ورطة الحضانة
قبل سبعة أشهر تقريبا كتبتُ مقالا قلت فيه إنني شاهدت في إحدى الدول الفقيرة أطفالا يلعبون في مستنقعات راكدة ومجار نتنة وأحياء ملوثة ومواقع لجمع النفايات والزبالة .. واعترفت حينها أننا حين نشاهد مناظر كهذه نتساءل تلقائيا عن سر المناعة التي يتمتعون بها وأسباب بقائهم على قيد الحياة حتى "الآن" ..
وحاولت حينها استجلاء السبب وافترضت أن الأطفال الفقراء الذين نراهم في المواقع الموبوءة هم ببساطة "الصفوة" أو "النخبة" التي أتيح لها البقاء على قيد الحياة من بين أشقاء ضعفاء ماتوا مبكرا .. ففي المجتمعات الفقيرة قد تلد الأم خمسة عشر طفلا يموت ثلاثة أرباعهم (في سن مبكرة) فلا يبقى في النهاية غير قلة تتمتع بمناعة قوية ومقاومة للأمراض المستوطنة ..
وكان هذا هو الوضع حتى وقت قريب (زمن جدتي وجدتك) حيث يموت من المواليد الجدد أكثر بكثير ممن تكتب لهم الحياة ... ومن تكتب له الحياة ويتجاوز "عنق الزجاجة" يكون قد امتلك مناعة مضاعفة وصحة دائمة تتيح له الحياة حتى سن متقدمة ...
غير ان تطور الطب وتوفر الرعاية الصحية لعبا دورا عظيما ليس فقط في الحد من وفيات الأطفال بل والمحافظة على حياة المواليد والخدج وناقصي النمو ..
والمعضلة الأخلاقية هي ان الرعاية الصحية (التي لعبت دورا ايجابيا في إحياء الاطفال) ساهمت ايضا في الحفاظ على حياة المتخلفين وناقصي النمو وقليلي المناعة واصحاب البنية الضعيفة .. ففي الماضي (حين كانت المرأة تلد درزينة اطفال) كان مبدأ "البقاء للاقوى" يطبق بكل حزم ووضوح وبدون تدخل الانسان؛ فقد كانت الجراثيم والامراض وسوء التغذية تعمل بمثابة "فلتر" يقتل الاجساد المريضة والناقصة ويبقي على اصحاب المناعة القوية والأجسام السليمة... اما اليوم فساهم الطب في احياء العليل والناقص والمتخلف فحدث انفجار سكاني رافقه ايضا انفجار في نسبة الضعفاء والمرضى والمتخلفين عقليا!!
ولم يكتف الطب بالحفاظ على حياة الضعفاء والخدج ؛ بل ورفع من امكانية بقائهم لعمر أطول مما ضاعف أعداد المعاقين والمتخلفين عقليا . وهذه الحقيقة المحرجة (واقول محرجة لأنه لايمكن فعل غير ذلك) تم التأكد منها في السنوات القليلة الماضية حيث اتضح ان نسبة التخلف العقلي بين الأطفال الخدج تتجاوز ال 20% مقارنة ب2% هي المعدل الطبيعي.
وكانت جامعة كليفلاند قد اجرت دراسة على الاطفال الخدج المولودين في اوهايو بين عامي 1982 و 1996 فاتضح ان نسب الاعاقة الذهنية والبدنية بينهم مرتفعة بشكل مفجع ؛ فبالإضافة للنسب المرتفعة للعمى والشلل وضعف البنية اتضح ان مستوى ذكاء المبسترين لايتجاوز 85% من متوسط الذكاء الطبيعي وهذه نسبة خطيرة متى ماعرفنا ان 95% من الناس العاديين يتجاوزون هذا المستوى !!
ومثل هذه النتائج دعت لوضع معايير أخلاقية ومهنية جديدة تحدد خيارات التعامل مع المواليد (الخدج على وجه الخصوص) ؛ فقبل ثلاثين عاما كانت المعايير تختلف بين دولة وأخرى بل وبين طبيب وآخر قبل أن تضع منظمة الصحة العالمية معيارا مفاده : ان من يولد قبل الاسبوع الرابع والعشرين او لايتجاوز وزنه الخمسمائة جرام ليس من الضروري محاولة انقاذه (ويعتبر إسلاب) . ولكن في دول متقدمة كبريطانيا وسنغافورة وألمانيا تم تجاوز هذه المعايير وأصبح من المعتاد التعامل مع خدج لم يتجاوزوا اسبوعهم الثاني والعشرين وأوزان تنخفض الى 400 جرام (أي أقل بثلاث مرات من الدجاجة التي تشتريها من البقالة) !
.. السؤال هو : أي الخيارات ستختار لو كنت الطبيب ، وأيها ستختار لو كنت والد الطفل ؟
فلو كنت الأب وعاش طفلك الخديج معاقا فعلى من سترمي اللوم!؟
ولو كنت الطبيب هل ستنام مرتاح الضمير لتجاهلك طفلا ولد في اسبوعه الثالث والعشرين ، وليس الرابع والعشرين ، كما قالت منظمة الصحة العالمية !!؟
.... لا وضعني الله وإياكم في أي من الموقفين ...
http://www.alriyadh.com/2010/05/02/article521864.html
التعليقــــــات////
طبعاً بنقذ طفلي هذا واجبي كأم ومسئولة قدام ربي لو اخترت له الموت
ياما اطفال ذوي احتياجات خاصة كانوا سبب في اعادة السعادة لبيوت هجرتها الضحكة من زمان
ثانيا هذا قضاء الله وقدره اللي اختاره لي وبحاول اسعد هالطفل قد مااقدر
اما لوكنت مكان الطبيب مستحيل قلبي يطاوعني اترك شخص يموت قدامي وانا اقدر اساعده
moon (زائر)
UP 7 DOWN
ابلغ عن هذه المشاركة
03:00 صباحاً 2010/05/02
2
فعلا هذه القضية تعتبر معضلة صعبة
مقالك اليوم ذكرني بتعليق العضو(كل الأسامي موجودة) البارحة حين اعتبر وجود البعوض وقتلهم 3مليون انسان يساعد في التوازن البيئي(وهي قد تكون وجهة نظر)!!
بداية المقال كأنه جزء من افكار النازية الهتلرية
لكن الحقيقة فعلا محيرة , ولااعتقد ان هناك أم أو أب يرضون بالتخلي عن طفلهم لمجرد انه ولد خديجا(فهم سيتعلقون الأمل على احتماليةان طفلهم قد يكون من الناجين)
اللهم لاتضعنا في موقف كهذا
وهذا الموقف يشبه مايحدث من اطالة عمر بعض المسنين باستخدام الأجهزة رغم انهم لايشعرو
خلود 99
UP 1 DOWN
ابلغ عن هذه المشاركة
03:02 صباحاً 2010/05/02
3
آمين يا ابو حسام.
لا فض فوووك.
تقبل شكري واحترامي.
مقادير (زائر)
UP 1 DOWN
ابلغ عن هذه المشاركة
03:38 صباحاً 2010/05/02
4
آميين
حاميها
UP 0 DOWN
ابلغ عن هذه المشاركة
03:40 صباحاً 2010/05/02
5
اشهد بلله إن هتلر حكيم.. حسب ماقريت عنه إنه كان يعمل على إبادة المعاقين الذين لا يملكون الذكاء والإرادة على الحياة وكان مبرره لذالك بأنه يريحهم ويريح المجتمع ويكون شعب يمتلك البنية السليمة والإرادة
كما كان سبب قتله لليهود بأنه ينفذ إرادة الرب لإبادة المجرمين
قسم بلله مهو بسيط هالنازي
سعود بيه (زائر)
UP -4 DOWN
ابلغ عن هذه المشاركة
03:43 صباحاً 2010/05/02
6
اخي فهد لو املك مثل عقلك لما تركت المجالس ساعه للتباهي به
شكرا لك من اعماق قلبي
محمد (زائر)
UP -7 DOWN
ابلغ عن هذه المشاركة
03:58 صباحاً 2010/05/02
7
آآآمين يارب العالمين..!!
وكل شيء بإراده الله.. الله ارحم بهالطفل حتى من ابوه وامه..
الله يرحمنا برحمته !
Atheer
UP 3 DOWN
ابلغ عن هذه المشاركة
04:00 صباحاً 2010/05/02
8
امين يارب --
مهما كانت الظروف ومهما كانت الصعوبات الامل في الله كبير ويعمل الشخص المستحيل والاعمار بيد الله --
Abdulrhman A F
UP 3 DOWN
ابلغ عن هذه المشاركة
04:01 صباحاً 2010/05/02
9
امين
laug (زائر)
UP 0 DOWN
ابلغ عن هذه المشاركة
04:04 صباحاً 2010/05/02
10
أشكرك أستاذي الكريم على هذا المقال
ولايسعني الا أن استشهد بالآيه الكريمه
(وماأوتيتم من العلم إلا قليلا) ألآيه
من رأيي الأب اللي يرزق بمولود معاق ماله الا أن يصبر ويحتسب ويعلم بأنه مكتوب وأبتلاء من الله ولا ينسى بأن الله أذا احب أنسان ابتلاه
وانا من وجهت نظري أن مهنة الطب يلزمها الظمير الحي والمسؤل وهو الأساس للطبيب الواعي والناجح. واتمنى من الله أن يرزقنا بالذريه الصالحه. دمت سالماً أستاذي
عاقل في وقت مجنون
UP 1 DOWN
ابلغ عن هذه المشاركة
04:06 صباحاً 2010/05/02
11
اوافقك الراي بان الاولاد الذين يلعبون في بيئة غير صحية قد اكتسبوا مناعة
لكن لو كنت طبيبا لا اعتقد باني يحق لي سلب حياة مولود لاني استطبع التنبوء بمستقبلة كما اني لم اهبة الروح كي آخذها
ثم قد يرى الطب في المستقبل فوائد من المرضى والمعاقين من خلال اخذ اعضائهم بعدالوفاة والاستفادة منها !!!
بيدق (زائر)
UP 0 DOWN
ابلغ عن هذه المشاركة
04:21 صباحاً 2010/05/02
12
اعجبني سردك للمساله المعضله والخيار الصعب...لا وضعني واياك وجميع المسلمين بين اي م الخيارات الانفة الذكر وسلمت يمينك استاذي الفاضل على الطرح الجميل..
المتفائلة (زائر)
UP 0 DOWN
ابلغ عن هذه المشاركة
04:26 صباحاً 2010/05/02
13
( ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقهم وإياكم ) صدق الله العظيم
عبدالرحمن الحربي (زائر)
UP 1 DOWN
ابلغ عن هذه المشاركة
04:26 صباحاً 2010/05/02
14
وأحلى نومة بعد, حرام يعيش بإعاقة تمنعه من العيش طبيعي, و في نفس راح يكون شخص غير منتج و فعال في المجتمع او في احسن الاحوال انتاج قليل مقارنة بالطبيعيين,, و ياليت تلخص لنا فيلم ذا هيومن فوت-برينت, و تقولنا عن حجم طبعة قدمك من خلال ماي فوت برينت.
Demon999 (زائر)
UP 0 DOWN
ابلغ عن هذه المشاركة
04:26 صباحاً 2010/05/02
15
البشريه تزيد+المستشفيات تزيد=الوظائف تنعدم؟؟
هذا عندنا
ممرض عاطل (زائر)
UP 0 DOWN
ابلغ عن هذه المشاركة
04:46 صباحاً 2010/05/02
16
كأنك تشير من بعيد إلى الاصطفاء الطبيعي الذي جعله داروين - تقدست روحه - أحد الأسس الجوهرية في نظريته الخالدة والمعروفة بنظرية النشوء والتطور والارتقاء والاصطفاء الطبيعي.
شكراً
دارويني سعودي ربوبي (زائر)
UP -13 DOWN ابلغ عن هذه المشاركة
04:51 صباحاً 2010/05/02
17
مبدع
اتوقع صعبه على الطبيب يسآهم في عدم انقآذ الطفل
واتوقع بيظن نفسه قتله!!
بس ما ننسى ان ممكن بعد 10 سنوات اذا كبر الطفل بتصير مشآكل في البيت
خآصه اذا الاسره دخلها يسير
Abdullah Alsagabi
UP 2 DOWN
ابلغ عن هذه المشاركة
04:56 صباحاً 2010/05/02
18
اللهم لك الحمد والشكر.
أسأل الله العلي العظيم ان يمدنا واهلنا واولادونا بالصحة والعافيه وجميع المسلمين.
المهندس بندر بن فهد
UP 1 DOWN
ابلغ عن هذه المشاركة
05:22 صباحاً 2010/05/02
19
اللهم آمين يا رب،، ما عليش لا قدر الله لن يرمى اللوم على احد فتلك مشيئة الله ان يبتلى ولد الطفل بطفل متخلف و يبقى الاحسان له و معاملته مثل معاملة بقية اطفاله هو من سيحدد مدى انسانية هذا الأب و تحضره الفكري فمهما كان الانسان مأجور على اي مصيبة
أماني بنت محمد (زائر)
UP 2 DOWN
ابلغ عن هذه المشاركة
05:24 صباحاً 2010/05/02
20
فيها اصحاء اخطر على البشرية من هؤلاء المتخلفين والانسان يؤجر على رعاية مثل هؤلاء