتم نجحتم ونحن لم ننجح ...
أنتم فشلتم ونحن لم نفشل ...
أنتم أخطأتم ونحن لم نخطأ ...
أنتم عملتم ونحن لم نعمل شيء سوى التنظّير ...
من لا يعمل لا يخطأ ومن لا يخطأ فهو قديس ، ونحن جيل القديسين بامتياز ....
آسف لأني أزعجتكم .... ولي عودة
الهوامش :
1- كلمة حواري جمع حارة ، كلما حدثت مبارة كرة قدم عربية أعود بالذاكرة إلى أيام الطفولة عندما كنا نلعب في الحارة وننافس الحارات الأخرى وبعد نهاية كل لعبة هناك "علقة" بسبب النصر المؤزر أو الهزيمة النكراء والعار الذي لحق بالحارة وبأولادها ...
بماذا يختلف تفكيرنا اليوم عن صبية الحواري ؟