[/size]الأخ طريف سردست .
الزملاء الكرام .
الفكرة التي طرحها الأخ طريف واضحة للغاية ، كما أنه أعاد توضيحها بأكثر من مثال ، لهذا أعجب من عدم استيعاب البعض لها . محور فكرة الأخ طريف تقوم -كما فهمت- على أن انفعال المسلمين الزائد بأي نقد يوجه للنبي محمد ، يعني ضمنيا أن المسلمين غير مقتنعين -لا شعوريا - بسمو محمد ،و بالتالي فردود أفعالهم المبالغ فيها هي الإهانة الحقيقية ، فبدونها لن تكون هناك إهانة . هنا يمكننا أن نتفق مع الفكرة أو نختلف معها ، أو حتى نتوقف عن مناقشتها كلية ، فقط على أن يكون ذلك في إطار القضية المطروحة ، و لكن البعض يحلو له التعليق بقدر المادة " الجاهزة " المتوفرة لديه ، و ليس وفقا للموضوع المطروح ، و هذا أسلوب شائع في منتديات الإسلاميين بشكل خاص ، وهي مواقع من المفيد زيارتها ، فلا يمكنك معرفة الأمراض بغير رؤيتها تحت المجهر .
هناك عدم دقة أحيانا في ذكر الوقائع ، فقضية روجيه جارودي قضية شهيرة ، و سبق أن أصدر هو كتابا عنها بعنوان " محاكمة الصهيونية الإسرائيلية " ترجمة محمد هشام من إصدارات " دار الشروق " القاهرة ، و لهذا لست أدري كيف لم يهتم الزميل المشارك الذي تحدث عن سجن جارودي بتدقيق المعلومة . بالطبع تم محاكمة روجيه جارودي و إدانته بجريمة " سخيفة و مفتعلة " هي إنكار الهولوكوست ،و لكن الحكم كان بالغرامة و لم يسجن ( أتمنى ألا يثير أحد قانون فابيوس الذي حوكم جارودي بسببه ، فقد قتلناه نقدا ) ، أما عن (انعدام) الحرية في فرنسا ، فليتنا ننعم بربع تلك الحرية ( المنعدمة ) .
بخصوص قضايا الإساءة للنبي و للإسلام ، و طالما تناولناها الآن ، فلدي بعض الأفكار التي أتمنى أن يتسع لها صدركم و خاصة الأخ طريف ، لأن لي وجهة نظر مختلفة حول ردود فعل المسلمين ، رغم أني أيضا أرفضها و أراها تسيء للنبي و للإسلام بأكثر كثيرا من الأعمال الفنية أو الأدبية التي أثارتها ، إنني لا أطالب بقبول الرؤية الغربية التي أوضحتها في مداخلة سابقة ، و لكني فقط أفسر الظاهرة كما أراها ، أي أني أراها نتيجة ثقافة متزمتة منغلقة ، و ليس لأنها تثير إحساسا دفينا بدونية النبي .
1. ( إن الأزمة هي في تهافت النخب العربية ).. تلك النخب لا تجيد سوى التنصل من واجبها القيادي و تعيد تصدير المشاكل و الأزمات للشعوب الفقيرة البائسة بعد أن تعبئة تلك الشعوب لصالحها هي فقط ، فهي تتخلى عن دورها في إدارة الأزمات ، لأنها تعرف أنها غير قادرة على ذلك .
2. هناك 1300 مليون مسلم منتشرون في كل أنحاء العالم و بالتالي من المتوقع وجود عشرات الإحتكاكات يوميا بين المسلمين و غيرهم ، هذه المشكلات محلية و يجب أن تظل كذلك و يتم معالجتها وفقا للقوانين المحلية ولا تتجاوز ذلك إلى معالجات مركزية تعقد المشاكل ولا تحلها ، فلا يعقل أنه كلما "ضرط" مسيحي في وجه مسلم طالبنا البابا بالإعتذار .
3. يمكن أن نصف العقد الأخير بأنه عقد التشهير بالإسلام و المسلمين ، ليس في الغرب فقط بل في العالم كله تقريبا ،وهذا طبيعي و متوقع في ضوء تدني الأداء الحضاري للمسلمين بشكل لا تعرفه الحضارة المعاصرة و لا تفهمه ، لهذا فإني دائما أتوقع المشكلة و التصادم مع كل قضية تافهة مثل الرسومات الدانيماركية أو الحجاب و النقاب .
4. نعم للمسلمين الحق في الغضب و أن يعبروا عن غضبهم ، و أن يطالبوا العالم باحترام مشاعرهم ، فحتى المفكر الذي يرفض تقديس الدين كفكرة ، هو نفسه السياسي الذي يرفض تحقير نفس الدين كسياسة ، ولكن الحق لا يبرر سوء استخدامه ، إن ما يدهشني هو ذلك الإحساس بالدونية و الهمجية التي نتعامل بها مع خصومنا و أعدائنا بل و أصدقائنا بدون أدنى مبرر . إن الإسلام ليس دينا منعزلا طارئا بل هو أحد المكونات الرئيسية للتاريخ الإنساني ،وهو أيضا شريك هام في حاضر البشرية و مستقبلها ،و النبي محمد لم يعد شيخا بدويا بسيطا ، و لكنه و قد أعيد انتاجه مرارا – كالمسيح و بوذا – أصبح مؤسسة دينية كاملة تمتد لأكثر من 1400 عام متصلة ،و يجلها 1200 مليون من البشر .
5. هناك رسومات مشابهة نشرت في مجلات متنوعة منذ فترات طويلة و في كل مكان تقريبا ..... كل ما في الأمر أن من فجر هذه الأزمة لم يعرف بها سوى متأخرا ومن مصدر واحد ، أي أن الأمر كله ترك للمصادفة و بشكل انتقائي . كانت النتيجة ردود فعل غاضبة للغاية موجهة ضد هدف خاطئ و بما يفوق طبيعة الحدث.
6. لا أطالب أن نترفع عن الرد و لكن علينا أن نكون من الذكاء و الحنكة بحيث نوظف كل حدث لصالحنا كما لو كان من تدبيرنا، يمكننا حتى استخدام شركات دعاية أمريكية أو أوروبية في هذا المجال ، ..... يمكننا توكيل شركات محاماة كبرى من أجل مقاضاة الصحف التي تتهكم على الإسلام بل وحتى مقاضاة الحكومات نفسها وفي دولها أو أمام الاتحاد الأوروبي ، يمكننا أن ندير حملات فعالة من أجل سن قوانين لحماية الأديان و رموزها في الدول الأوروبية ، وحتى لو لم تنجح فسيكون لدينا فرصا ذهبية كي نشن حملات دعائية قوية لتحسين صورتنا ، و كشف زيف الدعايات المضادة.
7. علينا دائما أن نضع المشاكل و المواقف في حجمها الصحيح دون إفراط و لا تفريط . و التوقف عن توسيع الخلافات المحدودة إلى عداوات شاملة ،سواء في حياتنا الشخصية أو العامة .
8. آن لنا التوقف عن تحقير عقائد الآخرين ، خاصة لو كانوا شركائنا في الوطن من مسيحيين و شيعة و دروز و ... علينا أن نعلم أن المسيحيين و الشيعة وغيرهم يألمون لتحقير دينهم و مذاهبهم كما نألم و ربما أكثر لأنهم لا يتوقعون منا العداء الذي نتوقعه من الأوروبي و الأمريكي .
9. علينا أن نتأكد أنه لو نظرنا للآخر كعدو -حتى لو كنا مترددين - فسيتحول إلى عدو حقيقي ،و يجب ألا نصدم لذلك .
10. هناك بالفعل حاجة متزايدة إلى أن نستمع للعقلاء ، و ندعوهم كي يعلموننا وأن نعرف قدرنا جيدا فلا ندعي شيئا لا نملكه ، إن للحكمة أصحابها و مظانها فليت من لا يملكها التوقف عن ادعائها .
11. علينا أن ننظر باحتقار والأهم بعمق لهؤلاء الذين يوظفون ما حدث لصالح أجندتهم الخاصة ، والتي لا تسمو كثيرا عن محاولة صرف الأنظار عن الجرائم التي يرتكبونها بحق شعوبهم و الشعوب المجاورة ، أو زيادة قوتهم الانتخابية أو مكانتهم الدينية و السياسية .
يا سادتي .. ما أطالب به ليس غريبا فهذا ما يفعله عقلاء المسلمين في العالم كله ،وهذا تحديدا ما فعله المسلمون في الولايات المتحدة ،وما يطالب به مفكرون و مرجعيات إسلامية هامة مثل جارودي نفسه . إن التصرف كالرعاع و الهمج لا يليق بأصحاب حضارة تاريخية كبرى كالمسلمين .
............................................
يبقى أن أعرب عن اعتذاري لو جائت مداخلتي طويلة ،أو أنها امتدت في هذا الإتجاه او ذاك ، فقط عذري أني أحببت ان أقدم فكرتي كاملة ،
يبقى أيضا أني أتفق مع الأخ طريف كلية أن ردود الأفعال الهمجية ، هي التي تلحق أبلغ إهانة بالإسلام و نبيه .