جامعة القاهرة .... العقبى لك
مروان البرغوثي.. دكتوراه في العلوم السياسية مع مرتبة الشرف الأولى
القاهرة - العرب اليوم - فتحي خطاب
في عام 1999 سجل المناضل الفلسطيني مروان البرغوثي رسالة الدكتوراه في معهد البحوث والدراسات العربية التابع لجامعة الدول العربية, في قسم العلوم السياسية, بإشراف دكتور أحمد يوسف أحمد مدير المعهد وأستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة.. والرسالة تحمل عنوان (الدور التشريعي والرقابي والسياسي للمجلس التشريعي الفلسطيني من 1996 - 2008).. وفي منتصف الشهر الجاري آذار 2010 وبعد المداولة, أعلنت اللجنة توصيتها بمنح الباحث مروان حسيب حسين البرغوثي درجة الدكتوراه في العلوم السياسية مع مرتبة الشرف الأولى.
تتكون الرسالة من نحو 320 صفحة مقسمة إلى ثمانية فصول تبدأ بمقدمات تاريخية عن النظام السياسي الفلسطيني منذ نشأته.. أما باقي الفصول الستة فقد تناولت صلاحيات البرلمان الفلسطيني, والقوانين الصادرة عنه, وأداءه الرقابي, ومواقفه من القضايا الرئيسية (المفاوضات والانتفاضة) ودوره في الحياة السياسية الفلسطينية (وهو فصل تحليلي) وأخيرا برلمان عام ,2006 والسؤال الذي خلص إليه البرغوثي في رسالته هو: هل يمكن إقامة حياة ديمقراطية في ظل الاحتلال ؟ ويرى البرغوثي أن فلسطين تمر بمرحلة انتقالية,تقوم الحركة الوطنية فيها بمهمتين رئيسيتين, الأولى بناء مؤسسات الدولة, والأخرى تحرير الوطن وإنجاز الاستقلال, وهي مرحلة تاريخية نَدَرَ أن تقوم فيها حياة ديمقراطية سليمة, رغم التعددية السياسية التي يتسم بها المجتمع الفلسطيني.. كما لم يمنع انتماء البرغوثي لحركة فتح أن يتساءل : هل يمكن قيام حياة ديمقراطية في ظل وجود قيادة تاريخية تتمتع بشخصية كارزمية مثل الزعيم ياسر عرفات ؟.. وإن كانت الإجابة على هذا السؤال هي بالنفي, خاصة أن جميع دول العالم الثالث افتقرت للديمقراطية بل للتعددية نفسها في ظل حكامها التاريخيين..
السؤال الأهم : كيف ناقش المناضل الأسير أطروحة الدكتوراه من خلف جدران الزنزانة رقم 28 في قسم 3 بسجن هداريم الإسرائيلي (؟)
تقول الدكتورة نيفين مسعد أستاذة العلوم السياسية تسلمت رسالة مروان البرغوثي وأخذت أستعد لقراءتها كعضو في لجنة تقويمه, فتملكني إحساس غريب, فالمؤكد أنني مثل كمثل أي أستاذ جامعي آخر ناقشت العشرات من رسائل الماجستير والدكتوراه, لكن قصة مروان تختلف لأن الشخص نفسه يختلف, وكذلك الظروف, فمروان هو تاريخ من النضال السياسي, ثم إن الظروف تختلف, فمروان الذي اختطف من مخبئه في نيسان 2004 حكم عليه بخمسة مؤبدات وأربعين عاما, ومؤبد إسرائيل كحدود دولتها تماما, بغير تحديد, ولئن كانت بعض المصادر الصهيونية قد كشفت بعد صدور الحكم بالقول إن مروان عليه أن يقضي خمسمئة وأربعين عاما في السجن, فإن هذا يعني أن مؤبد إسرائيل يساوي قرنا كاملا, ولم لا ؟؟ ولكن قبل كل هذا كان علينا تصور الواقع الذي خرجت منه أو بالأحرى سربت منه رسالته, في البدء كان بحكم عزله الانفرادي لا يسمح له بكتاب يقرأه أو أهل يزورونه أو رفاق يلتقيهم, وعندما انتقل مروان إلى العزل الجماعي وآنسه في زنزانته أسيران من قادة الفصائل - عبد الفتاح دوله, ووجيه عون - تبدل الوضع إلى الأفضل, وعرفت أولى دفعات الكتب طريقها إليه, وكانت زوجته المحامية فدوى تنسق مع عائلات الأسرى ليحمل كل منها أربعة كتب إلى مروان وهذا أقصى ما كانت تسمح به إدارة السجن, وكانت تشتغل بصبر على لصق الوثائق التي يطلبها زوجها بين صفحات الكتب كي لا تلفت نظر أحد, حتى إذا تهكم السجان على هؤلاء الأسرى الذين تملكهم فجأة حب القراءة تحسسوا قلوبهم, الآن أود لو أطالع وجه هذا السجان بعد أن أتم مروان رسالته (؟)
وتضيف الدكتورة نيفين مسعد : ثم كان السؤال هو كيف لك أن تناقش أسيرا.. من اللحظة الأولى كانت فكرة النقاش عبر الأقمار الصناعية فكرة مرفوضة فالاتصال قناة للتطبيع, وهذا ليس من مبادئ المعهد, ولا يتفق مع رسالة مروان, الحاجة أم الاختراع والوضع الاستثنائي يلزمه حل استثنائي أيضا, هدتنا فتوى قانونية إلى جواز التقويم في غياب مروان, توجه له الملاحظات ويدونها من ينوب عنه ويحملها إليه لإجراء ما يلزم من تعديل,ثم تعاد إلى اللجنة لإقرارها. ليس مطلوبا الانتظار خمسة قرون ونصف القرن حتى ينتزع هذا المناضل شهادة الدكتوراه, تحركت العجلة, وبدأ الإعداد لاحتفالية المناقشة, الكل يريد أن يقدم يدا, الكل تملكته الحماسة حتى لكأنه يستقبل مروان, الإخوة من فلسطين يتوافدون على القاهرة, وبوسترات مروان تحتل حوائط قاعة المناقشة تذكرنا بأن غيابه كالحضور..
وقد تختلف مع ما يطرحه مروان من شأن إقامة الديمقراطية في ظل الاحتلال أو تتفق, فليس هذا هو المهم, إنها وجهة نظره التي يستميت في الدفاع عنها مؤكدا أن من حق الشعب أن يختار نوابه الذين يرعون مصالحه ويحاسبهم عند الضرورة, قد يكون الاختيار مقيدا, والمصلحة محدودة, والحساب غير ميسور, لكن البديل هو الارتهان لمحبسي الاستبداد مع الاحتلال, وهذا شيء لا يطاق, شخصيا أختلف مع هذا الرأي لأن الاحتلال نقيض الديمقراطية بحكم التعريف, لكن الأهم أن مروان استطاع من زنزانته أن يقلم الغطرسة الإسرائيلية فعجزت رغم كل الحصار عن منع رسالة مروان من أن ترى النور وتبعث الأمل في نفوس أجيال شابة تبحث عن القدوة..لقد رفض البرغوثي أن يتقدم لسلطات السجن بطلب دراسة الدكتوراه في الجامعة العبرية المفتوحة بتل أبيب, أبى أن يبيض وجوه سجانيه عندما يفخرون أنهم لا يمنعون الأسرى من الحق في التعليم ويمهرون شهادته بتوقيعاتهم الكريهة, كان خياره أن يحصل على شهادته من معهد عروبي الاسم والتوجه : معهد البحوث والدراسات العربية بالقاهرة, وتحت إشراف د. أحمد يوسف أحمد, واسم المشرف لا يقل مغزى في أهميته عن اسم المعهد, وما بين عام التسجيل وهذا العام جرت مياه كثيرة من تحت الجسور..
وأثناء مناقشة الرسالة, قام علي الحيساوي عضو حركة فتح بعرض الرسالة نيابة عن البرغوثي, أمام لجنة المناقشة برئاسة الدكتور يحيى الجمل أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة وقد أشاد بموضوعية وجرأة مروان البرغوثي في نقد حركة فتح رغم انه أحد قيادي فتح.. وقال الدكتور علي الجرباوي.
¯ أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت بالضفة الغربية المحتلة وعضو لجنة المناقشة أن قيمة الرسالة العلمية كبيرة, لأنها تأتي من قائد وسياسي فلسطيني مشارك في الحدث من الداخل,كما أن هذا البحث هو نتاج تجربة شخصية جريئة وناقدة.
http://www.malaf.info/?page=show_details&Id=15630&table=pa_documents&CatId=30