قال جورج برنارد شو ذات مرة :
أن يكون المؤمن أسعد من الملحد لا يختلف عن أن السكران أسعد من الصاحي.
ماركس أيضا قال أن الدين أفيون الشعوب. طبعا لو كان كلام ماركس صحيح فمن البديهي أن هذا الأفيون يجعل البشر سعداء و لكن هذا لا يجعله دليلا على وجود إله فعلا او صحة الإيمان به.
بالطبع يجب أن يكون المؤمن أسعد حالا من الملحد ..
المؤمن يصدق أن هناك إله كلي العظمة و القوة و الحكمة يهتم به هو شخصيا. إله عظيم يحبه و يحنو عليه و ينفذ رغباته لو كانت في مصلحته. المؤمن يصدق أنه لن يفنى بالموت بل أنه سيبعث و يقوم ليحاسب على تصرفاته التي يهتم بها هذا الإله و لو كانت عند حسن ظنه فسينعم بجنة رائعة أو ملكوت مبهر.
المؤمن الحقيقي يشعر بالعظمة و الكبرياء بسبب إهتمام هذا الإله, يشعر بالأمان في حياته لأنه سيخلد في نعيم دائم بعد ان يموت لو فقط أطاع بعض الأوامر و النواهي.
المؤمن بهذة الصورة يشعر بالحب و الامان و العظمة و السعادة و كانه قد تعاطى بعض الأفيون.
هكذا كنت أشعر و انا مؤمن : مثل قطة تنام في الشمس, يا له من أفيون جميل هو الإيمان.
لكن لحظة ..
بعد أن بدات أشك في القصص الدينية و الإلهية بدأت أشعر بأعراض الإنسحاب. المشكلة في إدمان المخدرات عموما و الدين خصوصا هو انك لا تستطيع الإستغناء عنه. فقط هناك شيء مختلف بداخلي جعلني أفكر ثم أشك ثم أرفض.
شيء أخذني من دوامة الإدمان رويدا رويدا ..
و الحق أنني كلما بعدت عن فكرة الله كلما شعرت بالتعاسة : لقد كان أفيون الدين يجعلني سعيدا بالفعل.
فجأة لم أعد أشعر بالأمان. أصبحت الحياة هي كل ما أملك : لو مت الآن فجأة و لأي سبب تافه فسافنى تماما و تضيع فرصتي في الحصول على السعادة. صرت خائفا من الغد أحاول أن انتزع من الدنيا كل لذة و كل متعة قبل أن اموت.
لا أريد أن اموت .. أريد أن اعيش على رجاء القيامة, لكن فات الوقت.
بدأت أشعر بالوحشة. كون لا نهائي و انا فيه اقل من ذرة تراب أحيا مؤقتا كأي حيوان آخر. فجأة تعرف ان السماء لا ترعاك او تهتم بك لانه لا احد يسكن في السماء إلا النجوم الصامتة. السماء أصبحت فارغة الآن و الحب الوحيد الذي من الممكن ان أحصل عليه سيكون من بشر فانين مثلي. لم أعد أشعر بالعظمة الآن لأني لم أعد اظن ان الشياطين تتآمر علي لكي تبعدني عن الطريق القويم المؤدي لرضا الله.
فجأة صرت وحيدا في كون موحش لا يهتم ..
صرت أبتعد عن الناس و أكره سذاجتهم و إيمانهم الاعمى فعظم شعوري بالوحدة و الدونية.
صرت اتمنى العودة للإدمان / الإيمان بلا جدوى .. فات الوقت. لقد عرفت الحقيقة الآن و لم يعد تصديق الأساطير الإلهية في متناول يدي. لماذا بحثت عن الحقيقة ؟ لماذا ؟
لماذا تكبرت و ظننت أنني مميز و عظيم و أستطيع أن اتحملها على كتفي.
الحقيقة ثقييييييلة .. ثقيلة : لا اتحملها على كتفي .. لا اتحملها على صدري .. لا اتحملها على قلبي.
حتى عقلي يكاد يجن من هول الحقيقة ..
الآن صرت حرا أستطيع ان أفعل ما يحلو لي بتلك الحرية. لكنني لا أريد الحرية .. أشعر بالخوف منها. بعد أن صرت حرا عرفت أنني جبان و لا أستطيع أن أفعل شيئا بتلك الحرية.
التقوى الزائفة كانت قناع يحول بيني و بين أن اتعرف على حقيقة ذاتي : إنسان جبان و عاجز.
أنا الآن حر بأكثر من أي وقت مضى : لم أعد أخاف الآلهة أو العقاب ..
أنا الآن حر, فماذا فعلت بحريتي ؟ لا شيء ..
ربما كان من الأفضل لو صرت عبدا مرة اخرى أحلم بالحرية و اتخيل الأشياء التي يمكن ان أفعلها لو صرت حرا ..
لكنني الآن حر و جبان .. حر و عاجز.
لماذا بحثت عن الحرية إذا كانت اكبر مني ؟
الآن صرت منبوذا من الناس .. وحيدا و محتقرا لاني كافر. آه لو يعرفون معاناتي.
و في المقابل صرت أكره الناس و أكره المجتمع و أكره حتى أهلي الذين جعلوني مؤمنا قبل ذلك.
لماذا خدعوني ؟
لماذا تآمر المجتمع على كل أفراده ليقنعهم باوهام الأمان و العظمة و المجد و الخلود و الحب و الإهتمام.
مجتمع فاسد ناقص الأهلية يرفض مواجهة الحقيقة و يضع راسه في الرمال مثل النعام.
صرت أحاول التبشير بالإلحاد : بدا لي وقتها أنني أحاول تعليم الناس و إنارتهم و لكن دوافعي كانت أنانية للغاية, أردت بشرا ليأنسوا وحدتي في منطقة العدم تلك المسماه إلحاد. أردت ان أورط الجميع في مشاكلي مع الإيمان بالآلهة و إما أن نحل تلك المشاكل سويا و إ.ما ان نعاني منها سويا.
لماذا أعاني الوحدة لوحدي ؟
لماذا اواجه حقيقتي لوحدي ؟
أريد أن أصرخ و أقول يا ناس أفيقوا من هذا الوهم : كل معتقداتكم أوهام.
لكن الإلحاد طعنة في كبرياء المجتمع لذلك لا احد يقبله بسهولة. لا أحد يترك الإدمان طواعية : الناس محتاجة لان تدخل مصحات نفسية و عقلية و تدفع دفعا لترك إدمان الإيمان.
طبعا لا وجود لتلك المصحات في زمننا الحاضر ..
و ساترك أنا وحيدا أغرق في مشاكلي مع ذاتي و مع وجودي و مع حريتي و حقيقتي ..
صرت أقرا في الوجودية و تعلمت من سارتر ان أتعرف على مشاكلي الوجودية تلك.
و خطوت خطوة على طريق التعافي ..
بعد ذلك تعرفت على الإنترنت و وجدت تجمعات الملحدين الذين يعانون من فساد و تفاهة المجتمع مثلي.
الآن صار لي منبرا لاتكلم منه ..
الآن صار لي لسان ..
ثم بدأت أقرأ عن مذهب الإنسانية :
مذهب رائع .. يدعو للتفاؤل و الأخلاق و إعمال العقل و إتباع المنهج العلمي.
الآن صار لي إيمان من جديد ..
صرت مؤمنا بالإنسان و بالعلم ..
لم أعد اشعر بالضياع أو اللامعنى, أستطيع أن أصنع من حياتي معنى كما قال سارتر.
لقد عرفت أن الإلحاد ضياع و وحشة و لكنه شر لابد منه ..
و لذلك إخترع العقلاء مذهب الإنسانية لكي يكسروا سم الإلحاد و يصنعوا منه دواءا مفيدا.
الآن صار لي دين و صار لي إيمان و صرت اكثر تفاؤلا و تسامحا مع الناس.
صحيح أن الجميع جلادين و لكنهم في نفس الوقت ضحايا ..
صحيح أنني تعرضت لغسيل دماغ و انا صغير إلا أنني نجوت لسبب ما.
بالإلحاد تعرفت على الواقع كما هو فصدمت و بالإنسانية عرفت كيف اتعامل مع هذا الواقع ففرحت.
ربما تنقصني الصحبة ..
و لكن التبشير بالإنسانية أسهل من التبشير بالإلحاد ..
ربما أنا فاني و لكن الآن صار لحياتي معنى.

إذا كان الحديث عن المشاعر .... فساتحدث عن مشاعري ايضا

في حياتي أعمل على ان اكون إنسانا حكيما و من اجل ذلك أحاول الاستفادة من تجارب الاخرين في الحياة ، لدي مدونة صغيرة اسجل فيها الحكم و الاقوال التي تعجبني ....... أحد هذه المقولات " اسوا انواع الكذب ، حين يكذب المرء على نفسه ".
شخصيا اعتبرت نفسي ملحدا في اللحظة التي بدأت أرى انني اكذب على نفسي باستمراري في تصديق الادعاءات الدينية .... رغم اني كنت أتبع مذهبا إسلاميا منفتحا و يحترم العقل نسبيا مقارنة بغيره من المذاهب الإسلامية.
لم أعد استطيع أن احتمل في البداية أن الامر كذبة كنت ابني عليها حياتي كان الامر صعبا جدا ، كنت أبني إيماني على ثوابت كثيرة كنت أسندها لما كنت اراها أدلة علمية أو منطقية أو فلسفية تجيب على شكوكي ، اتضح لاحقا أن هذه الثوابت ليست حقيقية و بدأت تنهار بشكل تدريجي متسارع .... و صرت انظر للامور من زوايا جديدة و قد ساعدني كثيرا في ذلك كتاب The God Delusion لريتشارد دوكنز.

و وصلت للقناعات التالية ...
العلم لا يثبت وجود إله .أو اي Dogma دينية مزعومة و في معظم الاحيان يتناقض مع الادعاءات الدينية.
وجود الإله و إن افترضناه جدلا ... فهو خالق فاشل و بعيد كل البعد عن الكمال و مؤشرات الفشل في هذا الكون العشوائي الميت أكبر بكثير من مؤشرات الحياة النادرة و المهددة دائما في نطاقها الضيق.
وجود الإله و إن افترضناه جدلا ... لا يعني وجود عدالة ( أمر منفصل ) أو يوم للحساب ... فلا يوجد ما يضمن كونه إلها عادل أو رحيما.
وجود الإله و إن افترضناه جدلا .... لا يعني وجود حياة اخرى (امر منفصل) و لا يوجد اي ضمان على تلك الادعاءات عند المؤمنين ....
وجود إله و إن افترضناه جدلا ..... لا يضمن وجود اتصال بيننا و بينه ...
اعتبار الديانات اتصالا بين الله و البشر .... يدل على أن هذا الإله فاشل في توصيل رسالته و الفشل واضح ايضا في تنوع هذه الاديان و انقسامها و تباينها الهائل جدا ...

بعد الانهيار الايديولوجي لم يتوقف البحث عن الحقيقة ، فما زالت هناك أسئلة كبرى كثيرة اتمنى ان اجد لها إجابة تشفي فضولي ، منها ما هي حدود الفرق بين الدماغ Brain و العقل Mind ؟؟ ما قبل ال Big Bang ؟؟ و إلى اين نتجه بعد توسع الكون ؟؟ هل الوجود ازلي ؟؟ ما هي حدود التطور البيولوجي ؟؟ هل البشرية ستزيد نطاقها الحيوي أم ستدمر نفسها تدميرا ذاتيا ؟؟ إلخ من الاسئلة العلمية و الفلسفية ..........

و لكني الان اشعر بسعادة داخلية ... اشعر باني متفق مع نفسي ، كوني ما زلت لا أعرف اجابات الاسئلة الواردة أعلاه أفضل مليون مرة من أن اكذب على نفسي بادعاء امتلاك حقيقة مطلقة أو أن اشهد شهادة زور على ما لم أره أو لا استطيع أدراكه كما يفعل ملايين المسلمين مع الشهادتين أو غيرهم من أتباع الديانات مع مسلماتهم الدوجمائية.

نصيحتي لك أيها الزميل "الإنساني المصري ".... أن تعمل على أن تحقق سعادتك بهذه الحياة القصيرة ...... على الاقل كن راضيا عن نفسك ففي ذلك راحة بال كبيرة و راحة البال لا تقدر بثمن.